عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:00 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]:
«كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (وقولوا للناس حَسَناً)»).
[تفسير الثوري: 47]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسنًا}]
- نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «للنّاس كلّهم، للمشرك، وغير المشرك».
- نا هشيمٌ، قال: نا عبد الملك بن (أبي) سليمان، قال: كان زيد بن ثابتٍ يقرأ: {وقولوا للنّاس حُسْناً}، وكان ابن مسعودٍ يقرأ: (وقولوا للناس حَسَناً) ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 566-567]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه}.
قد دلّلنا فيما مضى من كتابنا هذا على أنّ الميثاق مفعالٌ، من التّوثّق باليمين ونحوها من الأمور الّتي تؤكّد القول.
فمعنى الكلام إذًا: واذكروا أيضًا يا معشر بني إسرائيل إذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلاّ اللّه.
- كما حدّثني به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي: ميثاقكم {لا تعبدون إلاّ اللّه}».
والقراءة مختلفةٌ في قراءة قوله: {لا تعبدون} فبعضهم يقرؤها بالتاء، وبعضهم يقرؤها بالياء، والمعنى في ذلك واحدٌ. وإنّما جازت القراءة بالياء والتّاء وأن يقال: {لا تعبدون} و(لا يعبدون) وهم غيبٌ؛ لأنّ أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، فكما تقول: استحلفت أخاك ليقومنّ، فتخبر عنه خبرك عن الغائب لغيبته عنك، وتقول: استحلفته لتقومنّ، فتخبر عنه خبرك عن المخاطب؛ لأنّك قد كنت خاطبته بذلك، فيكون ذلك صحيحًا جائزًا، فكذلك قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه} و(لا يعبدون) من قرأ ذلك بالتّاء فبمعنى الخطاب إذ كان الخطاب قد كان بذلك، ومن قرأ بالياء فلأنّهم كانوا غير مخاطبين بذلك في وقت الخبر عنهم.
وأمّا رفع (لا يعبدون) فبالياء الّتي في (يعبدون)، ولا تنصب بأن الّتي كانت تصلح أن تدخل مع: (لا يعبدون إلاّ اللّه) لأنّها إذا صلح دخولها على فعلٍ فحذفت ولم تدخل كان وجه الكلام فيه الرّفع كما قال جلّ ثناؤه: {قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون} فرفع أعبد إذ لم تدخل فيها أن بالألف الدّالّة على معنى الاستقبال. وكما قال الشّاعر:

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى ....... وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي
فرفع (أحضر) وإن كان يصلح دخول أن فيها، إذ حذفت بالألف الّتي تأتي بمعنى الاستقبال.
وإنّما صلح حذف (أن) من قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون} لدلالة ما ظهر من الكلام عليها، فاكتفى بدلالة الظّاهر عليها منها.
وقد كان بعض نحويّي البصرة يقول: معنى قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه} حكايةً، كأنّك قلت: استحلفناهم لا تعبدون، أي قلنا لهم: واللّه لا تعبدون، وقالوا: واللّه لا يعبدون.
والّذي قال من ذلك قريبٌ معناه من معنى القول الّذي قلنا في ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه} تأوّله أهل التّأويل. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له، وأن لا يعبدوا غيره».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه}، قال: «أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا للّه ولا يعبدوا غيره».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه}، قال: «الميثاق الّذي أخذ عليهم في المائدة»). [جامع البيان: 2/ 187-190]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا}.
وقوله جلّ ثناؤه: {وبالوالدين إحسانًا} عطفٌ على موضع أن المحذوفة في {لا تعبدون إلاّ اللّه}، فكان معنى الكلام: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه وبالوالدين إحسانًا، فرفع {لا تعبدون} لمّا حذف أن، ثمّ عطف بالوالدين على موضعها، كما قال الشّاعر:
معاوي إنّنا بشرٌ فأسجح ....... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فنصب (الحديد) على العطف به على موضع (الجبال)؛ لأنّها لو لم تكن فيها باءٌ خافضةٌ كانت نصبًا، فعطف بالحديد على موضوع الجبال لا على لفظها، فكذلك ما وصفت من قوله: {وبالوالدين إحسانًا}.
وأمّا الإحسان فمنصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يؤدّي عن معناه قوله: {وبالوالدين}؛ إذ كان مفهومًا معناه، فكان معنى الكلام لو أظهر المحذوف: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانًا. فاكتفى بقوله: {وبالوالدين} من أن يقال: وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانًا، إذ كان مفهومًا أنّ ذلك معناه بما ظهر من الكلام.
- وقد زعم بعض أهل العربيّة في ذلك أنّ معناه: وبالوالدين فأحسنوا إحسانًا؛ فجعل الباء الّتي في الوالدين من صلة الإحسان مقدّمةً عليه.
- وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن لا تعبدوا إلاّ اللّه، وأحسنوا بالوالدين إحسانًا. فزعموا أنّ الباء الّتي في الوالدين من صلة المحذوف، أعني من أحسنوا، فجعلوا ذلك من كلامين. وإنّما يصرف الكلام إلى ما ادّعوا من ذلك إذا لم يوجد لاتّساق الكلام على كلامٍ واحدٍ وجهٌ، فأمّا وللكلام وجهٌ مفهومٌ على اتّساق على كلامٍ واحدٍ فلا وجه لصرفه إلى كلامين. وأحرى: أنّ القول في ذلك لو كان على ما قالوا لقيل: وإلى الوالدين إحسانًا؛ لأنّه إنّما يقال: أحسن فلانٌ إلى والديه، ولا يقال: أحسن بوالديه، إلاّ على استكراهٍ للكلام. ولكنّ القول فيه ما قلنا، وهو: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا وبالوالدين إحسانًا، على ما بيّنّا قبل. فيكون الإحسان حينئذٍ مصدرًا من معنى الكلام لا من لفظه كما بيّنّا فيما مضى من نظائره.
فإن قال قائلٌ: وما ذلك الإحسان الّذي أخذ عليهم وبالوالدين الميثاق؟
قيل: نظير ما فرض اللّه على أمّتنا لهما من فعل المعروف لهما والقول الجميل، وخفض جناح الذّلّ رحمةً بهما والتّحنّن عليهما، والرّأفة بهما والدّعاء بالخير لهما، وما أشبه ذلك من الأفعال الّتي ندب اللّه عباده أن يفعلوا بهما). [جامع البيان: 2/ 190-192]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وذي القربى واليتامى والمساكين}.
يعني بقوله: {وذي القربى} وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمه.
والقربى مصدرٌ على تقدير فعلى من قولك: قربت منّي رحم فلانٍ قرابةً وقربى وقربة وقربًا بمعنى واحدٍ.
وأمّا اليتامى فهم جمع يتيمٍ، مثل أسيرٍ وأسارى؛ ويدخل في اليتامى الذّكور منهم والإناث
فمعنى ذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه وحده دون ما سواه من الأنداد وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى، أن تصلوا رحمه، وتعرفوا حقّه، وباليتامى: أن تتعطّفوا عليهم بالرّحمة والرّأفة، وبالمساكين: أن تؤتوهم حقوقهم الّتي ألزمها اللّه أموالكم.
والمسكين: هو المتخشّع المتذلّل من الفاقة والحاجة، وهو مفعيلٌ من المسكنة، والمسكنة هي ذلّ الحاجة والفاقة). [جامع البيان: 2/ 192-193]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسنًا}
إن قال قائلٌ: كيف قيل: {وقولوا للنّاس حسنًا} فأخرج الكلام أمرًا ولمّا يتقدّمه أمرٌ، بل الكلام جارٍ من أوّل الآية مجرى الخبر؟
قيل: إنّ الكلام وإن كان قد جرى في أوّل الآية مجرى الخبر فإنّه ممّا يحسن في موضعه الخطاب بالأمر والنّهي، فلو كان مكان {لا تعبدون إلاّ اللّه}: لا تعبدوا إلاّ اللّه، على وجه النّهي من اللّه لهم عن عبادة غيره كان حسنًا صوابًا؛ وقد ذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ.

