الموضوع: حرف الواو
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 06:56 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("الواو"
حرف يكون عاملاً، وغير عامل. فالعامل قسمان: جار وناصب فالجار: "واو" القسم، و"واو" "رب". والناصب: "واو" "مع"، تنصب المفعول معه، عند قوم. و"الواو"، التي ينتصب الفعل المضارع بعدها، هي الناصبة له، عند الكوفيين. فأقسام "الواو" العاملة أربعة. ولا يصح منها غير الأول. وسيأتي بيان ذلك.
فأما "واو" القسم فحرف يجر الظاهر، دون المضمر: وهو فرع "الباء"، لأن "الباء" فضلت بأربعة أوجه، تقدم بيانها. وذهب كثير من النحويين إلى أن "الواو" بدل من "الباء"؛ قالوا: لأنها تشابهها مخرجاً ومعنى، لأنهما من الشفتين، و"الباء" للإلصاق و"الواو" للجمع. واستدلوا على ذلك بأن المضمر لا تدخل عليه "الواو"، لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها.
وأما "واو" "رب": فذهب المبرد، والكوفيون، إلى أنها حرف جر، لنيابتها عن "رب"، وأن الجر لا ب "رب" المحذوفة. واستدل المبرد على ذلك بافتتاح القصائد بها، كقوله:
وقاتم الأعماق، خاوي المخترق
والصحيح أن الجر ب "رب" المحذوفة، لا "بالواو".
ولأن "الواو" أسوة "الفاء" و"بل"، قال ابن مالك: ولم يختلفوا في أن الجر بعدهما ب "رب" المحذوفة، وقد تقدم ذكر ذلك في "الفاء".
و"الواو" المذكورة عاطفة. ولا حجة له، في افتتاح القصائد بها، على أنها غير عاطفة، لإمكان إسقاط الراوي شيئاً من أولها، ولإمكان عطفها على بعض ما في نفسه.
وأما "واو" مع فذهب عبد القاهر إلى أنها ناصبة للمفعول معه، في نحو: استوى الماء "و" الخشبة. وهو ضعيف، لأن "الواو" لو كانت عاملة لا تصل بها الضمير، في نحو: سرت "و" إياك. والصحيح أن المفعول معه منصوب بما قبل "الواو"، من فعل، أو شبهه، بواسطة "الواو".
وذهب الزجاج إلى "أن" ناصبه مضمر بعد "الواو"، من فعل، أو شبهه. تقديره في ما صنعت "و" أباك: "و" تلابس أياك. وهو ضعيف، لأن فيه إحالة لباب المفعول معه، إذ المنصوب ب تلابس مفعول به.
وذهب الكوفيون إلى أن منصوب بالخلاف. وهو فاسد، لأن الخلاف معنى، والمعاني المجردة لم يثبت النصب بها.
وقال الأخفش: انتصابه انتصاب الظرف، وذلك لأن الأصل: سرت مع النيل. فلما جيء "بالواو" في موضع مع انتصب الاسم انتصاب "مع". و"الواو" مهيئة لانتصاب هذا الاسم انتصاب الظرف. ونظير ذلك إعراب ما بعد "إلا" بإعراب "غير"، إذا وقعت "إلا" صفه.
فإن قلت: فهل "واو" مع قسم برأسه، أو هي "الواو" العاطفة؟ قلت: بل هي غيرها. وقال قوم: إنها في الأصل هي العاطفة. ولذلك لا تدخل عليها "واو" العطف، ولو كانت غيرها لصح دخول "واو" العطف عليها، كما تدخل على "واو" القسم.
وأما "الواو" التي ينتصب المضارع بعدها، فتكون في موضعين:
الأول: في الأجوبة الثمانية، التي تقدم ذكرها، "للفاء" الناصبة. كقول الشاعر:
لا تنه عن خلق، وتأتي مثله ... عار عليك، إذا فعلت، عظيم
والثاني: أن يعطف بها الفعل على المصدر، كقول القائلة:
للبس عباءة، وتقر عيني ... أحب إلي، من لبس الشفوف
وذهب بعض الكوفيين إلى أن "الواو" في ذلك هي الناصبة للفعل، بنفسها، وذهب بعضهم إلى أن الفعل منصوب بالمخالفة. والصحيح أن "الواو" في ذلك عاطفة، والفعل منصوب ب "أن" مضمرة بعد "الواو". إلا أنها، في الأول، عاطفة مصدراً مقدراً على مصدر متوهم، وفي الثاني عاطفة مصدراً مقدراً على مصدر صريح. وإضمار أن بعدها في الأول واجب، وفي الثاني جائز.
