عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون} أي: يوم بدرٍ، وكان في جمعةٍ وافق السّابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الّذي أعزّ اللّه فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشّرك وخرّب محله، [هذا] مع قلّة عدد المسلمين يومئذٍ، فإنّهم كانوا ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلًا فيهم فرسان وسبعون بعيرا، والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدوّ يومئذٍ ما بين التّسعمائةٍ إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض، والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والحليّ الزّائد، فأعزّ اللّه رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيّض وجه النّبيّ وقبيله، وأخزى الشّيطان وجيله ولهذا قال تعالى -ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتّقين: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ} أي: قليلٌ عددكم ليعلموا أنّ النّصر إنّما هو من عند اللّه، لا بكثرة العدد والعدد؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: {ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا [وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين. ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودًا لم تروها وعذّب الّذين كفروا وذلك جزاء الكافرين. ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء] واللّه غفورٌ رحيمٌ} [التّوبة: 25 -27].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعريّ قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياضٌ -وليس عياضٌ هذا الّذي حدّث سماكًا-قال: وقال عمر، رضي اللّه عنه: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا إليه إنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّونني وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرًا، وأحصن جندًا: اللّه عزّ وجلّ، فاستنصروه، فإنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم قد نصر يوم بدرٍ في أقلّ من عدّتكم، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني. قال فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ، قال: وأصبنا أموالًا فتشاورنا، فأشار علينا عياضٌ أن نعطي عن كلّ ذي رأسٍ عشرةً. قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني؟ فقال شابٌّ: أنا، إن لم تغضب. قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرسٍ عري.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ وقد أخرجه ابن حبّان في صحيحه من حديث بندار، عن غندر، بنحوه، واختاره الحافظ الضّياء المقدسيّ في كتابه.
وبدر محلّة بين مكّة والمدينة، تعرف ببئرها، منسوبةٌ إلى رجلٍ حفرها يقال له: "بدر بن النّارين". قال الشّعبيّ: بدرٌ بئرٌ لرجلٍ يسمّى بدرًا.
وقوله: {فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون} أي: تقومون بطاعته). [تفسير القرآن العظيم: 2/111-112]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين (125) وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفًا من الّذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (127) ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون (128) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ (129)}
اختلف المفسّرون في هذا الوعد: هل كان يوم بدر أو يوم أحد؟ على قولين:
أحدهما: أنّ قوله: {إذ تقول للمؤمنين} متعلّقٌ بقوله: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ} وروي هذا عن الحسن البصريّ، وعامرٍ الشّعبيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وغيرهم. واختاره ابن جريرٍ.
قال عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة} قال: هذا يوم بدر. رواه ابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال:
حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيب عن داود، عن عامرٍ -يعني الشّعبيّ-أنّ المسلمين بلغهم يوم بدرٍ أنّ كرز بن جابرٍ يمدّ المشركين، فشقّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه: {ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين} إلى قوله: {مسوّمين} قال: فبلغت كرزًا الهزيمة، فلم يمدّ المشركين ولم يمدّ اللّه المسلمين بالخمسة.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: أمدّ اللّه المسلمين بألفٍ، ثمّ صاروا ثلاثة آلافٍ، ثمّ صاروا خمسة آلافٍ.
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية -على هذا القول-وبين قوله تعالى في قصّة بدرٍ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين [وما جعله اللّه إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند اللّه] إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} [الأنفال:9، 10] فالجواب: أنّ التّنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثّلاثة الآلاف فما فوقها، لقوله: {مردفين} بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوفٌ أخر مثلهم. وهذا السّياق شبيهٌ بهذا السّياق في سورة آل عمران. فالظّاهر أنّ ذلك كان يوم بدرٍ كما هو المعروف من أنّ قتال الملائكة إنّما كان يوم بدرٍ، واللّه أعلم، قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: أمدّ الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف.
