عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تربّص أربعة أشهرٍ...}
التربّص إلى الأربعة, وعليه القرّاء, ولو قيل في مثله من الكلام: تربّصٌ أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا "أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيما ذا مقربة" وكما قال {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتا} والمعنى تكفتهم أحياء وأمواتا.
ولو قيل في مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا.
ولو قيل: تربصٌ: أربعة أشهر كما يقال في الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران؛ تجعل السير هو الشهر، والتربّص هو الأربعة.
ومثله {فشهادة أحدهم أربع شهادات} وأربع شهادات.
ومثله {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله "فجزاؤه" بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزي مثل ما قتل من النّعم.
{فإن فاءوا} يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يولون}: يولى يحلف، من الأليّة وهي اليمين، ألوة، وأليّة اليمين قال أوس بن حجر:
علىّ أليّةٌ عتقت قديماً... فليس لها وإن طلبت مرام). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإن فاؤوا} أي: رجعوا عن اليمين). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّلّذين يؤلون من نّسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {لّلّذين يؤلون من نّسائهم} تقول: "آلى من امرأته" "يؤلي" "إيلاءً" و"ظاهر منها" "ظهاراً" كما تقول: "قاتل" "قتالاً".
{تربّص أربعة أشهرٍ}{لّلّذين يؤلون} جعل ذلك لهم أجلا {فإن فاءوا} يعني: "فإن رجعوا" لأنك تقول: "فئت إلى الحقّ"). [معاني القرآن: 1/141]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {للذين يؤلون} فالفعل: آليت أولى إيلاء؛ والاسم: على ألية وألوة وألوة، وهما تميميتان، قال أبو علي: وقد حكيت لي: إلوة بالكسر.
قال بشر بن أبي حازم:
لا أمنع مالاً ما حييت بألوة = سأمنعه إن سرني غير مقسم
وقال الآخر:
أيظلمني حقي ويحنث إلوتي = فسوف يلاقي ربه فيحاسبه
ومن هذا اللفظ [ألوت] آلوا ألوا وألوا؛ وهو التواني في الأمر؛ ومنه {ولا يأتل أولو} هي افتعلت من ألوت؛ وقال بعضهم: يتأل من تأليت تأليًا.
[معاني القرآن لقطرب: 363]
وقوله عز وجل {فإن فاءوا} و{حتى تفيء} فالفعل: فئت فيئًا وأفأت عليه فيئة). [معاني القرآن لقطرب: 364]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فاؤوا}: رجعوا عن اليمين). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يؤلون من نسائهم}: يحلفون. يقال: أليت من امرأتي أولي إيلاء، إذا حلف أن لا يجامعها. والاسم الأليّة.
{فإن فاؤوا} أي: رجعوا إلى نسائهم). [تفسير غريب القرآن:85-86]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم}
معنى (يؤلون): يحلفون، ومعناه في هذا الموضع: أن الرجل كان لا يريد المرأة فيحلف ألا يقربها أبدا، ولا يحب أن يزوجها غيره، فكان يتركها لا أيما ولا ذات زوج، كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام، فجعل اللّه الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة آخر مداه نهاية أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر ثم لم يفئ الرجل إلى امرأته، أي لم يرجع إليها، فإن امرأته بعد الأربعة - في قول بعضهم - قد بانت منه، ذكر الطلاق بلسانه أم لم يذكره.
وقال قوم: يؤخذ بعد الأربعة بأن يطلق أو يفيء.
ويقال آليت أولي إيلاء والية، والوّة، وإلوّة، و (إيل).
" والكسر أقل اللغات، ومعنى التربص في اللغة الانتظار.
وقال الذين احتجوا بأنه لا بد أن يذكر الطلاق بقوله عزّ وجلّ: {وإن عزموا الطلاق فإن اللّه سميع عليم}.
