عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 06:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن مسعود وعبد الله بن عمر: «إذ قال الملائكة» واختلف المتأولون هل الملائكة هنا عبارة عن جبريل وحده أو عن جماعة من الملائكة؟ وقد تقدم معنى ذلك كله في قوله آنفا، فنادته الملائكة [آل عمران: 39] فتأمله، وتقدم ذكر القراءات في قوله يبشّرك.
واختلف المفسرون لم عبر عن عيسى عليه السلام بكلمةٍ؟ فقال قتادة: جعله «كلمة» إذ هو موجود بكلمة وهي قوله تعالى: لمرادته- كن- وهذا كما تقول في شيء حادث هذا قدر الله أي هو عند قدر الله وكذلك تقول هذا أمر الله، وترجم الطبري فقال: وقال آخرون: بل الكلمة اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء، فمقتضى هذه الترجمة أن الكلمة اسم مرتجل لعيسى ثم أدخل الطبري تحت الترجمة عن ابن عباس أنه قال: «الكلمة» هي عيسى، وقول ابن عباس يحتمل أن يفسر بما قال قتادة وبغير ذلك مما سنذكره الآن وليس فيه شيء مما ادعى الطبري رحمه الله، وقال قوم من أهل العلم: سماه الله «كلمة» من حيث كان تقدم ذكره في توراة موسى وغيرها من كتب الله وأنه سيكون، فهذه كلمة سبقت فيه من الله، فمعنى الآية، أنت يا مريم مبشرة بأنك المخصوصة بولادة الإنسان الذي قد تكلم الله بأمره وأخبر به في ماضي كتبه المنزلة على أنبيائه، واسمه في هذا الموضع، معناه تسميته، وجاء الضمير مذكرا من أجل المعنى، إذ «الكلمة» عبارة عن ولد.
واختلف الناس في اشتقاق لفظة المسيح فقال قوم، هو من ساح يسيح في الأرض، إذا ذهب ومشى أقطارها فوزنه مفعل، وقال جمهور الناس: هو من- مسح- فوزنه- فعيل، واختلفوا- بعد- في صورة اشتقاقه من- مسح- فقال قوم من العلماء، سمي بذلك من مساحة الأرض لأنه مشاها فكأنه مسحها، وقال آخرون: سمي بذلك لأنه ما مسح بيده على ذي علة إلا برئ، فهو على هذين القولين- فعيل- بمعنى- فاعل- وقال ابن جبير: سمي بذلك لأنه مسح بالبركة، وقال آخرون: سمي بذلك لأنه مسح بدهن القدس فهو على هذين القولين- فعيل- بمعنى مفعول، وكذلك هو في قول من قال: مسحه الله، فطهره من الذنوب، قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق، وقال ابن جبير عن ابن عباس: المسيح الملك، وسمي بذلك لأنه ملك إحياء الموتى، وغير ذلك من الآيات، وهذا قول ضعيف لا يصح عن ابن عباس.
وقوله: عيسى يحتمل من الإعراب ثلاثة أوجه، البدل من المسيح، وعطف البيان، وأن يكون خبرا بعد خبر، ومنع بعض النحاة أن يكون خبرا بعد خبر وقال: كان يلزم أن تكون أسماؤه على المعنى أو أسماؤها على اللفظ للكلمة، ويتجه أن يكون عيسى خبر ابتداء مضمر، تقديره، هو عيسى ابن مريم، ويدعو إلى هذا كون قوله، ابن مريم صفة ل عيسى إذ قد أجمع الناس على كتبه دون ألف، وأما على البدل أو عطف البيان فلا يجوز أن يكون ابن مريم صفة ل عيسى لأن الاسم هنا لم يرد به الشخص، هذه النزعة لأبي علي، وفي صدر الكلام نظر، ووجيهاً، نصب على الحال وهو من الوجه، أي له وجه ومنزلة عند الله والمعنى في الوجيه أنه حيثما أقبل بوجهه، عظم وروعي أمره، وتقول العرب: فلان له وجه في الناس وله جاه، وهذا على قلب في اللفظة، يقولون جاهني يجوهني بكذا أي واجهني به، وجاه عيسى عليه السلام في الدنيا نبوته وذكره، ورفعه في الآخرة مكانته ونعيمه وشفاعته، ومن المقرّبين، معناه من الله تعالى). [المحرر الوجيز: 2/220-222]