القول الثّاني: أنّ هذا الوعد متعلق بقوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال} وذلك يوم أحد. وهو قول مجاهدٍ، وعكرمة، والضّحّاك، والزّهريّ، وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف؛ لأنّ المسلمين فرّوا يومئذٍ -زاد عكرمة: ولا بالثّلاثة الآلاف؛ لقوله: {بلى إن تصبروا وتتّقوا} فلم يصبروا، بل فرّوا، فلم يمدّوا بملكٍ واحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/112-113]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بلى إن تصبروا وتتّقوا} يعني: تصبروا على مصابرة عدوّكم وتتّقوني وتطيعوا أمري.
وقوله: {ويأتوكم من فورهم هذا} قال الحسن، وقتادة، والرّبيع، والسّدّي: أي من وجههم هذا. وقال مجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ: أي من غضبهم هذا. وقال الضّحّاك: من غضبهم ووجههم. وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: من سفرهم هذا. ويقال: من غضبهم هذا.
وقوله: {يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين} أي: معلّمين بالسّيما.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن حارثة بن مضرّب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: كان سيما الملائكة يوم بدرٍ الصّوف الأبيض، وكان سيماهم أيضًا في نواصي خيلهم.
رواه ابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا هدبة بن خالدٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة في هذه الآية: {مسوّمين} قال: بالعهن الأحمر.
وقال مجاهدٌ: {مسوّمين} أي: محذّقة أعرافها، معلّمة نواصيها بالصّوف الأبيض في أذناب الخيل.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتت الملائكة محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم مسوّمين بالصّوف، فسوم محمّدٌ وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصّوف.
وقال عكرمة وقتادة {مسوّمين} أي: بسيما القتال، وقال مكحولٌ: {مسوّمين} بالعمائم.
وروى ابن مردويه، من حديث عبد القدّوس بن حبيب، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {مسوّمين} قال: "معلّمين. وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم حنين عمائم حمر".
وروى من حديث حصين بن مخارق، عن سعيدٍ، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: لم تقاتل الملائكة إلّا يوم بدرٍ.
وقال ابن إسحاق: حدّثني من لا أتّهم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنينٍ عمائم حمرا. ولم تضرب الملائكة في يومٍ سوى يوم بدرٍ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيّام عددًا ومددًا لا يضربون.
ثمّ رواه عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عبّاسٍ، فذكر نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الأحمسي حدّثنا وكيع، حدّثنا هشام بن عروة، عن يحيى بن عبّادٍ: أنّ الزّبير [بن العوّام] رضي اللّه عنه، كان عليه يوم بدرٍ عمامةٌ صفراء معتجرًا بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.
رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزّبير، فذكره). [تفسير القرآن العظيم: 2/113-114]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به} أي: وما أنزل اللّه الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلّا بشارةً لكم وتطييبًا لقلوبكم وتطمينًا، وإلّا فإنّما النّصر من عند اللّه، الّذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياجٍ إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال: {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم.} [محمّدٍ:4-6]. ولهذا قال هاهنا: {وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم} أي: هو ذو العزّة الّتي لا ترام، والحكمة في قدره والإحكام). [تفسير القرآن العظيم: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ليقطع طرفًا من الّذين كفروا} أي: أمركم بالجهاد والجلاد، لما له في ذلك من الحكمة في كلّ تقديرٍ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفّار المجاهدين. فقال: {ليقطع طرفًا} أي: ليهلك أمّةً {من الّذين كفروا أو يكبتهم} أي: يخزيهم ويردّهم بغيظهم لمّا لم ينالوا منكم ما أرادوا؛ ولهذا قال: {أو يكبتهم فينقلبوا} أي: يرجعوا {خائبين} أي: لم يحصلوا على ما أمّلوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/114]


تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) }


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ اعترض بجملةٍ دلّت على أنّ الحكم في الدّنيا والآخرة له وحده لا شريك له، فقال: {ليس لك من الأمر شيءٌ} أي: بل الأمر كلّه إليّ، كما قال: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد:40] وقال {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة:272]. وقال {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [القصص:56].
قال محمّد بن إسحاق في قوله: {ليس لك من الأمر شيءٌ} أي: ليس لك من الحكم شيءٌ في عبادي إلّا ما أمرتك به فيهم.
