الموضوع: على
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 21 ذو الحجة 1438هـ/12-09-2017م, 03:21 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("على"
التي تجر ما بعدها فيها خلاف، فمشهور مذهب البصريين أنها حرف جر، إلا إذا دخل عليها حرف الجر كقول الشاعر:
غدت من عليه، بعد ما تم ظمؤها ... تصل، وعن قيض، بزيزاء، مجهل
"فعلى" في هذا اسم بمعنى: "فوق".
وزاد بعضهم أنها تكون اسماً في موضع آخر، وهو قول الشاعر:
هون عليك، فإن الأمور ... بكف الإله سقاديرها
وما أشبهه، لأنها لو جعلت حرفاً في ذلك لأدى إلى تعدي فعل المخاطب إلى ضميره المتصل. وذلك لا يجوز في غير أفعال القلوب،
وما حمل عليها. ونقل بعضهم أن هذا مذهب الأخفش. فإنه قال باسميتها في نحو: سويت "على" ثيابي.
قال الشيخ أبو حيان: ولا يلزم في نحو هون "عليك" ولا في سويت "على" أن تكون اسماً. فإنه قد ورد مثل هذا التركيب في "إلى" نحو قوله تعالى: {وهزي إليك}، {واضمم إليك جناحك}. ولا نعلم خلافاً في حرفية "إلى"، فيخرج هون "عليك" ونحوه "على" ما خرج "عليه" وهزي "إليك".
قلت: تقدم مثل هذا في "عن". وذكرت ثم ما يخرج "عليه" وهزي "إليك". ولقائل أن يقول: إن "عن" و"على" قد ثبتت اسميتهما بدخول "من"، فلم يحتج فيهما إلى تأويل، يخالف الظاهر، بخلاف "إلى". وتقدم ذكر مذهب الفراء، في أن "عن" و"على" حرفان، إذا دخلت "من" عليهما.
وذهب ابن طاهر، وابن خروف، وابن الطراوة، والزبيدي، وابن معزوز، والشلوبين في أحد قوليه، إلى أنها اسم، ولا تكون حرفاً. وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه.
قلت: صرح سيبويه بهذا في باب عدة ما يكون عليه الكلام. قيل: ويحتمل التأويل "على" أن يريد: ولا تكون إلا ظرفاً، إذا كانت اسماً. لأنه نص، في أول الكتاب، على أن "على" حرف، لأنه ذكر فيما يتعدى إلى مفعولين، أحدهما بحرف الجر، قول الملتمس:
آليت حب العراق، الدهر، أطعمه
أي: "على" حب العراق.
وقد تحصل في "على" الجارة، مما ذكرته، أقوال:
أحدها: أنها حرف، في كل موضع. وهو قول الفراء.
والثاني: أنها اسم، في كل موضع. وهو قول ابن طاهر، ومن وافقه.
والثالث: أنها حرف، إلا في موضع واحد.
والرابع: أنها حرف إلا في موضعين. وبه جزم ابن عصفور، وهو قول الأخفش.
وقد استدل على حرفيتها بحذفها في الشعر، ونصب ما بعدها، كقول الشاعر:
تحن، فتبدي ما بها، من صبابة ... وأخفي الذي، لولا الأسى لقضاني
أي: لقضي "على"، وقد أجاز الأخفش ذلك، في قوله تعالى: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}، أي: "على" صراطك. واستدل أيضاً، علي حرفيتها، بجواز حذفها مع الضمير في الصلة، كقول الشاعر:
وإن لساني شهدة، يشتفى بها ... وهو، على من صبه الله، علقم
أي: صبه الله "عليه". ولو كانت اسماً لم يجز فيها ذلك.
فإن قلت: إذا قلنا باسميتها فهل هي معربة أو مبنية؟ قلت: ذكر بعضهم أنها معربة، عند من قال إنها لا تكون إلا اسماً. وأما من جوز فيها، إذا كانت حرفاً، أن تنتقل إلى الأسمية، بدخول "من"، أو "على" مذهب الأخفش، في نحو: سويت "على" ثيابي، فقال بعضهم: هي إذ ذاك معربة. وقال أبو محمد القاسم بن القاسم: هي مبنية، و"الألف" فيها "كألف" هذا.
