الموضوع: أل
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 02:51 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح ابن نور الدين الموزعي(ت: 825هـ)

(فصل) "أل"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل)
"أل" ترد على أربعة أوجه:
أحدها: أن تكون اسمًا موصولًا بمعنى الذي وهي الداخلة على اسم الفاعل واسم المفعول.
الثاني: تكون حرف تعريف وتنقسم إلى تعريف عهد وتعريف جنس.
فأما العهد: فقد يكون ذكريا: كقول الله سبحانه: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصى فرعون الرسول}، وقوله سبحانه: {كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري}، ومعيار هذا أن يسد الضمير مسدها مع مصحوبها، كقولك: فعصاه فرعون، وإن سد مسدها دون مصحوبها فهي لبيان متعلق المعهود، كقول الله سبحانه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}، وكقولك ضرب زيد الظهر والبطن، أي: المأوى له، وظهره وبطنه.
وقد يكون ذهنيًا: كقول الله جل جلاله:{إذ هما في الغار}، وقوله تعالى:{بالواد المقدس}، وقوله تعالى:{إذ يبايعونك تحت الشجرة}.
وكقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ..... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وهذا يقرب في المعنى من النكرة، ولأجل قربه من النكرة قدرت الجملة بعده وصفًا لا حالًا.
وقد يكون حضوريًا: كقول الله سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم} وأما الجنس فإن خلفتها كلمة «كل» حقيقة فهي موضوعة لاستغراق أفراد الجنس كقول الله سبحانه: {وخلق الإنسان ضعيفًا}، وإن خلفتها مجازًا فهي موضوعة لاستغراق خصائص أفراد الجنس مبالغة نحو: زيد الرجل علمًا، وإن لم تخلفها في الحالين فهي موضوعة لتعريف ماهية الجنس، كقوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، وكقولك: والله لا أتزوج النساء ولا ألبس الثياب، ولهذا يحنث بواحد منها.
والفائدة في هذه وإن شاركها الجنس المنكر في تعريف حقيقة الماهية أن هذه تدل على حقيقة الماهية بقيد حضورها في الذهن بخلاف الجنس المنكر فإنه يدل على حقيقة الماهية دلالة مطلقة من غير اعتبار قيد.
ومرادنا بكل الخالفة كل الإفرادية لا المجموعية، فإن معنى قوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا}، وخلق كل فرد من أفراد الإنسان ضعيفًا لا مجموع الإنسان وإن كان الضعف صادقًا على المجموع، ولهذا لا يجوز وصف الجنس بلفظ الجمع.
الثالث: أن تكون زائدة، أي: غير معرفة، وتنقسم إلى لازمة وغير لازمة، فغير اللازمة "كالألف" و"اللام" التي يقصد بها التفخيم ولمح الصفة في الأصل المنقول عنه، وذلك في بعض الأعلام كالحارث والعباس والضحاك والحسن والحسين وذلك في أسماء مسموعة ولا يقاس عليها غيرها من الأعلام كمحمد وصالح وعمرو وزيد.
وأما اللازمة فكالتي في بعض الأسماء المقارنة لوضعها كالسموءل والآن واللات والعزى، أو المقارنة للتعريف بها كالنجم للثريا، والمدينة لطيبة الشريفة والبيت للكعبة المشرفة.
وهذه
"اللام" الزائدة أعني اللازمة وغير اللازمة هي الداخلة على اسم الله وصفاته جل جلاله، وإنما كانت هذه لازمة لأن الأعلام مستغنية عن التعريف "بالألف" و"اللام"، بل لا يجامعها التعريف "بالألف" و"اللام"، ولما غلبت هذه الأسماء على هذه المسميات مع اقترانها "باللام" دون اقترانها كانت أعلامًا معها ولا تكون أعلامًا بدونها، وهي في الحقيقة "لام" العهد، لكن الفرق بين مصحوب هذه "اللام" ومصحوب "لام" العهد التقدم ذكرها أن هذه مسماها معنى جزئي متعين تعيينًا مطلقًا، فإذا قلت: زرت البيت، وسافرت إلى المدينة ورأيت النجم، علم سامعك أنك إنما أردت الكعبة وطيبة والثريا ولا يفهم أنك أردت غير ذلك إلا إذا كانت ثم قرينة من عهد فحينئذٍ يفهم ما عهد منك وهذا هو السر الموجب للزوم "اللام" في هذه الأعلام دون تلك، وفرق ظاهر بين الذي تعرف عين مسماه بلفظه والذي لا تعرف عين مسماه إلا بلفظه من غيره وبين الذي يعرف في أول وهلة والذي يعرف في ثاني وهلة فهذا هو الفرق بين علم العهد ومسمى العهد ولم أر واحدًا سبقني إلى تحقيق هذا، والحمد لله رب العالمين.
