الموضوع: حرف النون
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:39 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "النون"
باب "النون" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ):(باب "النون"
اعلم أن "النون" جاءت مفردةً ومركبة مع غيرها من الحروف.

باب "النون" المفردة
اعلم أنها تنقسم قسمين: قسمٌ هي في صيغة الكلمة وقسمٌ هي زائدةٌ على صيغة الكلمة.
القسم التي في صيغة الكلمة لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون لاحقة للمضارعة في الفعل الذي يشبه الاسم بها قياسًا نحو: نضربُ ونخرج ونعلمُ ونستخرج وننطلق وشبه ذلك من الأفعال، وقد تقدم في باب
"الهمزة" معنى المضارعة في هذا الفعل للاسم فلا نعيده.
واعلم أن
"النون" المذكورة في هذا الفعل تدل على الاثنين المتكلمين مذكرين أو مؤنثين، أو أحدهما مذكرٌ والآخر مؤنثٌ، نحو أن يقول المذكرُ: «أنا وزيد نخرج»، والمذكر والمؤنث: «أنا وهند نخرج»، ومنه قول الشاعر:
خرجتُ بها تمشي تَجُرُّ وراءنا ..... على أثرينا ذيل مرطٍ مُرحل
وتدل على الجماعة المتكلمين ذكورًا كانوا أو إناثًا، أو فيهم ذكر وأنثى نحو أن يقول المذكر: أنا وزيدٌ وعمروٌ نخرجُ، أو نحن نخرجُ، وكذلك المؤنثان والمذكر والمذكر والمؤنثان أو بالعكس، وتدلُّ على الواحد المعظم نفسه، كما قال تعالى {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} و{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}، وإنما دلت على المعظم نفسه وهو واحدٌ، لأن المعظم نفسه في حكم الجماعة لنفوذ أمره أو .....، ولأن ما يفعل بغيره فمن دون يوافق عليه تمشية أو بالقهر.
وإنما زيدت هذه
"النون" للمضارعة كما زيدت "الياء" لأنها تُشبه حروف العلة، أو تُبدل من بعضها - "الواو" و"الياء" – بالإدغام في نحو: من وال ومن يفعل، وتبدل "الألف" منها في الوقف في نحو: «لَنَسْفَعًا» و«لَيَكُونًا» في: لنسفعن، وليكونن، ويعرب بها كما يعرب بحروف العلة.
الموضع الثاني: أن تكون في بنية الكلمة من لفظها، فيوقف فيها مع السماع، ولا تُعلل لأنها مبدأ لغةٍ، فتكون في الكلمة أولًا في نفرجة كما قالوا:
نفرجةُ القلب قليلُ النيل ..... يمشي عليه النيدلان بالليل
و «نفرجة» من الفرج وهو الكشف، ويقال ذلك لكل من لا يكتم سرًا، فكانه يُفرج عنه ويظهره.
وفي «نخاريب» من الخراب، و«نفاطير» من الفطر وهو القطع و«نباذير» من البذر وهو التفريق، و«نبراس» من الفتيل من القطن لأن البرس القطن.
وتُزاد ثانيةً في «قنعاس» من القعس وهو خروج الصدر ودخول الظهر، وفي «قنفخر» لأن أصله قفخر فوزنه، فنعلل.
وتُزاد ثالثةً في «جحنفل» وهو العظيم الجحفلة وهي الشفة من ذوات الحافر، وكذلك «عبنبل» من العبل وهو الغلظ.
وتُزاد رابعةً في «ضيفن» و«رعشن» لأنهما من الضيافة والارتعاش، وفي «خلفنة» و«عرضنة» من الخلف والعرض.
وتزاد خامسةً في نحو: غضبان وسكران لأنهما من الغضب والسكر.
وتزاد سادسة في «زعفران» و«عقربان» لأنك تقول: زعفرته وعقرب.
وتُزاد سابعة في نحو: «عُريقصان» و«عبثيران» و«قرعلانه»، لأن الكلمة قد طالت.
وفي الأفعال في: انفعل وما تصرفت منها نحو: انطلق انطلاقًا فهو منطلق ومنطلق به، وفي افعنلل وما تصرف منه، نحو: اقعنسس، ويقعنسس اقعناسًا فهو مقعنسس، فهو من القعس وطلق، فاعلمه.
القسم الثاني: الزائدة على صيغة الكلمة لها ستة مواضع.
الموضع الأول: أن تكون علامة لجماعة المؤنث لاحقة للفعل الماضي والمضارع إذا تقدم واحدٌ منهما على الفاعل إن كان الفعل له، نحو: ضربن الهندات، أو يضربن الهنداتُ، أو المفعول الذي لم يُسم فاعله، نحو: ضُربن الهندات، فتكون إذ ذاك حرفًا
"كتاء" التأنيث في نحو: قامت هند، وضربت فاطمة، إلا أنها لا تلزم "كالتاء"، بل يجوز، قام الهندات وضُرب الهندات وتقوم الهندات وتُضرب الهندات، وفي اللغة [هي] الكثيرة، والقليل ثباتُها، كقول الشاعر:
ولكن ديافيُّ أبوه وأمه ..... بحوران يعصرن السليط أقاربه
فإذا تأخرت مع الفعل عن الاسم فهي اسمٌ، كقولك: الهندات قمن والهندات ضُربن، والهندات يقمن، والهندات يُضربن، وقد تقدم في "الألف" و"الواو" و"الياء" في باب "الألف"، وفي هذا الموضع ما يغني عن إعادته هنا لأن الحكم والخلاف والرد في الموضعين واحد، فأعد النظر إليه هناك.
إلا أن هذه
"النون" اختلف: هل الفعل المضارع معربٌ معها أو مبني؟ فسيبويه وأكثر النحويين يذهبون إلى أنه معها مبنيٌ وإن كان مضارعًا لشبه المضارع الفرع في الإعراب الماضي الأصل في البناء، فما حكمت على الماضي ببنائه مع التسكين في نحو «ضربن»، كذلك يُحكم في بنائه مع التسكين في نحو: يضربن لأن الشبه قد وقع بينهما بالتسكين فحمل الفرع على الأصل فبُني.
والأخفشُ وبعضُ المتأخرين يذهبون إلى أنه معربٌ معها، لأن المضارعة التي أوجبت له الإعراب موجودةٌ فيه، وإنما التسكين في آخر الفعل لكونه معه كالكلمة الواحدة واجتماع المتحركات في اللفظ أو في الأصل.
