الموضوع: حرف النون
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:43 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


"النون"
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("النون"
له في الكلام مواضع كثيرة. وإنما أذكر هنا أقسام "النون"، الذي يعد من حروف المعاني. وهي أربعة أقسام.
الأول: "نون" التوكيد. وهي قسمان: ثقيلة، وخفيفة. وقد جمعها قوله تعالى: {ليسجنن وليكونن}. وهما أصلان، عند البصريين، لتخالف بعض أحكامهما، ولأن التوكيد بالثقيلة أشد، قاله الخليل. ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقيلة.
وكلاهما مختص بالفعل، وندر توكيد اسم الفاعل في قول الراجز:
أقائلن: أحضروا الشهودا
وقول الآخر:
أشاهرن، بعدنا، السيوفا
والذي سوغ ذلك ما بين اسم الفاعل والمضارع، من الشبه.
ويؤكد بها الأمر مطلقاً.
وأما المضارع فإن كان حالاً لم تدخل "النون" عليه، وإن كان مستقبلاً أكد بها وجوباً، إذا وقع جواب قسم، بأربعة شروط: أن يكون مثبتاً، وأن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، وأن يكون غير مقرون ب "قد"، وألا يكون مقدم المعمول. فإذا استوفى هذه الشروط، وهو مستقبل، وجب عند البصريين توكيده "بالنون". وأجاز الكوفيون حذف "النون"، اكتفاء "باللام"، وورد في الشعر. وجوازاً بعد "إما" نحو {فإما تخافن}.
ولم يرد في القرآن بعد "إما" إلا مؤكداً. وذهب المبرد والزجاج إلى أن توكيده بعد "إما" واجب، في غير الضرورة. قلت: قد كثر حذف "النون" بعد "إما" في الشعر. وأما في النثر فعزيز. وقد حكي منه قراءة بعضهم [فإما ترين] "بنون" الرفع.
ذكرها ابن جني، وهي شاذة.
ويجوز التوكيد أيضاً، في المضارع، إذا وقع بعد ما يفهم الطلب، كلام الأمر و"لا" في النهي، وأدوات التحضيض والعرض، والتمني، والاستفهام.
ويقل التوكيد "بالنون"، في غير ذلك. واستيفاؤه في كتب النحو.
وأما الماضي فقد جاء توكيده "بالنون"، في قول الشاعر:
دامن سعدك، إن رحمت متيماً ... لولاك لم يك، للصبابة، جانحا
وفي الحديث: فإما أدركن واحد منكم الدجال. والذي سوغ ذلك أن الفعل فيهما مستقبل المعنى، لأنه في البيت دعاء، وفي الحديث شرط.
وتنفرد "النون" الثقيلة، بوقوعها بعد "ألف" الاثنين، و"الألف" الفاصلة إثر "نون" الإناث. ولا تقع الخفيفة بعد "الألف" عند البصريين. وأجاز ذلك يونس، والكوفيون.
الثاني: التنوين. وهو "نون" ساكنة، تلحق الآخر، تثبت لفظاً، وتسقط خطاً. ويورد على هذا الحد "نون" التوكيد الخفيفة في مثل {لنسفعا}. فإن قيل: لا ترد، لأنها لم تسقط حطاً، بل رسمت "ألفاً"! قلنا: هذه "الألف" ليست صورة "النون"، بل صورة بدلها. ولو سلم ذلك انتقض الحد بتنوين المنصوب في نحو {اهبطوا مصراً}. فلذلك قال ابن الحاجب: "نون" ساكنة، تتبع حركة الآخر، لا لتوكيد الفعل.
فإن قلت: لو قال آخر الاسم كما قال بعضهم لم يحتج إلى الاحتزاز عن "نون" التوكيد. قلت: لو قال ذلك لم يكن الحد جامعاً، لخروج تنويني الترنم والغالي. فإنهما قد يلحقان الفعل، والحرف، كما سيأتي.
وأقسام التنوين عند سيبويه خمسة:
الأول: تنوين التمكين. وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف، إشعاراً ببقائه على أصالته.
والثاني: تنوين التنكير. وهو اللاحق بعض الأسماء المبنية، فرقاً بين معرفتها ونكرتها. ويطرد فيما آخره ويه، نحو: سيبويه. ولا يطرد في أسماء الأفعال.
والثالث: تنوين المقابلة. وهو اللاحق لما جمع "بألف" و"تاء" زائدتين، نحو: مسلمات، لأنه يقابل "النون" في جمع المذكر، نحو: مسلمين. وليس تنوين الصرف، خلافاً للربعي، لثبوته في نحو: عرفات، بعد التسمية.
والرابع: تنوين العوض. وهو نوعان: عوض عن مضاف إليه: إما جملة، نحو: يومئذ، وإما مفرد، نحو: كل، وبعض، وأي. وعوض من حرف، نحو: جوار، وغواش. فالتنوين في ذلك عوض من "الياء" المحذوفة بحركتها، عند سيبويه. وقال المبرد والزجاجي: هو عوض من حركة "الياء"، فقط. وقال الأخفش: هو تنوين الصرف.
