الموضوع: قد
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 08:38 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("قد"
لفظ مشترك؛ يكون اسماً وحرفاً.
فأما "قد" الاسمية فلها معنيان:
الأول: أن تكون بمعنى "حسب". تقول: "قدني"، بمعنى: "حسبي". و"الياء" المتصلة بها مجرورة الموضع بالإضافة. ويجوز فيها إثبات "نون" الوقاية، وحذفها. و"الياء"، في الحالين، في موضع جر. هذا مذهب سيبويه، وأكثر البصريين.
الثاني: أن تكون اسم فعل بمعنى "كفى". ويلزمها "نون" الوقاية، مع "ياء" المتكلم، كما تلزم مع سائر أسماء الأفعال. و"الياء" المتصلة بها في موضع نصب. وهذا القسم نقله الكوفيون عن العرب.
وقول الشاعر:
قدني من نصر الخبيبين، قدي
يحتمل قوله "قدني" وجهين:
أحدهما: أن يكون بمعنى "حسب"، و"الياء" في موضع جر.
والثاني: أن يكون اسم فعل، و"الياء" في موضع نصب. وقوله آخر البيت قدي يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن يكون بمعنى "حسبي"، ولم يأت "بنون" الوقاية على أحد الوجهين.
وثانيها: أن يكون اسم فعل، وحذف "النون" ضرورة.
وثالثها: أن يكون اسم فعل، و"الياء" للإطلاق، وليست ضميراً.

