الموضوع: رب
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 11:19 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "الراء"
اعلم أن "الراء" لم تجئ مفردةً في كلام العرب إلا في صيغة الكلمة شاذًا للمبالغة، قالوا: سبط الشعر وسبطر، ولا يقاس على ذلك.
وإنما جاءت مركبة مع
"الباء" مشددة.

[باب] "رب"
وهي حرف يكون لتقليل الشيء في نفسه ويكون لتقليل النظير، فالتي لتقليل الشيء في نفسه [نحو] قول الشاعر:
ألا رب مولدٍ وليس له أبٌ ..... وذي ولدٍ لم يلده أبوان

وذي شامةٍ سوداء في حر وجهه ..... مجللة لا تنقضي لأوان
فالمولود الذي ليس له أبٌ عيسى عليه السلام، وذو الولد الذي لم يلده أبوان هو آدم عليه السلام، وذو الشامة السوداء في حر وجهه هو البدر، وشامة الأرنب في وسطه، وتسمى الكلفة والكلف، ولذلك قال المعري:
وما كلفةُ البدر المنير قديمةً ..... ولكنها في وجهه أثر اللطم
فهذه الثلاثة ليس لها نظير في الوجود.
وأما التي لتقليل النظير فهي الكثيرة الاستعمال، ومنها قول الشاعر:
فإن أمس مكرومًا فيا رب قينةٍ ..... منعمةٍ أعملتها بكران
والمعنى أن كثيرًا من هذه القينات كان لي، وقل مثلها لغير. فاطلاقُ النحويين على "رُب" أنها تقليل إنما يعنون النظير الذي هو الغالب فيها.
ثم اعلم أن لها أحكامًا تختص بها:
منها: أنها إذا دخلت على ظاهرٍ فلا يكون بعدها إلا نكرةً أبدًا، نحو: «
"رب" رجلٍ لقيت» لأن التقليل والتكثير لا يكونان إلا في النكرات، ولذلك يُحكم على ما بعد "كم" بالتنكير، فإن جاء بعدها ما يوهم التعريف فليس معرفة، كقوله:
يا رُب مثلك في النساء غريزةً ..... بيضاء قد متعتها بطلاق
وقول الآخر في "كم".
.... .... .... .... ..... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
فإن «مثل» في الموضعين نكرةٌ، وإن كان مضافًا إلى المعرفة، لأنه لم يتعرف بما يضاف إليه من المعارف في الغالب، لأنه وأمثاله من «شبه» و«نحو» ونحوهما يعطي العموم فهو في معنى النكرة.
فإن دخلت
"رب" على مضمرٍ فلا يكون إلا مفسرًا بنكرةٍ منصوبةٍ نحو: «"ربه" رجلًا»، وهذا الضمير نكرة أبدًا بدليل تفسيره بالنكرة، ولا التفات فيه لكونه مضمرًا، إذ من المضمرات ما يعود على نكرةٍ، ومنها ما يعود على معرفة، إلا أن ما عاد على نكرةٍ نحو: رأيت رجلًا فكلمته فتعريفه إنما هو بالعودة خاصة لا بالعلم، فمن أطلق عليه معرفةً فهذا المعنى أطلق فأعرفه.
ولا يُثني هذا الضمير ولا يؤنث، بل يبنى على صورة المذكر المفرد، وما كان من تذكير أو تأنيث أو تثنية أو جمع ففي التفسير بعده، وحكى الفراء التأنيث والجمع والتثنية فيه، وذلك قياسٌ على باب
"نعم"، وهو شاذ فيه، وكذلك الحكم فيما عُطف من الأسماء المضافة إلى ضمير النكرة الداخلة عليه "رب" في التنكير، نحو: "رب" رجل وأخيه لقيتما، ومن كلامهم: «"رب" شاةٍ وسخلتها بدرهم».
ومنها: أن لها أبدًا صدر الكلام، نحو:
"رب" رجل لقيته، وإنما ذلك لأنها نقيضة "كم" الخبرية في التكثير، وإنما لزمت "كم" الخبرية الصدر لأنها تشبه الاستفهامية في اللفظ، فتقول: "كم" رجلٍ ضربت، كما تقول في الاستفهامية:"كم" رجلًا ضربت، ولما ناقضت "كم" الخبرية "رب" فبنيت لأنها للتقليل وهي للتكثير جُعلت "رب" مثلها في لزوم الصدر، والعرب تحمل الشيء على النقيض كما تحمله على النظير، كحملهم "لا" النافية للجنس في نصبها بعدها على "إن" التي للتوكيد في نصب ما بعدها وهي نقيضتها كما ترى، فهذا في النقض، وفي النظير حملهم "كم" الخبرية على الاستفهامية في لزوم الصدر، و"عن" الاسمية على "عن" الحرفية في لزوم البناء، وهذا باب ذكره ابن جني في كتاب «الخصائص»، فأغنى عن تطويل الكلام فيه.