والخامس: تنوين الترنم. وهو تنوين يلحق الروي المطلق، عوضاً عن مدة الإطلاق، في لغة تميم وقيس. قال ابن مالك: وقولهم تنوين الترنم هو على حذف مضاف، والتقدير: تنوين ذي الترنك. وإنما هو عوض من الترنم، لأن الترنم مد الصوت بمدة، تجانس حرف الروي. وهذا التنوين يلحق الاسم، والفعل، والحرف. فالاسم كقول العجاج: يا صاح، ما هاج الدموع، الذرفن؟ والفعل كقوله: من طلل، كالأتحمي، أنهجن والحرف كقول النابغة:
أزف الترحل، غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قدن
وزاد الأخفش قسماً، وهو الغالي. وهو كتنوين الترنم، في عدم الاختصاص بالاسم. والفرق بينهما أن تنوين الترنم هو اللاحق للروي المطلق، كما سبق. والغالي هو اللاحق للروي المقيد، كقول العجاج: وقائم الأعماق، خاوي المخترقن أراد المخترق. فزاد التنوين، وكسر الحرف قبله، لالتقاء الساكنين. وسمى الأخفش الحركة التي قبله الغلو، كما سماه الغالي. والمشهور عند من أثبته أنه قسم مغاير للترنم.
وذهب بعضهم إلى أنه ضرب من الترنم، واختاره ابن يعيش الحلبي. وقد أنكر الزجاج والسيرافي الغالي، وقالا: إن القافية
المقيدة لا يلحقها حرف الإطلاق، فكذلك لا يلحقها التنوين، لأنه ينكسر بذلك. وقالا: إن كان سمع فإنما هو: وقاتم الأعماق، خاوي المخترق إن بزيادة إن إشعاراً بأنه بيت كامل. فضعف لفظه بهمزة "إن"، لانحفازه في الإنشاد، فظن السامع أنه "نون"، وكسر الروي. قال ابن مالك: فهذا، الذي ذهب إليه أبو سعيد، تقدير صحيح مخلص من زيادة ساكن بعد تمام الوزن. وقال أبو الحجاج يوسف ابن معزوز: ظاهر قول سيبويه، في الذي يسمونه تنوين الترنم، أنه ليس بتنوين، وإنما هو "نون" تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. وذكر في التحفة أن التنوين من خواص الاسم، في جميع وجوهه، وتسمية ما يلحق الفعل للترنم تنويناً مجاز، وأنما هو "نون" تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. ولذلك حكمه عكس حكم التنوين، لأنه يثبت وقفاً، ويسقط وصلاً، بخلاف التنوين.
وزاد بعضهم قسماً سابعاً، وهو تنوين الاضطرار، كقول الشاعر: سلام الله، يا مطر، عليها ف مطر مبني للنداء، ونونه الشاعر للضرورة. قال بعضهم: وهو راجع، في التحقيق، إلى تنوين التمكين. ولكن الضرورة سبب لإظهار التنوين الذي كان له قبل البناء.
وأما التنوين في هؤلاء في الإشارة فهو خارج عن أقسام التنوين. فلذلك سماه بعضهم التنوين الشاذ. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: التحقيق أنه "نون" زيدت في آخر هؤلاء وليس بتنوين.
الثالث: "نون" الإناث في الفعل المسند إلى الظاهر، على اللغة التي يقولون فيها: لغة أكلوني البراغيث. وهي لغة طيئ، كقول الشاعر:
ولكن ديافى أبوه، وأمه ... بحوران، يعصرن السليط أقاربه
"فالنون" في يعصرن حرف يدل على التأنيث والجمع.
وأنكر قوم، من النحويين، هذه اللغة، وتأولوا ما ورد منها. ولا يقبل قولهم في ذلك. بل هي ثابتة بنقل الأئمة. وسيأتي لذلك مزيد بيان.
الرابع: "نون" الوقاية. وهي "نون" مكسورة تلحق قبل "ياء" المتكلم، إذا نصبت بفعل، نحو: أكرمني، أو باسم فعل، نحو: عليكني، بمعنى: الزمني، أو ب "إن" وأخواتها، نحو: ليتني. وتلزم مع الفعل واسم الفعل، إلا ما ندر من قوله: إذ ذهب القوم الكرام، ليسي وأما "إن" وأخواتها فثلاثة أقسام: قسم لا تحذف منه إلا نادراً، وهو "ليت". وقسم لا تلحقه إلا نادراً وهو "لعل". وقسم يجوز فيه الأمران، وهو: "إن"، و"أن"، و"لكن"، و"كأن".
وتلحق "نون" الوقاية أيضاً، قبل "ياء" المتكلم، إن جرت ب "من" و"عن". ولا تحذف إلا في ضرورة الشعر. نحو قوله:
أيها السائل عنهم، وعني ... لست من قيس، ولا قيس مني
أو بإضافة: "قد"، و"قط"، و"لدن"، و"بجل". وكلها بمعنى "حسب". وحذفها من "بجل" أكثر من إثباتها، بعكس الثلاثة التي قبلها.
ولا تلحق "نون" الوقاية غير ما ذكرته إلا ما ندر، مما لا يقاس عليه. وحكم "نون" الوقاية مشهور، فلا نطول هنا باستيفائه.
وإنما سميت هذه "النون" "نون" الوقاية، لأنها لحقت، لتقي الفعل من الكسر. ثم حمل على الفعل ما ذكر. وقال ابن مالك: سميت بذلك لأنها تقي اللبس في الأمر، نحو: أكرمني. فلولا "النون" لالتبس أمر المذكر بأمر المؤنثة. ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر).[الجنى الداني:141 - 151]


رد مع اقتباس