عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:37 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}. اختلف النحويون في قوله سبحانه: "يقولوا"، فمذهب سيبويه أنه جواب شرط مقدر، تقديره: "وقل لعبادي، إنك إن تقل لهم يقولوا"، وهذا على أصله في أن الأمر لا يجاب، وإنما يجاب معه شرط مقدر، ومذهب الأخفش: أن الأمر يجاب، وأن قوله تعالى هاهنا: "يقولوا" إنما هو جواب "قل".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يصح المعنى على هذا بأن يجعل "قل" مختصة بهذه الألفاظ، على معنى أن
[المحرر الوجيز: 5/494]
يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا التي هي أحسن"، وإنما يصح بأن يكون "قل" أمرا بالمحاورة في هذا المعنى بما أمكن من الألفاظ، كأنه قال: "بين لعبادي"، فيكون ثمرة ذلك القول والبيان قولهم التي هي أحسن، وهذا المعنى يجوزه مذهب سيبويه الذي قدمنا. ومذهب أبي العباس أن "يقولوا" جواب لأمر محذوف، تقديره: "وقل لعبادي قولوا التي هي أحسن يقولوا" فحذف وطوي الكلام. ومذهب الزجاج أن "يقولوا" جزم بالأمر، بتقدير: "قل لعبادي ليقولوا"، فحذفت اللام لتقدم الأمر، وحكى أبو علي في "الحليتات" في تضاعيف كلامه: أن مذهب أبي عثمان المازني في "يقولوا" أنه فعل مبني; لأنه مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر; لأن المعنى: "قل لعبادي: قولوا".
واختلف الناس في التي هي أحسن -فقالت فرقة: هي "لا إله إلا الله"، ويلزم -على هذا- أن يكون قوله تعالى: {لعبادي} يريد به جميع الخلق; لأن جميعهم مدعو إلى "لا إله إلا الله"، ويجيء قوله سبحانه بعد ذلك: {إن الشيطان ينزغ بينهم} غير مناسب للمعنى إلا على تكره، بأن يجعل "بينهم" بمعنى "خلالهم وأثناءهم"، ويجعل "النزع" بمعنى الوسوسة والإضلال. وقال الجمهور: التي هي أحسن هي المحاورة الحسنى، بحسب المعنى معنى، قال الحسن: "يقول: يغفر الله لك، يرحمك الله".
وقوله تعالى: "لعبادي" خاص بالمؤمنين، فكأن الآية بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم، "وكونوا عباد الله إخوانا"، ثم اختلفوا -فقالت فرقة: أمر الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب، وخفض الجناح، وإلانة القول، واطراح نزغات الشيطان. وقالت فرقة: إنما أمر الله تبارك وتعالى في هذه الآية المؤمنين بإلانة القول للمشركين بمكة، أيام المهادنة.
وسبب الآية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة، فسبه عمر وهم
[المحرر الوجيز: 5/495]
بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية، وهي منسوخة بآية السيف.
وقرأ الجمهور: "ينزغ" بفتح الزاي، وقرأ طلحة بن مصرف: "ينزغ" بكسر الزاي، على الأصل، قال أبو حاتم: "لعلها لغة، والقراءة بالفتح". ومعنى النزغ حركة الشيطان بسرعة ليوجب فسادا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده"، فهذا يخرج اللفظة عن الوسوسة، وعداوة الشيطان البينة هي قصته مع آدم عليه السلام فيما بعد). [المحرر الوجيز: 5/496]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ربكم أعلم بكم} الآية. هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة، وذلك أن هذه المخاطبة في قوله سبحانه: {ربكم أعلم بكم} هي لكفار مكة، بدليل قوله تعالى: {وما أرسلناك عليهم وكيلا}، فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين، ثم قال للكفار: {إنه أعلم بهم}، ورجاهم وخوفهم، ومعنى "يرحمكم" بالتوبة عليكم من الكفر، قاله ابن جريج وغيره. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد، فتتناسب الآيات بهذا التأويل). [المحرر الوجيز: 5/496]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال تبارك وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وربك أعلم بمن في السماوات والأرض} وهو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض بحسب علمه فيهم، فهذه إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى استبعاد قريش أن يكون الرسول بشرا، والمعنى: لا تنكروا أمر محمد وأن أوتي قرآنا، فقد فضل النبيون، وأوتي داود زبورا، فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
وتفضيل بعض الرسل هو إما بهذا الإخبار المجمل دون أن يسمى المفضول، وعلى هذا يتجه لنا أن نقول: محمد أفضل البشر، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن تعيين أحد منهم في قصة موسى ويونس، وإما أن يكون التفضيل مقسما بينهم:
[المحرر الوجيز: 5/496]
أعطي هذا التكليم، وأعطيت هذه الخلة، ومحمد الخمس، وعيسى الإحياء، فكلهم مفضول في وجه، فاضل على الإطلاق.
