عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 01:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

درجات كيد الشيطان:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (درجات كيد الشيطان:
ومما ينبغي أن يعلم أن كيد الشيطان على درجات:

الدرجة الأولى: الوسوسة، وهي أصل كيده وأوّله، وهو بلاء عامّ قد ابتلي به الأنبياء فمن دونهم، وهو أصل الابتلاء في هذه الحياة الدنيا، لكنَّ هذه الوسوسة لا تضرّ من يتّبع هدى الله شيئاً كما قال الله تعالى في أوّل وصية أوصى بها آدم وحواء لما أهبطهما إلى الأرض وأهبط معهما إبليس فتنة وابتلاء: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) }
وقال تعالى: { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}.
فهذا هو أصل الابتلاء في هذه الحياة الدنيا ليعلم الله من يتبع هداه ممن يتّبع الشيطان.
والدرجة الثانية: التسلط الناقص، وهو على نوعين: استزلال، وابتلاء.
أ: فأمّا الاستزلال فيكون لبعض عصاة المسلمين الذين يتّبعون خطوات الشيطان حتى يستزلّهم، أي: يوقعهم في الزَّلَل؛ فيتسلَّط عليهم تسلّطاً يفتنهم ويغويهم به؛ فيرتكبون بعضَ ما حرّم الله أو يتركون بعضَ ما أوجب الله؛ فيُحرمون بذلك من خير عظيم وثواب كريم، ويتعرّضون لفتنة أشدّ وعذاب أليم؛ كما قال الله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}
وقال تعالى: { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ب: وأما الابتلاء فقد يبتلي الله بعض عباده المؤمنين بإيذاء الشياطين وكيدهم، كالإيذاء بالفزع والتخويف، والإضرار بأنواع من الضرر، ومن ذلك كيد بعض مردة الجنّ لبعض الصالحين، وما يكون من همزات الشياطين ونزغهم، وقد يشتدّ هذا الإيذاء والإضرار ببعض المؤمنين وقد يضعف، وقد يطول أمده وقد يقصر؛ بحسب ما يقدّره الله من ذلك لحكمة يعلمها جلّ وعلا، ومن هذا النوع ما قد يُبتلى به بعض الأنبياء فمن دونهم كما قال الله تعالى في شأن أيّوب عليه السلام: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربّه أنّي مسني الشيطان بنصب وعذاب}
ومن هذا النوع ما يحصل لبعض الصالحين من الابتلاء بالسحر والعين وتسلط الشياطين، وما يحصل لهم من الآفات التي تُضعف أبدانهم ويتسلط عليهم الشيطان بأنواع من الأذى.
فهذا التسلّط شفاؤه الصبر والتقوى؛ فمن صبر واتّقى كانت عاقبته حسنة، ورفع الله عنه بلاءَه وأعظم جزاءه؛ فإنَّ الله تعالى لا يديم البلاء على عبده، ولا يجعل عاقبة من اتّبع هداه سيّئة، وقد قال الله تعالى: {فاصبر إنّ العاقبة للمتقين}، وقال الله تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين}.
فأهل البلاء يبلغون درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين بالصبر والتقوى.
وهؤلاء لا يتمكن الشيطان منهم تمكناً تاماً ما بقي معهم الإيمان بالله جل وعلا والعمل الصالح، ومهما بلغ بهم الأذى فإن الله يجعل لهم مخرجاً وفرجاً، والله تعالى لا يديم البلاء على عبده، وعظم الجزاء مع عظم البلاء.
ومن هذا الإيذاء ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن كما في مسند الإمام أحمد ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما من حديث أبي التيَّاح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه وكان شيخاً كبيراً قد أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كادته الشياطين؟
قال: (جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية، وتحدَّرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فرعب؛ جعل يتأخر).
قال: (وجاء جبريل عليه السلام؛ فقال: يا محمد قل).
قال: ((ما أقول؟)).
قال: (قل:((أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن))؛ فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عزَّ وجل).
فهذه التعويذة نافعة لمن وجد شيئاً من أذى الشياطين وتبدّيهم له وتفلتهم عليه.
والدرجة الثالثة: التسلّط التام، وهو تسلّط الشيطان واستحواذه على أوليائه الذين اتّخذوه ولياً من دون الله حتى خرجوا من النور إلى الظلمات ، ومن ولاية الله إلى ولاية الشيطان {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}
وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}.
ومن ضيّع الصلاة وتعامى عن ذكر الله تعالى كان على خطر من استحواذِ الشيطان عليه كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}
وفي المسند والسنن من حديث معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟
قلت: في قرية دون حمص.
قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة في قرية لا يؤذّن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)) فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية)). [تفسير سورة الفاتحة:100 - 104]

رد مع اقتباس