الموضوع: حرف النون
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:46 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)

الباب الثاني: في الحروف الثنائية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الثاني: في الحروف الثنائية وهي التي كل واحدٍ منها على حرفين من حروف الهجاء بالوضع، واعلم أن جماعة لم تتعرض لها وهم أكثر النحاة ومنها طائفة لم يتعرضوا لها عند عدهم الحروف ونبهوا عليها في أماكن أخرى، ونحن نأتي إن شاء الله تعالى على عدّ جميعها ونذكر في كل واحد منها ما يليق ذكره بهذا التعليق، ونستمد من الله سبحانه حسن التوفيق، فنقول: إن جملة الحروف الثنائية التي اسقصينا حصرها ثلاثون حرفًا منها ما لم تجر عادتهم بذكره بين الحروف وهي ستة: "النون" الشديدة للتأكيد، و"الألف" و"النون" في نحو: يفعلان الزيدان، وتفعلان المرأتان، و"الواو" و"النون" في: يفعلون الزيدون إذا أسندت إلى الظاهر المرتفع بعدهما بالفاعلية على لغة أكلوني البراغيث، أي: قول من يجعل هذه العلامة للدلالة على نوعية الفاعل "كتاء" التأنيث الدالة على تأنيثه، ولفظة "نا"، و"كم"، و"ها"، الملحقة "بأيا" ضمير النصب المنفصل على رأي سيبويه في جعل المردفات حروفًا دالة على التفريع فإذا طرحنا هذه الستة بقي جميع الحروف المتداولة بين النحاة أربعة وعشرون حرفًا، وهي على حالتين كما قدمناه، فإنها إمَّا أن تكون حروفًا محضة، أي: تقع في جملة مواقعها وقاطبة استعمالاتها إلا حروفًا، وإمَّا أن تكون مشتركة بين الاسمية والحرفية، ولا يجوز أن يشارك الحرف الثنائي شيئَا من الأفعال لما تقدم من أنه لم يوضع فعل على أقل من ثلاثة أحرف أصول، فلذلك وضعنا هذا الباب أيضًا على نوعين: ملازم لمحض الحرفية، وغير ملازم، والله الموفق). [جواهر الأدب: 85]

الفصل التاسع عشر: "النون" الثقيلة
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل التاسع عشر: وهو ختم النوع الأول المحض من نوعي الحروف الثنائية.
"النون" الثقيلة: بنيت عل الحركة لسكون ما قبلها، وعلى الفتح طلبًا للخفة إلا بعد "ألف" التثنية نحو: اضربان، و"الف" الفصل في جمع المؤنث نحو: اضربنان، فإنها مكسورة تشبيهًا "بنون" التثنية، وإنما فصل "بالألف" في: اضربنان، ونحوه لئلا يجتمع ثلاث "نونات"، ولا ينتقض بيجنن من جن يجن ويجنن من جن يجن لأن "نونين" منها من أصل الكلمة، والمحذور اجتماع ثلاث "نونات" زوائد، وتختص دون الخفيفة بتأكيدها لعدم اجتماع الساكنين على غير حده، وبعده الحذف والالتقاء بدلالة الحركة إذا وليها ساكن، وبعدم قلبها "ألفًا" وتشاركها فيما عدا هذه الثلاثة من الاختصاص بتأكيد الفعل، فلا تدخل الاسم المشابه له نحو: أقائمن زيد، إلا شذوذًا، والاختصاص بالمتصرف منه فلا تدخل جامدًا، وقراءة بعضهم: (واحسرتن) فعل تعجب شاذة، والاختصاص بالمستقبل منه، فلا تدخل الحال والماضي.
قال: وفي الأغراب وإن كان زمانه مستقبلًا اعتبار اللفظة، والرأي عندي جوازه لتوجه النفس إلى تأكيده حينئذٍ والاختصاص بما تضمن معنى الطلب منه فلا تدخل الخبر المحض، اللهم إلا إذا تأكد بأداة قسم، أو "ما" النافية لكونهما توطئة لدخول "النون"، ومؤزنان بالتوكيد والاختصاص بالثابت، فلا تدخل المنفي إلا على قلة تشبيهًا له بالنهي، ولم يجزه أبو علي رحمه الله بتجرده عن معنى الطلب، وجعله ابن جني قياسًا إذا وليه حرف النفي، كقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا}، وقيل: هي فيها للنهي، وعندي أنها زائدة؛ إذ لا معنى للنفي ولا للنهي هنا، وحمل على النفي قوله:
ربما أوفيت في علم ..... ترفعن ثوبي شمالات
وقولهم: كثر ما يقولن ذلك؛ لإفادته التقليل أيضًا كالنفي، وهذا كله للإشعار بأن توجه النفس إلى التأكيد إنما يكون فيما خيف فواته، فكل ثابت بوجه يجوز تأكيده، ولهذا كثر في الشرط المؤكد "بما" النافية نحو: إمَّا تفعلن، حتى اعتقد الزجاج وجماعة وجوب لزوم "النون" قياسًا على القسم المثبت لشدة اقتضاء الكلام التأكيد إذا تقرر هذا فأقسام الفعل بالنظر إلى جواز التأكيد "بالنون" وعدمه ثلاثة، ما يمتنع تأكيده بها، وهو ما فقدت شروطه، وما يجب وهو مثبت القسم مطلقًا، و"باللام" على رأي الأكثر، كقوله تعالى: {تالله لأكيدن أصنامكم}، وقوله تعالى: {لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}، وإنما جعل هذا قسمًا؛ لأنه لو كان شرطًا للزمت "الفاء" كما تقرر في موضعه.
وقول الأعشى: فلا شرب ثمانيًا وثمانيا، وإنما لزمت "النون" معه، أما إذا لم تكن "اللام" فظاهر ليفيد أن الكلام مثبت، وأما مع "اللام" على الأكثر فأما للفرق بين "لام" القسم التي لا تدخل إلا على المستقبل، وبين "لام" التأكيد التي لنفي الحال، أو لأنه لما كان الغرض من القسم التوكيد لزمت "النون" إيذانًا بما دخل القسم له وما يجوز تأكيده، إمَّا مع قلة وهو النفي وما حمل عليه، أو مع شيوع وكثرة، وهو ل فعل صدر بأداة شرط مؤكدة "بما" لازمًا ان التأكيد نحو: "حيثما" تقومن أقم، وإذ "ما" تفعلن أفعل، و"مهما" تكرمن زيدًا أكرمه. أو غير لازم نحو: "إمَّا" تفعلن، ومتى تقومن، وأيهم "ما" تكرمن، و"كيفما" تكونن، و"أينما" تذهبن، وكذا كل قسم غير مثبت نحو: والله "ما" أقومن، وحمل عليه قولهم: بجهد "ما" تفعلن، وبعين "ما" أرينك، تشبيهًا لما قبل الفعل بكلمة القسم لاشتراكهما في التأكيد، وكل ما تضمن معنى الطلب وهو الأمر والنهي والاستفهام بجميع أداته اسمية كانت أو حرفية، والعرض والتمني والتحضيض والدعاء، كقوله:
استقدر الله خيرًا وارضين به ..... فبينما العمر إذ دارت مياسير
وقولي:
لأكرمن فتى لم يال مجتهدًا ..... في دفع سيئة أو كسب إحسان
وقوله:
ولا تضيقن أن السلم آمنة ..... لماء ليس بها وعث ولا ضيق
وقوله:
أفبعد كندة تمدحن قتيلا.
