عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:31 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ وليّي اللّه الّذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين}؛ أي: اللّه حسبي وكافيّ، وهو نصيري وعليه متّكلي، وإليه ألجأ، وهو وليّي في الدّنيا والآخرة، وهو وليّ كلّ صالحٍ بعدي. وهذا كما قال هودٌ، عليه السّلام، لمّا قال له قومه: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون * إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ} [هودٍ: 54-56]، وكقول الخليل [عليه السّلام]: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنّهم عدوٌّ لي إلا ربّ العالمين * الّذي خلقني فهو يهدين * والّذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين} [الشّعراء: 75-80] الآيات، وكقوله لأبيه وقومه: {إنّني براءٌ ممّا تعبدون * إلا الّذي فطرني فإنّه سيهدين * وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه لعلّهم يرجعون} [الزّخرف: 26-28]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين تدعون من دونه} إلى آخر الآية، مؤكّدٌ لما تقدّم، إلّا أنّه بصيغة الخطاب، وذلك بصيغة الغيبة؛ ولهذا قال: {لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون}).[تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} كقوله تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطرٍ: 14]
وقوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} إنّما قال: {ينظرون إليك}؛ أي: يقابلونك بعيونٍ مصوّرةٍ كأنّها ناظرةٌ، وهي جمادٌ؛ ولهذا عاملهم معاملة من يعقل؛ لأنّها على صورٍ مصوّرةٍ كالإنسان، فقال: {وتراهم ينظرون إليك} فعبّر عنها بضمير من يعقل.
وقال السّدّيّ: المراد بهذا المشركون وروي عن مجاهدٍ نحوه. والأوّل أولى، وهو اختيار ابن جريرٍ، وقاله قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ (200)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {خذ العفو}؛ يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيءٍ فخذه. وكان هذا قبل أن تنزل "براءةٌ" بفرائض الصّدقات وتفصيلها، وما انتهت إليه الصّدقات. قاله السّدّيّ.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {خذ العفو}؛ أنفق الفضل. وقال سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال الفضل.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {خذ العفو}؛ أمره اللّه بالعفو والصّفح عن المشركين عشر سنين، ثمّ أمره بالغلظة عليهم. واختار هذا القول ابن جريرٍ.
وقال غير واحدٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {خذ العفو}؛ قال: من أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تحسّسٍ
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: أمر اللّه رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس. وفي روايةٍ قال: خذ ما عفي لك من أخلاقهم.
وفي صحيح البخاريّ، عن هشامٍ، عن أبيه عروة، عن أخيه عبد اللّه بن الزّبير قال: إنّما أنزل: {خذ العفو} من أخلاق النّاس وفي روايةٍ لغيره: عن هشامٍ، عن أبيه، عن ابن عمر. وفي روايةٍ: عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة أنّهما قالا مثل ذلك واللّه أعلم.
وفي رواية سعيد بن منصورٍ، عن أبي معاوية، عن هشامٍ، عن وهب بن كيسان، عن ابن الزّبير: {خذ العفو} قال: من أخلاق النّاس، واللّه لآخذنّه منهم ما صحبتهم. وهذا أشهر الأقوال، ويشهد له ما رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ جميعًا: حدّثنا يونس حدّثنا سفيان -هو ابن عيينة -عن أميٍّ قال: لمّا أنزل اللّه، عزّ وجلّ، على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا جبريل؟
» قال: إنّ اللّه أمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ أيضًا، عن أبي يزيد القراطيسيّ كتابةً، عن أصبغ بن الفرج، عن سفيان، عن أميّ عن الشّعبيّ. نحوه، وهذا -على كلّ حالٍ -مرسلٌ، وقد روي له شاهدٌ من وجوهٍ أخر، وقد روي مرفوعًا عن جابرٍ وقيس بن سعد بن عبادة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، أسندهما ابن مردويه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا معاذ بن رفاعة، حدّثني عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهليّ، عن عقبة بن عامرٍ، رضي اللّه عنه، قال: لقيت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول اللّه، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال:
«يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمّن ظلمك».
