الموضوع: أم
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 07:25 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح ابن نور الدين الموزعي(ت: 825هـ)

(فصل) "أم" بالفتح والتسكين
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل)
"أم" بالفتح والتسكين، و"أمَا" بالفتح والتخفيف، و"أمّا" بالفتح والتشديد و"إمَّا" بالكسر والتشديد، و"إمَّا" لي بالكسر والتشديد والإمالة.
فأما "أمْ" فقال قوم هي حرف عطف، ومعناها: الاستفهام "كالألف" إلّا أنها لا تكون في أول الكلام لأن فيها معنى العطف.
وقال قوم هي: "أو"، أبدلت "الميم" من "الواو" لتحول إلى معنى زيد إلى معنى "أو" وهو قولك في الاستفهام: أزيدٌ قام "أم" عمرو؟ فالسؤال عن أحدهما بعينه، ولو جئت "بأو" لسألت عن الفعل لا عن أحدهما، وجواب "أو": نعم "أو" لا، فإن أجبت بالتعيين صح؛ لأنه جواب وزيادة، وجواب "أم": فلان.
والفرق بين وضعيهما أن "أو" تعطف بها بعد "هل"، كقولك: هل زيد في الدار "أو" عمرو، قال الله تعالى: {هل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزا} وقال تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} وقال زهير:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ..... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
وقال آخر:
ألا ليت شعري هل تغيرت الرحا .....رحا الحرب أو أمست بفلجٍ كما هيا
وأما "أم" فلا تأتي إلا بعد "الهمزة" كقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ ..... أم لحاني يظهر غيب لئيم
فإن جاءت بعد هل فهي المنقطعة، وأما "همزة" التسوية فمختصة "بأم" ولا يجوز أن تليها "أو"، فلا تقل: سواء عندي أقام "أو" قعد، وروي ان محمد بن محيصن قرأ من طريق الزعفراني (أو لم تنذرهم)، قال ابن هشام: وهو من الشذوذ بمكان.
وعندي أنه ليس كما زعم فإن ابن محيصن لا يهمز أنذرتهم، ويكون معنى قراءته الخبر لا الاستفهام والله أعلم.
والفرق بين معنييهما دقيق لطيف ولنبسط في أمثلته قليلًا ليتضح المعنى إن شاء الله فنقول:
إذا سال سائل: أقام زيدٌ "أم" عمرو، فإنه لا يعلم أقام أحدهما "أو" لم يقم فاستفهم هل وقع القيام من أحدهما "أو" لا، فالجواب: نعم "أو" لا، وإذا كان مكانها "أم" فقد علم أن أحدهما قام لكنه لم يعلم "أيهما" هو فاستفهم ليعرف القائم منهما والجواب أن تقول له: زيد "أو" عمرو، ولا يجوز أن تقول: نعم "أو" لا، وكذلك إذا قلت: أتقوم "أو" تقعد؟ فالجواب أن يقول: نعم "أو" لا، فإن جئت "بأم" فالجواب أن يقول: اقوم، "أو" أقعد، فإن قلت: أزيد أفضل "أم" عمرو؟ لم تعطف "إلا" "بأم"؛ لأن المعنى "أيهما" أفضل، ولو جئت "بأو" لم يجز لأنه يصير المعنى أأحدهما أفضل، وليس ذلك بكلام، ولكنك لو قلت: أزيدٌ "أم" عمرو أفضل "أم" بكر؟ لجاز لأن المعنى: أأحد هذين أفضل "أم" بكر، وجواب هذا أن تقول: بكر، إن كان هو الأفضل، أو تقول: أحدهما.
ومثله قول صفية بنت عبد المطلب فهو ابنها الزبير لما صارع غيره فصرعه:
كيف رأيت زبرًا = أإقطًا أو تمرا = أم صارمًا هزبرا
وليس منه قول الحارث بن كلدة:
وما أدري أغيرهم تناءٍ ..... وطول العهد أم مالٌ أصابوا
فعطف طول العهد على تناء "بالواو" وعطف المال "بأم" لأنه لم يرد أن يجعل طول العهد عديلًا للتنائي، بل جعلهما بمنزلة شيء واحد وعادل بينه وبين المال، فإن قيل: فقد قال ذو الرمة:
تقول عجوز مدرجي متروحًا .... على بابها من عند أهلي وغاديا
أذو ذوجة بالمصر أم ذو خصومة .... أراك لها بالبصرة العام ثاويا
فقلت لها: لا إن أهلي جيرةٌ .... لأكثبة الدهنا جميعًا وماليا
وما كنت مذ أبصرتني في خصومة .... أراجع فيها يا ابنة القوم قاضيا