والصحيحُ مذهب سيبويه لوجهين:

أحدهما: أن الفرع يُحمل على الأصل في كلام العرب، ألا ترى أن ما لا ينصرف لما شبه الفعل من وجهين من موانع الصرف خرج بهما عن تمكن الأسماء فمنع من الصرف، [وامتنع] دخول التنوين والكسرة في حال الخفض، فإذا دخل عليه "الألف" و"اللام" أو أضيف إليه انصرف، نحو: الأحمر والحمراء وأحمركم وحمرائكم، في: أحمر وحمراء، وإنما ذلك لشبهه بالأصل الذي هو الاسمُ المتمكن، وإن كان فيه علتا الصرف المشبه بهما للفعل الذي مُنع بهما من الصرف، فهذا وجهٌ.
ووجه ثان: وهو أن الفعل المضارع لو كان معربًا معها لجاز أن يُحذف حرفُ العلة في الجزم في نحو قولك: لم يغُزْنَ النساءُ في «يغْزون» ولم يعُفن النساء في يعفون ولم يكن ذلك، فصح قول سيبويه وبطل قول الأخفش وبالله التوفيق.
والموضع الثاني: أن تكون توكيدًا للفعل، مخففة ومثقلة، والمثقلة أشد أشد توكيدا من المخففة لتكرير
"النون" فيها، ومدخلها أبدًا في فعل الطلب وجواب القسم من بين مواضع الأفعال، وكذلك في الشرط بـ "إن"، إذا كان معها [ما] فتقول في الطلب: اضربن ولا تضربن، وهل تضربن، بتخفيف "النون" وتشديدها، وتقول في جواب القسم: والله لتضربن زيدًا، "بالنون" الخفيفة والشديدة، وفي الشرط: «إما تقومن أقم»، "بنونٍ" خفيفةٍ وشديدةٍ أيضًا، قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وقال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}، وقال تعالى: {لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}، و{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أراد: «فاعبدن» فوقف على "الألف"، وقال آخر:
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ..... أو يحولن من دون ذاك الردى
والدعاءُ والتحضيض والعرضُ يجري بإلحاق "النون" في فعلها ذلك المجرى في نحو: اغفرن لزيدٍ، وهلا تضرب، ولا يجوز أن تدخل في غير ذلك من الأفعال، فإن جاء منه شيءٌ يوقف فيه مع السماع، فمما جاء منه قولهم: «في عضةٍ ما ينبتن سكيرها»، قال الشاعر:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ..... شيخًا على كرسيه معمما
وقال آخر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ..... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
أراد: «تأججن» على أحد الاحتمالات في البيت، وأبدل "النون" "ألفًا" في الوقف، وقيل: أراد: تأجج، فذكر لفظ النار لأنها مؤنث غير حقيقي، وقيل: أراد «تأجج» إخبارًا عن الحطب، وكل ذلك محتملٌ ضعيفٌ.
وقد ألحقوها إذا دخلت على الفعل «قلما» أو «كثرما» أو «ربما» ومن ذلك قوله:
رُبَّما أوفيتُ في علمٍ ..... ترفعن ثوبي شمالاتُ
وقد ألحقوها في الفعل بعد "ما" الزائدة كقولهم: بجهدٍ ما أرينك.
و «بألمٍ
"ما" تحتننه»، ولا يُقاس على ذلك لشذوذه في السماع، وهو في الأول قياسٌ لكثرته، ولا سيما في الطلب لإرادة الجزم فيه فؤكد.
واعلم أن النحويين قد اختلفوا في الفعل الذي تدخلان عليه إذا كان مضارعًا هل هو مبني معها أو معرب؟ فمنهم من قال: إنه معربٌ لبقاء لفظ المضارعة للمعرب، وبسببها كان، لمفردٍ أو تثنية أو جمع، ومنهم من قال: إنه مبني معها للتركيب، لأن كل شيئين جعلا شيئًا واحدًا يبنيان، كبعلبك ورام هرمز وابن أم، كقول الشاعر:
أثورما أصيدكم أم ثورين ..... .... .... .... ....
بفتح "راء" «ثور».
ومنه من قال من المتأخرين: إنه إن كان للمفرد فهو مبنيٌّ نحو: هل تضربن يا زيد عمرًا، وإن كان من الخمسة الأمثلة بقي معربًا، لأنه تركيب شيئين، والبناء بسبب ذلك موجودٌ كما تقدم، والخمسة الأمثلة مركباتٌ من الفعل والفاعل، أو المفعول الذي لم يسم فاعله، و
"نون" الإعراب، فإذا زادت "نون" التوكيد فصار أربعة أشياء مركبة تركيبًا واحدًا، وذلك غير موجود في العربية، فيحكم عليها بالإعراب، وتحذف "النون" لاجتماع "النونين" في الخفيفة و"النونات" في الشديدة، وتحذف حروف العلة لالتقاء الساكنين، فلذلك تقول: يا زيدان
لا تضربان، ويا زيدون لا تضربن، وتبقى الحركات في الحروف التي قبل حروف العلة دليلًا على المحذوف.
والصحيح أنها يُعرب معها الفعل على اختلاف أنواعه: لمذكرٍ أو مؤنثٍ مفردٍ أو جمعٍ، لأن لفظ المضارعة باقٍ في الفعل، وتركيبُ الفعل ليس بموجب بناءٍ بخلاف تركيب الاسم، لأن الاسمين يجعلان اسمًا واحدًا في المعنى يدلان على معنًى واحدٍ بخلاف تركيب هذا الفعل فإن التوكيد
"للنونين" باقٍ فيهما، ولحقت الفعل دلالة عليه فيه، فلا موجب لبناءٍ هنا، ولكن تختلفُ أواخر الفعل معها: بالفتح دلالةً على المفرد لأنه أخفُّ الحركات، وبالكسر دلالةً على التأنيث التي هي "الياء" والمجانسة لها، والضم في الجمع دلالة على "الواو" المحذوفة.
إلا أن
"النون" الخفيفة لا تدخل في فعل الاثنين، وفي فعل [الشديدة في] جماعة المؤنث لما يلزم من التقاء الساكنين، ولا يجتمعان، وإذا دخلت المشددة في فعل الاثنين ظهرت "الألف"، نحو: لا تضربان زيدًا، وإذا دخلت المشددة في فعل جماعة المؤنث ألحقت بينها وبين "نون" الجماعة "ألفًا" لأجل التقاء الساكنين، نحو: يا هندات لا تضربنان زيدًا.