ومنه:
هل ترجعن ليال قد مضين لنا ..... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا
جمع فن، منصوب على الحال من الضمير في منقلب، ومنه قولهم: كيف تصنعن، ومنه قولي:
لم تمكثن ولم ترحل لمحمدة ..... فالماء ياسن ما في موضع قطعنا
وقولك: "ألا" تنزلن عندنا، وقولك: "ليت" الشباب يعود، و"هلا" تكرمن بكرًا، و"لولا" تحسنن إلي، وقول المتضرع: اللهم ارحمنا واغفرن لنا، ومنه قولي:
فلا يرحمن الله من نم بيننا ..... لتهجرني ليلي وتنسي ذماميا
فحكم الثقيلة في هذا كله حكم الخفيفة من غير فرق، قالوا: ولدخولهما في الفعل تأثير معنوي وهو تخصيص المضارع بالاستقبال.
قلت: هذا ينافي تخصيصهما بالمستقبل، ولفظي وهو البناء على الأشهر من قولي سيبويه، وعليه ابن السراج، والآخر من قولي سيبويه، وعليه المازني وجماعة أن الحركة لالتقاء الساكنين، ورد بأنه لو كانت له لما رد المحذوف قبلها نحو: تبيعن وقمن، كما لم يرد في قم الليل، وبع الثوب؛ لأن حركة التقاء الساكنين غير لازمة، فلا أثر لوجودها، وصرح المالكي بأن المضارع إذا أكد "بالنون" وفاعله ضمير مؤنث أو مثنى أو مجموع لغير مؤنث نحو: يفعلن، ويفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، فهو معرب، ووافقه عليه جماعة وقال: بناء المضارع المذكور مع "النون" إمَّا لكون "النون" من خواص الأفعال فجذبته إلى أصله، وهو البناء، كما جذبت "اللام" والإضافة غير المنصرف إلى أصله وهو الصرف، وإمَّا لأنه بالتركيب صار كجزء من الكلمة التي لا تستحق إعرابًا فبني، وكل منهما لا يتمشى في المذكورات، أما الأول فلأنه لو منع لكونه خاصة لكان المصاحب "للسين" أو "سوف" أو "تاء" ضمير المؤنث بالمنع أولى لكونها من خواص الفعل أيضًا، وهي أولى بالمنع؛ لأن معناها غير لائق بالأسماء ولفظها لا يدخلها، و"النون" وإن كان لفظها لا يدخلها إلا أن معناها لائق بها؛ لأنها للتأكيد، ولما لم يبن مع هذا علمنا بالأولى أنه لم يبن مع "النون" أيضًا، وكذا لا يجوز أن يكون للتركيب؛ لأنه لاحظ لتركيب "النون" فيما دخلت عليه الضمائر المذكورة؛ لأن ثلاثة أشياء لا تركب شيئًا واحدًا فتكون الضمائر الثلاثة مانعة من التركيب فيبقى على إعرابه لفقد سبب البناء، اعلم "أن" الشديدة كما "أن" حكمها حكم الخفيفة فيما ذكر، كذلك حكم آخر الفعل الملحقة به حكم آخر ما لحقته الخفيفة يجب تحريكه بالفتح صحيحًا كان أو معتلًا نحو: افعلن، واخشين، وارمين، واغزون، وضمه مع "واو" ضمير المذكور وحذف "الواو" نحو: اضربن، وكسره مع "ياء" ضمير المؤنثة وحذفها نحو: اضربن، وإنما فتح الأول لحصول البناء كما هو المشهور، وضم الثاني وكسر الثالث لتدل الحركة على "الواو" و"الياء" المحذوفين، وإنما حذفا للزوم التقاء الساكنين، وإنما لم تحذف "الألف" ضمير المثنى، قيل: لئلا يلتبس بفعل الواحد، وأورد عليه أنه كان يمكن الحذف مع عدم الالتباس بأن تكسر "النون"، كما لو كانت "الألف" ملفوظة، وإنما لم تحذف لخفاء "الألف" وخفتها لوجودها في اللفظ كعدمها، بخلاف "الواو" و"الياء".
فائدة: ليست هذه "النون" أصلًا للخفيفة كما ذهب إليه الكوفيون من أنها مخففة منها، بل الخفيفة أصلًا برأسها؛ لأن الشديد أشد تأكيدًا، وشدة التوكيد فرع على أصله، وهذا يقتضي أصالة الخفيفة، فكيف تجعل فرعًا، ولأن التخفيف تصرف والحروف لا تقبل التصرف لجمودها إلا في الضرورة ولا ضرورة.
خاتمة: لو أردت تأكيد أمر جمع المؤنث من "أن" "يان".
قلت: إينان بقلب "الهمزة" الثانية "ياء" لسكونها وانكسار ما قبلها، ولو أردت تأكيده من ود يود.
قلت: أيددنان بقلب "الواو" "ياء" لذلك أيضًا، ولو أردت تأكيده من سن يسن، قلت: اسنينان، ولو أردته من وضأ يوضؤ، قلت: أوضؤنان، ولو أردته من ازيان قلت: أوززنان، وإن أردته من وقع يقع قلت: قعنان، وإن أردته من رأى قلت: رينان، ووزنه فينان، فالمحذوف "عين" الكلمة و"لامها"، وإن أردته من خاف قلت: خافني يا زيد، وخافن يا هند، وخفنان يا نساء، وإذا أردت تأكيدًا من جمع الإناث "من" و"أى" "يأي" أيضًا قلت: إينان، أما "الواو" التي هي "واو" الكلمة فحذفت لوقوعها بين "ياء" وكسرة في "ياي"، وبقيت "الهمزة" و"الياء"، و"النون" بعد "الياء" ضمير، والأخيرة للتوكيد.
فإن أردته "من" و"أي" قلت: أيوننان، فالأولى "همزة" وصل و"الياء" بدل من "الهمزة" الأصلية، فإن أكدت فعل الواحد قلت: "من" و"اي" "أن" يا هند، "ففاء" الكلمة محذوف، فبقي أين، فحذفت "الياء" لسكونها، وسكن "النون" بعدها، وتقول: من أوى أيون، ومن تفطن لهذه المسائل وقف على حقيقة الفعل بعون الله تعالى). [جواهر الأدب: 145-149]


النوع الثاني: من الحروف الأحادية وهو الذي اشتركت فيه الحروف بالأسماء
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الثاني: من الحروف الأحادية وهو الذي اشتركت فيه الحروف بالأسماء ولا تشارك الأفعال شيئًا من الأحادية لما بينا أن الاشتراك يجب كونه وضعًا وشيء من الأفعال لا يوضع أحاديثًا، بل يجب أن لا يكون أقل من ثلاثة أحرف أصول، حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يفصل بينهما لمنافاة الأول بحركته الآخر بسكونه، ولكونه لا يقتضي طبعًا لا الحركة ولا السكون، ثم ما قيل إنه إن سكن نافي الأول وإن حرك نافي الآخر فالمنافاة حاصلة، فإن اتفق فعل على أقل من ثلاثة فلذلك بطريق الحذف لعارض، كما تقرر في فنه، وأحرف هذا النوع سبعة:
وهي: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء"، فلنذكر كل حرف منها في فصل، ونذكر فيه ما يخطر بالبال ذكره إن شاء الله، وليعلم أن هذه الأحرف السبعة مبنية في حالتي حرفيتها واسميتها، أما في حالة الحرفية فظاهر لعدم استحقاق الحرف الإعراب، وأما في حال اسميتها فاستيفاء لبيانها ولكون وضعها كوضع الحروف على حرف واحد فنبيت مطلقًا، والله تعالى أعلم). [جواهر الأدب: 42]

الفصل الرابع: "النون"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الرابع: من النوع الثاني من نوعي الأحادية وهو الذي تشارك فيه النوعان: الأسماء والحروف.
