عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 12:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

درجات الاستعاذة:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (درجات الاستعاذة:
أمرَ الله تعالى بالاستعاذة به؛ وهذا الأمر الرباني يتضمّن وعداً كريماً بإعاذة من يستعيذ به، فمن أحسن الاستعاذة بالله تعالى أعاذه الله،كما قال الله تعالى في الحديث القدسي [ولئن استعاذني لأعيذنه]، والله تعالى لا يخلف وعده، ولكن الشأن كلَّ الشأن في تصحيحِ الاستعاذةِ وإحسانها؛ فإن الاستعاذة الصحيحة هي التي تنفع العبد بإذن الله تعالى، وهي التي يكون فيها صدق التجاء القلب إلى الله تعالى، واتباع هداه، فيما يأمر به العبد وينهاه، فإذا سلك العبد سبيل النجاة نجاه الله.
وأما من يستعيذ بلسانِه وقلبُه معرضٌ عن صدق الالتجاء إلى الله، أو يستعيذ بلسانه ولا يتبع هدى الله فاستعاذته كاذبة.

ولذلك فإنَّ الناس في الاستعاذة على درجات:
الدرجة الأولى: أصحاب الاستعاذة الباطلة، وهي الاستعاذة التي تخلَّف عنها أحد شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة؛ وهؤلاء استعاذتهم من جَهْد البلاء، لأنهم يستعيذون بالله وبغيره؛ فيشركون بالله، ويدعونَ {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}، وكذلك أصحاب الاستعاذات البدعية مما يحدثه بعض الناس من التعويذات المبتدعة، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والدرجة الثانية: الاستعاذة الناقصة، وهي الاستعاذة التي خلت من الشرك والبدعة، لكنها استعاذة ناقصة ضعيفة لما فيها من ضعف الالتجاء إلى الله، وضعف الاستعانة به، والتفريط في اتباع هداه؛ فيستعيذ أحدهم وقلبه فيه غفلة ولهو عن الاستعاذةِ.
والاستعاذةُ نوع من أنواع الدعاء وقد رُوي من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يستجيب لعبد دَعَاه عن ظهر قلب غافل )) والحديث حسَّنه الألبانيّ رحمه الله.
قال ابن القيّم رحمه الله في الجواب الكافي كلاماً معناه: الدعاء دواء نافع مزيل للداء لكن غفلة القلب عن الله تضعف قوَّته.
وكذلك من يستعيذ بقلبه لكن في اتباعه لهدى الله عز وجلَّ ضعف وتهاون وتفريط فتكون استعاذته ناقصة بذلك، والاستعاذة الناقصة تنفع أصحابها بعضَ النفع بإذن الله تعالى.
الدرجة الثالثة: استعاذة المتقين، وهي الاستعاذة الصحيحة المتقبَّلة التي تنفع أصحابها بإذن الله، وهي التي تكون بالقلب والقول والعمل:
- فأما تصحيح الاستعاذة بالقلب؛ فذلك بأن يكون في قلب صاحبها التجاء صادق إلى الله جل وعلا، فيؤمن بأنه لا يعيذه إلا الله، ويتوكل على الله وحده، ويحسن الظنَّ به، ويصبر على ما يصيبه حتى يفرج الله عنه، ولا ينقض استعاذته ولا يضعفها بالاستعجال وترك الدعاء ولا بالتسخط والاعتراض.
- وأما الاستعاذة بالقول؛ فتكون بذكر ما يشرع من التعويذات المأثورة، وما في معناها مما يصحّ شرعاً.
- وأما الاستعاذة بالعمل؛ فتكون باتباع هدى الله جلَّ وعلا، ولا سيما في ما يتعلق بأمر الاستعاذة.
الدرجة الرابعة: استعاذة المحسنين، وهي أعلى درجات الاستعاذة وأحسنها أثراً، وأصحاب هذه الدرجة هم ممن أوجبَ الله تعالى على نفسه أن يعيذهم إذا استعاذوه، وهم الذين حققوا صفات ولاية الله تعالى كما في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله قال: [ من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه؛ فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه] )).
وهؤلاء هم الذين أحسنوا الاستعاذة بقلوبهم وأعمالهم وأحوالهم؛ حتى إنهم يستعيذون بالله كأنهم يرون الله جل وعلا، يكثرون من ذكر الله، ويحسنون اتباع هدى الله تعالى؛ فتراهم يسارعون في الخيرات، ويكفّون عن المحرّمات، ويتورعون عن الشبهات، ويحسنون التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
فهؤلاء أولياء الله، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واستعاذتهم سريعة الأثر في الغالب، كما كانت استجابتهم لله تعالى سريعة لا تردد فيها ولا توانٍ.
وبهذا يتبيَّن أن الناس يتفاضلون في الاستعاذة، بل أصحاب كلّ درجة يتفاضلون فيها، بل إنّ العبد الواحد تتفاضل استعاذاته فيحسن في بعضها ويقصّر في بعضها، ومن تبصّر بحقيقة الاستعاذة بالله، وأيقن بنفعها وعظيم أثرها على قلبه وجوارحه وحاله ومآله حرص على إحسانها.
وكلما كان العبد أحسن استعاذةً كانت إعاذته أرجى وأنفعَ وأحسنَ أثراً بإذن الله تعالى.
والله تعالى يبتلي عبادَه ببعض ما يُستعاذ منه؛ فمن أحسن الاستعاذة به جلّ وعلا أعاذه، واصطفاه، ورفع درجته؛ فكانت حاله بعد استعاذته أحسن وأكمل وأحبّ إلى الله من حاله قبل أن يُقدّر عليه ما استعاذ منه.
وقد كتب الله حسن العاقبة لمن يتّبع هداه، وبذلك يطمئنّ المؤمن أنّه ما دام متبعاً لهدى الله فهو على خير، وإلى خير، وما أصابه مما يكره فسيفضي به إلى ما يحبّ بإذن الله. (*)). [تفسير سورة الفاتحة:94 - 98]

رد مع اقتباس