عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدًا (116) إن يدعون من دونه إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا (117) لعنه اللّه وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا (118) ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسرانًا مبينًا (119) يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا (120) أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصًا (121) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وعد اللّه حقًّا ومن أصدق من اللّه قيلا (122)}
قد تقدّم الكلام على هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك [لمن يشاء]} الآية [النّساء: 48]، وذكرنا ما يتعلّق بها من الأحاديث في صدر هذه السّورة.
وقد روى التّرمذيّ حديث ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة، عن أبيه، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه قال: ما في القرآن آيةٌ أحبّ إليّ من هذه الآية: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به [ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء]} الآية، ثمّ قال: حسنٌ غريبٌ.
وقوله: {ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدًا} أي: فقد سلك غير الطّريق الحقّ، وضلّ عن الهدى وبعد عن الصّواب، وأهلك نفسه وخسرها في الدّنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/413-414]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمود بن غيلان، أنبأنا الفضل بن موسى، أخبرنا الحسن بن واقدٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال: مع كلّ صنمٍ جنيّة.
وحدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن سلمة الباهليّ، عن عبد العزيز بن محمد، عن هشامٍ -يعني ابن عروة -عن أبيه عن عائشة: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قالت: أوثانًا.
وروى عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، وعروة بن الزّبير، ومجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
وقال جويبر عن الضّحّاك في [قوله] {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال المشركون: إنّ الملائكة بنات اللّه، وإنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى اللّه زلفى، قال: اتّخذوها أربابًا وصوّروهنّ صور الجواري، فحكموا وقلّدوا، وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات اللّه الّذي نعبده، يعنون الملائكة.
وهذا التّفسير شبيه بقوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزّى. [مناة الثّالثة الأخرى. ألكم الذّكر وله الأنثى. تلك إذًا قسمةٌ ضيزى. إن هي إلا أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطانٍ]} [النّجم: 19-23]، وقال تعالى: {وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا [أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون]} [الزّخرف: 19]، وقال تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنّة نسبًا ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون. سبحان اللّه عمّا يصفون]} [الصّافّات: 158، 159].
وقال عليّ بن أبي طلحة والضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال: يعني موتى.
وقال مباركٌ -يعني ابن فضالة -عن الحسن: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال الحسن: الإناث كلّ شيءٍ ميّتٍ ليس فيه روحٌ، إمّا خشبةٌ يابسةٌ وإمّا حجرٌ يابسٌ. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وهو غريب.
وقوله: {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا} أي: هو الّذي أمرهم بذلك وحسّنه لهم وزيّنه، وهم إنّما يعبدون إبليس في نفس الأمر، كما قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشّيطان [إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ]} [يس: 60] وقال تعالى إخبارًا عن الملائكة أنّهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الّذين ادّعوا عبادتهم في الدّنيا: {بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/414-415]

تفسير قوله تعالى: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لعنه اللّه} أي: طرده وأبعده من رحمته، وأخرجه من جواره.
وقال: {لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا} أي: معيّنا مقدّرًا معلومًا. قال مقاتل بن حيّان: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/415]

تفسير قوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولأضلّنّهم} أي: عن الحقّ {ولأمنّينّهم} أي: أزيّن لهم ترك التّوبة، وأعدهم الأماني، وآمرهم بالتّسويف والتّأخير، وأغرّهم من أنفسهم.
وقوله: {ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام} قال قتادة والسّدّيّ وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمةً وعلامةً للبحيرة والسّائبة.
{ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه} قال ابن عبّاسٍ: يعني بذلك خصاء الدّوابّ. وكذا روي عن ابن عمر، وأنسٍ، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، وأبي عياضٍ، وأبي صالحٍ، وقتادة، والثّوريّ. وقد ورد في حديثٍ النّهي عن ذلك.
وقال الحسن ابن أبي الحسن البصريّ: يعني بذلك الوشم. وفي صحيح مسلمٍ النّهي عن الوشم في الوجه وفي لفظٍ: "لعن اللّه من فعل ذلك". وفي الصّحيح عن ابن مسعودٍ أنّه قال: لعن اللّه الواشمات والمستوشمات، والنّامصات والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ قال: ألا ألعن من لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في كتاب اللّه، عزّ وجلّ، يعني قوله: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
وقال ابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ، وعكرمة أيضًا وإبراهيم النخعي، والحسن، وقتادة، والحكم، والسّدّيّ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراساني في قوله: {ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه} يعني: دين اللّه، عزّ وجلّ. وهذا كقوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الرّوم: 30] على قول من جعل ذلك أمرًا، أي: لا تبدّلوا فطرة اللّه، ودعوا النّاس على فطرتهم، كما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه، كما تولد البهيمة بهيمةً جمعاء، هل يحسّون فيها من جدعاء؟ " وفي صحيح مسلمٍ، عن عياض بن حمار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قال اللّه عزّ وجلّ: إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم".
وقوله تعالى: {ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسرانًا مبينًا} أي: فقد خسر الدّنيا والآخرة، وتلك خسارةٌ لا جبر لها ولا استدراك لفائتها.
وقوله: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} وهذا إخبارٌ عن الواقع؛ لأنّ الشّيطان يعد أولياءه ويمنّيهم بأنّهم هم الفائزون في الدّنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك؛ ولهذا قال: {وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} كما قال تعالى مخبرًا عن إبليس يوم المعاد: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ [إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل] إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/415-416]

تفسير قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} وهذا إخبارٌ عن الواقع؛ لأنّ الشّيطان يعد أولياءه ويمنّيهم بأنّهم هم الفائزون في الدّنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك؛ ولهذا قال: {وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} كما قال تعالى مخبرًا عن إبليس يوم المعاد: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ [إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل] إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: أي: المستحسنون له فيما وعدهم ومنّاهم {مأواهم جهنّم} أي: مصيرهم ومآلهم يوم حسابهم {ولا يجدون عنها محيصًا} أي: ليس لهم عنها مندوحةٌ ولا مصرفٌ، ولا خلاصٌ ولا مناصٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]

رد مع اقتباس