وإنّما حسن ذلك وجاز لو كان مقروءًا به لأنّ أخذ الميثاق قولٌ، فكأن معنى الكلام لو كان مقروءًا كذلك: وإذ قلنا لبني إسرائيل لا تعبدوا إلاّ اللّه، كما قال جلّ ثناؤه في موضعٍ آخر: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} فتلقى ذلك بالأمر، كما تقول: قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة، فلمّا كان حسنًا وضع الأمر والنّهي في موضع: {لا تعبدون إلاّ اللّه} عطف بقوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} على موضع {لا تعبدون} وإن كان مخالفًا لفظ كلّ واحدٍ منهما ومعناه معنى صاحبه، لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر والنّهي موضع لا تعبدون؛ فكأنّه قيل: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلاّ اللّه، وقولوا للنّاس حسنًا. وهو نظير ما قدّمنا البيان عنه من أنّ العرب تبتدئ الكلام أحيانًا على وجه الخبر عن الغائب في موضع الحكايات عما أخبرت عنه، ثمّ تعود إلى الخبر على وجه الخطاب، وتبتدئ أحيانًا على وجه الخطاب ثمّ تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب لما في الحكاية من المعنيين؛ كما قال الشّاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً ....... لدينا ولا مقليّةً إن تقلّت
يعني تقليت.
وأمّا الحسن فإنّ القرأة اختلفت في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة غير عاصمٍ: (وقولوا للنّاس حَسَنًا) بفتح الحاء والسّين.
وقرأته عامّة قرّاء المدينة: {حُسْنًا} بضمّ الحاء وتسكين السّين.
وقد روي عن بعض القرّاء أنّه كان يقرأ: (وقولوا للنّاس حسنى) على مثال (فعلى).
واختلف أهل العربيّة في فرق ما بين معنى قوله: حَسَنًا، وحُسْنًا. فقال بعض البصريّين: هو على أحد وجهين:

إمّا أن يكون يراد بالحُسْنِ: الحَسَن، لكنها لغةٌ، كما يقال: البُخْل والبَخَل.
وإمّا أن يكون جعل الحُسْن هو الحَسَن في التّشبيه، وذلك أنّ الحُسْن مصدرٌ، والحَسَن هو الشّيء الحَسَن، ويكون ذلك حينئذٍ كقولك: إنّما أنت أكلٌ وشربٌ، كما قال الشّاعر:
وخيلٍ قد دلفت لها بخيلٍ ....... تحيّة بينهم ضربٌ وجيع
فجعل التّحيّة ضربًا.
وقال آخر: بل الحُسْن هو الاسم العامّ الجامع جميع معاني الحُسْن، والحَسَن هو البعض من معاني الحُسْن، قال: وكذلك قال جلّ ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا} يعني بذلك أنّه وصّاه فيهما بجميع معاني الحُسْن، وأمر في سائر النّاس ببعض الّذي أمره به في والديه فقال: (وقولوا للنّاس حَسَنًا) يعني بذلك بعض معاني الحُسْن.
والّذي قاله هذا القائل في معنى الحُسْن -بضمّ الحاء وسكون السّين- غير بعيدٍ من الصّواب، وأنّه اسمٌ لنوعه الّذي سمّي به. وأمّا الحَسَن فهو صفةٌ ونعت لما وصف به، وذلك يقع لخاصٍّ. وإذا كان الأمر كذلك، فالصّواب من القراءة في قوله: (وقولوا للنّاس حَسَنًا) لأنّ القوم إنّما أمروا في هذا العهد الّذي قيل لهم: وقولوا للنّاس باستعمال الحَسَن من القول دون سائر معاني الحُسْن، الّذي يكون بغير القول، وذلك نعتٌ لخاصٍّ من معاني الحُسْن وهو القول. فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسّين، على قراءته بضمّ الحاء وسكون السّين.
وأمّا الّذي قرأ ذلك: (وقولوا للنّاس حسنى) فإنّه خالف بقراءته إيّاه كذلك قراءة أهل الإسلام، وكفى شاهدًا على خطأ القراءة بها كذلك خروجها من قراءة أهل الإسلام لو لم يكن على خطئها شاهدٌ غيره، فكيف وهي مع ذلك خارجةٌ من المعروف من كلام العرب؟

