الموضوع: السين
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ذو الحجة 1438هـ/12-09-2017م, 12:22 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "السين"
باب "السين" المفردة

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "السين" اعلم أن "السين" أتت في كلام العرب مفردة ومركبة مع غيرها من الحروف.
باب "السين" المفردة
اعلم أن "السين" تنقسم قسمين: قسمٌ تكون في بنية الكلمة، وقسم لا تكون في بنيتها، فالقسم الذي تكون [في] بنية الكلمة لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون ثانيةً في الفعل أو ما تصرف منه، إما لطلب الشيء، نحو: استجديته استجداءً فأنا مستجدٍ، أي: طلبتُ جداه وإما لاستعماله نحو: استقضيته، أي: استعملته في القضاء، [و] إما عوضًا من حركة عين الفعل وما تصرف منه، نحو: أستطاع يستطيع إسطاعة فهو مستطيع ومسطاع، ومنه قول الشاعر:
وفيك إذا لاقيتنا عجرفيةٌ ..... مرارًا فما أستطيع من يتعجرف
فالأصل في هذا عند سيبويه: أطوع يُطوع إطواعة فهو مطوِعٌ ومطوَعٌ، فلما نقلت حركة "الواو" إلى "الطاء" انقلبت مع الفتحة "ألفاً" ومع الكسرة "ياءً"، فصار: اطاع يطيع إطاعةً فهو مطيع ومطاع، ثم عُوضت "السين" من حركة "الواو" المذكورة.
ورد عليه أبو العباس المبرد هذا، وزعم أن العوض لا يكون إلا من شيءٍ محذوفٍ، والحركة هنا قد نُقلت إلى
"الطاء" التي هي "فاءُ" الفعل فهي موجودة، فلا يصح العوض.
وهذا الردُّ من أبي العباس غلط، فإنها وإن كانت منقولة إلى
"الطاء" فليست في "الواو" موجودة، فموضعها خالٍ فصارت في حكم الزائد الذي ليس له في الحركة أصل، فعُوض من الحركة "السين" كما ذُكر، ولو كان مراعاة الوجود في «أطاع» لم يجز أن تُحذف "الواو" في الجزم في نحو قولك: لم يُطع، وفي الأمر [نحو] قولك: أطيع.
[وقال الفراء في هذا: شبهوا أسطعتُ بأفعلتُ، فهذا يدل من كلامه على أن أصلها: استطعت]، فحذفت
"التاء" تخفيفًا فصار: «أسطعتُ» فحذفت "همزه" لأنه أشبه أكرمت ونحوه.
وهذا القول فاسد، فإن أصل ما يُحذف منه شيءٌ، أن تبقى فيه
"ألف" الوصل إن كانت فيه، ألا ترى أنهم قالوا: «استطاع» "بألف" الوصل مكسورة ثم قالوا بعد الحذف [اسطاع] و"ألف" الوصل باقيةٌ كما كانت، ومنه قوله تعالى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، فلو كان «أسطاع» المقطوع "الهمزة" أصله: «استطعت» "بالتاء" لبقيت "همزته" للوصل كما كانت، فدل على أن «أسطاع» المقطوع "الهمزة" المفتوحة أصله: «أطوع» وأن "السين" عوضٌ من حركة "العين" كما ذكر.
ونظيره قولهم: أهراق يُهريق إهراقة في: أراق يريق إراقة، والأصل: أروق يروق إرواقة، فنقلت حركة
"الواو" إلى "الراء" وانقلبت "الواو" "ألفاً" مع الفتحة و"ياءً" مع الكسرة، ثم عوض من الحركة المذكورة "الهاء"، فاعلمه.
الموضع الثاني: أن تكون للوقف بعد كاف المؤنث المضمر المخاطب، ويسمى النطق بذلك كسكسة هوازن، لأن هؤلاء العرب ينطقون بها دون غيرهم فيقولون في عليك وإليك ومنك للمؤنث المذكور إذا وقفوا: عليكس وإليكس ومنكس وما أشبه ذلك، فإذا وصلوا حذفوا "السين" فقالوا: عليك مالٌ ومنك المال ومنك الإحسان، وهذه اللغة اختصت بها هوازن، كما اختصت تميمٌ بالعنعنة، أي: يقولون في أن تفعل: عن تفعل، وقد تقدم ذكرها في باب "عن"، وهما لغتان قليلتان [في] الاستعمال، فينبغي أن يُوقف فيهما مع السماع ولا يتعدى ما سُمع من مواضع مجيئها، فاعلمه.