وأما "الواو" غير العاملة: فقد ذكر بعضهم لها أقساماً كثيرة. وهي راجعة إلى ثمانية أقسام:
الأول: العاطفة. وهذا أصل أقسامها وأكثرها. و"الواو" أم باب حروف العطف، لكثرة مجالها فيه. وهي مشركة في الإعراب والحكم.
ومذهب جمهور النحويين أنها للجمع المطلق. فإذا قلت: قام زيد "و" عمرو، احتمل ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكونا قاما معاً، في وقت واحد.
والثاني: أن يكون المتقدم قام أولاً.
والثالث: أن يكون المتأخر قام أولاً.
قال سيبويه: وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا بشيء بعد شيء.
وذهب قوم إلى أنها للترتيب. وهو منقول عن قطرب، وثعلب، وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب، والربعي، وهشام، وأبي جعفر الدينوري. ولكن قال هشام والدينوري: إن "الواو" لها معنيان: معنى اجتماع، فلا تبالي بأيتهما بدأت، نحو: اختصم زيد "و" عمرو، ورأيت زيداً "و"عمراً، إذا اتحد زمان رؤيتهما. ومعنى اقتران، بأن يختلف الزمان، فالمتقدم في الزمان يتقدم في اللفظ، ولا يجوز أن يتقدم المتأخر. وعن الفراء أنها للترتيب حيث يستحيل الجمع. وقد علم بذلك أن ما ذكره السيرافي والفارسي والسهيلي، من إجماع النحاة، بصريتهم وكوفيهم، على أن "الواو" لا ترتب، غير صحيح.
قال ابن الخباز: وذهب الشافعي، رضي الله عنه، إلى أنها للترتيب. ويقال: نقله عن الفراء. وقال إمام الحرمين في البرهان: اشتهر، من مذهب أصحاب الشافعي، أنها للترتيب، وعند بعض الحنفية للمعية، وقد زل الفريقان.
وقال ابن مالك في التسهيل: تنفرد "الواو" بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان. وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة. قيل: وهو مخالف، في ذلك، لكلام سيبويه وغيره.
وقال ابن كيسان: لما احتملت هذه الوجوه، ولم يكن فيها أكثر من جمع الأشياء، كان أغلب أحوالها أن يكون الكلام على الجمع، في كل حال، حتى يكون في الكلام ما يدل على التفرق.
تنبيهات
الأول: تنفرد "الواو"، في العطف، بأمور. منها باب المفاعلة والافتعال، نحو تخاصم زيد "و" عمرو، واختصم زيد "و" عمرو. وهذا أحد الأدلة على أنها لا ترتب.
الثاني: إذا عطف "بالواو" على منفي فإن قصدت المعية لم يؤت بلا بعد "الواو"، نحو: ما قام زيد "و" عمرو. وقد ترد زائدة، إن أمن اللبس، نحو: ما يستوي زيد "ولا" عمرو. لأن المعية هنا مفهومة من يستوي، وإن لم تقصد المعية جيء ب "لا"، نحو: ما قام زيد "ولا" عمرو، ليعلم بذلك أن الفعل منفي عنهما حال الاجتماع والافتراق. ومنه {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم، عندنا، زلفى}.
فإن قلت: إذا قيل: ما قام زيد "ولا" عمرو، فهل هو من عطف المفردات أو من عطف الجمل؟ قلت: بل من عطف المفردات، خلافاً لبعضهم.
الثالث: قال السهيلي: "الواو" قسمان:

أحدهما: أن تجمع الاسمين في عامل واحد، وتنوب مناب صيغه التثنية. فيكون قام زيد "و" عمرو بمنزلة: قام هذان. وإذا نفي الفعل قلت: ما قام زيد "و" عمرو.
والثاني: أن تضمر بعد "الواو"، فترفع المعطوف بذلك المضمر، أو تنصب، فإذا نفيت، على هذا، قلت: ما قام زيد "ولا" عمرو. "فالواو" عاطفة جملة على جملة.
ويتركب على هذين الأصلين مسائل.