وأما "قد" الحرفية فحرف مختص بالفعل، وتدخل على الماضي، بشرط أن يكون متصرفاً، وعلى المضارع، بشرط تجرده من جازم وناصب وحرف تنفيس. واختلفت عبارات النحويين في معنى "قد". فقيل: هي حرف توقع. وقيل: حرف تقريب.
قال الزمخشري في المفصل: ومن أصناف الحرف حرف التقريب وهو "قد". وهو يقرب الماضي من الحال، إذا قلت: "قد" فعل. ومنه قول المؤذن: "قد" قامت الصلاة. ولا بد من فيه من معنى التوقع.
قال سيبويه: وأما "قد" فجواب: هل فعل. وقال أيضاً: فجواب: لما يفعل. وقيل: حرف تقريب مع الماضي، وتقليل مع المستقبل.
قال ابن الخباز: ومن عبارات المطارحين في "قد" أنهم يقولون: حرف يصحب الأفعال ويقرب الماضي من الحال. قال: وزدته أنا ويؤثر التقليل في فعل الاستقبال.
وقال بعضهم: إن دخلت على المضارع، لفظاً ومعنى، فهي للتوقع، وإن دخلت على الماضي لفظاً ومعنى، أو معنى، فهي للتحقيق، نحو: "قد" قام زيد، و {قد يعلم ما أنتم عليه}.
قال الشيخ أبو حيان: والذي تلقناه من أفواه الشيوخ، بالأندلس، أنها حرف تحقيق، إذا دخلت على الماضي، وحرف توقع، إذا دخلت على المستقبل.
وقال بعضهم: "قد" حرف إخبار. تكون مع الماضي للتحقيق، ومع المضارع للتوقع تارة، وهو الكثير فيها، و"قد" تكون معه للتحقيق، وهو قليل. و"قد" تكون تقليلاً، وهو أيضاً قليل. والإخبار، في جميع ذلك، لا يخالفها. فهو الخاص بها الذي تسمى به.
قلت: وجملة ما ذكره النحويون ل"قد" خمسة معان:
الأول: التوقع. و"قد" ترد للدلالة على التوقع مع الماضي، والمضارع. وذلك مع المضارع واضح، نحو: "قد" يخرج زيد. ف "قد" هنا تدل على أن الخروج متوقع، أي: منتظر. وأما مع الماضي فتدل على أنه كان متوقعاً منتظراً. ولذلك يستعمل في الأشياء المترقبة.
وقال الخليل: إن قول القائل "قد" فعل كلام لقوم ينتظرون الخبر. ومنه قول المؤذن: "قد" قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون.
الثاني: التقريب. ولا ترد للدلالة عليه إلا مع الماضي. ولذبك تلزم غالباً مع الماضي، إذا وقع حالاً، نحو {وقد فصل لكم}. وإن ورد دون "قد" فقيل: هي معه مقدرة. وهو مذهب المبرد، والفراء، وقوم من النحويين. وقيل: لا حاجة إلى تقديرها. وهو الأظهر.
وكلام الزمخشري يدل على أن التقريب لا ينفك عن معنى التوقع. وكذلك قال ابن مالك في التسهيل: فتدخل على فعل ماض متوقع، لا يشبه الحرف، لتقريبه من الحال. وقال ابن الخباز: إذا دخل قد على الماضي أثر فيه معنيين: تقريبه من زمن الحال، وجعله خبراً منتظراً. فإذا قلت: "قد" ركب الأمير، فهو كلام لقوم ينتظرون حديثك. هذا تفسير الخليل.
الثالث: التقليل. وترد للدلالة عليه، مع المضارع. نحو: إن البخيل "قد" يجود. وقال ابن إياز: يفيد، مع المستقبل، التقليل في وقوعه، أو في متعلقه. فالأول كقولك: "قد" يفعل زيد كذا، أي: ليس ذلك منه بالكثير. والثاني كقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}، والمعنى، والله عز اسمه أعلم: أقل معلوماته ما أنتم عليه. قلت: والظاهر أن "قد" في هذه الآية للتحقيق، كما ذكره غيره.
ونازع بعضهم في إفادة "قد" لمعنى التقليل، فقال: "قد" تدل على توقع الفعل، ممن أسند إليه. وتقليل المعنى لم يستفد من "قد". بل لو قيل: البخيل يجود، فهم منه التقليل، لأن الحكم، على من شأنه البخل، بالجود إن لم يحمل على صدور ذلك قليلاً كان كلام كذباً، لأن آخره يدفع أوله.
الرابع: التكثير. وهو معنى غريب. و"قد" ذكره جماعة، من النحويين، وأنشدوا عليه قول الشاعر:
قد أشهد الغارة، الشعواء، تحملني ... جرداء، معروقة اللحيين، سرحوب
ونحو ذلك من الأبيات الواردة في الافتخار.
قلت: وجعل الزمخشري منه قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}. ورام بعضهم استنباط هذا المعنى من كلام سيبويه. فإنه قال: وأما "قد" فجواب لقوله لما يقعل. ثم قال:
وتكون "قد" بمنزلة "ربما". قال الهذلي:
قد أترك القرن مصفراً أنامله ... كأن أثوابه مجت، بفرصاد
كأنه قال: "ربما". هذا نصه. فتشبيهه ب "ربما" يدل على أنها للتكثير.
وعكس ذلك بعضهم، فقال: بل تدل على التقليل، لأن ربما للتقليل. وسيأتي تحقيق معنى "رب" في بابها.
الخامس: التحقيق. وترد، للدلالة عليه، مع الفعلين: الماضي والمضارع. فمع الماضي نحو {قد أفلح المؤمنون}. ومع المضارع نحو {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون}.
والحاصل أنها تفيد، مع الماضي، أحد ثلاثة معان: التوقع، والتقريب، والتحقيق. ومع المضارع أحد أربعة معان: التوقع، والتقليل، والتحقيق، والتكثير.

تنبيه
"قد" الدالة على التقليل تصرف المضارع إلى الماضي. ذكر ذلك ابن مالك. والظاهر أن الدالة على التكثير كذلك. وأما التي للتحقيق فإنها "قد" تصرفه إلى المضي، ولا يلزم فيها ذلك. هذا معنى كلام ابن مالك.
واعلم أن "قد" مع الفعل كجزء منه، فلا يفصل بينهما، بغير القسم، كقول الشاعر:
أخالد، قد، والله، أوطأت عشوة ... وما العاشق المظلوم، فينا، بسارق
و"قد" يحذف الفعل بعدها، إذا دل عليه دليل كقول النابغة:
أزف الترحل، غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قد
أي: وكأن "قد" زالت. والله أعلم). [الجنى الداني:253 - 260]


رد مع اقتباس