القسم الثاني: التي تكون في غير بناء الكلمة هي الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، وتسمى حرف تنفيسٍ لأنها تنفس في الزمان فيصيرُ الفعل المضارع مستقبلًا بعد احتماله للحال والاستقبال، وذلك نحو قولك: ستخرجُ وستذهبُ، والمعنى: أنك تفعلُ ذلك فيما يُستقبل من الزمان، قال الله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، يعني: يوم القيامة، قال الشاعر:
.... .... .... .... .... ستعلم إن متنا صدى أينا الصدي
ولا يجوز أن يكون الفعل مع وجودها حالًا، فأما قول الشاعر:
فلم أنكل ولم أجبن ولكن ...... سأسعى الآن إذا بلغت أنساها
فأدخل «الآن» على الفعل الذي فيه "السين" وهي مخلصةٌ للحال، وإنما ذلك لتقريب المستقبل من الحال، لا أن الفعل حالٌ، والعربُ تجري الأقرب من الشيء مجراه وتعامله معاملته ولذلك في كلامها مواضعُ كثيرةٌ.
وزعم الكوفيون أن هذه
"السين" ليست حرفًا قائمًا بنفسه، وإنما هي مقتطعة من سوف، كما قالوا: "سو"، فاقتطعوها من "سوف"، وأنشدوا قول الشاعر:
فإن أهلك فسو تجدون وحدي ..... وإن أسلم يطب لكم المعاش
واحتج بعضهم بأن العرب تقول: "مُ" الله في: «ايمن الله» و«ايم الله»، فكذلك يقولون في "سوف": "سو" تارةً و"سف" أخرى.
والصحيح أن
"السين" حرفُ استقبال قائمٌ بنفسه مختصٌ بالفعل المضارع كجزء منه، ولذلك لم يكن عاملًا، فلا يصحُ أن يفصل بينه [وبين فعله]، ولا يُقال فيه: إنه مقتطعٌ من "سوف" لوجهين:
أحدهما: أن الاقتطاع دعوى بلا برهانٍ، فلا يُلتفت إليها، ولا يحتج عليه بقوله: «
"فسو" تجدون» فحذف "الفاء" ضرورةٌ لدلالة الكلمة عليها، كما قالوا: «المنا» في المنازل، و«الحبا» في الحباحب، ولو كان الحذف بابًا لصح في الضرورة وغيرها، وفي الشعر وغيره، فاختصاصه في الشعر في ذلك البيت الواحد ضرورةٌ، ولا حجة فيه، مع أن الحروف لا تُحذف أواخرها إلا مع التضعيف بابًا نحو: "إن" و"أن" و"كأن" و"لكن"، وأما مع غيره فلا.
والوجه الثاني: أن التصريف في الأسماء لإرادة التصرف فيها بكثرة الاستعمال، نحو: «الله» وشبهه، وأما الحرف فليس أصلًا في نفسه فلا يُتصرف فيه تصرف الأسماء، ألا ترى أن الفعل والحرف لابد لهما من الاسم، والاسمُ غيرُ محتاجٍ إليهما، فدلَّ على أصالته وفرعيتهما، وقوته في الاحتياج والاستعمال وضعفهما، فاعلم ذلك). [رصف المباني:393 - 398]


رد مع اقتباس