تفسير قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ويكلّم النّاس في المهد وكهلاً ومن الصّالحين (46) قالت ربّ أنّى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون (47)
قوله: ويكلّم نائب عن حال تقديرها ومكلما وذلك معطوف على قوله: وجيهاً [آل عمران: 45]، وجاء عطف الفعل المستقبل على اسم الفاعل لما بينهما من المضارعة كما جاز عطف اسم الفاعل على الفعل المستقبل في قوله الشاعر: [الرجز].
بتّ أعشّيها بعضب باتر = يفصد في أسوقها وجائر
وقوله: في المهد حال من الضمير في يكلّم، وكهلًا حال معطوفة على قوله: في المهد، وقوله: من الصّالحين، حال معطوفة على قوله، ويكلّم، وهذه الآية إخبار من الله تعالى لمريم بأن ابنها يتكلم في مهده مع الناس آية دالة على براءة أمه مما عسى أن يقذفها به متعسف ظان، والمهد موضع اضطجاع الصبي وقت تربيته، وأخبر تعالى عنه أنه أيضا يكلم الناس كهلًا، وفائدة ذلك إذ كلام الكهل عرف أنه إخبار لها بحياته إلى سن الكهولة، هذا قول الربيع وجماعة من المفسرين، وقال ابن زيد: فائدة قوله كهلًا الإخبار بنزوله عند قتله الدجال كهلا، وقال جمهور الناس: الكهل الذي بلغ سن الكهولة، وقال مجاهد: الكهل الحليم، وهذا تفسير الكهولة بعرض مصاحب لها في الأغلب، واختلف الناس في حد الكهولة، فقيل: الكهل ابن أربعين سنة، وقيل: ابن خمس وثلاثين، وقيل، ابن ثلاث وثلاثين، وقيل: ابن اثنين وثلاثين، وهذا حد أولها. وأما آخرها فاثنتان وخمسون، ثم يدخل سن الشيخوخة). [المحرر الوجيز: 2/222-223]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقول مريم: ربّ أنّى يكون لي ولدٌ استفهام عن جهة حملها واستغراب للحمل على حال بكارتها، ويمسسني، معناه يطأ ويجامع، والمسيس الجماع، ومريم لم تنف مسيس الأيدي، والإشارة بقوله: كذلك، يحتمل أن تكون إلى هذه القدرة التي تتضمنها البشارة بالكلمة، ويحتمل أن تكون إلى حال مريم وبكارتها، وقد تقدم شرح هذين التأويلين في أمر زكرياء عليه السلام، وجاءت العبارة في أمر زكريا يفعل وجاءت هنا، يخلق من حيث أمر زكرياء داخل في الإمكان الذي يتعارف وإن قل وقصة مريم لا تتعارف البتة، فلفظ الخلق أقرب إلى الاختراع وأدل عليه، وروي أن عيسى عليه السلام، ولد لثمانية أشهر فلذلك لا يعيش من يولد من غيره لمثل ذلك، وقوله تعالى: إذا قضى معناه إذا أراد إيجاده، والأمر واحد الأمور وهو مصدر سمي به، والضمير في له عائد على الأمر والقول على جهة المخاطبة، قال مكي: وقيل المعنى يقول لأجله، وهذا ينحو إلى ما نورده عن أبي علي بعد، وقرأ جمهور السبعة «فيكون» بالرفع، وقرأ ابن عامر وحده «فيكون» بالنصب، فوجه الرفع العطف على يقول، أو تقدير فهو يكون، وأما قراءة ابن عامر فغير متجهة لأن الأمر المتقدم خطاب للمقضي وقوله: فيكون، خطاب للمخبر، فليس كقوله قم فأحسن إليك، لكن وجهها أنه راعى الشبه اللفظي في أن تقدم في الكلام لفظ أمر كما قال أبو الحسن الأخفش في نحو قوله تعالى: قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة [إبراهيم: 31] أنه مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن له جوابا في الحقيقة، فكذلك على قراءة ابن عامر يكون قوله، فيكون بمنزلة جواب الأمر وإن لم يكن جوابا، وذهب أبو علي في هذه المسألة إلى أن القول فيها ليس بالمخاطبة المحضة، وإنما هو قول مجازي كما قال: امتلأ الحوض وقال قطني وغير ذلك، قال: لأن المنتفي ليس بكائن فلا يخاطب كما لا يؤمر، وإنما المعنى فإنما يكونه فهو يكون، فهذه نزعة اعتزالية غفر الله له). [المحرر الوجيز: 2/223-224]

تفسير قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل (48) ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه
قرأ نافع وعاصم «ويعلمه» بالياء، وذلك عطف على يبشّرك بكلمةٍ [آل عمران: 45] كذا قال أبو علي: ويحتمل أن يكون في موضع الحال عطفا على ويكلّم [آل عمران: 46]، وقرأ الباقون، و «نعلمه» بالنون، وهي مثل قراءة الياء في المعنى لكن جاءت بنون العظمة، قال الطبري: قراءة الياء عطف على قوله: يخلق ما يشاء [آل عمران: 47]، وقراءة النون عطف على قوله: نوحيه إليك [آل عمران: 44].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي قاله خطأ في الوجهين مفسد للمعنى والكتاب هو الخط باليد فهو مصدر كتب يكتب، هذا قول ابن جريج وجماعة المفسرين، وقال بعضهم: هي إشارة إلى كتاب منزل لم يعين وهذه دعوى لا حجة عليها، وأما الحكمة، فهي السنة التي يتكلم بها الأنبياء، في الشرعيات، والمواعظ، ونحو ذلك، مما لم يوح إليهم في كتاب ولا بملك، لكنهم يلهمون إليه وتقوى غرائزهم عليه، وقد عبر بعض العلماء عن الحكمة بأنها الإصابة في القول والعمل، فذكر الله تعالى في هذه الآية أنه يعلم عيسى عليه السلام الحكمة، والتعليم متمكن فيما كان من الحكمة بوحي أو مأثورا عمن تقدم عيسى من نبي وعالم، وأما ما كان من حكمة عيسى الخاصة به فإنما يقال فيها يعلمه على معنى يهيئ غريزته لها ويقدره ويجعله يتمرن في استخراجها ويجري ذهنه إلى ذلك، والتّوراة هي المنزلة على موسى عليه السلام، ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما فيها، ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إلا أربعة، موسى ويوشع بن نون وعزيز وعيسى عليهم السلام، وذكر الإنجيل لمريم وهو ينزل- بعد- لأنه كان كتابا مذكورا عند الأنبياء والعلماء وأنه سينزل). [المحرر الوجيز: 2/225-226]

رد مع اقتباس