عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 08:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (7) للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصّادقون (8)
أهل القرى المذكورون في هذه الآية هم أهل الصفراء والينبوع ووادي القرى، وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عربية، وحكمها مخالف لبني النضير، ولم يحبس من هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئا بل أمضاها لغيره، وذلك أنها في ذلك الوقت فتحت، واختلف الناس في صفة فتحها فقيل: عن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعث بعثا إلى كل مكان فطاع وأعطاه أهله فكان مما لم يوجف عليه، وكان حكمه حكم خمس الغنائم، وليس في الآية نسخ على هذا التأويل، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ذلك للمهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا. وقال قتادة وزيد بن رومان:
كانت هذه القرى قد أوجف عليها، ولكن هذا حكم ما يوجف عليه، ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بآية الأنفال فجعل فيها الخمس لهذه الأصناف وبقيت الأربعة الأخماس للمقاتلة، وآية هذه السورة لم يكن فيها للمقاتلة شيء، وهذا القول يضعف، لأن آية الأنفال نزلت إثر بدر وقبل بني النضير وقبل أمر هذه القرى بسنة ونيف. والقربى في هذه الآية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وعوضوا من الفيء.
وقوله تعالى: كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم مخاطبة للأنصار لأنه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غني، وقرأ جمهور الناس «يكون» بالياء، وقرأ ابن مسعود وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر: بالتاء وهي كان التامة. وقرأ جمهور الناس: «دولة» بضم الدال ونصب الهاء. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: «دولة» بفتح الدال ونصب الهاء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وهشام عن ابن عامر: «دولة» بضم الدال والهاء. وقال عيسى بن عمرهما بمعنى واحد. وقال الكسائي وحذاق النظرة الفتح في الملك: بضم الميم لأنها الفعلة في الدهر والضم في الملك بكسر الميم. والمعنى أنها كالعواري فيتداول ذلك المال الأغنياء بتصرفاتهم ويبقى المساكين بلا شيء ولا حظ في شيء من هذه الأموال ليتيم غني ولا لابن سبيل حاضر المال، وقد مضى القول في الغنائم في سورة الأنفال، وروي: أن قوما من الأنصار تكلموا في هذه القرى المفتتحة وقالوا: لنا منها سهمنا فنزل قوله تعالى: وما آتاكم الرّسول فخذوه الآية، مؤدبا في ذلك وزاجرا ثم اطرد بعد معنى الآية في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه حتى قال قوم إن الخمر محرمة في كتاب الله بهذه الآية، وانتزع منها ابن مسعود: لعنة الواشمة والمستوشمة الحديث. ورأى محرما في ثيابه المخيطة. فقال له: اطرح هذا عنك، فقال له الرجل: أتقرأ علي بذلك آية من كتاب الله تعالى فقال ابن مسعود: نعم، وتلا هذه الآية). [المحرر الوجيز: 8/ 264-265]

تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وقوله تعالى: للفقراء المهاجرين بيان لقوله: والمساكين وابن السّبيل فكرر لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها، ثم وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم وتوجب الإشفاق عليهم وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم، وجميع المهاجرين إما أخرجهم الكفار وإما أحوال الكفار وظهورهم، وفرض الهجرة في ذلك الوقت، ووصفهم بالفقر وإن كان لهم بعض أحوال وهي حال للفقر في اللغة، وقد مضى بيان هذا في سورة الكهف. وقوله يبتغون في موضع الحال، و «الفضل والرضوان» يراد به الآخرة والجنة، و «نصر الله» تعالى هو نصر شرعه ونبيه، والصّادقون في هذه الآية يجمع صدق اللسان وصدق الأفعال، لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم). [المحرر الوجيز: 8/ 265-266]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: والّذين تبوّؤا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والّذين جاؤ من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤفٌ رحيمٌ (10)
الّذين تبوّؤا هم الأنصار، والضمير في قبلهم للمهاجرين، و «الدار» هي المدينة، والمعنى: تبوءوا الدار مع الإيمان معا، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله: من قبلهم فتأمله، والإيمان لا يتبوأ لأنه ليس مكانا ولكن هذا من بليغ الكلام ويتخرج على وجوه كلها جميل حسن.