هو "النون"، وهي ثنتان:
إحداهما: المخففة ساكنة كانت أو متحركة، وخرجها من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا متصلًا بالخيشوم تحت "اللام".
والثانية: هي الخفيفة التي لم يبق منها إلا الغنة فمخرجها الخيشوم، وهذه في الحقيقة فرع الأولى، وهي داخلة في الحروف المجهورة متوسطة بين الرخوة والشديدة، ويجب أن يعلم أن "النون" تتعدد أنواعها، ولكنها تنحصر في قسمين، هما الاسم والحرف، فلنحصرهما في بحثين.
البحث الأول: في "النون" الواقعة اسمًا وهي منحصرة في "نون" الضمير، ولا تكون إلا لجماعة الإناث وهي مبنية على الفتح، فالبناء لكونها على حرف واحد فأشبهت الحرف وضعًا، والتحريك تفضيلًا لها باسميتها، وكانت فتحة للخفة، وقوتها من السكون المستحق مع حصول المقصود، وتدخل في الأفعال الثلاثة، ففي الماضي نحو: النساء فعلن، ولكن يسكن آخر الماضي لما ذكرنا في تسكين ما قبل "التاء"، فإن كان آخره "ألفًا" قد انقلبت عن حرف علة ردت إلى أصلها من "واو" في نحو: دعون، أو "ياء" في نحو: سعين؛ لأن الاتصال بالضمير يرد الكلمات إلى أصلها غالبًا، وإن كان حرفًا صحيحًا سكن لا غير نحو: ضربن، وأما في المضارع فنحو: يفعلن، وتحذف عنه حركته وتبقى "الواو" و"الياء" على سكونهما فيقال: يغزون، ويرمين، ويسعون، فإن كان ذلك في حال الجزم وجب حذف "الواو" و"الياء" و"الألف"، وأتي بالحركات السابقة عليها دالة على المحذوف، فتقول: لم يغزون، ولم يرمين، ولم يرضين، لكن حرف العلة لم يحذف فيهن لزوال المحذور بتقدير الإعراب، وأما في الأمر فإنه كالمضارع المجزوم فيسكن ما قبل الآخر في الصحيح، ويحذف حرف العلة، وتبقى حركة ما قبله دالة على المحذوف، فيقال: اضربن، واغزن، وارمن، واسعن، وقد حكموا ببناء المضارع المتصل "بنون" الضمير بالاتفاق، واختلفوا في سببه، وأجود ما قبل فيه أن الأصل في الفعل البناء، وفي المبني السكون، ولما أشبه الماضي الاسم بوقوعه خبر الذي خبر، وصفة لموصوف، وصلة لموصول، وحالًا لذي حال بني على الحركة ترجيحًا على الأمر بهذه المشابهة حيث فقدت فيه كما ذكر، وإذ وقعت المشابهة بين الفعل والمضارع بما وجب إعرابه أعرب تفضيلًا له على أخويه الماضي والأمر، فإذا اتصلت به هذه "النون" التي من خواص الفعل وكان دخولها على الماضي موجبًا لتسكين آخره، وسقط عنه ما رجح به من الحركة صار دخولها على المضارع أيضًا موجبًا لإسقاط ما رجح به وهو الإعراب، فرجع إلى أصله وهو البناء، وهذا معنى قول سيبويه رحمه الله: بني يفعلن حملًا على فعلن بمعنى أنه حيث كان دخول الضمير المرفوع المتصل البارز من خواص الأفعال، ودخوله على الماضي موجبًا لتسكين آخره، وإزالة فضل به الماضي من الحركة لذلك جذب المضارع إلى تسكين آخره وإزالة ما فضل من الإعراب فبنى.
تنبيه: هذه "النون" متى لحقت فعلًا ماضيًا أو مضارعًا، ثم ذكر بعده ما هو فاعله صارت "النون" حرفًا يدل على أن فاعله جمع مؤنث نحو: قمن الهندات، كما تلحق "تاء" التأنيث الفعل لتدل على تأنيث الفاعل، ولم تبق ضميرًا ولا اسمًا، كقول الشاعر:
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ..... فاعرضن عني بالخدود النواضر
وسيأتي ذكرها عند تعداد "النون" الحرفية إن شاء الله تعالى.
البحث الثاني: "النون" المحكوم بحرفيتها، وقد جمعت أصنافها في ستة وانحصرت في وصفين:
الوصف الأول: "النون" الساكنة وأصنافها ثلاثة:
الصنف الأول: التنوين، وهو "النون" الساكنة اللاحقة آخر الكلمة لغير تأكيد الفعل، وإنما لم يخصوه بآخر الاسم ليدخل فيه تنوين الترنم، والغالي لا جرم افتقر التعريف إلى ما يخرج عنه "نون" التوكيد الخفيفة فأخرجت صريحًا، والتنوينات ستة لأنها للتمكين وللتنكير وللعوض وللمقابلة وللترنم وللمغالاة، ونحن نذكرها بهذا الترتيب.
أما تنوين التمكين: فهو الدال على تمكن الكلمة في الاسمية، ويسمى تنوين الصرف أيضًا؛ لأنه يدخل المنصرف ويمتنع من غيره، ونقل عن الكسائي والفراء أنه دخل فرقًا بين الاسم والفعل، وعن قطرب وتابعيه أنه دخل فرقًا بين المفرد والمركب، وتستحقها بالأصالة النكرات لبقائها على محض الأصالة، وأدخل المعارف من الأعلام، وأن خرجت عن الأصالة بوجه واحد، وهو سهل يشق الاحتراز عنه، ولذلك لم يمنع الصرف إلا علتان كما سيأتي، وقول صاحب التسهيل تنون التمكين يدل على بقاء الأصالة، فلا يلحق غير اسم، إذ لا أصالة فيه إنما يريد به أنه يدل على الأصالة في الاسمية وغير الأسماء لا أصالة فيها لا يريدان الفعل والحرف لا أصالة لهما كما تهمه بعضهم، وكيف يعتقد ذلك وكل واحدٍ من الكلم الثلاث له أصالة في بابه، ولذلك حملت الأسماء على الحروف في البناء، وعلى الأفعال في العمل، ولكنه تساهل في العبارة لظهور المعنى.
