عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 10:54 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم الله الرّحمن الرّحيم
{ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الّذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإنّ مع العسر يسرًا * إنّ مع العسر يسرًا * فإذا فرغت فانصب * وإلى ربّك فارغب}
يقول تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} يعني: أما شرحنا لك صدرك؟ أي: نوّرناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق.
وقيل: المراد بقوله: {ألم نشرح لك صدرك} شرح صدره ليلة الإسراء، كما تقدّم في رواية مالك بن صعصعة، وقد أورده التّرمذيّ ههنا، وهذا إن كان واقعاً، ولكن لا منافاة؛ فإنّ من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنويّ أيضاً. والله أعلم.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدّثني محمد بن عبد الرّحيم أبو يحيى البزّاز، حدّثنا يونس بن محمدٍ، حدّثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعبٍ، حدّثني أبي محمد بن معاذٍ، عن معاذٍ، عن محمدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ: أن أبا هريرة كان حريًّا على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال:
«يا رسول الله، ما أوّل ما رأيت من أمر النّبوّة؟» فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً.
وقال:
«لقد سألت يا أبا هريرة، إنّي لفي الصّحراء ابن عشر سنين وأشهرٍ، وإذا بكلامٍ فوق رأسي، وإذا رجلٌ يقول لرجلٍ: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوهٍ لم أرها لخلقٍ قطّ، وأرواحٍ لم أجدها من خلقٍ قطّ، وثيابٍ لم أرها على أحدٍ قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان، حتّى أخذ كلّ واحدٍ منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مسًّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصرٍ ولا هصرٍ، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دمٍ، ولا وجعٍ، فقال له: أخرج الغلّ والحسد. فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثمّ نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرّأفة والرّحمة. فإذا مثل الّذي أخرج، شبه الفضّة، ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقّةً على الصّغير ورحمةً للكبير» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 429-430]

تفسير قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووضعنا عنك وزرك} بمعنى: (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر)). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 430]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذي أنقض ظهرك} الإنقاض: الصوت. وقال غير واحدٍ من السلف في قوله: {الّذي أنقض ظهرك} أي: أثقلك حمله). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 430]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ورفعنا لك ذكرك} قال مجاهدٌ:
«لا أذكر إلاّ ذكرت معي: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله».
وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهّدٌ، ولا صاحب صلاةٍ إلاّ ينادي بها: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال:
«أتاني جبريل فقال: إنّ ربّي وربّك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم. قال: إذا ذكرت ذكرت معي»).
وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن يونس بن عبد الأعلى به، ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة، عن درّاجٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا أبو عمر الحوضيّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«سألت ربّي مسألةً وددت أنّي لم أكن سألته: قلت: قد كان قبلي أنبياء، منهم من سخّرت له الرّيح، ومنهم من يحيي الموتى. قال: يا محمّد، ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أجدك ضالاًّ فهديتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا ربّ»).
وقال أبو نعيمٍ في (دلائل النّبوّة): حدّثنا أبو أحمد الغطريفيّ، حدّثنا موسى بن سهلٍ الجونيّ، حدّثنا أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتيّ، حدّثنا نصر بن حمّادٍ، عن عثمان بن عطاءٍ، عن الزّهريّ، عن أنسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لمّا فرغت ممّا أمرني الله به من أمر السّماوات والأرض قلت: يا ربّ، إنّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاّ وقد كرّمته؛ جعلت إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وسخّرت لداود الجبال، ولسليمان الرّيح والشّياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كلّه؛ إنّي لا أذكر إلاّ ذكرت معي، وجعلت صدور أمّتك أناجيل يقرؤون القرآن ظاهراً ولم أعطها أمّةً، وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم»).
وحكى البغويّ، عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ، أن المراد بذلك الأذان. يعني: ذكره فيه. وأورد من شعر حسّان بن ثابتٍ:
أغرّ عليه للنّبوّة خاتمٌ ....... من الله من نورٍ يلوح ويشهد

وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه ....... إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه ....... فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأوّلين والآخرين، ونوّه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيّين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثمّ شهر ذكره في أمّته، فلا يذكر الله إلاّ ذكر معه. وما أحسن ما قال الصّرصريّ رحمه الله:
لا يصحّ الأذان في الفرض إلاّ ....... باسمه العذب في الفم المرضيّ
وقال أيضاً:
ألم تر أنّا لا يصحّ أذاننا ....... ولا فرضنا إن لم نكرّره فيهما
). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 430-431]


تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً} أخبر تعالى أنّ مع العسر يوجد اليسر، ثمّ أكّد هذا الخبر.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا حميد بن حمّاد بن أبي خوارٍ أبو الجهم، حدّثنا عائذ بن شريحٍ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالساً وحياله حجرٌ، فقال:
«لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتّى يدخل عليه فيخرجه» فأنزل الله عزّ وجلّ: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً}.
ورواه أبو بكرٍ البزّار في مسنده، عن محمد بن معمرٍ، عن حميد بن حمّادٍ به، ولفظه: ((لو جاء العسر حتّى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتّى يخرجه)) ثمّ قال: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً})). ثمّ قال البزّار:
«لا نعلم رواه عن أنسٍ إلاّ عائذ بن شريحٍ».
قلت: وقد قال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: في حديثه ضعفٌ، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرّة، عن رجلٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ موقوفاً.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمد بن الصّبّاح، حدّثنا أبو قطنٍ، حدّثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال:
«لا يغلب عسرٌ واحدٌ يسرين اثنين».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك، وهو يقول:
«لن يغلب عسرٌ يسرين، لن يغلب عسرٌ يسرين، إنّ مع العسر يسراً، إنّ مع العسر يسراً»).
وكذا رواه من حديث عوفٍ الأعرابيّ، ويونس بن عبيدٍ، عن الحسن مرسلاً.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشّر أصحابه بهذه الآية، فقال:
«لن يغلب عسرٌ يسرين». ومعنى هذا: أن العسر معرّفٌ في الحالين؛ فهو مفردٌ واليسر منكّرٌ فتعدّد، ولهذا قال: «لن يغلب عسرٌ يسرين» يعني: قوله: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً} فالعسر الأوّل هو الثاني، واليسر تعدّد.
وقال الحسن بن سفيان: حدّثنا يزيد بن صالحٍ، حدّثنا خارجة، عن عبّاد بن كثيرٍ، عن أبي الزّناد، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«نزل المعونة من السّماء على قدر المؤونة، ونزل الصّبر على قدر المصيبة»).
وممّا يروى عن الشافعيّ أنه قال:
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا ....... من راقب الله في الأمور نجا
من صدّق الله لم ينله أذى ....... ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال ابن دريدٍ: أنشدني أبو حاتمٍ السّجستانيّ:
إذا اشتملت على اليأس القلوب ....... وضاق لما به الصّدر الرّحيب
وأوطأت المكاره واطمأنّت ....... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضّرّ وجهاً ....... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ....... يمنّ به اللّطيف المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت ....... فموصولٌ بها الفرج القريب

وقال آخر:
ولربّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ....... ذرعاً وعند الله منها المخرج
كملت فلمّا استحكمت حلقاتها ....... فرجت وكان يظنّها لا تفرج).
[تفسير القرآن العظيم: 8/ 431-433]


تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإذا فرغت فانصب * وإلى ربّك فارغب} أي: إذا فرغت من أمور الدّنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربّك النيّة والرغبة.
ومن هذا القبيل قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتّفق على صحّته:
«لا صلاة بحضرة طعامٍ، ولا وهو يدافعه الأخبثان». وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقيمت الصّلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء».
قال مجاهدٌ في هذه الآية:
«إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربّك».
وفي روايةٍ عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك.
وعن ابن مسعودٍ:
«إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام اللّيل».
وعن ابن عياضٍ نحوه.
وفي روايةٍ عن ابن مسعودٍ: {فانصب * وإلى ربّك فارغب} بعد فراغك من الصلاة وأنت جالسٌ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا فرغت فانصب} يعني:
«في الدعاء».
وقال زيد بن أسلم والضحّاك: {فإذا فرغت} أي: من الجهاد {فانصب} أي: في العبادة.
{وإلى ربّك فارغب}. قال الثّوريّ:
«اجعل نيّتك ورغبتك إلى الله - عزّ وجلّ -»). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 433]


رد مع اقتباس