وذلك أنّ العرب لا تكاد أن تتكلّم بفعلى وأفعل إلاّ بالألف واللاّم أو بالإضافة، لا يقال: جاءني أحسن حتّى يقولوا الأحسن، ولا يقال: أجمل حتّى يقولوا الأجمل، وذلك أنّ الأفعل والفعلى لا يكادان يوجدان صفةً إلاّ لمعهودٍ معروفٍ، كما تقول: بل أخوك الأحسن، وبل أختك الحسنى، وغير جائزٍ أن يقال: امرأةٌ حسنى، ورجلٌ أحسن.
وأمّا تأويل القول الحسن الّذي أمر اللّه به الّذين وصف أمرهم من بني إسرائيل في هذه الآية أن يقولوه للنّاس.
- فهو ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا}: «أمرهم أيضًا بعد هذا الخلق أن يقولوا للنّاس حسنًا: أن يأمروا بلا إله إلاّ اللّه من لم يقلها ورغب عنها حتّى يقولوها كما قالوها، فإنّ ذلك قربةٌ من اللّه جلّ ثناؤه». قال: «والحسن أيضًا: لين القول من الأدب الحسن الجميل، والخلق الكريم، وهو ممّا ارتضاه اللّه وأحبّه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «قولوا للنّاس معروفًا».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «صدقًا في شأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وحدّثت عن يزيد بن هارون، قال: سمعت سفيان الثّوريّ، يقول: في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر».
- حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قول اللّه، جلّ ثناؤه: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «من لقيت من النّاس فقل له حسنًا من القول». قال: وسألت أبا جعفرٍ، فقال مثل ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن أبي جعفرٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ: في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «للنّاس كلّهم».
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ مثله). [جامع البيان: 2/ 193-197]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأقيموا الصّلاة}.
يعني بقوله: {وأقيموا الصّلاة} أدّوها بحقوقها الواجبة عليكم فيها.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عباس، قال: «{وأقيموا الصّلاة}فى هذه الأخلاق، وإقامة الصّلاة تمام الرّكوع والسّجود والتّلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها»). [جامع البيان: 2 /198]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآتوا الزّكاة}.
قد بيّنّا فيما مضى قبل معنى الزّكاة وما أصلها.
- وأمّا الزّكاة الّتي كان اللّه أمر بها بني إسرائيل الّذين ذكر أمرهم في هذه الآية
فهي ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وآتوا الزّكاة} قال: «إيتاء الزّكاة ما كان اللّه فرض عليهم في أموالهم من الزّكاة، وهي سنّةٌ كانت لهم غير سنّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ كانت زكاة أموالهم قربانًا تهبط إليه نارٌ فتحملها، فكان ذلك تقبّله، ومن لم تفعل النّار به ذلك كان غير متقبّلٍ. وكان الّذي قرّب من مكسبٍ لا يحلّ من ظلمٍ أو غشمٍ، أو أخذٍ بغير ما أمر اللّه به وبيّنه له».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «{وآتوا الزّكاة} يعني بالزّكاة: طاعة اللّه والإخلاص»). [جامع البيان: 2/ 198-199]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ تولّيتم إلاّ قليلاً منكم وأنتم معرضون}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن يهود بني إسرائيل أنّهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه، بعدما أخذ اللّه ميثاقهم على الوفاء له بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمّهات، ويصلوا الأرحام، ويتعطّفوا على الأيتام، ويؤدّوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد اللّه بما أمرهم اللّه به ويحثّوهم على طاعته، ويقيموا الصّلاة بحدودها وفرائضها، ويؤتوا زكاة أموالهم. فخالفوا أمره في ذلك كلّه، وتولّوا عنه معرضين، إلاّ من عصمه اللّه منهم فوفى للّه بعهده وميثاقه.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا فرض اللّه جلّ وعزّ عليهم، يعني على هؤلاء الّذين وصف اللّه أمرهم في كتابه من بني إسرائيل، هذا الّذي ذكر أنّه أخذ ميثاقهم به، أعرضوا عنه استثقالاً له وكراهيةً، وطلبوا ما خفّ عليهم إلاّ قليلاً منهم، وهم الّذين استثنى اللّه فقال: {ثمّ تولّيتم}»، يقول: «أعرضتم عن طاعتي {إلاّ قليلاً منكم}»،قال: «القليل الّذين اخترتهم لطاعتي، وسيحلّ عقابي بمن تولّى وأعرض عنها؛ يقول: «تركها استخفافًا بها».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ثمّ تولّيتم إلاّ قليلاً منكم وأنتم معرضون} أي: تركتم ذلك كلّه».
- وقال بعضهم: عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {وأنتم معرضون} اليهود الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعنى بسائر الآية أسلافهم؛ كأنّه ذهب إلى أنّ معنى الكلام: {ثمّ تولّيتم إلاّ قليلاً منكم} ثمّ تولّى سلفكم إلاّ قليلاً منهم، ولكنّه جعل خطابًا لبقايا نسلهم على ما ذكرناه فيما مضى قبل. ثمّ قال: وأنتم يا معشر بقاياهم معرضون أيضًا عن الميثاق الّذي أخذ عليكم بذلك وتاركوه ترك أوائلكم.
- وقال آخرون: بل قوله: {ثمّ تولّيتم إلاّ قليلاً منكم وأنتم معرضون} خطابٌ لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل، وذمٌّ لهم بنقضهم الميثاق الّذي أخذ عليهم في التّوراة وتبديلهم أمر اللّه وركوبهم معاصيه). [جامع البيان: 2/ 199-200]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه}
- وبه، عن ابن عبّاسٍ: «ثمّ قال يؤنّبهم: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي: ميثاقكم {لا تعبدون إلا الله}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه} قال: «أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره {وبالوالدين إحسانًا} إلى آخر الآية».
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} قال: «الميثاق الّذي أخذ عليهم في سورة المائدة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 159-160]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا تعبدون إلا اللّه}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «قوله: {لا تعبدون إلا اللّه} لا تعبدوا غيره»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 160]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وبالوالدين إحسانًا وذي القربى}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، في قول اللّه: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين} قال:«فيما أمركم به من حقّ الوالدين، وذي القربى، واليتامى والمساكين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 160]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وذي القربى}
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: «قوله: {وذي القربى} يعني القرابة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 160]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واليتامى}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن النّزّال بن سبرة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال: «لا يتم بعد الحلم».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أميّة، عن سعيدٍ المقبريّ، عن يزيد بن الهرم: سئل ابن عبّاسٍ عن اليتيم متى ينقضي يتمه؟، فقال: «إذا أونس منه رشدا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 160]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والمساكين}
- حدّثنا هارون بن إسحاق وأحمد بن سنانٍ، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس المسكين بالطّوّاف ولا بالّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان ولا التّمرة والتّمرتان، ولكنّ المسكين المتعفّف الّذي لا يسأل النّاس شيئًا، ولا يفطن له فيتصدّق عليه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 161]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وقولوا للنّاس حسنا}
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن -يعني الدّشتكيّ-، حدّثني أبي، عن أبيه، عن الأشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} يقول: «قولوا للنّاس معروفًا».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن يمانٍ وابن فضيلٍ ومحمّد بن عبيدٍ، قالوا:
ثنا عبد الملك -يعني: بن سليمان-، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين وعطاء بن أبي رباحٍ، في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «للنّاس كلّهم». وكذا روي عن عكرمة.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، في قول اللّه: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «قولوا في محمّدٍ صدقًا أنّه نبيٌّ، ولا تكتموا أمره، وقولوا صدقًا فيما أمركم به من عبادته وطاعته وحدوده».
الوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وقولوا للناس حسنا}: «فالحسن من القول تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحلم وتعفوا وتصفح، وتقول للنّاس حسنًا كما قال اللّه، وهو كلّ خلقٍ حسنٌ رضيه اللّه».
الوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا شهاب بن عبّادٍ، ثنا إبراهيم بن حميد الراسي، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ: {وقولوا للنّاس حسنًا} قال: «هذه الآية أمر بها قبل أن يؤمر بالجهاد».
الوجه السّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، ثنا عبد اللّه بن يوسف- يعني: الثيي-، ثنا خالد بن صبيحٍ، عن حميد بن عقبة، عن أسد بن وداعة، أنّه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديًّا ولا نصرانيًّا إلا سلّم عليه، فقيل له: ما شأنك تسلّم على اليهوديّ والنّصرانيّ؟ فقال: «إنّ اللّه يقول: {وقولوا للنّاس حسنًا} وهو السّلام».
وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ نحو قول أسد بن وداعة). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 161-162]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة}
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قوله: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} قال: كان قتادة يقول:«فريضتان واجبتان أو هما إلى اللّه».