ثمّ ذكر تعالى بقيّة الأقسام فقال: {أو يتوب عليهم} أي: ممّا هم فيه من الكفر ويهديهم بعد الضّلالة {أو يعذّبهم} أي: في الدّنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم؛ ولهذا قال: {فإنّهم ظالمون} أي: يستحقّون ذلك.
وقال البخاريّ: حدّثنا حبّان بن موسى، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، حدّثني سالمٌ، عن أبيه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، إذا رفع رأسه من الرّكوع في الرّكعة الثّانية من الفجر اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد" فأنزل اللّه تعالى {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]}.
وهكذا رواه النّسائيّ، من حديث عبد اللّه بن المبارك وعبد الرّزّاق، كلاهما، عن معمر، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو عقيلٍ -قال أحمد: وهو عبد اللّه بن عقيلٍ، صالح الحديث ثقةٌ-قال: حدّثنا عمر بن حمزة، عن سالمٍ، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّهمّ العن فلانا، اللّهمّ العن الحارث بن هشام، اللّهمّ العن سهيل بن عمرو، اللّهمّ العن صفوان بن أميّة". فنزلت هذه الآية: {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون} فتيب عليهم كلّهم.
وقال أحمد: حدّثنا أبو معاوية الغلابي، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا محمّد بن عجلان، عن نافعٍ، عن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو على أربعةٍ قال: فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]} قال: وهداهم اللّه للإسلام.
وقال محمّد بن عجلان، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو على رجالٍ من المشركين يسمّيهم بأسمائهم، حتّى أنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ} الآية.
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، وأبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ -أو يدعو لأحدٍ-قنت بعد الرّكوع، وربّما قال -إذا قال: "سمع اللّه لمن حمده، ربّنا ولك الحمد-: "اللّهمّ انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشامٍ، وعيّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف". يجهر بذلك، وكان يقول -في بعض صلاته في صلاة الفجر-: "اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا" لأحياءٍ من أحياء العرب، حتّى أنزل اللّه {ليس لك من الأمر شيءٌ} الآية.
وقال البخاريّ: قال حميد وثابتٌ، عن أنس بن مالكٍ: شجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحد، فقال: "كيف يفلح قومٌ شجّوا نبيّهم؟ ". فنزلت: {ليس لك من الأمر شيءٌ} وقد أسند هذا الحديث الّذي علّقه البخاريّ رحمه اللّه.
وقال البخاريّ: في غزوة أحد: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه السّلميّ، حدّثنا عبد اللّه -أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، حدّثني سالم بن عبد اللّه، عن أبيه أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول -إذا رفع رأسه من الرّكوع، في الرّكعة الأخيرة من الفجر-: "اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد". فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ} [إلى قوله: {فإنّهم ظالمون}].
وعن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد اللّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو على صفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرٍو، والحارث بن هشامٍ، فنزلت: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم] فإنّهم ظالمون}.
هكذا ذكر هذه الزّيادة البخاريّ معلّقةً مرسلةً مسندةٌ متّصلةٌ في مسند أحمد متّصلةٌ آنفًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، حدّثنا حميد، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كسرت رباعيته يوم أحد، وشجّ في جبهته حتّى سال الدّم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قومٌ فعلوا هذا بنبيّهم، وهو يدعوهم إلى ربّهم، عزّ وجلّ". فأنزل اللّه تعالى: {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون}
انفرد به مسلمٌ، فرواه [عن] القعنبيّ، عن حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، فذكره.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن مطرٍ، عن قتادة قال: أصيب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ وكسرت رباعيته، وفرق حاجبه، فوقع وعليه درعان والدّم يسيل، فمرّ به سالمٌ مولى أبي حذيفة، فأجلسه ومسح عن وجهه، فأفاق وهو يقول: "كيف بقومٍ فعلوا هذا بنبيّهم، وهو يدعوهم إلى الله؟ " فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]}.
وكذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة، بنحوه، ولم يقل: فأفاق). [تفسير القرآن العظيم: 2/114-116]


رد مع اقتباس