منها: قامت هند "و" زيد، إذا أضمرت. وقام هند "و" زيد، إذا جعلها جامعة، لتغليب المذكر على المؤنث. وتقول: طلعت الشمس "و" القمر، على هذا. ولا تقول في جمع إلا: جمع الشمس "و" القمر.

ومنها: زيد قام عمرو "و" أبوه، إن جعلتها جامعة جاز، أو أضمرت بعدها لم يجز. وكذلك في الصلة والصفة.
الرابع: قال بعض العلماء: الصواب أن يقال: "الواو" لمطلق الجمع، لا للجمع المطلق. لأن الجمع المطلق هو الجمع الموصوف بالإطلاق، لأنا نفرق بالضرورة بين الماهية بلا قيد، والماهية المقيدة، ولو بقيد لا. والجمع الموصوف بالإطلاق ليس له معنى هنا، بل المطلوب هو مطلق الجمع، بمعنى أي جمع كان، سواء كان مرتباً أو غير مرتب. ونظير ذلك قولهم: مطلق الماء، والماء المطلق.
الثاني من أقسام "الواو": "واو" الاستئناف، ويقال: "واو" الابتداء. وهي "الواو" التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها، في المعنى، ولا مشاركة له في الإعراب. ويكون بعدها الجملتان: الاسمية والفعلية. فمن أمثلة الاسمية قوله تعالى: {ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده}. ومن أمثلة الفعلية {لتبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء}، {هل تعلم له سمياً ويقول الإنسان}. وهو كثير.
وذكر بعضهم أن هذه "الواو" قسم آخر، غير "الواو" العاطفة. والظاهر أنها "الواو" التي تعطف الجمل، التي لا محل لها من الإعراب، لمجرد الربط، وإنما سميت "واو" الاستئناف، لئلا يتوهم أن ما بعدها من المفردات، معطوف على ما قبلها.
وذكر بعض النحويين أن "واو" "رب" في نحو: وبلدة ليس بها أنيس ينبغي أن تحمل على أنها "واو" الابتداء. وقد تقدم ذكرها.
الثالث: "واو" الحال: وقدرها النحويون ب "إذ"، من جهة أن الحال، في المعنى، ظرف للعامل فيها. وتدخل على الجملة الاسمية، نحو: جاء زيد ويده على رأسه، وعلى الفعلية، إذا تصدرت بماض. الأكثر اقترانه ب "قد"، نحو: جاء زيد و"قد" طلعت الشمس. وتدخل على المضارع المنفي، ولا تدخل على المثبت. وأما نحو قوله: نجوت، وأرهنهم مالكا فالصحيح أنه على إضمار مبتدأ بعد "الواو".
واعلم أن اقتران الجملة الحالية بهذه "الواو" ثلاثة أقسام: واجب، وممتنع، وجائز. وقد أوضحته في غير هذا الموضع، فإن ذكره هنا يطول به الكتاب.
الرابع: "الواو" الزائدة: ذهب الكوفيون والأخفش، وتبعهم ابن مالك، إلى أن "الواو" قد تكون زائدة. وأنشد الكوفيون، على ذلك، قول الشاعر:
حتى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أولادكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن، لنا ... إن اللئيم، الفاجر، الخب
أراد: قلبتم. وزاد "الواو". وأنشد أبو الحسن:
فإذا وذلك، يا كبيشة، لم يكن ... إلا كلمة بارق، بخيال
قال ابن مالك: ومثله قول أبي كبير:
فإذا وذلك ليس إلا ذكره ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
قلت: وذكروا زيادة "الواو" في آيات، منها قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها}. وقوله: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه}، قيل: "واو" وتله زائدة، وهو الجواب. وقيل: الزائدة "واو" وناديناه. ومذهب جمهور البصريين أن "الواو" لا تزاد، وتأولوا هذه الآيات ونحوها، على حذف الجواب.
الخامس: "الواو" التي بمعنى "أو": ذهب قوم من النحويين إلى أن "الواو" قد ترد بمعنى "أو"، كقول الشاعر:
وننصر مولانا، ونعلم أنه ... كما الناس، مجروم عليه، وجارم
وأجاز بعضهم أن تكون "الواو" في قولهم الكلمة اسم وفعل وحرف بمعنى "أو"، لأنه قد يقال: اسم أو فعل أو حرف. قلت: العكس أقرب، لأن استعمال "الواو" في ذلك هو الأكثر. قال ابن مالك: استعمال "الواو" فيما هو تقسيم أجود من استعمال "أو".