وأثنى الله تعالى في هذه الآية على الأنصار بأنهم يحبّون المهاجرين، وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم قد وقوا شح أنفسهم لأن مقتضى قوله: ومن يوق شحّ نفسه الآية. أن هؤلاء الممدوحين قد وقوا الشح، والحاجة: الحسد في هذا الموضع، قاله الحسن وتعم بعد جميع الوجوه التي هي بخلاف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء المهاجرين أموال بني النضير والقرى، وأوتوا معناه: أعطوا، والضمير المرفوع بأن لم يسم فاعله هو للمهاجرين، وقوله تعالى: ويؤثرون الآية، صفة للأنصار. وقد روي من غير ما طريق، أنها نزلت بسبب رجل من الأنصار، قال أبو المتوكل: هو ثابت بن قيس، وقال أبي هريرة في كتاب مكي: كنية هذا الرجل أبو طلحة، وخلط المهدوي في ذكر هذا الرجل ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما عندنا إلا قوت الصبية، فقال: نومي صبيتك وأطفئي السراج وقدمي ما عندك للضيف ونوهمه نحن أنا نأكل، ففعلا ذلك فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عجب الله من فعلكما البارحة، ونزلت الآية في ذلك، والإيثار على النفس أكرم خلق، وقال حذيفة العدوي:طلبت يوم اليرموك ابن عم لي في الجرحى ومعي شيء من ماء، فوجدته، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فإذا رجل يصيح آه، فأشار ابن عمي أن انطلق إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاصي، فقلت: اشرب فإذا آخر يقول: آه، فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئته، فإذا به قد فاضت نفسه، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات، فعجبت من إيثارهم رحمهم الله وقال أبو زيد البسطامي:قدم علينا شاب من بلخ حاجا فقال: ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا، فقال: هكذا عندنا كلاب بلخ، فقلت له: فما هو عندكم، فقال: إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا وروي: أن سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى في المهاجرين قال للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه»، فقالوا: بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة، فنزلت هذه الآية.
والخصاصة: الفاقة والحاجة، وهو مأخوذ من خصائص البيت وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتوح فكأن حال الفقير هي كذلك يتخللها النقص والاحتياج، و «شح النفس» هو كثرة منعها وضبطها على المال والرغبة فيه وامتداد الأمل هذا جماع شح النفس وهو داعية كل خلق سوء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برئ من الشح»، واختلف الناس بعد هذا الذي قلنا، فذهب الجمهور والعارفون بالكلام إلى هذا وعلى هذا التأويل، كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يطوف ويقول: اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقيل له في ذلك فقال إذا وقيته لم أفعل سوءا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «شح النفس» فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده وينصب به، وقال ابن زيد وابن جبير وجماعة: من لم يأخذ شيئا نهاه الله تعالى عنه ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس. وقال ابن مسعود رحمه الله «شح النفس»: هو أكل مال الغير بالباطل، وأما منع الإنسان ماله فهو بخل وهو قبيح، ولكنه ليس بالشح. وقرأ عبد الله بن عمر: «شح» بكسر السين، ويوقى وزنه: يفعل من وقى يقي مثل وزن يزن. وقرأ أبو حيوة: «يوقّ» بفتح الواو وشد القاف والمفلحون: الفائزون ببغيتهم). [المحرر الوجيز: 8/ 266-268]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في قوله تعالى: والّذين جاؤ من بعدهم فقال الفراء: أراد الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من آمن أو كبر في آخر مدة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال جمهور العلماء: أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة، فوصف الله تعالى القول الذي ينبغي أن يلتزمه كل من لم يكن من الصدر الأول وإعراب الّذين رفع عطفا على هم أو على الّذين أو رفع بالابتداء. وقوله تعالى: يقولون حال فيها الفائدة والمراد: والذين جاؤوا قائلون كذا أو يكون يقولون صفة، ولهذه الآية قال مالك وغيره: إنه من كان له في أحد من الصحابة قول سوء أو بغض فلا حظ له في الغنيمة أدبا له، وجاء عراقيون إلى علي بن الحسين فسبوا أبا بكر وعمر وعثمان فقال لهم: أمن المهاجرين الأولين أنتم؟ فقالوا:لا، أفمن الّذين تبوّؤا الدّار والإيمان؟ قالوا: لا، قال فقد تبرأتم من هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم: والّذين جاؤ من بعدهم الآية. قوموا فعل الله بكم وفعل، وقال الحسن أدركت ثلاثمائة من الصحابة منهم سبعون بدريا كلهم يحدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. فالجماعة أن لا تسبوا الصحابة ولا تماروا في دين الله ولا تكفروا أحدا من أهل التوحيد بذنب». والغل: الحقد والاعتقاد الرديء، وقرأ الأعمش: «في قلوبنا غمرا للذين» والغمر: الحقد، وقد تقدم الاختلاف في قراءة رؤفٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 268-269]


رد مع اقتباس