فأجاب "بلا"، و"أم" لا تجاب "إلا" بالتعيين.
فالجواب: أن لا ليست جوابًا لسؤالها بل ردًا لما توهمته من وقوع أحد الأمرين ولهذا لم يكتف بقوله "لا" إذ كان ردًا لما توهمته لا لما تكلمت به، بل أجاب بالتعيين فقال: إن أهلي جيرة إلى آخر الأبيات.
وهي تأتي على وجهين متصلة ومنقطعة.
فأما المتصلة: فلها معنيان:
أحدهما: التسوية وهي العاطفة بعد "همزة" التسوية كقول الله سبحانه: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم}، وكقول زهير:
وما أدري وسوف إخالُ أدري .... أقومٌ آل حصنٍ أم نساء
وهذا النوع لا يستحق جوابًا لأنه خبر لا استفهام.
الثاني: الاستفهام، كأن تقول: أزيدٌ في الدار "أم" عمرو؟ تريد أيهما وهذا النوع يستحق الجواب؛ لأن الاستفهام طلب.
وإنما سميت في هذين النوعين متصلة لاتصال ما بعدها بما قبلها؛ إذ لا يستغني بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضًا المعادلة: لمعادلتها "الهمزة" في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني.

الوجه الثاني: أن تكون منقطعة، وسميت منقطعة لانقطاعها مما قبلها وما بعدها من الكلام قائم بنفسه، ولها ثلاثة معان:
أحدها: وهو ملازم لها لا يفارقها الإضراب وحده كبل، قال الفراء:يقول: هل لك قبلنا حق "أم" أنت رجل ظالم، يريدون: "بل" أنت.
ومنه قول الله سبحانه: {قل هل يستوي الأعمى والبصري أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه}، ولا يجوز أن تكون للاستفهام لأن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام، ومنه قول الشاعر:
فليت سليمى في المنام ضجيعتي .... هنالك أم في جنةٍ أم جهنم
إذ لا معنى للاستفهام هنا، وقول الآخر:
فوالله ما أدري أسلمى تغولت .... أم النور أم كل إلى حبيب
"أم" الثانية منقطعة معناها الإضراب والرجوع عن الأول أي: "بل" كل إليَّ حبيب
وأما قول الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ ....غلس الظلام من الرباب خيالًا
فيجوز أن تكون منقطعة ويجوز أن تكون متصلة والاستفهام مقدر والتقدير: أكذبت عينك.
الثاني: الإضراب مع الاستفهام الإنكاري كقوله تعالى: {أم له البنات ولكم البنون} تقديره "بل" أله البنات ولكم البنون، إذ لو قدر الإضراب المحض لزم المحال.
الثالث: الإضراب مع الاستفهام الحقيقي الطلبي كقولهم: إنها لأبل "أم" شاء، التقدير: "بل" أهي شاء، وكقول علقمة بن عبدة:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم .... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
التقدير: "بل" أحبلها مصروم إذ نأتك ثم أضرب بعد ذلك الإضراب المحض فقال:
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته .... إثر الأحبة يوم البين مشكوم
ذكر أبو زيد لها وجهًا آخر وهو الزيادة فقال: العرب تزيد "أم".
قال الشاعر: وهو ساعدة بن جوية:
يا ليت شعري ولا منجى من الهرم .... أم هل على العيش بعد الشيب من ندم
وقال آخر:
يا دهن أم ما كان مشيي رقصا .... بل قد تكون مشتي توقصا
وجعل منه أبو زيد قوله تعالى: {أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين}، معناه: أنا خيرٌ و"أم" زائد.
وكان سيبويه يقول في الآية: {أفلا تبصرون} "أم" تبصرون، وجعلها متصلة وكأنه أقام السبب مقام المسبب لأنهم إذا قالوا: أنت خير، كانوا عنده بصراء.
وأجاز بعضهم حذف معطوف "أم" دونها كما أجازوا حذفه معها.
قال الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره .... سميعٌ فما أدري أرشدٌ طلابها
تقديره: "أم" غي، فقال: {أفلا تبصرون أم} وجعل الوقف هنا وأن التقدير: "أم" تبصرون، ثم يبتدئ القارئ: {أنا خيرٌ}.
وأبطل هذا القول بأنه لم يسمع حذف معطوف بدون عاطفه، وإنما المعطوف جملة: أنا خير، كما ذكر سيبويه.
وقال بعضهم في الآية: إنها بمعنى "بل".
وأما قوله عز وجل: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}، فقيل معناه: أظننت يا محمد هذا عجبا، ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أهل الكهف، وقال آخرون: إن "أم" بمعنى "ألف" الاستفهام كما تقول: أحسبت وحسبت بمعنى علمت، ويكون الاستفهام في حسبت بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه: أعلمت أن زيدًا خرج، أي: أعلم أن زيدًا خرج، قال: فعلى هذا التدريج يكون تأويل الآية: اعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا.
و"لأم" وجه آخر وهو أن تكون أداة للتعريف في لغة اليمن نحو:«أمن أمبر امصيام في امسفر» ... قال الشاعر:
ذاك خليلي وذو يعاتبني ..... يرمي ورائي بامسهم وامسلمه).
[مصابيح المغاني: 122 - 134]


رد مع اقتباس