قال أبو محمّدٍ: قد تقدّم تفسيرهما). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 162]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ تولّيتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون}
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ثمّ تولّيتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون} أي: تركتم ذلك كلّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 162]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنتم معرضون}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {لا تسفكون دماءكم} يقول:«لا يقتل بعضكم بعضا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 162]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله} قال:«هذا في ذكر اليهود، إلى قوله:{كأنهم لا يعلمون}»). [تفسير مجاهد: 83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون}.
- أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي: ميثاقكم».
- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} الآية، قال: «أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} قال: «ميثاق أخذه الله على بني إسرائيل فاسمعوا على ما أخذ ميثاق القوم {لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} الآية».
- وأخرج عبد بن حميد، عن عيسى بن عمر، قال: قال الأعمش: «نحن نقرأ (لا يعبدون إلا الله) بالياء لأنا نقرأ آخر الآية (ثم تولوا عنه)، وأنتم تقرؤون {ثم توليتم} فاقرؤوها {لا تعبدون}».
- وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله: {وقولوا للناس حسنا} قال: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمرهم أن يأمروا بلا إله إلا الله من لم يقلها».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وقولوا للناس حسنا} قال: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب في قوله: {وقولوا للناس حسنا} قال:«يعني الناس كلهم».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطاء وأبي جعفر في قوله: {وقولوا للناس حسنا} قالا: «للناس كلهم».
- وأخرج أبو عبيد سعيد بن منصور، وابن المنذر عن عبد الملك بن سليمان: أن زيد بن ثابت كان يقرأ {وقولوا للناس حُسْناً}، وكان ابن مسعود يقرأ (وقولوا للناس حَسَناً).
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثم توليتم}: «أي: تركتم ذلك كله».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ثم توليتم} قال: «أعرضتم عن طاعتي {إلا قليلا منكم} وهم الذين اخترتهم لطاعتي»). [الدر المنثور: 1/ 452-454]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون}.
وقوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} في المعنى والإعراب نظير قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه}.
وأمّا سفك الدّم، فإنّه صبّه وإراقته.
فإن قال قائلٌ: وما معنى قوله: {لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} وقال: أوكان القوم يقتلون أنفسهم، ويخرجونها من ديارها، فنهوا عن ذلك؟
قيل: ليس الأمر في ذلك على ما ظننت، ولكنّهم نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضًا، فكان في قتل الرّجل منهم الرّجل قتل نفسه، إذ كانت ملّتهما واحدة، ودينها واحدا، وكأن أهل الدين الواحد فى ولاية بعضهم بعضا بمنزلة رجلٍ واحدٍ، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بينهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر».
وقد يجوز أن يكون معنى قوله: {لا تسفكون دماءكم} أي: لا يقتل الرّجل منكم الرّجل منكم، فيقاد به قصاصًا، فيكون بذلك قاتلاً نفسه؛ لأنّه كان الّذي سبّب لنفسه ما استحقّت به القتل، فأضيف بذلك إليه قتل وليّ المقتول إيّاه قصاصًا بوليّه، كما يقال للرّجل يركب فعلاً من الأفعال يستحقّ به العقوبة فيعاقب: أنت جنيت هذا على نفسك.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل. ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضًا {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} ونفسك يا ابن آدم أهل ملّتك».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} يقول: «لا يقتل بعضكم بعضًا»، {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} يقول:«لا يخرج بعضكم بعضًا من الدّيار».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن قتادة: في قوله: {لا تسفكون دماءكم} يقول: «لا يقتل بعضكم بعضًا».
- حدّثت عن عمار، قال: حدّثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة: {لا تسفكون دماءكم} يقول: «لا يقتل بعضكم بعضًا بغير حقٍّ،{ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} فتسفك يا ابن آدم دماء أهل ملّتك ودعوتك»). [جامع البيان: 2/ 200-202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أقررتم}.
يعني بقوله: {ثمّ أقررتم} أى: أقررتم بالميثاق الّذي أخذنا عليكم ألا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم.
- كما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ثمّ أقررتم} يقول: «أقررتم بهذا الميثاق».
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع مثله). [جامع البيان: 2/ 202-203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنتم تشهدون}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل فيمن خوطب بقوله {وأنتم تشهدون}؛

- فقال بعضهم: ذلك خطابٌ من اللّه تعالى ذكره لليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أيّام هجرته إليه مؤنّبًا لهم على تضييع أحكام ما في أيديهم من التّوراة الّتي كانوا يقرّون بحكمها، فقال اللّه تعالى لهم: {ثمّ أقررتم} يعني بذلك أقر أوائلكم وسلفكم {وأنتم تشهدون} على إقراركم بأخذ الميثاق عليهم، بأن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وتصدّقون بأنّ ذلك حقٌّ من ميثاقي عليكم. وممّن حكي معنى هذا القول عنه ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «{وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} أنّ هذا حقٌّ من ميثاقي عليكم».
- وقال آخرون: بل ذلك خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن أوائلهم، ولكنّه تعالى ذكره أخرج الخبر بذلك عنهم مخرج المخاطبة على النّحو الّذي وصفنا في سائر الآيات الّتي هي نظائرها الّتي قد بيّنّا تأويلها فيما مضى. وتأوّلوا قوله: {وأنتم تشهدون} على معنى: وأنتم شهودٌ. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: قوله: {وأنتم تشهدون} يقول: «وأنتم شهودٌ».
- وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب عندي أن يكون قوله: {وأنتم تشهدون} خبرًا عن أسلافهم، وداخلاً فيه المخاطبون به الّذين أدركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما كان قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم} خبرًا عن أسلافهم وإن كان خطابًا للّذين أدركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ لأنّ اللّه تعالى أخذ ميثاق الّذين كانوا على عهد رسول اللّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم من بني إسرائيل على سبيل ما قد بيّنه لنا في كتابه، فألزم جميع من بعدهم من ذرّيّتهم من حكم التّوراة مثل الّذي ألزم منه من كان على عهد موسى منهم. ثمّ أنّب الّذين خاطبهم بهذه الآيات على نقضهم ونقض سلفهم ذلك الميثاق، وتبديلهم ما وكّدوا على أنفسهم له بالوفاء من العهود بقوله: {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون}،
وإن كان خارجًا على وجه الخطاب للّذين كانوا على عهد نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم منهم، فإنّه معنيٌّ به كلّ من أقر بالميثاق منهم على عهد موسى ومن بعده، وكلّ من شهد منهم بتصديق ما في التّوراة؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يخصّص بقوله: {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} وما أشبه ذلك من الآي بعضهم دون بعضٍ؛ والآية محتملةٌ أن يكون أريد بها جميعهم. فإذ كان ذلك كذلك فليس لأحدٍ أن يدّعي أنّه أريد بها بعضٌ منهم دون بعضٍ. وكذلك حكم الآية الّتي بعدها، أعني قوله: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} الآية؛ لأنّه قد ذكر لها أنّ أوائلهم قد كانوا يفعلون من ذلك ما كان يفعله أواخرهم الّذين أدركوا عصر نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 2/ 203-205]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون (84) ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (85)}
قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} قال:«إنّ اللّه أخذ على بني إسرائيل في التّوراة أن لا يقتل بعضهم بعضًا».

وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو قول أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 163]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} يقول:«لا يخرج بعضكم بعضًا من الدّيار، وكان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قومًا أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم».

وروي عن الحسن والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو قول الأوّل إلى ذكر الدّيار). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 163]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون}
- حدّثنا محمّد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون}: «أنّ هذا حقٌّ من ميثاقي عليكم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} يقول: «أقررتم بهذا الميثاق وأنتم شهودٌ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 163]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}.
- أخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ (لا تسفكون دماءكم) بنصب التاء وكسر الفاء ورفع الكاف.
- وأخرج عبد بن حميد عن طلحة بن مصرف أنه قرأها (تسفكون) برفع الفاء.
- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} يقول:«لا يقتل بعضكم بعضا»، {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} يقول: «لا يخرج بعضكم بعضا من الديار {ثم أقررتم} بهذا الميثاق»، {وأنتم تشهدون} يقول: «وأنتم شهود».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثم أقررتم وأنتم تشهدون}:«إن هذا حق من ميثاقي عليكم {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} أي: أهل الشرك حتى تسفكوا دماءكم معهم»، {وتخرجون فريقا منكم من ديارهم} قال:«تخرجونهم من ديارهم معهم {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة من الأوس، وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم، فإذا وضعت أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم {وهو محرم عليكم} في كتابكم {إخراجهم}، {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفرا بذلك».
- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب، فقال له عبد الله بن سلام: «أما مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن».
- وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قرأ {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم}.
- وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه قرأ {أسارى تفادوهم}.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: «في قراءتنا (وإن يؤخذوا تفدوهم)».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «يكون أول الآية عاما، وآخرها خاصا»، وقرأ هذه الآية: {ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}.
- وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة} قال: «استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة»). [الدر المنثور: 454-457]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم}]
- نا أبو معاوية، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يقرأ: (وإن يأتوكم أسرى).
- نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم أنّه كان يقرأ: (وإن يأتوكم أسرى تفدوهم).
- نا سفيان، عن حميد، أنّه كان يقرأ: (أسرى).
- نا هشيم، قال: نا عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: (أسارى تفادوهم) ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 568-570]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}.
ويتّجه في قوله: {ثمّ أنتم هؤلاء} وجهان:

أحدهما أن يكون أريد به: ثمّ أنتم يا هؤلاء، فترك (يا) استغناءً بدلالة الكلام عليه، كما قال: {يوسف أعرض عن هذا} وتأويله: يا يوسف أعرض عن هذا، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: ثمّ أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل، بعد إقراركم بالميثاق الّذي أخذته عليكم ألا تسفكوا دماءكم ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم، ثمّ أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأنّ ذلك حقٌّ لي عليكم لازمٌ لكم الوفاء لي به {تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم} متعاونين عليهم في إخراجكم إيّاهم بالإثم والعدوان.
والتّعاون: هو التّظاهر؛ وإنّما قيل: للتّعاون التّظاهر، لتقوية بعضهم ظهر بعضٍ، فهو تفاعلٌ من الظّهر، وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعضٍ.
والوجه الآخر أن يكون معناه: ثمّ أنتم القومٌ تقتلون أنفسكم؛ فيرجع إلى الخبر عن أنتم، وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم بهؤلاء، كما تقول العرب: أنا ذا أقوم، وأنا هذا أجلس، وإذ قيل: أنا هذا أجلس كان صحيحًا جائزًا، كذلك أنت ذاك تقوم.
وقد زعم بعض البصريّين أنّ قوله: {هؤلاء} في قوله: {ثمّ أنتم هؤلاء} تنبيهٌ وتوكيدٌ لأنتم، وزعم أنّ أنتم وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين، فإنّما جاز أن يؤكّدوا بهؤلاء وهؤلاء لايؤكد بها، لأنّها كنايةٌ عن المخاطبين، كما قال خفاف بن ندبة:


أقول له والرّمح يأطر متنه ....... تأمل خفافًا إنّني أنا ذلكا
يريد: أنا هذا. وكما قال جلّ ثناؤه: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن عني بهذه الآية نحو اختلافهم فيمن عني بقوله: {وأنتم تشهدون}.

ذكر اختلاف المختلفين في ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} إلى أهل الشّرك حتّى تسفكوا دماءهم معهم، وتخرجوهم من ديارهم معهم».