وأما تنوين التنكير: فهو الذي يدل على تنكير مصحوبه مما يقبل التعريف ولا يدخله "أل" كالأصوات وأسماء الأفعال نحو: سيبويه، وصه، فإن سيبويه علم على الشخص المعروف، فإذا "نون" وقيل: سيبويه دل على شخص يسمى بهذا الاسم، وصه غير منون هو أمر بالسكوت حالًا ومنونًا أمر بسكوت ما في وقت ما غير معين، وقد سها من جعل تنوين نحو رجل وغيره من أسماء الأجناس تنوين تنكير، وإنما هو تنوين التمكين؛ إذ لو كان تنوين تنكير لكان يجب عند تسمية مذكر به، وجعله علمًا أن يسقط تنوينه لزوال تنكيره، وليس كذلك، فكذا أحمد إذا نكر فإنه ينصرف، ويكون تنوينه للتمكن لا للتنكير، بل لزوال الموجب لمنع الصرف.
فإن قلت: إنه لو جعل علمًا لمنع تنوينه فيكون تنوينه للتنكير، كما قلت في رجل، فلم قلت: إنه تنوين تمكين، وقد وجد فيه ما شرطته في رجل من منع التنوين؟
قلت: منع أحمد من التنوين كان بخروجه عن مستحقه بالأصالة وهو مشابهة الفعل بالفرعيتين فلما نكر زالت عنه الفرعية فعاد إلى أصله، وهو التمكن، فدخل عليه تنوينه، فلا يكون للتنكير.
وأما تنوين العوض: فقالوا هذا الذي يكون عوضًا عن المضاف إليه، كقوله تعالى: {وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية}، أي: فهي يوم إذا انشقت واهية، ثم حذفت الجملة وأتي بالتنوين عوضًا عنها، فالتقى ساكنان هما "الذال" من "إذ" والتنوين، فكسرت "الذال" السابقة للفرار من التقائهما، أو نقول: كانت "الذال" مكسورة لالتقاء "نون" {انشقت}، فصارت يومئذ، وكذلك كل أسماء الزمان إذا أضيفت إلى لفظة إذ، فإنها تعامل بذلك، فكسرته بنائية لالتقاء الساكنين.
وروي عن الأخفش أنه قال: إنها كسرة إعراب بإضافة اسم الزمان إليها، وضعف بوجهين:
أحدهما: أن إذ مبنية فلا تؤثر فيها الإضافة إليها كغيرها.
وثانيهما: أنه قد كسرت إذ غير مضاف إليها شيء من أسماء الزمان، كما أنشد الإمام عبد القاهر رحمه الله من قولهم:
نهيتك عن طلابك أم عمرو ..... بعافية وأنت إذن صحيح
وإنما جعل التنوين عوضًا عن المضاف إليه؛ لأنهما قد يتعاقبان في آخر الاسم، فلما حذفوا أحدهما عوض الاسم بالآخر المعاقب له، قلت في الأغراب: إن المحققين قد ذكروا لتنوين العوض موضعًا آخر في نحو: جوار، رفعًا وجرًا، مع عدم صرفها، فلا يكون محصورًا فيما ذكروه، ولا يمتنع من دخوله على الأفعال بما ذكروه من أنه حيث أن الأفعال لا تضاف لم يدخلها تنوين العوض، ومن ذهب إلى أن التنوين في نحو: جوار، وهو كل كلمة آخرها "ياء" مكسور ما قبلها ونظيرها من الصحيح غير منصرف إنما هو تنوين عوض لا تنوين صرف، فتقول: هذه جوار، وقد اختلفوا في أنه عوض عما "ذا"، فقال سيبويه: إنه عوض عن "الياء"، ومذهب المبرد أنه عوض عن حركة "الياء"، واختاره ابن الحاجب بأنه إنما حذفت "الياء" عند وجود التنوين لالتقاء الساكنين، فلو كان التنوين عوضًا عنها لكنا قد جمعنا بين العوض والمعوض، وهو فاسد، ورجح صاحب التسهيل مذهب سيبويه فقال: لو كان عوضًا عن الحركة لكان ذو "الألف" أولى به من ذي "الياء"؛ لأن حركة ذي "الياء" غير متعذرة، فهي في ذلك في حكم المنطوق به بخلاف حركة ذي "الألف"؛ لأنها متعذرة، وحاجة المعذر إلى التعويض أشد من حاجة غير المتعذر، وأيضًا لو كان التنوين المشار إليه عوضًا من الحركة لألحق مع "الألف" و"اللام" كما ألحق معهما تنوين الترنم في قوله:
أقلي اللوم عاذل والعنابن هذا نصه
واعلم أنه قد اعترض على مذهب سيبويه، وما اختاره صاحب التسهيل ليس بشيء، وقد أجيب عنه واعترض على الجواب، وقد بين والدي قدس الله سره المذاهب واحتجاج أصحابها عليها، وما أورد على ذلك، وما أجيب به عنه، وتصحيح ما غلب على ظنه شكر الله سعيه صحته، وإبطال ما ضعف منه كل ذلك في كتاب نهاية الأغراب، والتصريف في صناعتي الإعراب والتصريف، ولم نر إطالة هذه المقدمة بنقل جملة تلك الأقوال، فمن أراد الاطلاع فعليه به أو بشرحه للكافة ليجد ما يبرد الغليل ويبرئ العليل.
وأما تنوين المقابلة: فهو الداخل على ما جمع على السلامة كمسلمات، فإنهم ألحقوا بها حركات الإعراب عوضًا عن أحرفه في جمع سلامة المذكر، وجعلوا التنوين مقابلًا "للنون" المفتوحة فيه، وليس هذا التنوين صرفًا خلافًا للربعي، ونقل أن بعضهم يرى أنه تنوين عوض عن الفتحة التي كان يستحقها في حال النصب؛ لأنه ثبت بعد التسمية في مثل عرفات وأذرعات اسمي مكانين، ولم يزل تنوينه كما يزال من نحو مسلمة لو سمي بها، وقال ابن مالك: تأنيث مسلمات عند التسمية به أقوى من تأنيث مسلمة لوجهين:
أحدهما: أنه تأنيث مع جمعية.
وثانيهما: أنه بعلامة لا تتغير وصلًا ولا وقفًا، يعني: أن مسلمة يوقف عليها "بالهاء"، فكأنما نقص تأنيثها بخلاف مسلمات، فإن "تاءها" لا تغير وقفًا فكانت أقوى.
أقول: وحيث علم أن تنوين مسلمات يبقى فيما هو غير منصرف على أنه غير تنوين التمكين، وبأن سبب اختصاصه بالأسماء حيث لم يكن في الأفعال جمع مستحق "لنون" ليعوض عنها به.
وأما تنوين الترنم: فهو الذي يدخل على القوافي المطلقة عوضًا عن مدة الإطلاق سواء كان ذلك في النظم أو النثر فإن آخر الفقرة آخر البيت وهذا يعم الكلمات كلها حيث تقع في أواخر الفواصل، ويعم المعرف "باللام" وغيره، كقوله:
أقلي اللوم عاذل والعنابن ..... وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقال الآخر: فهل لها أن ترد الخمس هلن فأدخله على الحرف.