وقالوا {سميع} يدل على أنه استماع الطلاق في هذا الموضع، وهذا في اللغة غير ممتنع، وجائز أن يكون إنما ذكر {سميع} ههنا من أجل حلفه.
أي: اللّه قد سمع حلفه وعلم ما أراده، وكلا الوجهين في اللغة محتمل). [معاني القرآن: 1/300-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}
قال أبو جعفر: والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم، أي: أن يعدلوا نسائهم.
روى عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاءه منهم أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا أن يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا أن لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع إلى وطء امرأته فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس.
وقرأ أبي بن كعب (فإن فاءوا فيهن)
وقال قوم: لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر فإذا تمت له أربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه أخذ بالجماع أو الطلاق.
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي الدرداء رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال مسروق والشعبي: الفيء الجماع.
قال أبو جعفر: والفيء في اللغة: الرجوع فهو على هذا الرجوع إلى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا أن أملك فلان معناه صير يملك المرأة إلا أن المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت). [معاني القرآن: 1/192-194]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يؤلون} يحلفون ألا يقربوا نساءهم، والاسم الألية.
{فإن فاءوا} رجعوا إلى وطء نسائهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُؤْلُونَ}: يحلفون.
{فَاؤُوا}: رجعوا). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ...}وفي قراءة عبد الله "بردتهن"). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يتربّصن}: والتّربّص (أن) لا تقدم على زوج حتى تقضى ثلاثة قروءٍ؛ واحدها: قرءٌ،
فجعله بعضهم (الحيضة)،
وقال بعضهم: الطهر، قال الأعشى:
وفي كل عام أنت جاشم غزوةٍ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مؤرّثةٍ مالاً وفي الأصل رفعةً... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وكل قد أصاب، لأنه خروج من شيء إلى شيء فخرجت من الطهر إلى الحيض،
ومن قال: بل هو الطهر فخرجت من الحيض إلى الطهر. وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت.
{وبعولتهنّ}: الأزواج، واحدها بعل.
{درجةٌ}: منزلة). [مجاز القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {ثلاثة قروءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القرء" خفيفة مهموزة مثل: "القرع" وتقول: "قد أقرأت المرأة" "إقراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قرأت حيضةً قط" مثل: "ما قرأت قرآناً". و: "قد قرأت حيضةً أو حيضتين" بالهمز، و"ما قرأت جنينا قطّ" مثلها. أي: ما حملت. و"القرء": انقطاع الحيض.
وقال بعضهم: "ما بين الحيضتين قال الشاعر:
ذراعي بكرةٍ أدماء بكرٍ = هجان اللّون لم تقرأ جنينا
وأما قول الشاعر:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل
فإن "المقراة": المسيل وليس بمهموز). [معاني القرآن: 1/141-142]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ثلاثة قروء} فالواحد: قرؤ فاعلم وقد أقرأت المرأة وقرأت قرءًا: إذا حاضت أو طهرت؛ وقريت تقريًا؛ وقالوا: قد قرأت المرأة: حملت، وقالوا: ما قرأت الناقة سلا قط؛ أي لم ترم به.
وقال عمرو بن كلثوم:
ذراعي حرة أدماء بكر = هجان اللون لم تقرأ جنينا
وقال الأعشى:
مورثة مالا وفي المجد رفعة = لما ضاع فيها من قروء نسائكا
قال أبو علي: وقد فسرنا كل هذا اللفظ في أم الكتاب.
[معاني القرآن لقطرب: 364]
وقوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن} فالواحد: بعل، وهو الزوج؛ والبعل أيضًا: الرب؛ تقول العرب: أنا بعل هذه الناقة؛ أي أنها ربها؛ وهي لغة يمانية.
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: البعل الصنم؛ وقوله {أتدعون بعلا} يجوز أن يكون ربا، أو يكون اسما لذلك الذي دعوه؛ ويجوز أن يكون "بعل بك" هذه المدينة البلدة من ذلك.