واعلم أن الفعل المعتل الآخر للعرب فيه وجهان: منهم من يحذف حرف العلة فيقول: لا تخشن، ولا ترمن، ولا تغزن، في: تخشى وترمي وتغزو، ومنهم من يفتحها فيقول: لا تخشين ولا تغزون ولا ترمين، ومنه قوله:
استقدر الله خيرًا وارضين به ..... فبينما العُسر إذ جاءت مياسير
وهذه اللغة أكثرُ وأقيس.
الموضع الثالث: أن تكون علامة الرفع في كل فعلٍ لحقه ضميرُ التثنية أو علامتها، وهو "الألف"، وضمير الجماعة المذكرين في الأصل أو علامتهم، وهو "الواو"، وضمير الواحدة المؤنثة من المخاطبة، وهو "الياء"، وكان ذلك الفعل مضارعًا، نحو: الزيدان يضربان، والزيدون يضربون، ويضربون الزيدون، وانت يا هند تضربين زيدًا.
فإذا تقدمت "الألفُ" أو "الواوُ" على الأسماء فهي علامةٌ، وإذا تأخرتا – أو "الياء" – فهي ضميرٌ، وقد بين ذلك في باب "الألف".
"فالنون" في جميع هذه علامةُ إعراب، حرفٌ عند جميع النحويين إلا السهيلي أبا زيدٍ فإنه يرى الإعراب مقدرًا في آخر الفعل في جميع ذلك كله، كما هي مقدَّرٌ في الحرف الذي قبل "ياء" المتكلم في حال الرفع والنصب، نحو: جاء غلامي ورأيت غلامي، واحتج لذلك بأشياء لا تطردُ على أُصول النحويين، ولولا الإطالة في إيرادها والردُّ عليها لذكرتها، لكن من أراد التطلع عليها فلينظرها في كتابه في شرح الجمل، وله في الكتاب المذكور أشياء خرج بها عن مقاييس العربية أداة نظره إلى ذكرها.
والذي يدل على أن
"النون" علامةُ إعرابٍ حذفها في النصب والجزم إذا قيل: لم يفعلا ولن يفعلا، ولن يفعلوا ولم تفعلوا، ولم تفعلي ولن تفعلي، ولما كان الفعل قد اتصل بالفاعل وصار معه كالكلمة الواحدة – بدليل تسكين آخره معه في نحو: ضربن وضربت وضربنا – جُعل الإعرابُ بعدهما وكان "نونًا" دون غيرها لأنها أختُ حروف العلة في اشياء قد ذُكرت قبل، وحُركت لالتقائها ساكنةً وهي وما قبلها، وكسرت على أصل التقاء الساكنين مع "الألف"، وفُتحت مع "الواو" و"الياء" طلبًا للتخفيف مع ثقل "الواو" وخفة "الألف" لضربٍ من المعادلة، وثبتت في الرفع لأنه أولُ مراتب الإعراب فلابد لك من علامةٍ ثابتةٍ فيه، [و] حُذفت في الجزم كما تحذف الحركة لأنها مثلها في الإعراب وحمل النصب على الجزم، لأنه مختصٌ بالفعل الذي هي فيه، ولم يحمل على الرفع لأن الاسم والفعل يشتركان [فيه].
الموضع الرابع: أن تكون لاحقةً في آخر المثنى والمجموع جمع السلامة من المذكرين العاقلين أو ما جرى مجراهم، نحو الزيدان والزيدين، والزيدون والزيدين، وذلك لتدل على كمال الاسم وأنه منفصلٌ مما بعده، كما فُعل بالتنوين، إلا أنها حُذفت مع الإضافة لأنهما يتضادان، إذ الإضافة دليل الاتصال و
"النون" دليل الانفصال، وثبتت مع "الألف" و"اللام" لكونها قويت بالحركة، وأنها ليست كالتنوين في الدلالة على التنكير والانصراف والإعراب، ألا ترى أنها تكون في الاسم الذي لا ينصرف نحو: أحمرين وأحمدين، وفي الاسم العلم
نحو الزيدين، وفي المبني نحو: اللذان واللذين، فهذا كله يقوي أنها ليست كالتنوين في تلك الأوجه، وإن كانت مثله في الدلالة على تمام الكلمة وانفصالها مما بعدها.
على أن في لحاقها حيث ذُكر، خلافًا للنحويين: فمنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركة وحدها إطلاقًا، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من التنوين إطلاقًا، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركمة في موضعٍ ومن التنوين في موضع، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركة والتنوين معًا في موضع، ومن الحركة وحدها في موضعٍ، ومن التنوين وحده في موضعٍ، ومنهم من يقول إنها للفرق بين المفرد الموقوف عليه والمثنى، وهو قول الفراء، وهو أشدها فسادًا، ولكل قائلٍ متعلقٌ يطول بسطه.
والذي يظهر لي بعد البحث أنها ليست عوضًا من شيءٍ، وإنما معناها في الكلمة ما ذكرتُ لك، وإذا تحققت كلام سيبويه رحمه الله علمت أنها ليست عنده عوضًا من شيء، لأنه قال: كأنها عوضٌ، ولم يقل إنها عرضٌ، فتفهمه تجد كما ذكرت لك.
وحكم هذه
"النون" في علة الزيادة وتحريكها وفتحها وكسرها حكمُ "النون" في الموضع قبلها.
واعلم أنه يجوز حذف هذه
"النون" لتقدير الإضافة، كما يجوز حذفها للإضافة كقوله:
يا من رأى عارضًا أرقتُ له ..... بين ذراعي وجبهةِ الأسد
أي: بين ذراعي الأسد وجبهته:
ويجوز حذفها لطول الكلام – تخفيفًا – من اسم الفاعل والصفة المشبهة به، نحو: الضاربو زيدًا الحنو الوجه، كما قال الشاعر:
الحافظو عورة العشيرةِ لا ..... يأتيهم من ورائنا وكفُ
وقرئ في الشاذ: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ} بنصب «الْعَذَابِ» و«الْأَلِيمِ»، ومن الموصول، لذلك أيضًا، كقوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، وقول الشاعر:
أبني كُليب إن عمي اللذا ..... قتلا الملو وفككا الأغلالا
وقول الآخر:
وإن الذي حانت بفلجٍ دماؤهم ..... هم القوم كل القوم يا أم خالدِ
وقوله:
.... .... .... .... ..... إلا الذي شدوا بأطراف المسد
ويجوز حذفها للضرورة في الشعر كقول الآخر:
هما خطتا: إما إسارٌ ومنَّةٌ ..... وإما دمٌ، والموتُ بالحرِّ أجدرُ
وقال آخر:
لها متنتان خظاتا كما ..... أكب على ساعديه النمر
أراد الأول: «خُطتان»، وأراد الثاني: «حظاتان»، وكذلك عند بعضهم قوله:
قد سالم الحياتُ منه القدما ..... .... .... .... ....