وأما تنوين الغالي: فهو الذي يلحق آخر القافية وأنصاف الأبيات ليدل على وقف المنشد، فإنه بالتقييد لا يعلم أن المنشد واقف أو دارج، فإذا زاد التنوين علم أنه واقف، ولكونه يزيد على وزن البيت سمي غالبًا من الغلو وهو مجاوزة الحد، وأنشد الأخفش قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ..... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
ويجوز فيما قبل "النون" عند إلحاقها كسر الحرف جريًا على القاعدة في التقاء الساكنين، وفتحه طلبًا للخفة، ولقربه من السكون المستحق، قال أبو حيان: أنكره الزجاج والسيرافي، وتأولا ما ورد من ذلك، وأثبته الأخفش.
قلت: وقبل التأويل صاحب التسهيل، وقد تسمى المختصة الأربع بالأسماء تنوين التمكين لأنها مختصة بالأسماء، وعلى هذا القول فالتنوين نوعان أحدهما التمكين، وثانيهما الترنم، فإن بعضهم يدخل الغالي في الترنم ويجعل الترنم لما لا يختص بالأسماء والتمكين للمختص بها.
فائدة: أقسام التنوين الأربع المختصة بالأسماء قد تحذف في مواضع:
أحدها: عند إضافة الكلمة إلى ما بعدها سواء الإضافة اللفظية والمعنوية، فيقال: هذا غلام زيد، وضارب بكر.
ثانيها: عند مصاحبة الكلمة أداة التعريف سواء كانت معرفة كالغلام، أو زائدة كقوله: والزيد زيد المعارك، أو موصولة كالضارب.
ثالثها: في حالة الوقف، فإنه إن "ان" في مصاحبه "تاء" تأنيث حذف مطلقًا، وإن كان مع غيرها مصاحبًا لضمة أو كسرة حذف أيضًا مطلقًا، وإن كان مصاحبًا للفتحة فقد قدمنا أنه يقلب "ألفًا".
رابعها: أن يقع المنون علمًا موصوفًا بابن والابن مضاف إلى علم أيضًا، نحو: جاءني زيد بن عمرو، فلو فقد أحد الشروط الثلاثة فلا أي، فإن كان المنون غير علم أو وصف بغير ابن، أو المضاف إليه غير علم لم يحذف تنوينه إلا في موضع شابهه، كما قرئ قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله}، فإن عزيرًا هذا مبتدأ، وابن: خبره، ولما أشبه الصورة المجوزة صورة حملوه عليها فحذف، ولكن لا يقاس عليه.
قال ابن يعيش رحمه الله: فقد قرئ عزير بالتنوين، وبغير تنوين، فمن "نون" جعله مبتدأ، وابن الله الخبر حكاية عن مقال اليهود، ومن حذف التنوين جعله وصفًا، وقدر مبتدأ محذوفًا، أي: هو عزير ابن الله، فيكون هو مبتدأ، وعزير الخبر، وابن الله صفته، وهذا فيه ضعف؛ لأن عزيرًا لم يتقدم له ذكر فيكنى عنه، والأشبه أن يكون أيضًا خبرًا لأنه حذف منه التنوين لالتقاء الساكنين من قبيل الضرورة، وله نظائر نحو: {قل هو الله أحد الله الصمد} بحذف التنوين من أحد، ومنه ما رواه أبو العباس عن عمارة بن عقيل أنه قرأ: {والله سابق النهار} بنصب النهار على إرادة التنوين، ومنه قول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ..... ولا ذاكر الله إلا قليلًا
أرادوا لا ذاكر الله، بالتنوين، وحذف لالتقاء الساكنين، هذا نصه مرتبًا.
فائدة: قد تقدم في فصل "الهمزة" أن "همزة" ابن "همزة" وصل، ومن الأصول المقررة للخط أن كل كلمة تكتب بصورة انفرادها، أي: بالابتداء بها والوقف عليها، وذلك يقتضي أن يكتب ابن "بالألف" مطلقًا، ولكنهم قد قرروا أنها تحذف إذا كان ابن صفة مفرد أو واقعًا بين علمين أو كنيتين أو لقبين على ما هو شرط فتح ما قبله في النداء خطًا ولفظًا، فيقال: هذا زيد بن عمرو، وهذا أبو بكر بن أبي إسحاق، وهذا بعلة بن قفة بحذفها في الكل لكثرة الاستعمال ليحصل التخفيف، فعلى هذا تكتبه "بالألف" إذا كان خبرًا وغير واقع بين اثنين منها.
قلت: ولا يطرد الحذف في ابنة لأنها أقل الاستعمال منه.
قال أبو البقاء: وتكتب ابنة تأنيث ابن "بالألف" في كل حال ولم يضع الكتاب للتنوين في الخط صورة مع أنه من حروف المعاني المقصودة بيانها، إمَّا للتفرقة بينه وبين "نون" التوكيد ولم يعكس لأنه أكثر استعمالًا منه، وإمَّا لأنه بوقوعه بعد الإعراب الذي به وقع كالفضلة أطرحوه لمشابهته للزيادات.
الصنف الثاني: "نون" التوكيد الخفيفة وبناؤها وسكونها بمقتضى الأصالة، وتختص بالفعل المستقبل إمَّا وضعًا وهو صيغة الأمر، وإمَّا لقرينة طلب كما في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والقسم وربما شبه النفي بالنهي فتدخله "النون" قليلًا نحو: لنسفعن بالناصية، ولا يضربن، ومنه قوله:
فلا يقبلن ضيمًا مخافة ميتة ..... ويؤتن بها جرًا وجلدك أملس
ويفعلن وقوله:
هل يرجعن إلى لمتي إن خضبتها ..... إلى عهد ما قبل المشيب خضاها
وليتك تفعلن، وألا تفعلن، والله لأفعلن، وقل ما تفعلن، وقد تقدم في "اللام" المكسورة أن المضارع المثبت إذا وقع جوابًا للقسم لابد فيه من "اللام" وأنه قد تصحبه "نون" التوكيد لزومًا، وقل تجرده عنها فالتموا بوجودها فيه، وأما قولهم: إمَّا تفعلن، فإن إمَّا هي الشرطية زيدت عليها "ما" تأكيدًا للأداة، فأبدلوا "النون" "ميمًا"، فأدغموا فأكثروا مصاحبة فعلها "للنون" لكونه هو المقصود بالذات لئلا ينحط عن رتبة حرفه لكنهم التزموا به فالأول كأنهم اقتنعوا فيه في بعض مواقعه بتأكيد حرفه.
وحكم ما قبل "النون" الفتح في الصحيح والمعتل تقول: اضربن، واعزون، وارمين، فإن لاقاها "واو" الضمير أو "ياؤه" حذفته لسكونه وأبقيت حركته المجانسة له المتقدمة عليه بحالها لتدل على المحذوف نحو: افعلن وافعلن، ولا يلحقه "ألف" ضمير المثنى لأنه لو لحق لالتقى مع سكون "النون" ولم يبق ما يدل عليه؛ لأن فتح ما قبلها يكون مع عدم الضمير وإن اجتمع الساكنان بغير دليل، أما لو كانت "نون" التوكيد الثقيلة لجاز اجتماعها مع "ألف" الضمير، وإن اجتمع الساكنان لأنه على حده كالضالين، فإن كان المعتل يلحقه "واو" ضمير جماعة الذكور أو "ياء" ضمير المخاطبة نحو: ترون يا رجال، وترين يا هند، حذفت "النون" الإعرابية لبنائه، فالتقى ساكنان "النون" والضمير، وحرك بحركة تجانسه، كما لو لاقاه ساكن آخر غير "النون" من كلمة أخرى فتكسر "الياء"، فيقال: هل ترين؟ كما تكسر في قولنا: هل ترى القوم؟ وتضم "الواو" فيقال: هل ترون يا رجال؟ كما تضم في قوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، وكذلك تقول في تغزين: تغزون، هل تغزين؟ وتغزون بإعادة ما حذف للضمير لزواله بحذفه "للنون".