والبعل: ما استغنى بماء السماء ولم يكن سقيًا، وهو العذي.
وقال أبو علي: حدثت أن ابن عباس رحمه الله ساوم رجلاً بناقة فقال: أهي لك؟ قال: أنا بعلها؛ فقال ابن عباس: ما تعني ببعلها؟ قال: أنا ربها، قال: ممن أنت؟ قال: أنا رجل من حمير، فقال: ما كنت أظنها في حمير!، ثم قال ابن عباس رحمه الله: {أتدعون بعلا} {أتدعون بعلا} أتدعون ربًا.
ومن هذا اللفظ البعال؛ وهو النكاح كله، وأظن بعل الرجل: بطر، من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 365]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثلاثة قروء}: واحدها قرء.
وقال بعضهم: هو الحيض.
وقال آخرون: هو الطهر من الحيض وهما جميعا في اللغة، يقال أقرت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت.
{وبعولتهن}: أزواجهن). [غريب القرآن وتفسيره:93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} وهي الحيض: وهي: الأطهار أيضا. واحدها قرء. ويجمع على أقراء أيضا.
قال الأعشى:
وفي كلّ عم أنت جاشم غزوة تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءه، فأضاع قروءهنّ، أي أطهارهن.
وقال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: ((تقعد عن الصلاة أيام أقرائها))، يريد أيام حيضها قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض له قروء كقروء الحائض
فالقروء في هذا البيت: الحيض. يريد: أن عدواته تهيج في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جعل الحيض قرأ والطهر قرأ: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذليّ:
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبّت لقارئها الرّياح
أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
{ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يعني: الحمل.
{وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} في ذلك، يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
{ولهنّ على الأزواج مثل الّذي عليهنّ} للأزواج.
{وللرّجال عليهنّ} في الحق.
{درجةٌ} أي: فضيلة). [تفسير غريب القرآن:86-87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة واللّه عزيز حكيم}
يقال طلقت المرأة طلاقا فهي طالق، وقد حكوا طلقت وقد زعم قوم أن تاء التأنيث حذفت من " طالقة " لأنه للمؤنث لاحظ للذكر فيه، وهذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئا كثيرا يشترك فيه المذكر والمؤنث لا تثبت فيه الهاء في المؤنث، نحو تولهم بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل وناقة ساعل، وهذا أكثر من أن يحصى.
وزعم سيبويه وأصحابه أن هذا وقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث لأن المعنى شيء طالق، وحقيقته عندهم أنه على جهة النسب نحو قولهم امرأة مذكار ورجل مذكار، وامرأة مئناث ورجل مئناث، وإنما معناه ذات ذكران وذات إناث، وكذلك مطفل ذات طفل.
وكذلك طالق معناه ذات طلاق.
فإذا أجريته على الفعل قلت طالقة.
قال الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة... كذاك امور النّاس غاد وطارقة
وأما {ثلاثة قروء} فقد اختلف الفقهاء وأهل اللغة في تفسيرها وقد ذكرنا في هذا الكتاب جملة قول الفقهاء وجملة قول أهل اللغة:
فأما أهل الكوفة فيقولون: الأقراء الحيض،
وأما أهل الحجاز ومالك فيقولون: الأقراء الطهر،
وحجة أهل الكوفة في أن الأقراء و (القراء) والقروء الحيض ما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).
وصلّي ما بين القرء إلى القرء، فهذا مذهب الكوفيين، والذي يقويه من مذهب أهل اللغة أن الأصمعي كان يقول: القرء الحيض، ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعا: أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ،
وقال القراء: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.
وأنشدوا في القرء الحيض وهو بالوقت أشبه:
له قروء كقروء الحائض فهذا؛ هو مذهب أهل الكوفة في الأقراء، وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم،
وقال الأخفش أيضا: أقرأت المرأة إذا حاضت، وما قرأت حيضة ما ضمّت رحمها على حيضة.
