عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 12:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للنّاس حسنًا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ثمّ تولّيتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون (83)}
يذكّر -تبارك وتعالى- بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر، وأخذ ميثاقهم على ذلك، وأنّهم تولّوا عن ذلك كلّه، وأعرضوا قصدًا وعمدًا، وهم يعرفونه ويذكرونه، فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. وبهذا أمر جميع خلقه، ولذلك خلقهم كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل: 36]، وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حقّ اللّه تعالى، أن يعبد وحده لا شريك له، ثمّ بعده حقّ المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حقّ الوالدين، ولهذا يقرن اللّه تعالى بين حقّه وحقّ الوالدين، كما قال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير} [لقمان: 14]، وقال تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانًا} الآية، إلى أن قال: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل} [الإسراء: 23-26]، وفي الصّحيحين، عن ابن مسعودٍ، قلت: يا رسول اللّه، أيّ العمل أفضل؟ قال: «الصّلاة على وقتها». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «برّ الوالدين». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «الجهاد في سبيل اللّه». ولهذا جاء في الحديث الصّحيح: أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، من أبرّ؟ قال: «أمّك». قال: ثمّ من ؟ قال: «أمّك». قال: ثمّ من؟ قال: «أباك، ثم أدناك أدناك».
[وقوله: {لا تعبدون إلا اللّه} قال الزّمخشريّ: خبرٌ بمعنى الطّلب، وهو آكد.
وقيل: كان أصله: ألّا تعبدوا كما قرأها بعض السّلف فحذفت (أن) فارتفع، وحكي عن أبيٍّ وابن مسعودٍ، رضي اللّه عنهما، أنّهما قرآها: "لا تعبدوا إلا اللّه".
وقيل: {لا تعبدون} مرفوعٌ على أنّه قسمٌ، أي: واللّه لا تعبدون إلّا اللّه، ونقل هذا التّوجيه القرطبيّ في تفسيره عن سيبويه. وقال: اختاره المبرّد والكسائيّ والفرّاء].
قال: {واليتامى} وهم: الصّغار الّذين لا كاسب لهم من الآباء. [وقال أهل اللّغة: اليتيم في بني آدم من الآباء، وفي البهائم من الأمّ، وحكى الماورديّ أنّ اليتيم أطلق في بني آدم من الأمّ أيضًا].
{والمساكين} الّذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم، وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النّساء، التي أمرنا اللّه تعالى بها صريحًا في قوله: {واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا} الآية [النّساء: 36].
وقوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسنًا} أي: كلّموهم طيّبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصريّ في قوله: {وقولوا للنّاس حسنًا}: «فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للنّاس حسنًا كما قال اللّه، وهو كلّ خلق حسنٍ رضيه اللّه».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا أبو عامرٍ الخزّاز، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللّه بن الصّامت، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، وإن لم تجد فالق أخاك بوجهٍ منطلقٍ».
وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، والتّرمذيّ [وصحّحه] من حديث أبي عامرٍ الخزّاز، واسمه صالح بن رستم، به.
وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للنّاس حسنًا، بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل، فجمع بين طرفي الإحسان الفعليّ والقوليّ.
ثمّ أكّد الأمر بعبادته والإحسان إلى النّاس بالمعيّن من ذلك، وهو الصّلاة والزّكاة، فقال: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} وأخبر أنّهم تولّوا عن ذلك كلّه، أي: تركوه وراء ظهورهم، وأعرضوا عنه على عمدٍ بعد العلم به، إلّا القليل منهم، وقد أمر تعالى هذه الأمّة بنظير ذلك في سورة النّساء، بقوله: {واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورًا} [النساء: 36] ، فقامت هذه الأمّة من ذلك بما لم تقم به أمّةٌ من الأمم قبلها، وللّه الحمد والمنّة.
- ومن النّقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتمٍ في تفسيره:
حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن خلفٍ العسقلاني، حدّثنا عبد اللّه بن يوسف -يعني التّنّيسي-، حدّثنا خالد بن صبيح، عن حميد بن عقبة، عن أسد بن وداعة: أنّه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديًّا ولا نصرانيًّا إلّا سلّم عليه، فقيل له: ما شأنك؟ تسلّم على اليهوديّ والنّصرانيّ. فقال: «إنّ اللّه يقول: {وقولوا للنّاس حسنًا} وهو: السّلام». قال: وروي عن عطاءٍ الخراساني، نحوه.
قلت: وقد ثبت في السّنّة أنّهم لا يبدؤون بالسّلام، والله أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 316-318]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون (84) ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (85) أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (86)}
يقول -تبارك وتعالى- منكرًا على اليهود الّذين كانوا في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج، وذلك أنّ الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانوا في الجاهليّة عبّاد أصنامٍ، وكانت بينهم حروبٌ كثيرةٌ، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع. وبنو النّضير حلفاء الخزرج. وبنو قريظة حلفاء الأوس. فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كلّ فريقٍ مع حلفائه، فيقتل اليهوديّ أعداءه، وقد يقتل اليهوديّ الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرامٌ عليهم في دينه ونصّ كتابه، ويخرجونهم من بيوتهم وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، ثمّ إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب، عملًا بحكم التّوراة؛ ولهذا قال تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}، ولهذا قال تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه، كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم} [البقرة: 54].