فقال: «ابتلاهم اللّه بذلك من فعلهم، وقد حرّم عليهم في التّوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم؛ فكانوا فريقين طائفةٌ منهم من بنو قينقاعٍ ولفهم حلفاء الخزرج والنّضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حربٌ خرجت بنو قينقاعٍ مع الخزرج، وخرجت النّضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلٌّ من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتّى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التّوراة يعرفون منها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شركٍ يعبدون الأوثان لا يعرفون جنّةً ولا نارًا، ولا بعثًا، ولا قيامةً، ولا كتابًا، ولا حرامًا، ولا حلالاً؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التّوراة وأخذا به بعضهم من بعضٍ: يفتدي بنو قينقاعٍ ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، وتفتدي النّضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلّون ما أصابوا من الدّماء وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرةً لأهل الشّرك عليهم».
يقول اللّه تعالى ذكره حين أنّبهم بذلك: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} أي: يفاديه بحكم التّوراة ويقتلونه؛ وفي حكم التّوراة ألا يفعل ويخرجه من داره، ويظاهر عليه من يشرك باللّه ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرضٍ من عرض الدّنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصّة.
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} قال: «إنّ اللّه أخذ على بني إسرائيل في التّوراة أن لا يقتل بعضهم بعضًا، وأيّما عبدٍ أو أمةٍ وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه فأعتقوه. فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنّضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب سميرٍ، فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها النّضير وحلفاءها. وكانت النّضير تقاتل قريظة وحلفاءها فيغلبونهم، فيخربون بيوتهم ويخرجونهم منها، فإذا أسر الرّجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتّى يفدوه، فتعيّرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنّا أمرنا أن نفديهم وحرّم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنّا نستحيي أن تستذلّ حلفاؤنا. فذلك حين عيّرهم جلّ وعزّ فقال: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «كانت قريظة والنّضير أخوين، وكانوا بهذه البلدة، وكان الكتاب بأيديهم. وكانت الأوس والخزرج أخوين فافترقا، وافترقت قريظة والنّضير، فكانت النّضير مع الخزرج، وكانت قريظة مع الأوس. فاقتتلوا، وكان بعضهم يقتل بعضًا، فقال اللّه جلّ ثناؤه: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم} الآية».
- وقال آخرون بما حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «كان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قومًا أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم».
وأمّا العدوان فهو الفعلان من التّعدّي، يقال منه: عدا فلانٌ في كذا عدوًا وعدوانًا، واعتدى يعتدي اعتداءٍ، وذلك إذا جاوز حدّه ظلمًا وبغيًا.
وقد اختلف القرّاء في قراءة: {تظاهرون} فقرأها بعضهم: {تظاهرون}، على مثال تفاعلون فحذف التّاء الزّائدة وهي التّاء الآخرة. وقرأها آخرون: (تظّاهرون) فشدّد بتأويل (تظاهرون) غير أنّهم أدغموا التّاء الثّانية في الظّاء لتقارب مخرجيهما فصيّروهما ظاءً مشدّدةً.
وهاتان القراءتان وإن اختلفت ألفاظهما فإنّهما متّفقتا المعنى، فسواءٌ بأيّ ذلك قرأ القارئ لأنّهما جميعًا لغتان معروفتان وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحدٍ ليس في إحداهما معنى تستحقّ به اختيارها على الأخرى إلاّ أن يختار مختارٌ (تظّاهرون) المشدّدة طلبًا منه تتمّة الكلمة). [جامع البيان: 2/ 205-209]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} اليهود يؤنبهم بذلك، ويعرّفهم به قبيح أفعالهم الّتي كانوا يفعلونها. فقال لهم: ثمّ أنتم بعد إقراركم بالميثاق الّذي أخذته عليكم أن لا تسفكوا دماءكم ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم {تقتلون أنفسكم} يعني به يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم مع قتلكم من تقتلون منكم إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم تفدونه ويخرج بعضكم بعضًا من دياره. وقتلكم إيّاهم وإخراجكم لهم من ديارهم حرامٌ عليكم وتركهم أسرى في أيدي عدوّكم، فكيف تستجيزون قتلهم ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوّهم؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم وتستجيزون قتلهم؟ وهم جميعًا في اللاّزم لكم من الحكم فيهم سواءٌ؛ لأنّ الّذي حرّمت عليكم من قتلهم وإخراجهم من دورهم نظير الّذي حرّمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوّهم {أفتؤمنون ببعض الكتاب} الّذي فرضت عليكم فيه فرائضي وبيّنت لكم فيه حدودي وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي فتصدّقون به، فتفادون أسراكم من أيدي عدوّكم؛ وتكفرون ببعضه فتجحدونه فتقتلون من حرّمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم، وتخرجونهم من ديارهم؟ وقد علمتم أنّ الكفر منكم ببعضه نقضٌ منكم عهدي وميثاقي.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} فادين، واللّه إنّ فداءهم لإيمانٌ وإنّ إخراجهم لكفرٌ، فكانوا يخرجونهم من ديارهم، وإذا رأوهم أسارى في أيدي عدوّهم افتكّوهم».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «(وإن يأتوكم أسارى تفدوهم) قد علمتم أنّ ذلكم عليكم في دينكم {وهو محرّمٌ عليكم} في كتابكم {إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفرًا بذلك».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم) يقول: «إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، قال: قال أبو جعفرٍ: كان قتادة يقول في قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}: «فكان إخراجهم كفرًا، وفداؤهم إيمانًا».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} الآية، قال: «كان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قومًا أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وأخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم أن يفادوهم. فأخرجوهم من ديارهم ثمّ فادوهم. فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضٍ؛ آمنوا بالفداء ففدوا، وكفروا بالإخراج من الدّيار فأخرجوا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، قال: حدّثنا الرّبيع بن أنسٍ، قال: أخبرني أبو العالية: أنّ عبد اللّه بن سلامٍ، مرّ على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادى من النّساء من لم يقع عليه العرب ولا يفادى من وقع عليه العرب، فقال له عبد اللّه بن سلامٍ: «أما إنّه مكتوبٌ عندك في كتابك أن فادوهنّ كلّهنّ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} قال: «كفرهم: القتل والإخراج، وإيمانهم: الفداء».
قال ابن جريجٍ:«يقول: إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم. وأمّا إذا أسروا تفدونهم؟ وبلغني أنّ عمر بن الخطّاب قال في قصّة بني إسرائيل: إنّ بني إسرائيل قد مضوا وإنّكم يا أهل الإسلام تعنون بهذا الحديث».
واختلف القرّاء في قراءة قوله: (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم)، فقرأه بعضهم: (أسرى تفدوهم) وبعضهم: {أسارى تفادوهم}، وبعضهم: (أسارى تفدوهم) وبعضهم: (أسرى تفادوهم).
فمن قرأ ذلك: (وإن يأتوكم أسرى) فإنّه أراد جمع الأسير، إذ كان على فعيلٍ على مثال جمع أسماء ذوي العاهات الّتي يأتي واحدها على تقدير فعيلٍ، إذ كان الأسر شبيه المعنى في الأذى والمكروه الدّاخل على الأسير ببعض معاني العاهات؛ وألحق جمع المسى به بجمع ما وصفنا، فقيل أسيرٌ وأسرى، كما قيل مريضٌ ومرضى وكسيرٌ وكسرى، وجريحٌ وجرحى.
وأمّا الّذين قرءوا ذلك: {أسارى}، فإنّهم أخرجوه على مخرج جمع فعلان، إذ كان جمع فعلان الّذي له فعلى قد يشارك جمع فعيلٍ، كما قالوا سكارى وسكرى وكسالى وكسلى، فشبّهوا أسيرًا وجمعوه مرّةً أسارى وأخرى أسرى بذلك.
وكان بعضهم يزعم أنّ معنى الأسرى مخالفٌ معنى الأسارى، ويزعم أنّ معنى الأسرى استئسار القوم بغير أسرٍ من المستأسر لهم، وأنّ معنى الأسارى معنى مصير القوم المأسورين في أيدي الآسرين بأسرهم وأخذهم قهرًا وغلبةً.
قال أبو جعفرٍ: وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحدٍ من العرب، ولكنّ ذلك على ما وصفت من جمع الأسير مرّةً على فعلى لما بيّنت من العلّة، ومرّةً على فعالى لما ذكرت من تشبيههم جمعه بجمع سكران وكسلان وما أشبه ذلك.
وأولى القراءات بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ: (وإن يأتوكم أسرى) لأنّ فعالى في جمع فعيلٍ غير مستفيضٍ في كلام العرب.
فإذا كان ذلك غير مستفيضٍ في كلامهم، وكان مستفيضًا فاشيًا فيهم جمع ما كان من الصّفات الّتي بمعنى الآلام والزّمانة واحدةً على تقدير فعيلٍ على فعلى كالّذي وصفنا قبل، وكان أحد ذلك الأسير؛ كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله فيجمع جمعها دون غيرها ممّن خالفها.
وأمّا من قرأ: {تفادوهم} فإنّه أراد أنّكم تفدونهم ممن أسرهم، ويفدى منكم، الّذين أسروهم ففادوكم بهم، أسراهم منكم.
وأمّا من قرأ ذلك: (تفدوهم) فإنّه أراد أنّكم يا معشر اليهود إن أتاكم الّذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم.
وهذه القراءة أعجب إليّ من الأولى، أعني: (أسرى تفدوهم) لأنّ الّذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكلّ حالٍ فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم.
وأمّا قوله: {وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم} فإنّ في قوله: {وهو} وجهين من التّأويل؛