وقال أهل الحجاز: الأقراء والقروء واحد، وأحدهما قرء، مثل قولك: فرع، وهما الأطهار، واحتجوا في ذلك بما يروى عن عائشة أنها قالت: الأقراء الأطهار، وهذا مذهب ابن عمرو ومالك، وفقهاء أهل المدينة، والذي يقوي مذهب أهل المدينة في أن الأقراء الأطهار.
قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الأصل رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.
وفي هذا مذهب آخر، وهو أن القرء الطهر، والقرء الحيض.
قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت، وأخبرني من أثق به يدفعه إلى يونس أن الإقراء عنده يصلح للحيض والطهر، وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء - الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: " هذا قارئ الرّياح ": لوقت هبوبها.
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها، ويقال " ما قرأت الناقة سلا قط! أي لم تضم رحمها على ولد، وقال عمرو بن كلثوم:
نريك إذا دخلت على خلاء... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر... هجين اللون لم تقرأ جنينا
وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنها: لم تجمع ولدا قط في رحمها وذكر قطرب هذا القول أيضا، وزاد في لم تقرأ جنينا أي لم تلقه مجموعا.
فهذا جميع ما قال الفقهاء وأهل اللغة في القرء.
والذي عندي أن القرء في اللغة الجمع، " وأن قولهم قريت الماء في الحوض من هذا، وإن كان قد ألزم الماء - فهو جمعته، وقولك قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعا، والقرد يقرئ، أي: يجمع ما يأكل في بيته، فإنما القرء اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، بل هو تحقيق المذهبين، والمقرأة الحوض الذي يقرأ فيه الماء أي يجمع، والمقرأ الإناء الذي يقرأ فيه الضيف.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ}.
قيل فيه: لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه.
وقد قال قوم هو الحيض. وهو بالولد أشبه لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد، لأن اللّه جلّ وعزّ قال: {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}
وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.
ومعنى: (إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر).
تأويله إن كن يصدقن باللّه وبما أرهب به وخوف من عذابه لأهل الكبائر فلا يكتمن، كما تقول لرجل يظلم إن كنت مؤمنا فلا تظلم، لا إنّه يقول له هذا مطلقا الظلم لغير المؤمن.
ولكن المعنى: إن كنت مؤمنا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي.
وقوله عزّ وجلّ: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك).
بعولة جمع بعل، مثل ذكر وذكورة، وعم وعمومة أشبه ببعل وبعولة.
ويقال في جمع ذكر ذكارة وحجر حجارة.
وإنما هذه الهاء زيادة مؤكدة معنى تأنيث الجماعة، ولكنك لا تدخلها إلا في الأمكنة التي رواها أهل اللغة، لا تقول في كعب كعوبة ولا في كلب كلابة، لأن القياس في هذه الأشياء معلوم، وقد شرحنا كثيرا مما فيه فيما تقدم من الكتاب.
ومعنى (في ذلك) أي: في الأجل الذي أمرن أن يتربصن فيه، فأزواج قبل انقضاء القروء الثلاثة أحق بردهن إن ردّوهنّ على جهة الإصلاح، ألا ترى قوله: (إن أرادوا إصلاحا).
ومعنى قوله عزّ وجلّ: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف) أي: للنساء مثل الذي عليهنّ بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة.
وهو معنى (بالمعروف).
وقوله عزّ وجلّ: (وللرّجال عليهنّ درجة)معناه: زيادة فيما للنساء عليهن كما قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والمعنى: أن المرأة تنال من اللّذة من الرجل كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه بما يصلحها.
وقوله عزّ وجلّ: (واللّه عزيز حكيم):معناه ملك يحكم بما أراد، ويمتحن بما أحب، إلا أن ذلك لا يكون إلا بحكمة بالغة - فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك). [معاني القرآن: 1/301-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء وأبو موسى: ثلاث حيض.
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: ثلاثة أطهار.