واعلم أن "على" قد تكون فعلاً، من العلو، ترفع الفاعل. كقوله تعالى: {إن فرعون علا في الأرض}، وأمر هذا بين. وليست من الحرفية في شيء، إلا في الصورة.
وأما "على" الأسمية فقال ابن يعيش: مختلف فيها؛ فمذهب أبي العباس، وجماعة، أنها على الاشتراك اللفظي فقط، لأن الحرف لا يشتق ولا يشتق منه. فكل واحد من هذه الثلاثة مباين لصاحبه إلا من جهة اللفظ. وقال قوم: الأصل أن تكون حرفاً. وإنما كثر استعمالها، فشبهت في بعض الأحوال بالاسم، فأجريت مجراه، وأدخل عليها حرف الجر، كما يشبه الاسم بالحرف، ويجري مجراه، نحو "من" و"كم" انتهى.
والغرض هنا إنما هو "على" الحرفية، وذكر معانيها. وذكر ابن مالك لها ثمانية معان:

الأول: الاستعلاء حساً، كقوله تعالى: {كل من عليها فان}، أو معنى كقوله {فضلنا بعضهم على بعض}. ولم يثبت، لها، أكثر البصريين غير هذا المعنى، وتأولوا ما أوهم خلافه.
الثاني: المصاحبة، كقوله تعالى: {وآتى المال على حبه}، {وإن ربك لذو مغفرة للناس، على ظلمهم}.
الثالث: المجاوزة، كقول الشاعر:
إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمر أبيك، أعجبني رضاها
أي: "عني". قال ابن مالك: وكذلك الواقعة بعد: خفي، وتعذر، واستحال، وغضب، وأشباهها.
الرابع: التعليل، كقوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم}.
الخامس: الظرفية، كقوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان}. وتؤولت الآية على تضمين تتلو معنى: تتقول.
السادس: موافقة "من"، كقوله تعالى: {إذا اكتالوا على الناس يستوفون}. قاله بعض النحويين. والبصريون يذهبون في هذا إلى التضمين، أي: إذا حكموا "على" الناس في الكيل.
السابع: موافقة "الباء"، كقوله تعالى: {حقيق على ألا أقول}، أي "بألا" أقول. وقرأ أبي "بأن"، فكانت قراءته تفسيراً لقراءة الجماعة. وقالت العرب: اركب "على" اسم الله، أي: باسم الله.
الثامن: أن تكون زائدة للتعويض، كقول الراجز:
إن الكريم، وأبيك، يعتمل ... إن لم يجد، يوماً، على من يتكل
قال ابن جني: أراد من يتكل "عليه"، فحذف "عليه" وزاد "على" قبل "من" عوضاً. انتهى. ويحتمل أن يكون الكلام تم عند قوله إن لم يجد يوماً، ثم قال: "على" "من" يتكل، وتكون "من" استفهامية.
قال ابن مالك: وقد تزاد دون تعويض. واستدل، على ذلك، بقول حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحة ملك ... على كل أفنان العضاه، تروق
زاد "على" لأن راق متعدية، مثل أعجب. تقول: راقني حسن الجارية. وفي الحديث: من حلف "على" يمين والأصل: حلف يميناً. قيل: ولا حجة في ذلك، لأنه يحتمل تضمين تروق
معنى: تشرف، وتضمين حلف: جسر. وقد نص سيبويه على أن "على" لا تزاد.
وزاد بعضهم في معاني على موافقة "اللام"، كقوله تعالى: {أذلة على المؤمنين}.
وأكثر هذه المعاني إنما قال به الكوفيون، ومن وافقهم، كالقتبي. والبصريون يؤولون ذلك. والله أعلم). [الجنى الداني:470 - 480]


رد مع اقتباس