أحدهما: أن يكون كنايةً عن الإخراج الّذي تقدّم ذكره، كأنّه قال: وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم، وإخراجهم محرّمٌ عليكم. ثمّ كرّر الإخراج الّذي بعد وهو محرّمٌ عليكم تكريرًا على هو، لما حال بين الإخراج وهو كلامٌ.
والتّأويل الثّاني: أن يكون عمادًا لمّا كانت الواو الّتي مع هو تقتضي اسمًا يليها دون الفعل، فلمّا قدّم الفعل قبل الاسم الّذي تقتضيه الواو أن يليها أوليت هو لأنّه اسمٌ، كما تقول: أتيتك وهو قائمٌ أبوك، بمعنى: وأبوك قائمٌ، إذ كانت الواو تقتضي اسمًا فعمدت بهو، إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام؛ كما قال الشّاعر:


فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته ....... على العيس في آباطها عرقٌ يبس
بأنّ السّـلاميّ الّذي بـضـريّــــةٍ ....... أمير الحمى قد باع حقّي بني عبس
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ ....... فهل هو مرفوعٌ بما ههنا رأس

فأوليت هل لطلبها الاسم العماد). [جامع البيان: 2/ 210-215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدّنيا}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} فليس لمن قتل منكم قتيلاً فكفر بقتله إيّاه ببعض حكم اللّه الّذي حكم به عليه في التّوراة، وأخرج منكم فريقًا من ديارهم مظاهرًا عليهم أعداءهم من أهل الشّرك ظلمًا وعدوانًا وخلافًا لما أمره اللّه به في كتابه الّذي أنزله إلى موسى، جزاءٌ، يعني بالجزاء: الثّواب وهو العوض ممّا فعل من ذلك والأجر عليه {إلاّ خزيٌ في الحياة الدّنيا} والخزي الذّلّ والصّغار، يقال منه: خزي الرّجل يخزى خزيًا {في الحياة الدّنيا}، يعني في عاجل الدّنيا قبل الآخرة.
ثمّ اختلف في الخزي الّذي جزاهم اللّه بما سلف منهم من معصيتهم إيّاه:

- فقال بعضهم: ذلك هو حكم اللّه الّذي أنزله إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أخذ القاتل بمن قتل والقود به قصاصًا، والانتقام للمظلوم من الظّالم.
- وقال آخرون: بل ذلك هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم ذلّةً لهم وصغارًا.
- وقال آخرون: بل ذلك الخزي الّذي جوزوا به في الدّنيا إخراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّضير من ديارهم لأوّل الحشر، وقتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريّهم؛ فكان ذلك خزيًا في الدّنيا، ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ). [جامع البيان:2/ 215-216]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب}.
يعني بقوله: {ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} ويوم تقوم السّاعة يردّ من يفعل ذلك منكم بعد الخزي الّذي يحلّ به في الدّنيا جزاءً على معصية اللّه إلى أشدّ العذاب الّذي أعدّ اللّه لأعدائه.
وقد قال بعضهم: معنى ذلك: {ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} من عذاب الدّنيا. ولا معنى لقول قائل ذلك. ذلك بأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما أخبر أنّهم يردّون إلى أشدّ معاني العذاب؛ ولذلك أدخل فيه الألف واللاّم، لأنّه عنى به جنس العذاب كلّه دون نوعٍ منه). [جامع البيان: 2/ 216]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}.
اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: (وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون) بالياء على وجه الإخبار عنهم، فكأنّهم نحوا بقراءتهم معنى: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون) يعني عمّا يعمله الّذين أخبر اللّه عنهم أنّه ليس لهم جزاءٌ على فعلهم إلاّ الخزي في الحياة الدّنيا، ومرجعهم في الآخرة إلى أشدّ العذاب.
وقرأه آخرون: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} بالتّاء على وجه المخاطبة؛ قال: فكأنّهم نحوا بقراءتهم: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}، {وما اللّه بغافلٍ} يا معشر اليهود {عمّا تعملون} أنتم.
وأعجب القراءتين إلى قراءة من قرأ بالياء إتباعًا لقوله: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} ولقوله: {ويوم القيامة يردّون} لأنّ قوله: (وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون) إلى ذلك أقرب منه إلى قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} فإتباعه الأقرب إليه أولى من إلحاقه بالأبعد منه.
والوجه الآخر غير بعيدٍ من الصّواب.
وتأويل قوله: (وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون) وما اللّه بساهٍ عن أعمالهم الخبيثة، بل هو محصٍ لها وحافظها عليهم حتّى يجازيهم بها في الآخرة ويخزيهم في الدّنيا فيذلّهم ويفضحهم بها). [جامع البيان: 2/ 217]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} أي: أهل الشّرك حتّى يسفكوا دماءهم معهم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال: «فكانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النّضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حربٍ سميرٍ فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها. النضير وحلفائهم. وكانت النّضير تقاتل قريظة وحلفاءها ويغلبون فيخرّبون ديارهم ويخرجونهم منها فإذا أسر رجلٌ من الفريقين كليهما جمعوا له حتّى يفدوه فتعيّرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم، قالوا: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، قالوا: إنا نستحي أن يستدل بحلفائنا. فذلك حين عيّرهم اللّه فقال: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم}».
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} يقول:«يقتل بعضكم بعضًا».
وروي عن الحسن وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 163-164]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {
وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم} قال: «يخرجونهم من ديارهم معهم».