ويحتج للقول الأول بان: عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت
والقرء عند أهل اللغة: الوقت فهو يقع لهما جميعا.
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها
وحدثني أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن أبي يزيد النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا). [معاني القرآن: 1/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}
وقال ابن عمر وابن عباس: يعني الحبل والحيض.
وقال قتادة: علم أن منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد إلى غيره فنهاهن الله عن ذلك). [معاني القرآن:1/196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} فليس هذا على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم وإنما هذا كقولك إن كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي أن يحجزك الإيمان عنه لأنه ليس من فعل أهل الإيمان). [معاني القرآن:1/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل). [معاني القرآن: 1/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن أرادوا إصلاحا} أي: إن أراد الأزواج بردهن الإصلاح لا الإضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس إن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.
وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم
ثم قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة}
قال مجاهد: هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وقال أبو مالك: له أن يطلقها وليس لها من الأمر شيء). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):(القُرُوءٍ): الأوقات، الواحد: قرء، وهو: الوقت يكون حيضا ، ويكون طهرا). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والقروء) الحيض،
وقال مالك: هي الأطهار،
وقال أهل اللغة: هو من الأضداد، وأصله الوقت.
{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني: لهم الرجعة ما لم تدخل في الحيضة الثالثة.
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي: لهن على الأزواج مثل الذي للأزواج عليهن.
{وللرجال عليهن درجة} أي: فضيلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القرْء}: الحيض، الأطهار.
{بُعُولَتُهُنَّ}: أزواجهن). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه...}
وفي قراءة عبد الله "إلا أن تخافوا" فقرأها حمزة على هذا المعنى "ألا أن يخافا" ولا يعجبني ذلك.
وقرأها بعض أهل المدينة كما قرأها حمزة.
وهي في قراءة أبّي "إلا أن يظنّا ألاّ يقيما حدود الله" والخوف والظنّ متقاربان في كلام العرب.
من ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر:
أتاني كلام عن نصيب بقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
وقال الآخر:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كرمة * تروّي عظامي بعد موتى عروقها
[ولا تدفننّي في الفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها]
والخوف في هذا الموضع كالظنّ. رفع "أذوقها" كما رفعوا {وحسبوا ألا تكون فتنة} وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردنّ)) كما تقول: ظنّ ليذهبنّ.
وما ما قال حمزة فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم يصبه - والله أعلم - لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن؛ ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسمّ فاعله. فلو أراد ألاّ يخاف على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير اعتبار قول عبد الله [كان] جائزا؛ كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك....
وقوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما} يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح - فيما يذهب إليه الناس - على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان:
1- أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا؛ في سورة الرحمن {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه "نسيا حوتهما" وإنما الناسي صاحب موسى وحده.
ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابّتان أركبهما وأستقى عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى؛ وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها. ومثله من كتاب الله {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فيستقيم في الكلام أن تقول: قد جعل الله لنا ليلا ونهارا نتعيّش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيّش إلى النهار.
والوجه الآخر: أن يشتركا جميعا في ألاّ يكون عليهما جناح؛ إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فيه الإثم، أشركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هي إلى مثل ذلك. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} وإنما موضع طرح الإثم في المتعجّل، فجعل للمتأخّر - وهو الذي لم يقصّر - مثل ما جعل على المقصّر. ومثله في الكلام قولك: إن تصدّقت سرّاً فحسن [وإن تصدّقت جهرا فحسن].
وفي قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه} وجه آخر؛ وذلك أن يريد: لا يقولنّ هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصّر، ولا المتأخّر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله: {فلا إثم عليه} أي: فلا يؤثّمنّ أحدهما صاحبه.
وقوله: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يريد: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، (أن) في موضع نصب إذا نزعت الصفة، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائيّ يقول: موضعه خفض. قال الفرّاء: ولا أعرف ذلك.