تنبيه: هذه "النون" الخفيفة قد تحذف لملاقات ساكن بعدها نحو: اضرب الرجل، فتبقى فتحة ما قبلها بحالها كقوله:
لا تهين الفقير علك أن ..... تركع يومًا والدهر قد رفعه
وتحذف للوقف حيث يضم ما قبلها نحو: اغرو، أو بكسر نحو: اغري، لكن ترد "الواو" أو "الياء" التي كنت حذفتها للحوقها ساكنة لالتقاء الساكنين، وإن كان ما قبلها مفتوحًا قلبت للوقف "ألفًا"، فتقول: لنسفعًا، كما تقول في المنصوب المنون: رأيت زيدًا، فإن قلت: فلم لم يجروها كالتنوين في حالتي الرفع والجر حيث ردوا ما كان قد حذف لأجلها بخلاف التنوين حيث لا يردون المحذوف معه بل الأفصح أن تقول: هذا قاض، ومررت بقاض، بسكون "الضاد" مع حذف "الياء" التي حذفت للتنوين.
قلت: لأن التنوين لازم للاسم المنصرف لا يزول عنه إلا لمعاقب له يمنعه، فإذا وقفت ولم يكن معاقب فكأنه موجود فلا يرد إلى الكلمة ما حذف لوجوده؛ لأنه موجود حكمًا، و"نون" التوكيد عارضة غير لازمة، فإذا حذفت لا يقدر وجودها فقد حذفت لفظًا ومعنى، وإنما لم يبدل منه "واو" لضمة ما قبلها و"يا" لكسرته، إمَّا لقياسها على إعراب الأسماء أيضًا، فإنه وقف على المنصوب المنون منها "بالألف" ولم يوقف على المرفوع المنون "بالواو"، ولا على المجرور المنون "بالياء"، ولم يقولوا: جاءني زيدويه، ولا مررت بريدي بها، فعوملت "النون" في الأفعال معاملة التنوين في الأسماء، وإمَّا أنه لو قيل في الوقف على اضربن المسند إلى ضمير المذكرين اضربوا في اضربن المسند إلى ضمير المؤنثة اضربي، لم يعلم أن الحرفين الموقوف عليهما أنهما مبدلان عن "نون" التأكيد وأنهما الأصليان المسند إليهما الفعل أولًا، فتفوت فائدة التوكيد، وستأتي تتمة مباحثه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.
الصنف الثالث: "النون" الدالة على كون الفاعل جمعًا مؤنثًا عند تقدم الفعل نحو: فعلن النساء، فإنها تلحق بالفعل عند تقدمه كما ألحقت "تاء" التأنيث به نحو: قامت هند.
فإن قيل: لم يجوز أن تكون "النون" ضمير الفاعل كما في: النساء فعلن، والظاهر بدلًا منه، وتكون باقية على اسميتها، ولا يفتقر إلى الحكم باختلاف حقيقتها المخالفة للأصل.
قلنا: إن ذلك جائز غير ممتنع ولكن حيث نص الأئمة على أن كونها حرفًا لغة قوم، وإن ذكروا أنها ضعيفة يجب تركه، وإذا علم كون المتكلم ليس من أهل تلك اللغة جاز أن يكون قد قصد قصدهم وتكلم بلغتهم، وجاز أن يقصد الإبدال على الاستعمال المشهور، وقد تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» ويعبرون عن هذه اللغة بلغة «أكلوني البراغيث» وفي هذا المثل شذوذ من وجهين:
أحدهما: عدم القرينة الدالة على تعدد الفاعل، وهو ضعيف، وسوغه قياسه على التأنيث حيث جاز إلحاق العلامة الدالة على تأنيث فاعله.
وثانيهما: أن الضمير اللائق بالعود على البراغيث هو "النون" لا "الواو" ؛ إذ "الواو" للمذكرين نحو: الزيدون قاموا، فلو قيل: أكلنني البراغيث كان جيدًا، وأما لو قال: أكلتني البراغيث لم يكن فيه شذوذ؛ لأنا قد قدمنا في فصل "التاء" أنه يجوز إسناد الفعل إلى المجموع في كل تقاديره "بالتاء" إلا الجمع المذكر السالم، وقد جعل بعضهم الذين في قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} فاعل أسروا على هذه اللغة، وبعضهم جعله بدلًا من الضمير، وحمله بعضهم على التقديم والتأخير، أي: بكون الذين مبتدأ، وأسروا خبر.
فإن قلت: كيف التزموا ذكر علامة مزية الفاعل عند التأنيث والتزموا ذكر "الياء" في بعض الأماكن وجوبًا، ورجحوه في مكان آخر، وما منعوا منه في مكان قط ولا ضعفوه متى كان الفعل مؤنثًا، وضعفوه مع لحوق العلامة عند كونه مثنى أو مجموعًا على كل حال.
قلت: لأنه كثر على المذكر إطلاق لفظ المؤنث، وعلى المؤنث إطلاق لفظ المذكر، فلم يبق وثوق بلحاق العلامة بالفاعل، وقد نبهنا عليه من قبل فأكدوا الدلالة بالعلامة الملحقة بالفعل للبيان بخلاف إطلاق لفظ المثنى أو المجموع على المفرد وعكسه، فإنه نادر، فلم يحتج إليه، فإذا ذكر الفعل مجردًا ثم اتبع بما يحق أن يسند إليه علم أنه فاعل على أي صفة كان من إفراد أو تعدد لتذكير أو تأنيث، حكم بأنه على تلك الصفة المذكورة، بخلاف ما إذا ذكر مذكرًا أو مؤنثًا لجواز أن لا يكون مدلوله كذلك بجواز مخالفة المدلول.
فإن قلت: فلذلك يجب أن تكون للمذكر علامة التذكير.
قلت: لا يلزم، أما إذا لم نجد في اللفظ والفعل قرينة تدل على التأنيث حمل على أنه مذكر؛ لأن الأصل في الأسماء التذكير.
الوصف الثالث: في "النون" الحرفية وهو الحركة، وأصنافها أيضًا ثلاثة:
الصنف الأول: "نون" الوقاية، ويسميها الكوفيون "نون" العماد، وهي "النون" التي تدخل على الأفعال قبل "ياء" ضمير المتكلم لتمنع دخول الكسر عليه نحو: ضربني، فإن "النون" فيه للوقاية، وتحقيق الحال فيها يتوقف على معرفة أصلين:
أحدهما: أنهم لما منعوا الفعل من الجر منعوه من دخول الكسر عليه، فجوزوا بناء ماضيه على الفتح نحو ضرب، وجوزا ضمه في بعض الأماكن نحو: ضربوا، ولم يجوزوا كسره مطلقًا لثقله وامتناع الجر منه.