وقوله تعالى: {بمن في السماوات}. الباء متعلقة بفعل تقديره: "علم بمن في السماوات"، ذهب إلى هذا أبو علي؛ لأنه لو علقها بـ "أعلم" لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا لا يلزم، ويصح تعلقها بـ "أعلم"، ولا يلتفت لدليل الخطاب.
وقرأ الجمهور: "زبورا" بفتح الزاي، وهو فعول بمعنى مفعول، وهو قليل، لم تجيء إلا في قروع وركوب وحلوب، وقرأ حمزة، ويحيى، والأعمش: "زبورا" بضم الزاي، وله وجهان: أحدهما أن يكون جمع زبور بحذف الزائد، كما قالوا في جمع طريق: طروق، والآخر أن يكون جمع زبر، كأن ما جاء به داود جزئ أجزاء، كل جزء منها زبر، سمي بمصدر زبر يزبر، ثم جمع تلك الأجزاء على زبور، فكأنه قال: "آتينا داود كتابا"، ويحتمل أن يكون جمع "زبر" الذي هو العقل وسداد النظر، لأن داود أوتي من المواعظ والوصايا كثيرا، ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر كتاب مسلم: "وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له"، قال قتادة: زبور داود مواعظ وحكم ودعاء، ليس فيه حلال ولا حرام). [المحرر الوجيز: 5/497]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}
الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم في هذه الآية ليسوا عبدة الأصنام، وإنما هم عبدة من يعقل، واختلف في ذلك -فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضا: هي في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزيز والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضا، وابن مسعود: هي في عبدة الملائكة، وقال ابن مسعود أيضا: هي في عبدة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أولئك الشياطين، وبقي عبدتهم يعبدونهم، فنزلت الآية في ذلك].
فمعنى الآية: قل لهؤلاء الكفرة: ادعوا عند الشدائد والضر هؤلاء المعبودين، فإنهم لا يملكون كشفه ولا تحويله عنكم). [المحرر الوجيز: 5/498]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبرهم -على قراءة ابن مسعود، وقتادة:
[المحرر الوجيز: 5/498]
"تدعون" بالتاء-، أو أخبر النبي صلى الله عليه وسلم -على قراءة الجمهور: "يدعون" بالياء من تحت- أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إلى الله والتزلف إليه، وأن هذه حقيقة حالهم، وقرأ ابن مسعود: "إلى ربك". والضمير في "ربهم" للمتبعين أو للجميع.
و"الوسيلة" هي القربة وسبب الوصول إلى البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، وقال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله لي الوسيلة ... الحديث". و"أيهم" ابتداء، و"أقرب" خبره، و"أولئك" يراد به المعبودون. وهو ابتداء خبره "يبتغون" والضمير في "يدعون" للكفار، وفي "يبتغون" للمعبودين، والتقدير: نظرهم ووكدهم أيهم أقرب، وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الراية بخيبر: "فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها"، أي: يتبارون في طلب القرب، وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.
[المحرر الوجيز: 5/499]
وقال ابن فورك، وغيره: إن الكلام من قوله تبارك وتعالى: {أولئك الذين يدعون} راجع إلى النبيين المتقدم ذكرهم، و"يدعون" -على هذا- من الدعاء بمعنى الطلبة إلى الله تعالى، والضمائر لهم في "يدعون" وفي "يبتغون". وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/500]

رد مع اقتباس