أراد: القدمان، وأما قوله:
يا حبذا عينا سُليمى والفما ..... .... .... .... ....
فقال بعضهم: أراد الفمان، أراد الشفتين، وقال بعضهم: هو منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ كأنه قال: وأحبُّ الفما أو أمدحُ الفما وهو الأحسن، وقال بعضهم: أراد الأنف والفما، فثناهما بالتغليب لقرب ما بينهما وتلازمهما، كما قالوا: القمران في الشمس والقمر، ثم حذفت "النون" ضرورةً، وهذان تكلفان لا يُحتاج إليهما، والقول الثاني أجرى على الأصول من القولين الأول والآخر، فاعرف ذلك وبالله التوفيق.
الموضع الخامس: أن تكون تنوينًا، وهو: «"نونٌ" ساكنةٌ زائدةٌ بعد تمام الكلمة، تلحقُ في غير الشعر، لفظًا لا خطًا ووصلًا، وفي الشعر وقفًا»، فقولنا: "نونٌ" احترازًا من غيرها من الحروف، وقولنا: «ساكنةٌ» احترازًا من «متحركة» نحو:
"نون" رعشن وضيفن، وقولنا: «زائدةٌ» احترازًا من الأصلية نحو "نون": عنبر، وقلنا: «بعد تمام الكلمة»، احترازًا من "نون" منطلق وحبنطي، وقلنا: «في [غير] الشعر لفظًا لا خطًا» لأنها يُنطق بها ولا تثبتُ في الكتب، وقلنا: «ووصلًا» احترازًا من الوقف لأنها تسقط فيه، وقلنا: «وفي الشعر وقفًا» نعني به تنوين الترنم، فإنه يكون في القافية إذ وقف عليها، وهي حرفُ غنةٍ في الخيشوم لسكونها.
ومن أحكامها العامة لجميع مواضعها أنها تظهر عند حروف الحلق: "الهمزة" و"الهاء" و"العين" و"الغين" و"الحاء" و"الخاء"، نحو: عليم أنت، وعليم هاد، وعليم عفو، وعليم غفور، وعليم حكيم، وعليم خبير، وتُدغم عند حروف يرملون: "الياء" و"الراء" و"الميم" و"اللام" و"الواو" و"النون"، إلا أنها بغنةٍ في "الياء" و"الواو" و"الميم" و"النون"، وبغيرها في "الراء" و"اللام"، نحو: عليمٌ يقول، وعليمٌ رحيمٌ، وعليمٌ مبينٌ، وعليمٌ لكم، وعليمٌ وهاب، وعليمٌ ناصر، وتقلبُ "ميمًا" بغنتها مع "الباء"، نحو: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وتخفى في سائر حروف المعجم فلا تكون إلا غنة لا غيرُ، فإذا ثبت هذا فإن مواضعها في الكلمة خمسةُ معانٍ:
الأول: أن تكون في الاسم المتمكن الأمكن، للفرق بين المنصرف وغير المنصرف، نحو: زيدٌ، فرقًا بينه وبين عمر وأحمر وشبههما من الأسماء التي لا تنصرف، وتحقيقُ ذلك أنها تدل على كمال الكلمة وانفصالها مما بعدها، لا يصح إضافتها أبدًا معها، وإنما ذلك لأنها دليلُ الانفصال مما بعدها، لا يصح إضافتها أبدًا معها، وإنما ذلك لأنها دليلُ الانفصال، والإضافة دليل الاتصال فتناقضا، وهذا الحكمُ جامعٌ لها في جميع مواقعها، مع معنى آخر يختص به في كل موقعٍ، فإذا قال القائل: رأيتُ أحمد، عُلم أنه واحدٌ بعينه، وإذا قال: رأيت أحمدً عُلم أنه واحدٌ جملة الأحامد غيرُ معلومٍ، فلهذا وضع لهذا التنوين.
الثاني: أن تكون في الاسم المبني دلالة على التنكير نحو: سيبويهٍ وعمرويهٍ ونفطويهٍ و"إيهٍ" و"إيهًا" و"مهٍ" و"صهٍ" ونحو ذلك، فهذه الألفاظُ إذا كانت بغير تنوين فهي معارفُ إما اسمًا لأشخاصٍ، وإما لمعانٍ معلومةٍ، فإذا أنكرت واحدً منها ولم ترده لمعلومٍ نونت دلالةً على ذلك، فإذا قلت: رأيتُ سيبويه بغير تنوينٍ فهو لمعروفٍ، وإذا قلت: سيبويهٍ بالتنوين فهو لغير معلومٍ، وكذلك: عمرويه ونفطويه، وإذا قلت: "إيه" و"مه" و"صه" بغير تنوينٍ فهو في معنى معروفٍ من حديثٍ معلومٍ، أو كفٍ معلومٍ، أو سكوتٍ معلومٍ، قال ذو الرمة:
وقفنا فقلنا: إيه عن أم سالمٍ ..... وما بالُ تسليم الديار البلاقع
بغير تنوين، لأنه أراد حديثًا معلومًا، وإذا "نون" ذلك أريد به حديثُ غير معلومٍ وكفٌ غيرُ معلومٍ وسكوتٌ غيرُ معلومٍ.
فهذا التنوين في هذه الأسماء تنوينٌ تنكيرٍ ولا يكونُ إلا في المبنيات كما ذُكر، ويُكسر الحرف الذي قبله إن كان مبنيًا على السكون كـ "مهٍ" و"صهٍ" لالتقاء الساكنين، وإن كان قبله متحركٌ بقي على صورته نحو: غاقٍ وإيهٍ، وقد حكى الجرمي في «سيبويه» وأمثاله الإعراب والتثنية والجمع، وهو قليلٌ لا يُقاس عليه.
