الموضوع: إلى
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 06:46 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "إلى" المكسورة "الهمزة" المخففة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "إلى" المكسورة "الهمزة" المخففة
اعلم أن "إلى" حرف يخفض ما بعده من الأسماء على كل حال ولها في الكلام موضعان:
الموضع الأول: أن تكون للغاية في الأسماء، واختلف النحويون: هل يدخل ما بعدها فيما قبلها أو لا يدخل؟ فذهب بعضهم إلى أنه يدخل، واستدلوا بقضايا العرف، فإذا قال القائل: اشتريت الشقة غلى طرفها، فالطرف داخل في المشترى، لأن العرف يقضي "ألا" تشترى شقة "إلا" إلى آخرها، "إلا" إذا قيل بالبعض منها، وذهب بعضهم إلى أن ما بعدها لا يدخل في ما قبلها، واستدلوا بأن القائل: «اشتريت الموضع من الوادي "إلى" الوادي»، [يريد] أن الوادي لا يدخل في الشراء، وذهب بعضهم إلى أنه إن كان الثاني من جنس الأول دخل فيما قبله، كاشتريت الغنم "إلى" آخرها، وإن لم يكن من الجنس لا يدخلن كقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
وذهب بعض المتأخرين إلى انه لا يدخل ما بعدها فيما قبلها إلا بقرينةٍ من عُرف أو عادة، وغلا فلا، قال: فإذا قلت: «ضربت القوم "إلى" زيد» فإن زيدًا
لا يدخل في الضرب مع القوم، وإذا قلت: «اشتريت الشقة "إلى" طرفها» دخل الطرف في الشراء؛ لأن العرف والعادة يقضيان بذلك، ومن عُرف الشرع يحمل قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}، لأن الصوم الشرعي إنما يكون "إلى" غروب الشمس خاصة، يتبين ذاك من قواعده، وهذا هو الظاهر منها حيث وقعت في الكلام إن شاء الله.
وعلى هذا الأصل والخلاف ينبني خلاف الفقهاء في دخول المرافق في غسل الأيدي والكعبين في غسل الأرجل، من قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق [وامسحوا برؤوسكم] وأرجلكم إلى الكعبين} فمن يرى أن ما بعدها فيما قبلها داخلٌ أوجب الغسل في المرافق والكعبين، ومن لم ير ذلك لم يوجبه، والأحسن هناك إيجاب غسلهما لوجهين:
أحدهما زوال تكلف التحديد إذ فيه مشقة، والثاني: أن الغسل أحوط، وهو يرفع الخلاف ويبرئ الذمة من وهم إرادة ذلك شرعًا.
واعلم أن "إلى" وغيرها من حروف الجر التي تذكر في هذا الكتاب في أبوابها لابد لها مما تتعلق به، أي مما هو متضمن لها ومستدع لها لطلب الفائدة واستقامة الكلام، وهو إما فعل صريح كمر ودخل وشبههما، أو جارٍ مجراه مما هو في معنى الفعل أو واقع موقعه كأسماء الفاعلين وغيرها، أو فيه رائحة فعل كأسماء الإشارة وألفاظ التنبيه والنداء ونحو ذلك.
وهي وما بعدها في موضع معمول لما تتعلق به من الأفعال أو ما في معناها بدليل حذف الحروف الجارة المذكورة ونصب ما كان مخفوضًا بها، كقول: وصلت إلى كذا ووصلت كذا، ومنه: خشنتُ بصدره وخشنتُ صدره،
وبأنها تقوم مقام الفاعل في باب ما لم يُسم فاعله كقولك مُر بزيدٍ، وسير "إلى" عمروٍ وبعطف المنصوب عليه في قول الشاعر:
فإن لم تجد من دون عدنان والدًا ..... ودون معدٍ فلتزعك العواذل
بنصب "دون" الثاني، وكذلك قول الآخر:
كأثلٍ من الأعراض من دون بيشةٍ .... ودون الغمير عادات لغضورا
إنما اختصت بالخفض لما بعدها؛ لأن الأسماء العُمد اختصت بالرفع لحصول الفائدة بها والاعتماد عليها، والفضلات اختصت بالنصب لأنها ثوانٍ عن العمد إذ هي متممة للكلام، وما كان منها بواسطة موصلة فهو أضعها وهو الجار والمجرور فأعطي الثالث عن العمدة، والثاني عن الفضلة التي بغير واسطة وهو الخفض.
وكل ما كان من الحروف مختصًا باسم طالبًا له – لا كجزءٍ منه "كالألف" و"اللام" – فحقه أن يعمل الخفض الخاص بالأسماء كحروف الجر – وأما إن وأخواتها فخرجت عن ذلك لعلة تذكر في باب "إن" - وما اختص بفعل
طالبًا له خاصة ولم يكن كجزء منه "كالسين"، فحقه أن يعمل الجزم الخاص بالأفعال كـ : "لام" الأمر وشبهها.
وما لم يختص باسم ولا فعل فلا يعمل فيه إلا بشبهٍ ما كـ "ما" النافية، وستذكر، فحروف الاستفهام والنفي والتأكيد تدخل تارةٌ على الجملة الاسمية نحو: أزيدٌ قائٌم، و"ما" زيد قائم، ولزيدٌ قائم، وتدخل تارةً على الجملة الفعلية كقولك: أقام زيد، و"ما" قام زيد، وليقوم زيد، فلا تعمل في واحد منهما لعدم الاختصاص، فاعلم هذا فإنه أصل ينتفع به إن شاء الله.
واعلم أن "إلى" إذا دخل ما بعدها فيما قبلها كانت بمعنى "مع" كقولك: اجتمع مالك "إلى" مال زيد، أي "مع"، وعليه قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}.

الموضع الثاني: أن تكون بمعنى "في" وذلك موقوف على السماع لقلته، كقولك: جلست "إلى" القوم، أي: "فيهم"، ومنه قول الشاعر:
فلا تتركني بالوعيد كأنني ..... إلى الناس مطلي به القارُ أجربُ
وقولُ الآخر:
وإن يلتق الحي الجميعُ تلاقني .... إلى ذروة البيت الرفيع المصمد).
[رصف المباني: 80 - 83]


رد مع اقتباس