ومنها: أنه يجوز حذفها لدلالة معمولها اللازم للخفض والتنكير عليها كقوله:
رسم دارٍ وقفتُ في طلله ..... كدتُ أقضي الحياة من جلله
وأما ما ذكره بعضهم من أنها إذا حذفت عُوض منها "الواو" و"الفاء" على ما يذكر في بابهما فليس كذلك، وإنما "الواو" و"الفاء" قبلها حرف ابتداء بدليل حذفها دونهما، وبدليل دخول "بل" على معمولها كقوله:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
وقد تقدم ذكر هذا في باب "بل".
ومنها: أن
"تاء" التأنيث تدخل عليها مفتوحة كـ "لات" فتقول: "ربتما" يقوم زيدٌ، قال الشاعر:
[أقرَّةُ] رَبَّتَما ليلةٍ ..... غبقتك فيها صريح اللبن
ومنها: أن فيها لغاتٍ: ضمُّ "الراء" وتشديد "الباء" فتقول: "رُبّ" وهو الكثير فيها، و"رَبّ" بفتح "الراء" وتشديد "الباء"، و"رُبَ" بضم "الراء" وتخفيف "الباء"، وقرئ قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، بضم "الراء" وتشديد "الباء" وتخفيفها، و"رب" بفتح "الراء" وتخفيف "الباء"، وعليها قول الشاعر:
أزهير إن يشب القذال فإنه ..... رب هيضل مرسٍ لففت بهيضل
و "رُبُ" بضم "الراء" و"الباء" وتخفيفها، و"رُبْ" بضم "الراء" وإسكان "الباء".
ومنها: أن الفعل الذي بعد معمولها إذا كان مضارعًا فهو [في] معنى الماضي، نحو: «
"رب" رجلٍ يقوم» بمعنى قام.
ومنها: أنه يجوز أن يحذف هذا الفعل بعدها لدلالة السياق عليه، لأنها جوابٌ لكلامٍ قبلها أو في تقديره، فتقول: «
"رب" رجلٍ» تريد: قام، إذا دل الدليلُ.
ومنها: أن الأكثر في معمولها أن يكون موصوفًا عوضًا من الفعل الذي يحذف، نحو «
"رب" رجل صالحٍ»، والمعنى: قام، إذا دل عليه الدليلُ، ومنه قول الشاعر:
ألا رب يومٍ لك منهن صالحٍ ..... .... .... .... ....
المعنى: شهدته أو حضرتُه أو نحوهما.
ومنها: أنها تدخل عليها
"ما" على ثلاثة أوجهٍ:
إما أن تكفها عن العمل في النكرة فيرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، والمبتدأ معرفةٌ وهو قليلٌ كقول الشاعر:
ربما الطاعن الموبل فيهم ..... وعناجيح بينهن المهارُ
وإما أن توطئها للدخول على الفعل، فتقول: "ربما" يقوم زيدٌ، ويكونُ الفعل المضارع إذ ذاك في معنى الماضي، والمعنى "ربما" قام، فأما قوله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}، وذلك يوم القيامة، فلأن المحقق وقوعه مثل الواقع، ولذلك قال الله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} يعني الساعة.
وأما قول الشاعر:
فإن أهلك فرب فتى سيبكي ..... علي مخضبٍ رخص البنان
فأدخل "رب" على معمول الفعل بعده وهو إضمارُ القول، كأنه قال: أقول فيه: سيبكي، والقول كثيرًا ما يُحذف في أثناء الكلام، كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [أَكَفَرْتُمْ]}، أي: فيقال لهم: أكفرتم، وهو في القرآن كثير.
وإما زائدةٌ دخولها كخروجها فتبقى داخلةً على النكرة كما كانت، كقول الشاعر:
ربما ضربةٍ بسيفٍ صقيلٍ ..... بين بُصرى وطعنةٍ نجلاء
وهو قليلٌ). [رصف المباني: 188 - 194]


رد مع اقتباس