وقوله: {إن ظنّا أن يقيما} (أن) في موضع نصب لوقوع الظنّ عليها). [معاني القرآن: 1/145-148]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} معناها: إلاّ أن يوقنا.
{فإن خفتم} ها هنا: فإن أيقنتم). [مجاز القرآن: 1/74]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ونافع وشيبة {إلا أن يخافا} بفتح الياء.
أبو جعفر {إلا أن يخافا} بضم الياء). [معاني القرآن لقطرب: 270]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {الطلاق مرتان} فالفعل من ذلك: طلقت المرأة، تطلق طلاقًا، وطلقت لغة.
ومن هذا اللفظ قولهم: هذه نعجة طالق؛ للتي تخرج من أهلها فترتعي، كقولك: مهملة؛ والطلاق من ذلك في المعنى إنما هو إرسالها وإهمالها؛ ومنه: طلقت يدي بخير، وأطلقتها أنا؛ والقيد يقال له: الطلق إذا كان جلودًا؛ ومن هذا يقال: ليلة طلق، وليلة طلقة؛ إذا كانت سمحة سهلة؛ ورجل طلق اليدين؛ أي سمح؛ ومنه طلقت الإبل تطلق طلقًا: إذا أرادت الماء؛ والطليق:
[معاني القرآن لقطرب: 365]
الأسير إذا عتق؛ ولسان طليق؛ وطلق السليم تطليقًا: حين ترجع إليه نفسه؛ ويقال: الأمر طلق لك، أي ليس بحرام؛ ويقال: طلقت فهي تطلق طلقًا من الطلق). [معاني القرآن لقطرب: 366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الطّلاق مرّتان} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان.
{فإمساكٌ} بعد ذلك {بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أي: تطليق الثالثة بإحسان.
{إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أي: يعلمان أنهما لا يقيمان حدود اللّه.
{فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه} أي: علمتم ذلك، {فلا جناح عليهما} أي: لا جناح على المرأة والزوج {فيما افتدت به} المرأة نفسها من الزوج). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}
{الطلاق} رفع بالابتداء، و {مرتان} الخبر، والمعنى الطلاق الذي تملك فيه الرجعة مرتان، يدل عليه {فإمساك بمعروف} المعنى: فالواجب عليكم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ولو كان في الكلام فإمساكا بمعروف كان جائزا.
على فأمسكوهن إمساكا بمعروف كما قال عزّ وجلّ: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، ومعنى {بمعروف} بما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا} أي: مما أعطيتموهن من مهر وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه}.
قرئت {يخافا}، ويحافا - بالفتح والضم - قال أبو عبيدة وغيره: معنى {إلّا أن يخافا} إلا أن يوقنا، وحقيقة قوله: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أنهما على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف في أن لا يقيما حدود اللّه - ومعنى {حدود اللّه} ما حدّه الله جلّ وعزّ مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره، وأصل الحدّ في اللغة المنع، يقال حددت الدار.
وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها.
وحددت الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة، ويقال أحدت المرأة على زوجها وحدت فهي حادّ ومحدّ، إذا امتنعت عن الزينة، وأحددت إليه النظر إذا منعت نظري من غيره وصرفته كله إليه، وأحددت السكين إحدادا.
قال الشاعر:
إن العبادي أحدّ فأسه... فعاد حدّ فأسه برأسه
وإنّما قيل للحديد حديد لأنه أمنع ما يمتنع به، والعرب تقول للحاجب والبواب وصاحب السجن: الحدّاد، وإنما قيل له حداد لأنه يمنع من يدخل ومن يخرج، وقول الأعشى:
فقمنا ولمّا يصح ديكنا... إلى خمرة عند حدّادها
أي: عند ربها الذي منع منها إلا بما يريد.
ومعنى: (فلا تعتدوها) أي: لا تجاوزوها). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الطلاق مرتان}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الطلاق مرتان} قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.
وقال عروة بن الزبير: كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل أن تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك رجل مرارا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق.
