عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:18 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الرّضاعة...}
القرّاء تقرأ بفتح الراء.
وزعم الكسائيّ أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر.
فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشيء مهارة ومهارة؛ والرّضاع والرّضاع فيه مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد).
[معاني القرآن: 1/149]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يريد: لا تضارّر، وهو في موضع جزم. والكسر فيه جائز "لا تضارّ والدة" ولا يجوز رفع الراء على نيّة الجزم، ولكن نرفعه على الخبر.
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا} فقد يجوز أن يكون: رفعا على نيّة الجزم؛ لأن الراء الأوّلى مرفوعة في الأصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز {لا تضارّ} بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهي مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون في معنى رفع. وقد قرأ عمر بن الخطّاب "ولا يضار كاتب ولا شهيد".

ومعنى {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول: لا ينزعنّ ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها.
{ولا مولودٌ لّه بولده}
يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيّها وألفها وعرفها فلا تضارّنّ الزوج في دفع ولده إليه).
[معاني القرآن: 1/149-150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تضارّ والدةٌ بولدها} رفعٌ، خبر، ومن قال: {لا تضارّ} بالنصب؛ فإنما أراد {لا تضارر}، نهىٌ). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ لّه بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ مّنهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم مّا آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} لأنه يقول: "بيني وبينك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللّؤم والرّضاعة" وهي في كل شيء مفتوحة.
وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول "الرّضاعة".

وقال: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينبغي" فلما حذف "ينبغي" وصار "تضارّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} فخبر {والّذين يتوفّون}{يتربّصن} بعد موتهم" ولم يذكر "بعد موتهم" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينبغي لهنّ أن يتربّصن" فلما حذف "ينبغي" وقع "يتربّصن" موقعه. قال الشاعر:
على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى = قضيّته أن لا يجور ويقصد
فرفع "ويقصد" على قوله: "وينبغي". ومن جعل {لا تضارّ} على النهي قال: {لا تضارّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فأما من ضعف فإنه يقول {لا تضارر} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت "لا تفاعل" وأنت تنهي. إلا أن "تضار" ههنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة). [معاني القرآن: 1/143-144]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {لمن أراد أن يتم الرضاعة} بنصب الراء.
مجاهد "أن تتم الرضاعة" بالرفع.
قراءة أبي عمرو {لا تضار والدة} بالرفع؛ والرفع إنما هو في الخبر، وهو بعيد بعيد على الخبر؛ لأنها قد تضار، إلا في لغة من قال: عض وشم، وذلك قليل؛ أو على لغة من قال: لا يبعد الله فلانًا، ولا يغفر الله له، فيرفع على التشبيه بالخبر؛ لأنه في لفظه، وهو دعاء.
[معاني القرآن لقطرب: 270]
قراءة الحسن {لا تضار والدة} بالفتح، وذلك حسن على النهي.
ابن عباس رحمه الله "لا تضارر" بالجزم ويضاعف، وذلك حسن لولا مخالفة الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 271]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {يرضعن} فالفعل: رضع الصبي، يرضع رضعًا، وقالوا: هو الرضاع والرضاع، والرضاعة بالفتح إذا أدخلوا الهاء، من قوله: {لمن أراد أن يتم الرضاعة}؛ وقال: وقد حكي لنا: الرضاعة، بالكسر). [معاني القرآن لقطرب: 367]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا تكلف نفس إلا وسعها} فالوسع: الطاقة، من الاتساع للشيء والوصول إليه.
وقال ابن الرقاع:
فزادك رب الناس شكرا بفضله = وفي كل ما أعطاك من سعة وسعا
وأما قوله {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} كأن المعنى - والله أعلم - لأولادكم؛ فترك اللام؛ ومثله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا}، أي اختار من قومه، فحذف "من" كما حذف اللام؛ إلا أن هذا قد يجوز أن يكون حالاً ولا
[معاني القرآن لقطرب: 367]
يكون حذف شيئًا؛ يكون المعنى: اختارهم سبعين رجلاً؛ أي في هذه الحال من العدد؛ كقولك: اختارهم فرسانا أو شبانا.
وقال المتلمس فيما حذف:
ىليت حب العراق الدهر آكله = والحب يأكله في القرية لاسوس
كأنه قال: آليت على حب العراق، كقولك: حلفت على كذا وكذا، كقول الراعي:
اخترتك الناس إذ غثت خلائقهم = واعتل من كان يرجى عنده السؤل
يريد: من الناس.
ويقال: أدخلته السوق فقام درهمين؛ أي قام بدرهمين). [معاني القرآن لقطرب: 368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها} أي: طاقتها.
{لا تضارّ والدةٌ بولدها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{ولا مولودٌ له بولده}يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
و(الفصال): الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فصل عن أمه.
وأصل الفصل: التفريق).
[تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.

ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.

ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى {حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.

ومعنى {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.

الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى {لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك} أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الإلزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال: تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال {وفصاله في عامين}.
وقال ابن عباس: فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر.
والفائدة في {كاملين}: أن المعنى كاملين للرضاعة.
كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي: من الهدي.
وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن يأتي بعد هذا شيء آخر أو تكون العشرة ساعات.
ثم قال تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي: ذلك وقت لتمام الرضاعة وليس بعد تمام الرضاعة رضاع). [معاني القرآن: 1/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي: على الأب الذي ولد له {رزقهن وكسوتهن} أي: رزق الأمهات وكسوتهن {بالمعروف} أي: لا تقصير في النفقة والكسوة ولا شطط). [معاني القرآن: 1/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على النهي
وقرا أبان عن عاصم {لا تضارر والدة} بكسر الراء الأولى.
وقيل المعنى: لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على أبيه.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا تضار والدة} بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الإلزام.
وروى يونس عن الحسن قال: يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا أرضعه.
ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: {وعلى الوارث} أن لا يضار.
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك.
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع.
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه.
قال أبو جعفر: وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا
قال أبو جعفر: والقول الأول أبين لأن الأب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن). [معاني القرآن: 1/217-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}
قال مجاهد وقتادة: أي فطاما دون الحولين.
قال أبو جعفر: وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير إضرار منهما بالولد.
ثم قال: {فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أي: تسترضعوهم قوما
قال أبو إسحاق: أي: لأولادكم غير الوالدة.
{فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم} أي: سلمتم ما أعطيتم من ترك الإضرار.
وقال مجاهد: إذا سلمتم حساب ما أرضع به الصبي). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وسعها} طاقتها.
(والفصال) الفطام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن...}
يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن (الذين)؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر،
وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى.
قال: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إنّ ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلّة حلّت
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة * على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال: لعلّي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم} إلا أن الهاء من قوله: {وصيّة لأزواجهم} رجعت على {الذين} فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا؛ كقولك: عبد الله ضربته.
وقال: {وعشراً} ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام.
فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما} فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالي أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلّبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأمّا المختلط فقول الشاعر:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام.
وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام.
ومثل ذلك في الكلام أن تقول:
عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر.
وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة؛ فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة.
ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث.

وقوله: {من خطبة النّساء} الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة؛ يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول]: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا، ولو أراد مرّة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة؛ كما قال المشية.
وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعةٍ لي من أرضي؛ يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

وقوله: {أو أكننتم} للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ * من اللاتي تكنّ من الصقيع
وبعضهم [يرويه] تكنّ من أكننت. وأمّا قوله: "لؤلؤ مكنون" و"بيض مكنون" فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى). [معاني القرآن: 1/150-153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فلا جناح عليكم} فالجناح: التباعة؛ وهو الذنب.
وقال الحارث بن حلزة:
أعلينا جناح كندة أن يغـــ = ـــنم غازيهم ومنا الجزاء
وقال بشر:
إذا قطعت براكبها خليجا = تذكر ما لديه من جناح
وسنذكر هذا اللفظ وما فيه في قوله: {وإن جنحوا للسلم} ). [معاني القرآن لقطرب: 366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ} أي: منتهى العدة.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح). [تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير}
هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة.
وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول:
1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم،
2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب.

3- وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك " الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول.
قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن.
وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما
المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه.
وهذا القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه.
والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين.
ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام.
زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب.
وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة "
أنشد سيبوبه:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا
قال سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور.
(قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ} أي: غاية هذه الأشهر والعشر.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها.
وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {والذين يتوفون منكم} بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون أعمارهم أي يستوفونها والله أعلم). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
العشر: عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها.
قال محمد بن يزيد: المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها إن كانت حاملا.
قال الأصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض.
وقال غيره: أركضت فهي مركض وأنشد:

ومركضة صريحي أبوها = تهان له الغلامة والغلام). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
قال الضحاك: أجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: النكاح الحلال الطيب). [معاني القرآن: 1/223-224]



رد مع اقتباس