الثالث: أن يكون في الجمع المؤنث السالم مقابلًا
"للنون" في جمع المذكر السالم نحو: فاطماتٌ وعائشاتٌ، يقابل: الزيدين والعمرين، لأن ذلك الجمع نظيرُ هذا في السلامة، وفي زيادتين في آخره مثله، وإذ "التاء" تدلُّ على التأنيث كما أن "الواو" تدل على التذكير، والكسرة في "التاء" "كالياء" في المذكر في حال النصب والخفض، فلذلك قيل في تنوينه إنه وُضع للمقابلة "للنون" المذكورة.
إلا أن هذه المقابلة لا تتبين قط إلا [إذا] كان الجمع المؤنث معرفةً بالعلمية، فكان ينبغي أن يُمنع من الصرف للتأنيث والتعريف، نحو: «أذرعاتٍ» لموضعٍ معلومٍ في قول امرئ القيس:
تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ..... بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي
و «عرفاتٍ» في قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، فلما نون هذان الاسمان مع وجود ما يمنع الصرف فيه، علمنا أن تنوينه ليس بتنوين تمكنٍ، وإنما هو تنوين مقابلةٍ "للنون" كما ذُكر، وتبعت الكسرة التنوين في الإثبات، لأن صورته صورةُ تنوين التمكين، ولذلك حُذفت مع التنوين فيما، [و] قد رُوي «من أذرعات»، وقد قرئ في الشاذ: «مِنْ عَرَفَاتَ» للاعتداد بالعتين المانعتين من الصرف.
فأما نحو: «مسلماتٍ وقانتاتٍ» من الأسماء النكرات فينبغي أن يُحمل تنوينه على أنه الذي للتمكن، لأنه أحوجُ إليه من تنوين المقابلة، لدلالته على التمكن والانتقال، والفرق بين المنصرف غيره، واتفق معه إن كانت فيه مقابلةٌ، لا أنها خاصةٌ بالموضع كالتي في «أذرعات» و«عرفات» فاعلم ذلك فلم أقف على تنبيهٍ عليه لأحدٍ.
الرابع: أن يكون للعوض وهو نوعان:
النوع الأول: أن يكون عوضًا من جملة وذلك إذا لحق
"إذ" التي هي ظرفُ زمانٍ ماضٍ، وذلك إذا حُذفت الجملة بعدها اختصارًا لدلالة ما قبلها عليها لأنها تُضاف أبدًا إلى الجملة الاسمية والفعلية نحو قوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}، و{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا}، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}، والأكثر فيها الإضافة إلى الجملة التي أولها الماضي لأنه الملائم لمعناها.
فإذا جاءت
"إذ" تُحذف فيه تلك الجملة المضافة إليها اختصارًا [و] عُوض من الجملة المذكورة التنوين نائبًا منابها وهو أخفُّ منها، كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}، المعنى: "إذ" زلزلت وأخرجت، و«إِذَ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ».
وإنما كسرت
"ذال" "إذ" مع التنوين لالتقاء الساكنين لأن اجتماعهما ثقيل. وزعم الأخفش أن "الذال" من "إذ" إنما كُسرت لأنها كسرة إعرابٍ، لأنها عنده معربة بالخفض، لأنها منونة مضافٌ إليها ما قبلها من حينٍ ويوم، كما هو القيام والقعود في نحو: يوم قيام زيد، وحين قيام عمروٍ، وهو فاسدٌ من أوجهٍ:
أحدها: أن
"إذ" مبنية على السكون إذا لم يكن معها تنوين البتة، والتنوين فيها ليس للتمكن فيفيدُ إعرابًا، وإنما بُنيت لأنها أشبهت الحروف في افتقارها أبدًا إلى الإضافة ما بعدها من الجمل، ولا يسأل عن بنائها على السكون لأنه الأصل، والحركة لموجبٍ، وفيها يُسأل: لم كانت؟
والثاني: أنها قد جاءت مكسورةً مع غير التنوين لالتقاء الساكنين أيضًا، كقوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}، وليس قبلها ما أُضيفت إليها.
والثالث: أنها تكون مجردةً عن الإضافة إليها نحو: يوم وحين وغيرهما، وهي مع ذلك مكسورة كقول الشاعر:
نهيتك عن طلابك أم عمروٍ ..... بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيحُ
فدل بهذه الأوجه أنها مبنية على السكون، أُضيف إليها أو لم يضف، وأن الكسر فيها إنما هو لالتقاء الساكنين، التنوين أو غيره، أُضيف إليها أو لم يضف، وأن التنوين فيها إنما هو عوض من الجملة إذ لا تثبت معها ولا حظ للتمكن فيها. فاعلمه.
فإن قيل: فلم لا تقول: إن حينا ويما المضافين إليها مقدران لدلالة الكلام عليهما، ويكون الخفض فيها إعرابا للإضافة إليها تقديرا؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن المضاف لا يحذف ويبقى المضاف إليه في موضع إلا أن يقام الباقي المضاف إليه مقامه في الإعراب نحو: اجتمعت اليمامة واسأل القرية، وأما أن يحذف ويبقى المضاف إليه مخفوضا فشاذ كقوله:
رحم الله أعظما دفنوها ..... بسجستان طلحة الطلحات
بخفض «طلحة»، أو عطف على غيره كقوله:
أكل امرئ تحبين أمرأ ..... ونار توقد بالليل نارا
وإنما امتنع ذلك لأن المضاف إليه حال محل التنوين، وكما لا يبقى التنوين دون اسم كذا لا يبقى المضاف إليه دون المضاف.
والوجه الثاني: أن معنى
"إذ" هو معنى "حين" أو ما في معناه من اليوم والوقت وشبههما، فلا فائدة في إرادته وتقديره.
فإن قيل: فلأي شي اجتمع في نحو قوله تعالى: {وأنتم حينئذ} و{يومئذ تحدث أخبارها} وهما في معنى واحد، وما الفائدة في ذلك؟ فالجواب أن ذلك لمعنى غريب، وذلك أن يوما وحينا يضافان تارة إلى الجملة، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}، وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}، وقول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ..... .... .... .... ....
وتارةً إلى المفرد نحو قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}، وقوله: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، تارةً لا يكون فيهما إضافةٌ إلى غيرهما، كقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}.