وذلك أنّ أهل الملّة الواحدة بمنزلة النّفس الواحدة، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر».
[وقوله:] {ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} أي: ثمّ أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحّته وأنتم تشهدون به). [تفسير ابن كثير: 1/ 318-319]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم} .
- قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ -أو عكرمة-، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} الآية، قال:«أنّبهم اللّه من فعلهم، وقد حرّم عليهم في التّوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم، فكانوا فريقين: طائفةٌ منهم بنو قينقاع وإنّهم حلفاء الخزرج، والنّضير وقريظة وإنّهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حربٌ خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النّضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلّ واحدٍ من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتّى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التّوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شركٍ يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنّةً ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامةً، ولا كتابًا، ولا حلالًا ولا حرامًا، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التّوراة، وأخذًا به؛ بعضهم من بعضٍ، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النّضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرةً لأهل الشّرك عليهم. يقول اللّه تعالى ذكره حيث أنّبهم بذلك: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ} أي: يفاديه بحكم التّوراة ويقتله، وفي حكم التّوراة ألّا يفعل، ولا يخرج من داره، ولا يظاهر عليه من يشرك باللّه، ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عرض الدّنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج -فيما بلغني- نزلت هذه القصّة».
- وقال أسباطٌ عن السّدّيّ: «كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النّضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب سمير، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، ويغلبونهم، فيخرّبون ديارهم، ويخرجونهم منها، فإذا أسر رجلٌ من الفريقين كليهما، جمعوا له حتّى يفدوه. فتعيّرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنّا أمرنا أن نفديهم، وحرّم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنّا نستحيي أن تستذلّ حلفاؤنا. فذلك حين عيّرهم اللّه، فقال: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم}».
- وقال شعبة، عن السّدّيّ: «نزلت هذه الآية في قيس بن الخطيم: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}».
- وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهليّ بلنجر فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد اللّه بن سلامٍ يهوديّةً بسبعمائةٍ، فلمّا مرّ برأس الجالوت نزل به، فقال له عبد اللّه:«يا رأس الجالوت، هل لك في عجوزٍ هاهنا من أهل دينك، تشتريها منّي؟»، قال: نعم. قال: «أخذتها بسبعمائة درهمٍ». قال: فإنّي أربحك سبعمائةٍ أخرى. قال: «فإنّي قد حلفت ألّا أنقصها من أربعة آلافٍ». قال: لا حاجة لي فيها، قال:«واللّه لتشترينّها منّي، أو لتكفرنّ بدينك الذي أنت عليه». قال: ادن منّي، فدنا منه، فقرأ في أذنه التي في التّوراة: «إنّك لا تجد مملوكًا من بني إسرائيل إلّا اشتريته فأعتقته {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم}»، قال: أنت عبد اللّه بن سلامٍ؟ قال: «نعم». قال: فجاء بأربعة آلافٍ، فأخذ عبد اللّه ألفين، وردّ عليه ألفين.
- وقال آدم بن أبي إياسٍ في تفسيره: حدّثنا أبو جعفرٍ يعني الرّازيّ، حدّثنا الرّبيع بن أنسٍ، أخبرنا أبو العالية: أنّ عبد اللّه بن سلامٍ مرّ على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النّساء من لم يقع عليها العرب، ولا يفادي من وقع عليها العرب، فقال عبد اللّه بن سلامٍ: «أما إنّه مكتوبٌ عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلّهنّ».
والذي أرشدت إليه الآية الكريمة، وهذا السّياق، ذمّ اليهود في قيامهم بأمر التّوراة التي يعتقدون صحّتها، ومخالفة شرعها، مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصّحّة، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها، ولا يصدّقون فيما يكتمونه من صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته، ومبعثه ومخرجه، ومهاجره، وغير ذلك من شؤونه، التي قد أخبرت بها الأنبياء قبله. واليهود -عليهم لعائن اللّه- يتكاتمونه بينهم، ولهذا قال تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدّنيا} أي: بسبب مخالفتهم شرع اللّه وأمره {ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} جزاءً على ما كتموه من كتاب اللّه الذي بأيديهم {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}). [تفسير ابن كثير: 1/ 319-320]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة} أي: استحبّوها على الآخرة واختاروها {فلا يخفّف عنهم العذاب} أي: لا يفتّر عنهم ساعةً واحدةً {ولا هم ينصرون} أي: وليس لهم ناصرٌ ينقذهم ممّا هم فيه من العذاب الدّائم السّرمديّ، ولا يجيرهم منه). [تفسير ابن كثير: 1/ 320-321]


رد مع اقتباس