وروى التّرمذيّ نحوه، من طريق عبيد اللّه بن زحر عن عليّ بن يزيد، به. وقال حسنٌ
قلت: ولكن "عليّ بن يزيد" وشيخه "القاسم أبو عبد الرّحمن"، فيهما ضعف.
وقال البخاريّ قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} "العرف": المعروف. حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، أنّ ابن عبّاسٍ قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسٍ -وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر -وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته -كهولا كانوا أو شبابًا -فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي، لك وجهٌ عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاسٍ: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر [رضي اللّه عنه] فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فواللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإنّ هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب اللّه، عزّ وجلّ. انفرد بإخراجه البخاريّ
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن نافعٍ؛ أنّ سالم بن عبد اللّه بن عمر مرّ على عيرٍ لأهل الشّام وفيها جرسٌ، فقال: إنّ هذا منهيّ عنه، فقالوا: نحن أعلم بهذا منك، إنّما يكره الجلجل الكبير، فأمّا مثل هذا فلا بأس به. فسكت سالمٌ وقال: {وأعرض عن الجاهلين}.
وقول البخاريّ: "العرف: المعروف" نصّ عليه عروة بن الزّبير، والسّدّي، وقتادة، وابن جريرٍ، وغير واحدٍ. وحكى ابن جريرٍ أنّه يقال: أوليته عرفًا، وعارفًا، وعارفةً، كلّ ذلك بمعنى: "المعروف". قال: وقد أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطّاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمرًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّه تأديبٌ لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمّن جهل الحقّ الواجب من حقّ اللّه، ولا بالصّفح عمّن كفر باللّه وجهل وحدانيّته، وهو للمسلمين حربٌ.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال: هذه أخلاقٌ أمر اللّه [عزّ وجلّ] بها نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودلّه عليها.
وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى، فسبكه في بيتين فيهما جناسٌ فقال:
خذ العفو وأمر بعرفٍ كما ....... أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكلّ الأنام
....... فمستحسن من ذوي الجاه لين
وقال بعض العلماء: النّاس رجلان: فرجلٌ محسنٌ، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلّفه فوق طاقته ولا ما يحرجه. وإمّا مسيءٌ، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله، واستعصى عليك، واستمرّ في جهله، فأعرض عنه، فلعلّ ذلك أن يردّ كيده، كما قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون * وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين * وأعوذ بك ربّ أن يحضرون} [المؤمنون: 96-98] وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السّيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ * وما يلقّاها}؛ أي هذه الوصيّة {إلا الّذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ * وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع العليم}[فصّلت: 34-36] وقال في هذه السّورة الكريمة أيضًا: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ} فهذه الآيات الثّلاث في "الأعراف" و "المؤمنون" و "حم السّجدة"، لا رابع لهنّ، فإنّه تعالى يرشد فيهنّ إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والّتي هي أحسن، فإنّ ذلك يكفّه عمّا هو فيه من التّمرّد بإذنه تعالى؛ ولهذا قال: {فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ} ثمّ يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجانّ، فإنّه لا يكفّه عنك الإحسان، وإنّما يريد هلاكك ودمارك بالكلّيّة، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك.
قال ابن جريرٍ في تفسير قوله: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ}، وإمّا يغضبنّك من الشّيطان غضبٌ يصدّك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم {فاستعذ باللّه}؛ يقول: فاستجر باللّه من نزغه {سميعٌ عليمٌ}؛ يقول: إنّ اللّه الّذي تستعيذ به من نزغ الشّيطان سميعٌ لجهل الجاهل عليك، والاستعاذة به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيءٌ، عليمٌ بما يذهب عنك نزغ الشّيطان، وغير ذلك من أمور خلقه.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: لمّا نزل: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يا ربّ، كيف بالغضب؟
» فأنزل اللّه: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.