فإذا أضيفا إلى الجمل فلابد من ذكرها بعدهما، ولا يجوزُ حذفها وتعويض التنوين منها، لأن التنوين يكون إذ ذاك فيهما للتمكن، لأنهما أحوجُ إليه من تنوين العوض بحكم تمكنهما، فلا يكون لهما شيءٌ يُستدل به على الجملة المحذوفة بعدهما، فلما أُريد حذفُ الجملة التي بعدهما اختصارًا كما يُفعل مع
"إذ"، ولابد من شيءٍ يُعوضُ منها، وتنوين العرض لا يحتمله "حين" ولا «يوم» [لأحدهما تنوين تمكنهما]، جُعلت "إذ" بعدهما ليتوصل بها إلى إلحاق تنوين عوضٍ دالٍ على الجملة المحذوفة، إذ هي مبنيةٌ، فاجتمعت "إذ" مع كل واحدةٍ منهما لإفادتها إفادتهما من غير تناقض ولا اختلاف في المعنى، ولإرادة التوصل إلى الاستدلال على الجملة المحذوفة، فلذلك إذا وجدنا "إذ" مفردةً لا نُقدرُ قبلها حينًا ولا يومًا لعدم احتياجها إليهما، وإذا وجدنا «حينًا» و«يومًا» يُراد إضافتهما إلى الجملة اختصارًا فلابد معهما من "إذ" لما ذكرتُ لك، والمقصود الحين واليوم فاعلمه.
ومما يدل على ذلك عدمُ اجتماعها إذا ظهرت الجملة بعدهما فلا يُقال: يوم
"إذ" قام زيدٌ، ولا حين "إذ" قام عمروٌ.
فإن قيل: فهل تضاف
"إذ" إلى المفرد في نحو قوله:
هل ترجعن ليالٍ قد مضين لنا ..... والعيشُ مُنقلبٌ إذ ذاك أفنانا
فالجواب أن «ذاك» في البيت ليس مضافًا إليه، وإنما هو مبتدأ خبره محذوفٌ للعلم به تقديره: كائنٌ أو مستقرٌ، لأن "إذ" لم تثبت إضافتها إلى المفرد في موضع، فيقال: «جئت "إذ" قيامك» ولا «"إذ" قعودك» فهي في البيت باقية على أصلها من إضافتها إلى الجملة، و"ذا" اسمُ إشارةٍ مبني لا إعراب فيه بوجه، فليس للخفض فيه ظهورٌ فيُحكم بالإضافة إليه مفردًا، وإنما هو مبتدأ يجوز حذف خبره للعلم به، كما حُذف في نحو قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، أي أمثل أو أحسن.
فإذا صح ذلك فـ
"إذ" أبدًا مضافة إلى الجملة ظاهرةً أو مقدرةً، معوضٌ منها التنوين في آخرها كما ذكر، فاعلمه وبالله التوفيق.
النوع الثاني: أن يكون عوضًا من الحرف بحركته، وذلك في كل جمع مؤنثٍ لا نظير له في الواحد منقوصًا في حال الرفع والخفض، نحو: جاءني جوارٍ، ومررت بجوارٍ، وجاءني عوادٍ، ومررتُ بعوادٍ، وكذلك هوادٍ وسوارٍ وشبه ذلك.
وذلك أن الجمع الذي صفته ما ذُكر لما كان لمؤنث ولجمع ومعتلا ثقيلًا بالضمة والكسرة، تجمع عليه الثقل من أوجه، فحُذفت منه
"الياء" بحركتها، وعوض منها التنوين، فإذا ترجع إلى النصب رددنا "الياء" مفتوحة لخفتها، فلم تحتج إلى تنوين إذ لا حذف فيعوض من المحذوف، فتقول: رأيت جواري وغواشي وعوادي.
ولا تقولُ للتنوين في هذا النوع إنه للتمكن لعدم انصرافه لعلتيه المانعتين من الصرف وهما الجمعُ وعدم النظير في المفردات فهو كضوارب وقواعد، ومالا ينصرفُ لا ينون إلا في الضرورة على ما يُذكر بعد.
وزعم أبو إسحاق الزجاج أن التنوين في هذا النوع عوضٌ من حركة
"الياء" لا غير، لأنها ثقلت في "الياء" وعوض منها التنوين، فالتقى ساكنًا مع "الياء" فحذفت "الياءُ" لثقل اجتماعهما.
وهذا فاسدٌ من أوجهٍ:
أحدها: أن الكسرة والضمة في "الياء" لا تظهران أبدًا، سواء كان في الكلمة تنوينٌ أو لم يكن لاستثقالهما، فلما لم تظهرا في موضعٍ دلنا على أن التنوين إنما هو عوضٌ من "الياء" [وبعتها الكسرة إذ ليس على ما تحل تقديرًا، فلما كانت "الياءُ" كالضمة والكسرة في التقدير حكمنا بأنه عوضٌ منها].
الثاني: أنا قد وجدنا ما لا يدخله حركة أصلًا نحو: حبلى وذكرى وسلمى، ولم نجد فيه تنوينًا، لذلك فلو كان التنوين عوضًا من حركةٍ للزم في هذه الأسماء ونحوها فدل ذلك على أن التنوين في مسألتنا عوضٌ من الحرف لا من الحركة.
والثالث: أن التنوين حرفٌ و
"الياء" حرفٌ فتناسبا، فعوض أحدهما من الآخر، ولا تناسب بين الحركة والتنوين فيجعل عوضً منها لأنه حرفٌ وهي بعضُ حرفٍ عند المحققين.
فإن قيل: فلم لم يقل: جواري وغواشي في: جواري وغواشي بفتح
"الياء" في حال الخفض بلا تنوين، كما قيل في ضوارب [ضواربَ] بفتح "الباء" في حال الخفض بلا تنوينٍ، لأن كل واحدٍ من النوعين لا ينصرفُ للعلتين المذكورتين؟
فالجواب: أنهم استثقلوا النطق بذلك لاجتماع الثقل من الأوجه التي ذكرنا، ولا تجتمع في ضوارب، فاعلمه، ألا ترى أن آخر «ضوارب» حرفٌ صحيحٌ وآخر «غواشي» حرفٌ معتلٌّ زائدٌ في الثقل لبنائه وتناهيه، ففيه من الثقل ما ليس في ضوارب، فلذلك حُذفت
"الياءُ" وعوض منها التنوين في حال الرفع والخفض.
