عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:59 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (26)}
يخبر تعالى أنّ لمن أحسن العمل في الدّنيا بالإيمان والعمل الصّالح أبدله الحسنى في الدّار الآخرة، كما قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرّحمن: 60].
وقوله: {وزيادة} هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، وزيادةٌ على ذلك [أيضًا] ويشمل ما يعطيهم اللّه في الجنان من القصور والحور والرّضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرّة أعينٍ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنّه زيادةٌ أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقّونها بعملهم، بل بفضله ورحمته وقد روي تفسير الزّيادة بالنّظر إلى وجه اللّه الكريم، عن أبي بكرٍ الصّدّيق، وحذيفة بن اليمان، وعبد اللّه بن عبّاسٍ [قال البغويّ وأبو موسى وعبادة بن الصّامت] وسعيد بن المسيّب، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى، وعبد الرّحمن بن سابطٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وعامر بن سعدٍ، وعطاءٌ، والضّحّاك، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، ومحمّد بن إسحاق، وغيرهم من السّلف والخلف.
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرةٌ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدّثنا عفّان، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ البناني، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلا هذه الآية: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} وقال: "إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، نادى منادٍ: يا أهل الجنّة، إنّ لكم عند اللّه موعدًا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو؟ ألم يثقّل موازيننا، ويبيّض وجوهنا، ويدخلنا الجنّة، ويزحزحنا من النّار؟ ". قال: "فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فواللّه ما أعطاهم اللّه شيئًا أحبّ إليهم من النّظر إليه، ولا أقرّ لأعينهم".
وهكذا رواه مسلمٌ وجماعةٌ من الأئمّة، من حديث حمّاد بن سلمة، به.
وقال ابن جريرٍ: أخبرنا يونس، أخبرنا ابن وهبٍ: أخبرنا شبيبٌ، عن أبانٍ عن أبي تميمة الهجيمي؛ أنّه سمع أبا موسى الأشعريّ يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه يبعث يوم القيامة مناديًا ينادي: يا أهل الجنّة -بصوت يسمع أوّلهم وآخرهم -: إنّ اللّه وعدكم الحسنى وزيادةً، الحسنى: الجنّة. وزيادةٌ: النّظر إلى وجه الرّحمن عزّ وجلّ".
ورواه أيضًا ابن أبي حاتمٍ، من حديث أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيميّ، به.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن كعب بن عجرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} قال: النّظر إلى وجه الرّحمن عزّ وجلّ.
وقال أيضًا: حدّثنا ابن عبد الرّحيم حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، سمعت زهيرًا عمّن سمع أبا العالية، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه عزّ وجلّ: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} قال: "الحسنى: الجنّة، والزّيادة: النّظر إلى وجه اللّه عزّ وجلّ".
ورواه ابن أبي حاتمٍ أيضًا من حديث زهيرٍ، به.
وقوله تعالى: {ولا يرهق وجوههم قترٌ} أي: قتامٌ وسوادٌ في عرصات المحشر، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة، {ولا ذلّةٌ} أي: هوانٌ وصغارٌ، أي: لا يحصل لهم إهانةٌ في الباطن، ولا في الظّاهر، بل هم كما قال تعالى في حقّهم: {فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا} أي: نضرةً في وجوههم، وسرورًا في قلوبهم، جعلنا اللّه منهم بفضله ورحمته، آمين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 262-263]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها وترهقهم ذلّةٌ ما لهم من اللّه من عاصمٍ كأنّما أغشيت وجوههم قطعًا من اللّيل مظلمًا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (27)}
لمّا أخبر تعالى عن حال السّعداء الّذين يضاعف لهم الحسنات، ويزدادون على ذلك، عطف بذكر حال الأشقياء، فذكر عدله تعالى فيهم، وأنّه يجازيهم على السّيّئة بمثلها، لا يزيدهم على ذلك،
{وترهقهم} أي: تعتريهم وتعلوهم ذلّةٌ من معاصيهم وخوفهم منها، كما قال تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرفٍ خفيٍّ} [الشّورى: 45]، وقال تعالى: {ولا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواءٌ * وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب} [إبراهيم: 42 -44]، وقوله {ما لهم من اللّه من عاصمٍ} أي: من مانعٍ ولا واقٍ يقيهم العذاب، كما قال تعالى: {يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ * كلا لا وزر * إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} [القيامة: 10 -12].
وقوله: {كأنّما أغشيت وجوههم قطعًا من اللّيل مظلمًا} إخبارٌ عن سواد وجوههم في الدّار الآخرة، كما قال تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون} [آل عمران: 106، 107]، وكما قال تعالى: {وجوهٌ يومئذٍ مسفرةٌ ضاحكةٌ مستبشرةٌ ووجوهٌ يومئذٍ عليها غبرةٌ ترهقها قترةٌ أولئك هم الكفرة الفجرة} [عبس: 38 -42]. الآية). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 263-264]


رد مع اقتباس