فإن قلت: إنهم قد أدخلوا الكسر عليه عند سكون آخره إمَّا بناءً أو إعرابًا لتسكينه بالجازم حيث يلاقيه فيهما ساكن نحو: أقم الليل، ولم تضرب الرجل.
قلت: ذلك عند عروض عارض، فلا يكون لازمًا، فلا اعتداد بدخوله.
وثانيهما: أنهم لما أوجبوا أن يكون ما قبل "ألف" الضمير مفتوحًا نحو: ضربا، وجب أن يكون ما قبل "الواو" منه مضمومًا، وما قبل "الياء" مكسورًا لتكون قبل كل حرف الحركة المجانسة له، وإذا كان الفعل قد يكون آخره مفتوحًا ومضمومًا فجعلوا بين آخر الفعل و"ياء" ضمير المتكلم حرفًا تقع الكسرة عليه، وبقي الفعل عن مباشرة الكسرة فأتوا بهذه "النون"، ولذلك سميت "نون" الوقاية، فدخلت على الأفعال الماضية المتصرفة عمومً وجوبًا، وكذا على فعل التعجب نحو: ما اضربني، وأما "ليس" و"عسى" فإنهما لما أشبها الحرف بالجمود وعدم التصرف حتى ذهب بعض النحاة إلى أنهما حرفان، جاز فيهما إلحاق "النون" وإسقاطها؛ لأن الحرف لا يمتنع من دخول الكسر عليه بناء نحو: "لي"، و"بي"، و"جير"، فقد وردا مجردين عنها شذوذًا، كقوله:
عددت قومي كعديد الطيس ..... إذ ذهب القوم الكرام ليسي
و"عساي" وغير مجردين، كقولك: "ليسني" و"عساني"، وأما فعل الأمر فإنها دخلت عليه في جميع أقسامه بمباشرة آخر الفعل نحو: أكرمني وأكرمنني، وتتوسط الضمائر المتصلة البارزة نحو: أكرماني وأكرموني وأكرميني، فلم يختلف في ذلك شيء منها، وأما المضارع فإما أن يكون من الأمثلة الخمسة التي هي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين، أو غيرها فغيرها لابد فيه من دخول "نون" الوقاية نحو: يركمني، وتكرمني، وأما الأمثلة الخمسة فإن كان في حال سقوط "النون" بجازم أو ناصب فكذلك نحو: لم يكرماني، ولن يكرماني، وإن كان عند وجود "النون" فيها فيجوز إلحاق "النون" طردًا للباب، فيجتمع فيه "نونان": الأولى للإعراب، والثانية للوقاية، وفيها حينئذٍ ثلاثة مذاهب: أحدها: الإدغام، وثانيها: إبقاؤهما مع الفك، وثالثها: حذف إحداهما والاكتفاء بالأخرى، واختلف في أن الباقية أيتهما هي، فقال الأخفش: إنها "نون" الإعراب؛ لأن الإتيان "بنون" الوقاية إنما كان ليمتنع الفعل من دخول الكسر، ووجود "نون" الإعراب مما يحصل به المقصود، فيستغنى عن إلحاق "نون" الوقاية وبقاء شيء كان موجودًا يغني عنها أولى، وقيل: إن الباقية هي "نون" الوقاية.
قال ابن مالك: وعلى هذا اعتمد المحققون، وإن كان القائلون بالأول هم الأكثر، وهذا مذهب سيبويه، واستدل لترجيحه بأن "نون" الإعراب نائبة عن الضمة، وكلاهما جائز الحذف دون موجب، و"نون" الوقاية لا تحذف، فالحكم بالحذف على ما يجوز حذفه وحذف منوبه دون موجب أولى مما لا يجوز حذفه، وإن إبقاء "نون" الإعراب يعرضها لكسرها بعد "الياء" والضم مع "الواو" والحذف عند وجود عامل نصب أو جرم، ولا كذلك "نون" الوقاية.
تنبيه:
قد أدخلت "نون" الوقاية على بعض الأسماء والحروف لمقصد، فالأسماء كلمات مبنية على السكون أدخلت "النون" محافظة على سكون آخرها، وهي "لدن" بمعنى "عند"، و"قد"، و"قط"، إذا كانا بمعنى "حسب"، ففيهن وجهان:
أحدهما: وهو الأشهر إلحاق "النون"، فتدغم في "نون" "لدن"، وتكسر في الكل، وفي التنزيل: {قد بلغت من لدني عذرًا}، وقال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال: قطني ..... والآخر قدني من نصر الخبيبين قدي
وثانيهما: ترك الوقاية؛ لأن الأسماء لا تمتنع من دخول الكسر نحو: قدي، في آخر البيت، وأما الحروف فقد ورد دخولها على عدة أحرف:
منها: "من"، و"عن"، لمحافظة سكون آخرها وإلحاقها بهما هو المشهور، فندغم "النون" في "نونها"، وقد جاء حذفها في قوله:
أيها السائل عنهم وعني ..... لست من قيس ولا قيس مني
ومنها: الحروف المشبهة بالفعل، ودخلتها لمشابهتها الفعل لفظًا ومدلولًا وعملًا، فإن "أن"، و"إن"، و"كان"، و"لكن"، إذا اتصل بها "النون" جاز حذفه كراهة التضعيف، واجتماع الأمثال مع كثرة الاستعمال، وجاز الإثبات محافظة على حركات أواخرها تشبيًا لها بالفعل، وأما "ليت" فيلزمها "النون" في الأظهر؛ لعدم اجتماع الأمثال، ولا يحذف إلا في الضرورة، كقوله:
كمنية جابر إذ قال ليتي ..... أصادفه وأفقد بعض مالي
وأما "لعل"، فالمختار فيها حذف "النون"؛ لأن "النون" قريبة من "اللام"، ولذلك تدغم فيها وتبدل منها في نحو: أصيلال، ولأن من لغاتها "لعن"، فتحذف في اللغة الأخرى حملًا على هذه، ويجوز إلحاقها بها تشبيًا "بليت"، قوله:
واخرج من بين البيوت لعلني ..... أحدث عنك النفس بأمي خاليًا
وأما ما آخره "ألف" نحو: "إلى"، و"على"، و"ما"، و"كذا"، "لدا"، فلا تلحق به مطلقًا لامتناع الكسرة فيه.
الصنف الثاني: "نون" المثنى والمجموع، ولما كانا مشتركين في أكثر الأحول جمعنا بينهما، أما "نون" التثنية فهي "النون" اللاحقة "للألف" و"الياء" المفتوح ما قبلها في قولك: جاء الزيدان، ورأيت الزيدين، وهذه "النون" مكسورة في المشهور، وروى أبو علي ضمها في قولهم: هما خليلا، وروي فتحها، أنشد الفراء:
على أحوذيين استقلت عشية
وإنما حركت لالتقاء الساكنين وكانت كسرة؛ لأنه الأصل في ملتقاهما، وتسقط في ثلاثة أحوال:
أحدها: الإضافة، كقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين}، إمَّا لدلالتها على الانفصال المباين للإضافة، وإمَّا لمشابهتها التنوين.