قلت: وقد تقدّم في أوّل الاستعاذة حديث الرّجلين اللّذين تسابّا بحضرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فغضب أحدهما حتّى جعل أنفه يتمزّع غضبًا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّي لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ». فقيل له، فقال: ما بي من جنونٍ
وأصل "النّزغ": الفساد، إمّا بالغضب أو غيره، قال اللّه تعالى: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينزغ بينهم}[الإسراء: 53] و"العياذ": الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشّرّ، وأمّا "الملاذ" ففي طلب الخير، كما قال أبو الطّيب [الحسن بن هانئٍ] المتنبّي:
يا من ألوذ به فيما أؤمّله ....... ومن أعوذ به ممّا أحاذره
لا يجبر النّاس عظمًا أنت كاسره ....... ولا يهيضون عظمًا أنت جابره

وقد قدّمنا أحاديث الاستعاذة في أوّل التّفسير، بما أغنى عن إعادته هاهنا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530-533]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202)}
يخبر تعالى عن المتّقين من عباده الّذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنّهم {إذا مسّهم} أي: أصابهم "طيفٌ" وقرأ آخرون: "طائفٌ"، وقد جاء فيه حديثٌ، وهما قراءتان مشهورتان، فقيل: بمعنًى واحدٍ. وقيل: بينهما فرقٌ، ومنهم من فسّر ذلك بالغضب، ومنهم من فسّره بمسّ الشّيطان بالصّرع ونحوه، ومنهم من فسّره بالهمّ بالذّنب، ومنهم من فسّره بإصابة الذّنب.
وقوله: {تذكّروا}؛ أي: عقاب اللّه وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا باللّه ورجعوا إليه من قريبٍ. {فإذا هم مبصرون} أي: قد استقاموا وصحوا ممّا كانوا فيه.
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: جاءت امرأةٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبها طيفٌ فقالت: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يشفيني. فقال:
«إن شئت دعوت اللّه فشفاك، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك». فقالت: بل أصبر، ولا حساب عليّ.
ورواه غير واحدٍ من أهل السّنن، وعندهم: قالت يا رسول اللّه، إنّي أصرع وأتكشّف، فادع اللّه أن يشفيني. فقال:
«إن شئت دعوت اللّه أن يشفيك، وإن شئت صبرت ولك الجنّة؟» فقالت: بل أصبر، ولي الجنّة، ولكن ادع اللّه أن لا أتكشّف، فدعا لها، فكانت لا تتكشّف.
وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة "عمرو بن جامعٍ" من تاريخه: أنّ شابًّا كان يتعبّد في المسجد، فهويته امرأةٌ، فدعته إلى نفسها، وما زالت به حتّى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون} فخرّ مغشيًّا عليه، ثمّ أفاق فأعادها، فمات. فجاء عمر فعزّى فيه أباه وكان قد دفن ليلًا فذهب فصلّى على قبره بمن معه، ثمّ ناداه عمر فقال: يا فتى {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرّحمن: 46] وأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر، قد أعطانيهما ربّي، عزّ وجلّ، في الجنّة مرّتين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 534]

تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإخوانهم}؛ أي: وإخوان الشّياطين من الإنس، كقوله: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين} [الإسراء:27] وهم أتباعهم والمستمعون لهم القابلون لأوامرهم {يمدّونهم في الغيّ} أي: تساعدهم الشّياطين على [فعل] المعاصي، وتسهّلها عليهم وتحسنها لهم.
وقال ابن كثيرٍ: المدّ: الزّيادة. يعني: يزيدونهم في الغيّ، يعني: الجهل والسّفه.
{ثمّ لا يقصرون}؛ قيل: معناه إنّ الشّياطين تمدّ، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك. كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ قال: لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السّيّئات، ولا الشّياطين تمسك عنهم.
قيل: معناه كما رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ قال: هم الجنّ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس {ثمّ لا يقصرون}؛ يقول: لا يسأمون.
وكذا قال السّدّي وغيره: يعني إنّ الشّياطين يمدّون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشّرّ؛ لأنّ ذلك طبيعةٌ لهم وسجيّة، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه، كما قال تعالى: {ألم تر أنّا أرسلنا الشّياطين على الكافرين تؤزّهم أزًّا}[مريم: 83] قال ابن عبّاسٍ وغيره: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 534-535]


رد مع اقتباس