فإن قلت: فما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس؟
قلنا: قال الشيخ أبو العباس القرافي: هذا السؤال «من نفائس المباحث ومشكلات المطالب وكان الخسرو شاهي يقرره ولم أسمعه إلا منه، وكان يقول ما في الديار المصرية من يعرفه».
وهو أن الوضع فرع التصور، فإذا استحضر الواضع صورة الأسد ليضع لها لفظًا فتلك الصورة الكائنة في ذهنه هي جزئية بالنسبة إلى مطلق صورة الأسد، فإن صورة الأسد واقعة في هذا الزمان، ومثلها تقع في زمان آخر وفي ذهن شخص آخر والجميع مشترك في مطلق صوة الأسد فهذه الصورة جزئية في مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس، أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس، وهي من حيث خصوصها وعمومها تنطبق على كل أسد في العالم بسب أنا إنما أخذناها في الذهن مجردة عن جميع الخصوصيات فتنطبق على الجميع، فلا جرم يصدق لفظ الأسد وأسامة على كل أسد لوجود المشترك فيها كلها، فيقع الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس بخصوص الصورة الذهنية، وانتهى جوابه هكذا حكاه وقرره أبو العباس وكأنه ارتضاه وهو جواب فاسد باطل؛ لأنه لو كان الأمر على ما ذكر من أن الأسماء بحسب التصور في الذهن، فإن تصورت ماهية جزئية وسميتها من حيث خصوصها كان علم الجنس وإن تصورتها كلية مشتركة كان اسم الجنس للزم ذلك في كل جنس من الأجناس، وكان يجب أن يقال في كل واحد من الرجال والفرس والطير والبر والتمر والشعير والنعم هو علم جنس باعتبار خصوص الصورة الذهنية، واسم جنس باعتبار عموم الصورة الذهنية، ولم يقل بهذا أحد من الفضلاء ومن ارتكب ذلك، وقال به فقد هدم لغة العرب التي نزل بها التنزيل، ووجب الإعراض عنه؛ لأن العرب إنما تريد بالكلام والتسمية فهم السامع معاني المسميات لتتعارف بذلك في مخاطباتها فلا تحتاج إلى من يعلمها لغتها، ويفهمها معاني أسمائها، ولو كان الأمر على ما ذكر هذا القائل لما عرف بعضها خطاب بعض، وكان يقول القائل: بأن الكلمة موضوعة لمعنى خاص تارة، ولمعنى عام تارة أخرى، ولما جاز أن يعلق بذلك حكمًا من أحكام لسانها لعدم الوثوق بفهم المعنى.
والجواب الحق: أن علم الجنس واقع على معنى كلي مشترك كاسم الجنس لا فرق بينهما في المعنى ولهذا لقبه أهل العلم باللسان بعلم الجنس، وذلك لأن الاسم المعرف لا يخلو إمَّا أن يكون المراد به نفس حقيقة الماهية مجردة عن الوحدة والتعدد فهو اسم الجنس وفي معناه علم الجنس، وإمَّا أن يكون المراد به فردًا معينًا فهو المعهود الخارجي وفي معناه علم الخاص كزيد وعمرو، وإمَّا أن يكون المراد به فردًا غير معين فهو المعهود الذهني كقوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
وفي معناه النكرة.
وإنما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس من جهة الأحكام العربية فعلم الجنس لا تدخل عليه
"أل" كما لا تدخل على علم الشخص، ولا تدخله الإضافة كالعلم أيضًا وإذا اجتمع فيه مع العلمية علة أخرى امتنع من الصرف، كقولك: أسامة وثعالة، وغير ذلك من أحكام الأعلام الشخصية فهو يشبه العلم في أحكامه، ويشبه الجنس في معناه، وقد ذكر هذا كما ذكرته أئمة اللسان فقالوا: علم الجنس شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر كالنكرة، ولم يعلقوا معرفة حقيقتهما على التصور الجزئي والكلي والله أعلم). [مصابيح المغاني: 92 - 98]


رد مع اقتباس