وروي عن الحسن، وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 164]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}
- به، عن ابن عبّاسٍ: {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} قال: «فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حربٌ خرجت بنو قينقاعٍ مع الخزرج، وخرجت النّضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلّ واحدٍ من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتّى يتسافكوا دماءهم بينهم».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا حمدان بن الوليد البصريّ -يعني البسريّ-، ثنا محمّد بن جعفرٍ -يعني غندر-، ثنا شعبة، عن السّدّيّ قال: «نزلت هذه الآية في قيس بن خطيمٍ: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 164]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بالإثم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {بالإثم}:«بعد المعصية».
وروي عن مقاتل بن حيّان مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والعدوان}
- به، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {العدوان} قال:«بعض الظّلم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم}
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أنّ ذلك عليكم في دينكم».
- حدثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهليّ بلنجرٍ، فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا، واشترى عبد اللّه بن سلامٍ يهوديّةً بسبعمائة درهمٍ، فلمّا مرّ برأس الجالوت نزل به فقال له عبد اللّه: «يا رأس الجالوت هل لكم في عجوزٍ هاهنا من أهل دينك تشتريها منّي؟»، قال: نعم. قال: «أخذتها بسبعمائة درهمٍ». قال: فإنّي أربحك سبعمائةٍ أخرى. قال: «فإنّي قد حلفت أن لا أنقصها من أربعة آلافٍ». قال: لا حاجة لي فيها. قال: «والله لتشتريها منّي أو لتكفرنّ بدينك الّذي أنت عليه». قال: «ادن منّي، فدنا منه فقرأ في أذنه الّتي في التّوراة: إنّك لا تجد مملوكًا في بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم}»، قال: أنت عبد اللّه بن سلامٍ؟ قال: «نعم». قال: فجاء بأربعةٍ فأخذ عبد اللّه ألفى درهمٍ، وردّ عليه ألفين.
- حدّثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ؟ أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «وقد أخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم أن يفادوهم، فأخرجوهم من ديارهم ثمّ فادوهم».

قوله: {وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم} في كتابكم {إخراجهم}».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم} قال: «واللّه إنّ فداءهم لإيمانٌ، وإنّ إخراجهم لكفرٌ»). [تفسير القرآن العظيم:1/ 165-166]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أفتؤمنون ببعض الكتاب} قال: «كان إيمانهم ببعض الكتاب حين فدوا الأسارى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 166]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وتكفرون ببعضٍ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ: «{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفرًا بذلك، {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} يقول الله حين أنبائهم بذلك: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} أي: تفاديه بحكم التّوراة، وتقتله وفي حكم التّوراة ألا تفعل، وتخرجه من داره، وتظاهر عليه من يشرك باللّه ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدّنيا، ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج نزلت هذه القصّة».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} فكان إيمانهم ببعض الكتاب حين فدوا الأسارى، وكفرهم حين قتل بعضهم بعضًا، {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدّنيا}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: «فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضٍ، آمنوا بالفدية ففدوا، وكفروا بالإخراج من الدّيار فأخرجوا».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا أبو شيبة -يعني شعيب بن زريقٍ-، عن عطاءٍ الخراسانيّ، في قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}: «فكفرهم أنّهم كانوا يقتلون أبناءهم وأنفسهم. وإيمانهم أنّهم كانوا يرون حقًّا عليهم أن يفادوا من وجدوا منهم أسيرًا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 166-167]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزيٌ في الحياة الدّنيا}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} إلى قوله: {ولا هم ينصرون}: «فأنبأهم بذلك من فعلهم، وقد حرّم عليهم في التّوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فداء أسراهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 167]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عفّان، ثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن حبيبٍ السّلميّ، قال:«كان يكون أوّل الآية عامًّا، وآخرها خاصًّا»، وقرأ هذه الآية: {يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 167]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}.
يعني بقوله -جلّ ثناؤه- أولئك الّذين أخبر عنهم أنّهم يؤمنون ببعض الكتاب فيفادون أسراهم من اليهود، ويكفرون ببعضٍ، فيقتلون من حرّم اللّه عليهم قتله من أهل ملّتهم، ويخرجون من داره من حرّم اللّه عليهم إخراجه من داره، نقضًا لعهد اللّه وميثاقه في التّوراة إليهم. فأخبر جلّ ثناؤه أنّ هؤلاء الّذين اشتروا رياسة الحياة الدّنيا على الضّعفاء وأهل الجهل والغباء من أهل ملّتهم، وابتاعوا المآكل الخسيسة الرّديئة فيها، بالإيمان الّذي كان يكون لهم به في الآخرة لو كانوا أتوا به مكان الكفر الخلود في الجنّان. وإنّما وصفهم اللّه جلّ ثناؤه بأنّهم اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة لأنّهم رضوا بالدّنيا بكفرهم باللّه فيها عوضًا من نعيم الآخرة الّذي أعدّه اللّه للمؤمنين، فجعل تركهم حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم باللّه ثمنًا لما ابتاعوه به من خسيس الدّنيا.
- كما حدّثنا بشر بن معاذ قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة:«قوله: {أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة} استحبّوا قليل الدّنيا على كثير الآخرة».
ثمّ أخبر اللّه -جلّ ثناؤه- أنّهم إذ باعوا حظوظهم من نعيم الآخرة بتركهم طاعته، وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدّنيا عليه،
فلا حظّ لهم في نعيم الآخرة، وأنّ الّذي لهم في الآخرة العذاب غير مخفّفٍ عنهم فيها العذاب؛ لأنّ الّذي يخفّف عنه فيها من العذاب هو الّذي له حظٌّ في نعيمها، ولا حظّ لهؤلاء لاشترائهم كان في الدّنيا دنياهم بآخرتهم.
وأمّا قوله: {ولا هم ينصرون} فإنّه أخبر عنهم أنّه لا ينصرهم في الآخرة أحدٌ فيدفع عنهم بنصرته عذاب اللّه، لا بقوّته ولا بشفاعته ولا غيرهما). [جامع البيان: 2/ 218-219]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (86)}
قوله: {أولئك الذين اشتروا}
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، أخبرني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {أولئك}: «الّذين ذكر اللّه في هذه الآية».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {أولئك الّذين اشتروا} قال: «استحبّوا».
- وبه، عن قتادة: «قوله: {أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة} استحبّوا قليل الدّنيا على كثير الآخرة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 167]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا يخفّف عنهم العذاب}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: {فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} قال: «هو كقوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 167]


رد مع اقتباس