السادس: "واو" الثمانية: ذهب قوم إلى إثبات هذه "الواو"، منهم ابن خالويه، والحريري، وجماعة من ضعفة النحويين. قالوا: من خصائص كلام العرب إلحاق "الواو" في الثامن من العدد، فيقولون: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة "و" ثمانية، إشعاراً بأن السبعة عندهم عدد كامل. واستدلوا بقوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر}، وبقوله تعالى: {وثامنهم كلبهم}، وبقوله تعالى: {ثيبات وأبكاراً} وبقوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها}. قالوا: ألحقت "الواو"، لأن أبواب الجنة ثمانية، ولما ذكر جهنم قال فتحت بلا "واو"، لأن أبوابها سبعة.
وذهب المحققون إلى أن "الواو" في ذلك إما عاطفة، وإما "واو" الحال. ولم يثبتوا "واو" الثمانية. وأنكر الفارسي "واو" الثمانية، لما ذكرها ابن خالويه في باب المناظرة.
ولنذكر ما قيل في هذه الآيات. أما قوله تعالى والناهون "فالواو" فيه عاطفة. وحكمة ذكرها في هذه الصفة، دون ما قبلها من الصفات، ما بين الأمر والنهي من التضاد. فجيء "بالواو" رابطة بينهما لتباينهما، وتنافيهما. وقال بعضهم: هي زائدة. وليس بشيء.
وأما قوله تعالى وثامنهم كلبهم فقيل: هي "واو" العطف، أي: يقولون سبعة، "و" ثامنهم كلبهم. فهما جملتان. وقال الزمخشري: هي "الواو"، الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الجملة الواقعة حالاً عن المعرفة. قال: وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهي التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم، وطمأنينه نفس، ولم يرجموا بالظن كغيرهم. وهو معترض من جهة أن دخول "الواو" على الصفة لم يقل به أحد، من النحويين.
وأما قوله تعالى وأبكاراً فليس من هذا الباب، لأن "الواو" فيه عاطفة، ولابد من ذكرها، لأنها بين وصفين لا يجتمعان في محل واحد.
وأما قوله تعالى وفتحت فقال أبو علي وغيره: هي "واو" الحال، والمعنى: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت. أي: جاؤوها، وهي مفتحة، لا يوقفون. وهذا قول المبرد أيضاً. وقيل: إن أبواب جهنم لا تفتح، إلا عند دخول أهلها، وأما أبواب الجنة فيتقدم فتحها، بدليل قوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}. وجواب "إذا"، على هذا القول، محذوف، تقديره بعد خالدين، أي: نالوا المنى، ونحو ذلك. حذف للتعظيم. وقيل بعد أبوابها، أي دخلوها. وقيل: الجواب قال لهم و"الواو" مقحمة. وتقدم قول من جعل فتحت هو الجواب، و"الواو" مقحمة. والله أعلم.
السابع: "الواو" التي هي علامة الجمع في لغة أكلوني البراغيث. وهي لغة ثابتة، خلافاً لمن أنكرها، وأصحاب هذه اللغة يلحقون الفعل المسند إلى ظاهر، مثنى أو مجموع، علامة كضميره. فيقولون: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات. "فالألف" و"الواو" و"النون" في ذلك حروف، لا ضمائر، لإسناد الفعل إلى الاسم الظاهر. فهذه الأحرف عندهم "كتاء" التأنيث في نحو: قامت هند.
ومن شواهد هذه اللغة، في "الواو"، قول الشاعر:
بني الأرض قد كانوا بني، فعزني ... عليهم، لإخلال المنايا، كتابها
أنشده ابن مالك. قال: وقد تكلم بهذه اللغة النبي، صلى الله عليه وسلم، قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار. وقال السهيلي: ألفيت، في كتب الحديث المروية الصحاح، ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها. وذكر آثاراً منها: يتعاقبون فيكم ملائكة. ثم قال: لكني أقول في حديث مالك: إن "الواو" فيه علامة إضمار، لأنه حديث مختصر. رواه البزار مطولاً مجرداً، فقال فيه: إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ...
