الموضوع: كلّ
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 12:07 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح ابن نور الدين الموزعي(ت: 825هـ)

(فصل) "كل" و"كلا" و"كلتا"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل) "كل" و"كلا" و"كلتا"
أما "كل": فاسم موضوع للاستغراق والعموم، وهي أم أدوات العموم، ولهذا لا يؤكد بها إلا ما يتبعض فلا يجوز أن تقول: جاءني زيد "كله"، وإن قلت: اشتريت زيدًا "كله"، جاز لأنك قد تشتري بعضه دون بعض، ولها معنيان واستعمالان، أما المعنيان:
فأحدهما: وهو الغالب عليها الاستغراق والشمول، فإن دخلت على اسم جنس أو جمع أو اسم جمع شملت جميع أفراده، وإن دخلت على فرد كانت لاستغراق أجزائه، كقولك: "كل" زيد حسن، وأكلت"كل" الرغيف، ولأجل ذلك لا يتقيد شمولها وعمومها بشيء، فيستوي إضافتها إلى الجمع والمفرد، والظاهر والمضمر وعدم إضافتها.
المعنى الثاني: الدلالة على الكمال وذلك لما فيها من معنى الاستغراق والشمول لصفات الكمال كقول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم .... هم القوم كل القوم يا أم خالد
ثم قال البيانيون: إذا وقعت "كل" في حيز النفي كان النفي موجهًا إلى نفي شمولها خاصة ودل النفي بمفهومه على ثبوت الحكم لبعض الأفراد كقولك: ما جاء "كل" القوم، ولم آخذ "كل" الدراهم، وكقول الشاعر:
.... ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد ....
وكقوله:
.... ما كل ما يتمنى المرء يدركه ....
وإن وقع النفي في حيزها اقتضى سلب الحكم عن "كل" فرد من أفرادها، كقوله عليه الصلاة والسلام لما قال له ذو اليدين: «أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: كل ذلك لم يكن» وكقول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي .... علي ذنبًا كله لم أصنع
ولا يرد على القسم الأول قول الله تعالى: {والله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ} ولا على القسم الثاني نصبك "كله" في البيت باصنع لكونهما حينئذٍ لا مفهوم لهما؛ لأن المفهوم لا يكون فيه دلالة على معناه إلا عند عدم المعارض له من الأدلة والقرائن السابقة.
وأما الاستعمالان:
فأحدهما: هو أن تستعمل مضافة، فإن أضيفت إلى نكرة فمعناها بحسب ما تضاف إليه، فيجب مراعاة معناها الذي هو مطابقة ما تضاف إليه، فحينئذٍ تطابق الصفة والضمير النكرة التي أضيفت كل إليها في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع والإفراد، كقول الصديق رضي الله عنه:
كل امرئ مصبح في أهل .... والموت أدنى من شراك نعله
والتأنيث كقول الله تعالى: {كل نفسٍ بما كسبت رهينة} وكقول الشاعر:
وكل مصيبات الزمان وجدتها .... سوى فُرقة الأحباب هينةَ الخطب
والتثنية كقول الفرزدق:
وكل رفيقي كل رحلٍ وإن هما .... تعاطى القنا قوماهما أخوان
والجمع كقول لبيد:
وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم .... دويهية تصفر منها الأنامل
هكذا ذكره ابن مالك ورده أبو حيان بقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرةٍ .... فتركن كل قرارةٍ كالدرهم
فقال: تركن ولم يقل تركت، فدل على جواز "كل" رجل قائم وقائمون قال ابن هشام: والذي يظهر خلاف قولهما وهو أن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى "كل" واحد وجب الإفراد نحو: "كل" رجلٍ يشبعه رغيف، أو إلى المجموع وجب الجمع، كبيت عنترة، فإن المراد: أن "كل" فرد من الأعين جاد وأن مجموع الأعين تركن "كل" قرارة كالدرهم وعلى هذا تقول: جاد على "كل" محسن فأغناني أو فأغنوني، بحسب المعنى الذي تريده، انتهى.
وهو نظر حسن، ولكن تأويله لبيت عنترة لا يستقيم إلا على تفسير الجوهري للعين إنها اسم للمطر في أيام لا يقلع فيها، لأن كلامه يدل على أن العين يمكن تعددها حتى صار لها أفراد فرجع الضمير على مجموع أفرادها، وأما من فسر العين بأنه اسم لأول غيث النوء من النجوم التي عليها علامة فلا يستقيم تعداده حتى يصير له أفراد إلا بمضي أعوام، إلا أن تنزل الأجزاء من المطر المذكور منزلة الأفراد، ولتميزها بعضها عن بعض، أو تنزل العين على السحابة المجتمعة الملتفة، ويسميها باسم المطر المذكور تجوزًا للمجاورة، وهذا أحسن ليشمل رواية من روى: "كل" بكرة حرة، والبكر: السحابة في أول الربيع.
وإن أضيفت إلى معرفة فقالوا: يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها نحو: "كلهم" قائم، و"كلهم" قائمون، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}، قال ابن هشام: والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردًا مذكرًا على حد لفظها نحو قوله تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}، وقوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عليه مسئولًا}، وقوله تعالى فيما يحكيه عنه نبيه عليه الصلاة والسلام: «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ... » الحديث، وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»، وقوله: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته» وقوله: «وكلنا لك عبد»، وأما قوله تعالى: {لقد أحصاهم} فجملة أجيب بها القسم وليست خبرًا عن "كل"، وضميرها راجع إلى "من" لا إلى "كل" ومن معناها الجمع.
الاستعمال الثاني: أن تقطع عن الإضافة لفظًا، قال أبو حيان: يجوز مراعاة اللفظ نحو قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته}، وقوله: {فكلًّا أخذنا بذنبه}، ومراعاة المعنى نحو قوله تعالى: {وكلٌّ كانوا ظالمين}.
قال ابن هشام: والصواب: أن المقدر يكون مفردًا نكرة فيجب الإفراد كما لو صرح بالمفرد، ويكون جمعًا معروفًا فيجب الجمع، وإن كانت المعرفة لو ذكرت لوجب الإفراد، ولكن فعل ذلك تنبيهًا على حال المحذوف فيها.
فالأول: كقوله تعالى: {كلُّ يعمل على شاكلته}، وقوله تعالى: {كُلُّ آمن بالله}، وقوله تعالى: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه}، إذ التقدير: "كل" واحد.
والثاني: نحو قوله تعالى: {كلٌّ له قانتون}، وقوله تعالى: {كلٌّ في فلك يسبحون}، وقوله تعالى: {وكلٌّ أتوه داخرين}، وقوله تعالى: {وكلٌّ كانوا ظالمين}، أي:"كلهم" ).[مصابيح المغاني: 339 - 346]


رد مع اقتباس