وثانيها: للضرورة، فإنها تبيح إسقاط بعض الكلمة، فحذف الفضلات أجوز، قال تابط شرا:
هما خطتا إمَّا أسار ومنة ..... وإمَّا دم والقتل بالحر أجدر
وثالثها: التقصير الصلة، كقوله:
خليلي ما إن أنتما الصادقا هوى
وأما "نون" الجمع فهي "النون" اللاحقة "لواو" مضموم ما قبلها أو "ياء" مكسور ما قبلها في مثل: الزيدون والزيدين، وهذه "النون" مفتوحة هربًا من اجتماع الأمثال لو ضمت مع "الواو" وكسرت مع "الياء"، ولتوسطها بين اختيها الحركتين، وقد تكسر ضرورة كقوله: وقد جاوزت حد الأربعين، وقيل: إن كسرها لغة وتحذف أيضًا لثلاثة أشياء:
الإضافة: كما تقدم، كقوله تعالى: {ناكسوا رؤوسهم}، و{حاضري المسجد الحرام}.
ولضرورة الشعر: كقوله:
لو كنتم منجدي كما استغثيكم
ولتقصير الصلة:كقوله:
الحافظوا عورة العشيرة
وقرئ: {والمقيمي الصلاة} وقد تحذف دون ذلك، وكثر قبل "لام" ساكنة كقراءة من قرأ: {إنكم لذائقوا العذاب الأليم} بالنصب، وتحذف من الموصولة، كقوله:
وإن الذي جاءت بفلج دماؤهم ..... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقرئ: (وما هم بضاري به من أحد) قرأها الأعمش.
تنبيه: على فائدتين:
إحداهما: اختلف الناس في سبب إلحاق "نون" المثنى والمجموع بهما فقيل: هي عوض عن حركة الواحد المفقودة بالتثنية والجمع، وضعف بأن ذلك هو الإعراب وأحرف التثنية، يعني: "الألف"، و"الياء" نابت عنها، فلا يعوض عنها شيء آخر لا سيما عند من يقول: إن الحركات مقدرة عليها، وهذا القول يعزى إلى سيبويه.
قلت: يبطله حذفها مع الإضافة، وقيل: عوض عن تنوينه، وضعف بثبوته فيما لا تنوين فيه نحو: يا زيدان، ويا زيدون، ولا رجلين، ولا غافلين، وبثبوته مع أداة التعريف، وبهذا يعلم فساد قول من يقول: إنه عوض تنوينين في المثنى، وتنوينات بعدد الآحاد في المجموع.
وقال صاحب التسهيل: إنما أتي بها دفعًا لتوهم الإضافة والإفراد؛ إذ لولا "النون" في قولك: رأيت بني كرماء، وعجبت من ناصري ناعين، لم يعلم أن كرمان وناعين صفة لمتقدمهما، أو مضاف إليهما به، ولم يعلم في قولك: هذا الحوز لي، أنه مثنى أم مفرد، وفي قولك: مررت بالمهتدي، وانتسبت، لم يعلم المفرد من الجمع، "فبالنون" فرق بين هذه كلهاز.
وثانيهما: "النون" في جمع المذكر السالم؛ إذ لم يكن من المقيس المجموع بشروطه، بل قد جمع شذوذًا كسنين، فمنهم من يجعل "النون" من نفس الكلمة ويعربها عليها بالحركات، ويلزمها "الياء"؛ لأنها أخف من "الواو"، ولا يحذفها في الإضافة، كقول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه ..... لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا
فإن جعل هذا الجمع علمًا على مسمى نقل فيه صاحب التسهيل أربعة مذاهب:
أحدها: معاملته معاملة المجموع، كقوله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون}.
وثانيها: جعله "بالياء" وإعرابه على "النون".
وثالثها: إلزامه "الواو" مع كون "النون" معتقب الإعراب نحو: عشرون.
ورابعها: إلزامه "الواو" وفتح "النون" مطلقًا في الأحوال كلها، ولا تسقط "نونه" للإضافة، ذكرها السيرافي وأنشد قوله:
ولها بالماطرون إذا ..... أكل النمل المدهن جمعا
ومنهم من يعربه على "النون" بالكسرة، روي عن أبي ليلى:
وبت كالمحزون واعترتــ ..... ـــني الهموم بالماطرون
الصنف الثالث: "نون" الأمثلة الخمسة من الأفعال المضارعة الواقعة بعد الضمائر البارزة المرفوعة، وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين، فإن الضمائر الثلاث وهي: "الألف" في الأولين، و"الواو" في الثالث والرابع، و"الياء" في الخامس هي ضمائر الفاعلين لهذه الأفعال، واحتاجوا إلى ما يدل على إعراب هذه الأفعال، فأتوا "بنون" ألحقوها بها، وفتحوها لسكون الضمير قبلها، وهو "واو" مضموم ما قبلها أو "ياء" مكسور ما قبلها تشبيًا "بنون" مسلمين في الحالين، وكسر ما بعدها "الألف" تشبيهًا "بنون" الزيدان، ثم جعلوا ثبوت هذه "النون" فيهن دليلًا على رفعها وحذفها دليلًا على نصبها وجزمها، فيجب عدها من حروف المعاني لذلك، وينبغي أن يعلم أن هذه الضمائر لما التحقت بالأفعال تنزلت منزلة جزء منها، ولذلك جاز أن يقع ما يدل على إعراب أفعالها عليها كما جاز أن يلحق ما يدل على تأنيث الفاعل بفعله لما يحصل بينهما من شدة الامتزاج، وأن هذه الضمائر إذا ذكرت أولًا ملحقة بفعل وذكر بعدها ما يسند الفعل إليه، كقوله: يقومان الرجلان، وتقومان المرأتان، ويقومون الرجال، يكون المسند إليه بعدهما هو الفاعل، والأحرف المتقدمة علامة تدل على فرعية الفاعل، "كتاء" التأنيث الملحقة بالأفعال، وحينئذٍ يجب أن يزاد في الحروف الأحادية حرفان: هما "الألف" و"النون"، و"الواو" و"النون"، ويصير الكلام على لغة «أكلوني البراغيث»، ولا تصير "الياء" مع "النون" في: تفعلين، كذلك؛ لأنه لا يمكن أن يرتفع به ظاهر، فلا تنفك عن الضمير، وكذلك أيضًا في: تفعلان أنتما، وتفعلون أنتم؛ لأن ضمائرهما لا يخلفها الظاهر، فلذلك لا ينفكان عن الإضمار، بخلاف ما مثلناه مما يخلفه الظاهر، فإنه يتجرد حينئذٍ عن الضمير، فيكون حرفًا.
فإن قلت: إذا قيل: تفعلان الرجلان، في المخاطب، وتفعلين المرأة، ليكون الظاهر بدلًا من الضمير، فقد خلفه.
قلت: ذلك لا يزيل الاسمية عن الضمير لوقوع الظاهر بدلًا منه، فكل منهما اسم، بخلاف: يقومان الرجلان، فإن الفاعل إنما هو الرجلان و"الألف" و"النون" حرفان دالان على أن الفاعل مثنى كدلالة "التاء" على تأنيثه، فليس كذلك). [جواهر الأدب: 58 - 74]


رد مع اقتباس