قلت: ونسب بعض النحويين هذه اللغة إلى طيئ، وقال بعضهم: هي لغة أزد شنوءة. ومن أنكر هذه اللغة تأول ما ورد من ذلك. فبعضهم يجعل ذلك خبراً مقدماً ومبتدأ مؤخراً، وبعضهم يجعل ما اتصل بالفعل ضمائر، والأسماء الظاهرة أبدال منها. وهذان تأويلان صحيحان، لما سمع من ذلك، من غير أصحاب هذه اللغة، وأما من يحمل جميع ما ورد من ذلك على التأويل فغير صحيح، لأن المأخوذ عنهم هذا الشأن متفقون على أن ذلك لغة قوم مخصوصين من العرب.
وحمل بعضهم على هذه اللغة قوله تعالى: {ثم عموا وصموا كثير منهم}، {وأسروا النجوى}. قلت: ولا ينبغي ذلك لأن هذه اللغة ضعيفة، فلا يحمل القرآن إلا على اللغات الفصيحة. والتأويلان المذكوران، قيل: يجريان في الآيتين. وقيل في وأسروا النجوى أقوال أخر.
الثامن: "واو" الإنكار. نحو قولك أعمروه لمن قال: جاء عمرو. وحرف الإنكار تابع لحركة الآخر، "ألفاً" بعد الفتحة، و"ياء" بعد الكسرة، و"واواً" بعد الضمة. ويردف "بهاء" السكت.
التاسع: "واو" التذكار. نحو قولك يقولو تعني: يقول زيد. وحرف التذكار أيضاً تابع لحركة الآخر، وإنما يكون ذلك في الوقف على الكلمة، لتذكر ما بعدها. فإن كان آخر الموقوف عليه ساكناً كسر وألحق "الياء"، ولا تلحق "هاء" السكت حرف التذكار، لأن الوصل منوي. وقد عدوا حرف الإنكار وحرف التذكار من حروف المعاني.
العاشر: أن يكون بدلاً من "همزة" الاستفهام، إذا كان بعدها "همزة". كقراءة قنبل: {قال فرعون وآمنتم}، {وإليه النشور وأمنتم}. "فالواو" في ذلك بدل من "همزة" الاستفهام. ذكر ذلك صاحب رصف المباني. ولا ينبغي ذكر مثل هذا، إذ لو فتح هذا الباب لعدت "الواو" من حروف الاستفهام. والإبدال في ذلك عارض، لاجتماع "الهمزتين". والله أعلم.
فهذه جملة أقسام "الواو"، وهي أربعة عشر قسماً. وبقيت "للواو" أقسام أخر، ذكرها النحويون، ليست من حروف المعاني.
منها "الواو" التي هي ضمير الجمع، نحو: الزيدون قاموا. فهذه "الواو" اسم، خلافاً للمازني. فإنه قال: هي حرف، والفاعل مستكن في الفعل.
ومنها "الواو" التي هي علامة الرفع، نحو: جاء الزيدون.
ومنها "الواو" الإشباع، وهي الزائدة للضرورة، ي نحو قول الشاعر:
وأنني حيث ما يثني الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو، فأنظور
أي: فأنظر. فأشبع الضمة لإقامة الوزن.
ومنها "واو" الإطلاق. وهي، في الحقيقة، "واو" الإشباع، لكنها قياسية، "كالواو" في قوله:
سقيت الغيث، أيتها الخيام
ومنها "واو" الإبدال. وهي أقسام: بدل من "همزة"، نحو يومن. وبدل من "ألف"، نحو: خوصم زيد، لأن أصله خاصم. وبدل من "ياء"، نحو: موقن. فإنه من اليقين.
ومنها "الواو" الأصلية، "كالواو" في وعد.
وإنما ذكرت هذه الأقسام، مع أنها ليست من حروف المعاني، لأن بعض من صنف، في حروف المعاني، ذكر منها أقساماً، فأوهم كلامه أنها حروف معان.
وقد كنت نظمت "للواو" خمسة عشر معنى، في هذه الأبيات. وإليها يرجع جميع أقسامها:
الواو أقسامها تأتي ملخصة ... أصل، وعطف، والاستئناف، والقسم
والحال، والنصب، والإعراب، مضمرة ... علامة الجمع، والإشباع منتظم
وزائد، وبمعنى أو، ورب، ومع ... وواو الأبدال فيها العد يختتم).
[الجنى الداني:153 - 174]


رد مع اقتباس