الخامس: أن تكون للترنم، وذلك في قوافي الشعر، وهي أواخره لأنه موضع وقف محتملٍ لتطويل الصوت بعد ما يمضي البيت بوزنه كاملًا، ولذلك جُعلت حروف الإطلاق: "الواو" و"الياءُ" و"الألفُ" لتقبل طول المد والزيادة بحرفٍ يشبهها وهو "النون" لما تقدم من الوجوه في غير هذا الموضع.
وهذا التنوين يلحقُ الأسماء والأفعال والحروف على اختلافها من ظاهر أو مضمرٍ أو معرب أو مبني أو غير ذلك، فليس حكمه حكم واحد من التنوينات المتقدمة، وذلك نحو قول الشاعر:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
أقلي اللوم عاذل والعتابن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
طحا بك قلبٌ في الحسان طروبن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... من طللٍ كالأتحمي أنهجن
وقول الآخر:
.... .... والديون تُقضن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... إذا الداعي المثوب قال يا لن
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... يا أبتا علك أو عساكن
وزاد أبو الحسن الأخفش تنوينًا سادسًا وسماه الغالي وسمي الحركة التي قبله وغلوًا، وذلك التنوين في القافية المقيدة، وهي التي سكن حرفُ الروي فيها، نحو قوله:
.... .... .... .... ..... وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
وهذا التنوين إذا تأملته راجعٌ إلى تنوين الترنم لأنه يترنم به في المقيد كما يترنم به في المطلق، وليس كونه في المطلق دون المقيد حكما يخرجه عن المعنى من الترنم، وإنما يتفرقُ منه بزياد الغلو خاصة، فلا تشاح في التسامي إذا فهم المعنى.
وزاد بعض المتأخرين تنوينًا سابعًا وهو تنوين الضرورة لأنه لا مدخل له في اللفظة لأنه إما مبنيٌّ وإما لا ينصرف، وكلاهما لا مدخل للتنوين فيه، فإذًا إنما وُضع للضرورة، نحو قول الشاعر:
سلام الله يا مطرٌ عليها ..... .... .... .... ....
فـ «مطر» مبنيٌ لأنه منادى مفردٌ علمٌ، وذلك أبدًا حكمه في النداء، نحو قوله:
.... .... .... .... ..... يا حكمُّ بن المنذر بن الجارود
ومنه قوله تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، فهذا التنوين قد دخل المبني، ولا مدخل له فيه إلا للضرورة، وكذلك قول الشاعر:
ممن حملن به وهن عواقدٌ ..... حبك النطاق فعاش غير مُهبل
وقول الآخر:
فلتأتينك قصائدٌ وليدفعن ..... جيشًا إليك قوادُم الأكوار
وكل واحدٍ من الجمعين في البيتين لا ينصرف للجمع وعدم النظير ولكن صُرف للضرورة.
وهذا التنوين في التحقيق راجعٌ إلى معنى التمكن لأن هذه الأسماء المنونة في الضرورة وأصولها التمكن، فإذا اضطر الشاعرُ ردها إلى أصلها، فالضرورة سببٌ لإظهار التنوين فيما أصله فيه، لا أنها معنى من معاني التنوين فليس ذلك موقعًا سابعًا، وإلا لو كانت الضرورة معنًى لكان التنوين في المبنيات اللازمة كـ «كيف وأين وهو وهي» وشبه ذلك، وفي الأفعال الناصبة والمضارعة والأمر والحروف كـ "لم" و"لو" وشبه ذلك، وهو غيرُ موجودٍ إلا فيما أصله التمكن، فغاية الضرورة أن تصيره يظهرُ بعد أن
"لم" يكن، ردًا إلى الأصل، فاعلمه.
واعلم أن التنوين في غير الترنم والضرورة يجوز حذفه "للألف" و"اللام"، نحو الرجل والغلام في: رجلٌ وغلامٌ ونحوهما، قال بعضهم: لأن "الألف" و"اللام" دليل التعريف، والتنوينُ دليل التنكير فتناقضا، فلا يُجمع بينهما، وهذا فاسدٌ، لأن في المعارف بناءً هو منونٌ وهو العلم كزيد وعمرو.
والصحيحُ أن عدم اجتماعهم إنما هو لأن التنوين معاقبُ الإضافة إذ لا يجتمع معها، إذ هي دليلُ اتصالٍ وهو دليل انفصالٍ فتناقضا، ولما لم تجتمع الإضافة مع "الألف" و"اللام" لاختلاف تعريفهما لم يجتمعا مع معاقبهما التنوين، أو تقول: لما لم تجتمع الإضافة مع التنوين لأنه مناقضها ولم تجتمع "الألفُ" و"اللام" معه لأنه معاقبها، وإن شئت أن تقول: إن "الألف" و"اللام" زائدتان في أول الاسم والتنوين زائدٌ في آخره فثقلت الزيادة.
ويحذف أيضًا للإضافة للعلة المذكورة نحو: غلامُ زيدٍ وفرسُ عمروٍ، ويُحذف أيضًا لتقدير الإضافة، كقولهم: قطع الله يد ورجل من قاله، أي: يد من قاله ورجله، ومنه قول الشاعر:
إلا عُلالة أو بُدا ..... هة قارجٍ نهد الجُزاره
ويُحذف أيضًا تخفيفًا كقراءة من قرأ: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بنصب «النَّهَارِ» وحذف التنوين، فقيل [له] لِمَ لَمْ تقل: « سَابِقُ النَّهَارِ»، بتنوين «سَابِقُ»، فقال: لو قلته لكان أوزن، يعني: أثقل، فحذف هذا التنوين إنما هو للتخفيف خاصة.
ويحذف أيضًا لالتقاء الساكنين خاصة كقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} بغير تنوين في «أَحَدٌ» ومنه قول الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ..... ورجالُ مكة مسنتون عجافُ
وقول الآخر:
فألفيته غير مُستعتبٍ ..... ولا ذاكر الله إلا قليلا
بغير تنوين في «ذاكر» وهذا الحذف لا يكون إلا في الضرورة في الشعر أو نادر كلام كما تقدم، والإثبات أحسن وأكثر، فإن انضم إلى التقاء الساكنين كثرة الاستعمال لزم الحذف، وذلك مع «ابن» إذا وقع صفة لما قبله بين علمين أو لقبين أو كنيتين، أو أحدهما والآخر، نحو: زيدُ بن زيدٍ جاءني، وجاءني أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد، وجاءني كرز بن بطة، وجاءني محمد بن أبي عبد الله، وجاءني زيد بن كرز، وأبو عبد الله بن كرز، وكرزُ بنُ محمد، وشبه ذلك.