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع أكثر منه الرجعة مرتان.
ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأين الثالثة؟: فقال: ((التسريح بإحسان))
ثم قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي: فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق {أو تسريح بإحسان} أي: يستهل أمرها بأن يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل). [معاني القرآن: 1/199-201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال أبو عبيدة: الخوف ههنا بمعنى اليقين.
قال أبو إسحاق: حقيقته عندي أن يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة.
قال ابن جريج: كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا أغتسل من جنابة ولكنه كان يقول إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
والمعنى على هذه القراءة: إلا أن يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة (إلا أن يخافا) بضم الياء.
وفي قراءة (عبد الله إلا أن تخافوا) بالتاء.
وقيل المعنى على هاتين القراءتين: إلا أن يخاف السلطان ويكون الخلع إلى السلطان.
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من أخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال: أخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما.
قال أبو جعفر: وأكثر العلماء على أن ذلك إلى الزوجين). [معاني القرآن: 1/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقد قال في موضع آخر {فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا}
وروى معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل أن تختلع امرأته إلا أن يؤتى ذلك منها فإما أن يكون يؤتى ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فإن ذلك لا يصلح.
وقال أهل الكوفة: حظر عليه ما كان ساقه إلى المرأة من الصداق في قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ثم أطلقه {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} فلا يحل له أن يأخذ أكثر مما ساقه إليها
وليس في الآية ما يدل على أنه لا يحل له أكثر مما أعطاها
وقول الزهري بين ويكون قوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} يبين قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا}أي: لا تأخذوا منهن شيئا غصبا.
ومعنى {حدود الله}: ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش وأحدت المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى {فلا تعتدوها} فلا تتجاوزها). [معاني القرآن: 1/203-205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطلاق مرتان} أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان، والثالثة هي قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن ظنّا أن يقيما حدود الله)} أي: أيقنا). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون} أي: فإن طلقها الثالثة، لأن الثنتين قد جرى ذكرهما، أي: فلا تحل له حتى تتزوج زوجا غيره، وفعل الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل، فحرم عليه التزوج بعد الثلاث لئلا يعجلوا بالطلاق، وأن يتثبتوا.
وقوله عزّ وجلّ: (بعد ذلك أمرا) يدل على ما قلناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا، وموضع أن نصب، المعنى لا يأثمان في أن يتراجعا.
فلما سقطت " في " وصل معنى الفعل فنصب - ويجيز الخليل أن يكون موضع أن خفضا على إسقاط " في " ومعنى إرادتها في الكلام.
وكذلك قال الكسائي.
والذي قالاه صواب لأن " أن " يقع فيها الحذف، ويكون جعلها موصولة عوضا مما حذف، ألا ترى أنك لو قلت لا جناح عليهما الرجوع لم يصلح.
والحذف مع أن سائغ فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضع جر على إرادة في.
ومعنى (إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه)أي: إن كان الأغلب عليهما أن يقيما حدود اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون).
ويقرأ "نبينها" بالياء والنون جميعا.
(لقوم يعلمون) أي: يعلمون أن وعد اللّه حق وأن ما أتى به رسوله صدق). [معاني القرآن: 1/308-309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} المعنى: فإن طلقها الثالثة.
وأهل العلم على أن: النكاح ههنا الجماع لأنه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال: النكاح ههنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قال أبو جعفر: ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة
وعن علي حتى يهزها به). [معاني القرآن: 1/205-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال: ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فمازلت أدرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت أن الرجل الآخر إذا طلقها رجعت إلى زوجها الأول إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}
قال طاووس: إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه
وقال مجاهد: إن علما أن نكاحهما على غير دلسة). [معاني القرآن: 1/207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون}أي: يعلمون أن أمر الله حق لا ينبغي أن يتجاوز). [معاني القرآن: 1/208]


رد مع اقتباس