الموضوع: إلّا
عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 05:36 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

"إلا"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("إلا"
"إلّا" بالكسر والتّشديد على أربعة أوجه:
1 - أحدها: أن تكون للاستثناء، نحو: {فشربوا منه إلّا قليلا}، وانتصاب ما بعدها في هذه الآية، ونحوها بها على الصّحيح، ونحو:{ما فعلوه إلّا قليل منهم}، وارتفاع ما بعدها في هذه الآية، ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين، ويبعده أنه لا ضمير معه في نحو: ما جاءني أحد "إلّا" زيد، كما في نحو: أكلت الرّغيف ثلثه، وأنه مخالف للمبدل منه في النّفي والايجاب، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه، و"إلّا" حرف عطف عند الكوفيّين، وهي بمنزلة "لا العاطفة" في أن ما بعدها مخالف لما قبلها لكن ذاك منفي بعد إيجاب، وهذا موجب بعد نفي ورد بقولهم ما قام "إلّا" زيد، وليس شيء من أحرف العطف يلي العامل، وقد يجاب بأنّه ليس تاليها في التّقدير، إذ الأصل ما قام أحد "إلّا" زيد.

2 - الثّاني: أن تكون صفة بمنزلة غير، فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه فمثال الجمع المنكر:{لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا}، فلا يجوز في "إلّا" هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى، إذ التّقدير: حينئذٍ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد ولا من جهة اللّفظ؛ لأن آلهة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت قام رجال "إلّا" زيدا لم يصح اتّفاقًا، وزعم المبرد أن "إلّا" في هذه الآية للاستثناء، وأن ما بعدها بدل محتجا بأن لو تدل على الامتناع وامتناع الشّيء انتفاؤه، وزعم أن التفريغ بعدها جائز، وأن نحو لو كان معنا "إلّا" زيد أجود كلام، ويرده أنهم لا يقولون لو جاءني ديار أكرمته، ولا لو جاءني من أحد أكرمته، ولو كانت بمنزلة النّافي لجاز ذلك، كما يجوز ما فيها ديار، وما جاءني من أحد ولما لم يجز ذلك دلّ على أن الصّواب قول سيبويه إن "إلّا" وما بعدها صفة، قال الشلوبين وابن الضائع ولا يصح المعنى حتّى تكون "إلّا" بمعنى "غير" الّتي يراد بها البدل والعوض، قالا وهذا هو المعنى في المثال الّذي ذكره سيبويه توطئة للمسألة، وهو لو كان معنا رجل "إلّا" زيد لغلبنا، أي: رجل مكان زيد أو عوضا من زيد انتهى. قلت وليس كما قالا بل الوصف في المثال وفي الآية مختلف، فهو في المثال مخصص مثله في قولك: جاء رجل موصوف بأنّه غير زيد، وفي الآية مؤكد مثله في قولك متعدد موصوف بأنّه غير الواحد، وهكذا الحكم أبدا إن طابق ما بعد "إلّا" موصوفها فالوصف مخصص له، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد ولم أر من أفصح عن هذا، لكن النّحويين قالوا إذا قيل له عندي عشرة "إلّا" درهما فقد أقرّ له بتسعة، فإن قال "إلّا" درهم فقد أقرّ له بعشرة، وسره أن المعنى حينئذٍ عشرة موصوفة بأنّها غير درهم، وكل عشرة فهي موصوفة بذلك فالصفة هنا مؤكدة صالحة للإسقاط مثلها في: {نفخة واحدة}، وتتخرج الآية على ذلك، إذ المعنى حينئذٍ لو كان فيهما آلهة لفسدتا، أي: إن الفساد يترتّب على تقدير تعدد الالهة، وهذا هو المعنى المراد، ومثال المعرّف الشبيه بالمنكر قوله:
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلّا بغامها
فإن تعريف الأصوات تعريف الجنس.
ومثال شبه الجمع قوله:
لو كان غيري سليمى الدّهر غيره ... وقع الحوادث إلّا الصارم الذّكر
فإلا الصارم صفة لغيري.
ومقتضى كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه لتمثيله بـ لو كان معنا رجل "إلّا" زيد لغلبنا، وهو لا يجري لو مجرى النّفي، كما يقول المبرد وتفارق "إلّا" هذه غيرا من وجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز حذف موصوفها، لا يقال جاءني "إلّا" زيد، ويقال جاءني غير زيد، ونظيرها في ذلك الجمل والظروف، فإنّها تقع صفات، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها.
والثّاني: أنه لا يوصف بها "إلّا" حيث يصح الاستثناء، فيجوز عندي درهم "إلّا" دانق؛ لأنّه يجوز "إلّا" دانقا، ويمتنع "إلّا" جيد لأنّه يمتنع "إلّا" جيدا، ويجوز درهم غير جيد قاله جماعات، وقد يقال إنّه مخالف لقولهم في: {لو كان فيهما آلهة إلّا الله} لآية، ولمثال سيبويه لو كان معنا رجل "إلّا" زيد، لغلبنا وشرط ابن الحاجب في وقوع "إلّا" صفة تعذر الاستثناء، وجعل من الشاذ قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان
والوصف هنا مخصص لا مؤكد لما بيّنت من القاعدة.

3 - والثّالث: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو" في التّشريك في اللّفظ، والمعنى ذكره الأخفش واالفراء وأبو عبيدة، وجعلوا منه قوله تعالى: {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا منهم}،{لا يخاف لدي المرسلون إلّا من ظلم ثمّ بدل حسنا بعد سوء}، أي: ولا الّذين ظلموا، ولا من ظلم، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع.

4 - والرّابع: أن تكون زائدة، قاله الأصمعي وابن جني، وحملا عليه قوله:
حراجيج ما تنفك إلّا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
وابن مالك وحمل عليه قوله:
أرى الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذبا
وإنّما المحفوظ، وما الدّهر ثمّ إن صحت روايته فتخرج على أن أرى جواب لقسم مقدّر، وحذفت "لا" كحذفها في: {تالله تفتأ}،
ودلّ على ذلك الاستثناء المفرغ، وأما بيت ذي الرمة فقيل غلط منه، وقيل من الرواة، وإن الرّواية آلا بالتّنوين، أي: شخصا، وقيل تنفك تامّة بمعنى: ما تنفصل عن التّعب، أو ما تخلص منه فنفيها نفي، ومناخة حال، وقل جماعة كثيرة هي ناقصة، والخبر على الخسف، ومناخة حال، وهذا فاسد لبقاء الإشكال، إذ لا يقال جاء زيد "إلّا" راكبًا.
تنبيه
ليس من أقسام "إلّا" الّتي في نحو:{إلّا تنصروه فقد نصره الله}، وإنّما هذه كلمتان "إن الشّرطيّة" و"لا النافية"، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام "إلّا"). [مغني اللبيب: 1 / 453 - 480]


رد مع اقتباس