وتُحذف "الألف" أيضًا من «ابن» كما يُحذف التنوين مما قبله في هذه المواضع، فإن خرج «ابن» من أن يكون صفة، أو أن يقع بين غير ما ذكر ثبتت "الألف" فيه والتنوين فيما قبله، فاعلمه.
ويُحذف أيضًا اتباعًا لغير المنون كما جاء في الحديث من قوله عليه السلام: «إنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنةٍ الدجال»، أي: مثل فتنة الدجال أو قريبًا منه، فحذف التنوين من «مثل» لتقدير الإضافة، ومن «قريب» إتباعًا له.
وربما عاملوا التابعات معاملة المتبوعات كقولهم: «أخذه ما قدم وما حدث» بضم "الدال"، ولا تستعمل وحدها إلا بفتحها، وكذلك: «مأجورات مأزورات»، ونحو ذلك فاعلمه، وبالله التوفيق.
الموضع السادس
"للنون": أن تكون للوقاية من كسر ما قبلها لأجل "ياء" المتكلم، وهي قسمان: قسمٌ تلزم الكلمة، وقسمٌ لا تلزمها.
فالقسمُ اللازمة هي اللاحقة للأفعال الماضية والمضارعة والتي للأمر، إذا وليته
"ياءُ" المتكلم نحو أكرمني ويكرمني [وأكرمني]، وإنما لزمت فيها محافظةٌ على أن لا يُكسر أواخرها لأجل "الياء"، فتثل مع أصل ثقلها فيتوالى عليها الثقل، والأفعال لا يدخلها كسرٌ إلا إتباعًا نحو: بدا، ولالتقاء الساكنين نحو: اضرب الرجل، وهما عارضان مع السكون في الفعل.
وكذلك تلزم في: «"إن" و"أن" و"كأن" و"لكن" و"ليت"»، وإنما ذلك لأنها أشبهت الأفعال في العمل بالتضمن وعدد الحروف والفتح لأواخرها، فتقولُ: "إنني" و"كأنني" و"ليتني" و"لكنني".
فإن قيل: قد قيل: "إني" و"أني" و"كأني" و"لكني" و"ليتي" "بنونٍ" واحدةٍ، فليست "النونُ" المذكورة لازمة في الكلمة، قيل: أما "إن" و"أن" و"كأن" و"لكن" فجاءت "بنون" واحدة هي "نونُ" الوقاية، وحُذفت "النونُ" الأصليةُ لثقل اجتماع "النونين"، وحكمنا على أن الأصلية هي المحذوفة دون "نون" الوقاية، لأن "نون" الوقاية جُعلت لمعنى، ولا يجعل الشيء لمعنى يبقى مع حذفها لتناقض الغرضين، ودلت "نون" الوقاية على المحذوفة الأصلية إذ هي "نونٌ" مثلها، ولا تدل الأصلية على التي لمعنى.
وأما "ليت" فهي لازمةٌ لها إلا في الضرورة، والضرورةُ تُحذف لها الأصلية في نحو قوله:
.... .... .... .... ..... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
فأحرى أن تُحذف لها لزائدة في نحو قوله:
كمنية جابرٍ إذ قال ليتي ..... .... .... .... ....
كما حذفت وهي للإعراب في قوله:
أبيتُ أسري وتبيتي تدلكي ..... وجهك بالعنبر والمسك الذكي
بل هو هنا أحرى أن لا يجوز.
وكذلك تلزم مع "من" و"عن" كقوله تعالى: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، و«عني» إلا في الضرورة كقوله:
أيها السائل عنهم وعني ..... لست من هندٍ ولا هندٌ مني
والقسم الذي يجوز أن تلحق الكلمة وألا تلحقها فـ "لدن" و"قد" و"قط" بمعنى "حسب"، تقول: "لدني" و"لدُني"، و"قدني" و"قدي"، و"قطني" و"قطي"، قال الله تعالى: {مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}، وقرئ بالتخفيف والتشديد، فالتشديد على إثباتها والتخفيف على حذفها، وقال الشاعر:
قدني من أم الخبيبين قدي ..... .... .... .... ....
فجمع بين إلحاقها وحذفها، وقال آخر:
امتلأ الحوضُ وقال قطني ..... مهلًا رُويدًا قد ملأت بطني
وفي الحديث في وصف النار: «حتى يضع الجبارُ فيها قدمه فتقول: قطي قطي» بغير "نون" الوقاية، وكذلك "لعل" والأكثر فيها الحذف، كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَطَّلِعُ} و{لَعَلِّي أَبْلُغُ} وقد جاء إثباتها فيها، قال الشاعر:
وأشرفُ بالقور اليفاع لعلني ..... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
ومما يجوز أن تُحذف فيه وتثبت الفعل المعرب "بالنون"، نحو: تضربان وتضربون وتضربين، إذا أوصلته "بياء" المتكلم أثبت "نون" الوقاية مراعاة لأصل الفعل في الوقاية من الكسر، وإذا حذفتها فلثقل اجتماع "النونين" أو "النونات" والأكثر الإثبات، ويجوز إدغامُ "نون" الإعراب فيها، وقرئ قوله تعالى:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} بالثلاثة الأوجه: الحذف والإثبات والإدغام، وكذلك: {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}:
وإنما لم تلزم في هذا القسم، لأنها في «"قط" و"قد" و"لدن"» في الأسماء، وباب الأسماء لا تدخل فيها محافظةً على سكون البناء كما كان ذلك في "من" و"عن".
وأما "لعل" فالحذف فيها لثقلها بالطول والزيادة [في] أولها وإدغام "لاميها" الأخيرين، والإثباتُ إجراءً لها مجرى: «"إن" و"أن" و"كأن" و"لكن"» في شبهها للفعل في العمل وفتح الآخر وغير ذلك مما ذكر في بابها.
وما عدا ما ذكرنا من الأفعال والأسماء والحروف المذكورة فلا تلحقه "نونُ" الوقاية من الأسماء والحروف، فإن جاء من لحاقها شيءٌ لواحدٍ منها فللضرورة، كقوله:
وما أدري وظني كُل ظن ..... أمسلمني إلى قومي شراحي
وكأن هذا الشاعر شبه اسم الفاعل بالفعل المضارع لعمله عمله، وأنه في قوته، كأنه قال: أيسلمني، ولكن ذلك ضرورة كما ذكر). [رصف المباني:329 - 363]


رد مع اقتباس