الموضوع: أمَّا وإمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 08:17 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

"أمَّا"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("أمَّا"
"أما" بالفتح والتّشديد وقد تبدل "ميمها" الأولى "ياء" استثقالا للتضعيف، كقول عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجلا أيّما إذا الشّمس عارضت ... فيضحى وأيّما بالعشي فيخصر
وهو حرف شرط وتفصيل وتوكيد، "أما" أنّها شرط فبدليل لزوم "الفاء" بعدها، نحو:{فأما الّذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الّذين كفروا فيقولون} الآية، ولو كانت "الفاء" للعطف لم تدخل على الخبر إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه، ولو كانت زائدة لصحّ الاستغناء عنها ولما لم يصح ذلك وقد امتنع كونها للعطف تعين أنّها "فاء" الجزاء، فإن قلت قد استغني عنها في قوله:
فأما القتال لا قتال لديكم ...
قلت هو ضرورة كقول عبد الرّحمن بن حسان:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ...
فإن قلت فقد حذفت في التّنزيل في قوله تعالى:{فأما الّذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} قلت الأصل، فيقال لهم أكفرتم؟ فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته "الفاء" في الحذف، ورب شيء يصح تبعا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره يصلّي عنه ركعتي الطّواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصّحيح هذا قول الجمهور، وزعم بعض المتأخّرين أن "فاء" جواب "أما" لا تحذف في غير الضّرورة أصلا، وأن الجواب في الآية {فذوقوا العذاب}، والأصل فيقال لهم ذوقوا فحذف القول، وانتقلت "الفاء" للمقول، وأن ما بينهما اعتراض، وكذا قال في آية الجاثية: {وأما الّذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} الآية قال أصله فيقال لهم "ألم" تكن آياتي؟ ثمّ حذف القول وتأخرت "الفاء" عن "الهمزة"،و"أما" التّفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة، ومن ذلك:{أما السّفينة فكانت لمساكين}،{وأما الغلام}،{وأما الجدار} الآيات، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم.
فالأول: نحو: {يا أيها النّاس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينًا فأما الّذين آمنوا باللّه واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل}، أي: و"أما" الّذين كفروا باللّه فلهم كذا وكذا.
والثّاني: نحو: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الّذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}، أي: و"أما" غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ويدل على ذلك: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}؛ أي :كل من المتشابه والمحكم من عند الله والإيمان بهما واجب، وكأنّه قيل و"أما" الراسخون في العلم فيقولون وهذه الآية في "أما" المفتوحة نظير قولك في "إمّا" المكسورة "إما" أن تنطق بخير و"إلّا" فاسكت، وسيأتي ذلك كذا ظهر لي، وعلى هذا فالوقف على {إلّا الله}، وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السّابقة فتأملها، وقد تأتي لغير تفصيل أصلا نحو: "أما" زيد فمنطلق، و"أما" التوكيد فقل من ذكره ولم أر من أحكم شرحه غير الزّمخشريّ، فإنّه قال فائدة "أما" في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذّهاب وأنه منه عزيمة، قلت: "أما" زيد فذاهب، ولذلك قال سيبويه في تفسيره مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التّفسير مدل بفائدتين بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشّرط انتهى.

ويفصل بين أما وبين الفاء بواحد من أمور ستّة:
أحدها: المبتدأ كالآيات السّابقة.
والثّاني: الخبر، نحو: "أما" في الدّار فزيد، وزعم الصفار أن الفصل به قليل.
والثّالث: جملة الشّرط، نحو: {فأما إن كان من المقربين فروح} الآيات.
والرّابع: اسم منصوب لفظا أو محلا بالجواب، نحو: {فأما اليتيم فلا تقهر} الآيات.
والخامس: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد "الفاء"، نحو: "أما" زيدا فاضربه، وقراءة بعضهم: {وأما ثمود فهديناهم} بالنّصب ويجب تقدير العامل بعد "الفاء"، وقبل ما دخلت عليه لأن "أما" نائبة عن الفعل فكأنّها فعل، والفعل لا يلي الفعل، و"أما" نحو زيد كان يفعل ففي كان ضمير فاصل في التّقدير، و"أما" ليس خلق الله مثله ففي ليس أيضا ضمير لكنه ضمير الشّأن والحديث، وإذا قيل بأن ليس حرف فلا إشكال، وكذا إذا قيل فعل يشبه الحرف، ولهذا أهملها بنو تميم إذ قالوا ليس الطّيب "إلّا" المسك بالرّفع.
والسّادس: ظرف معمول لـ "أما" لما فيها من معنى الفعل الّذي نابت عنه أو للفعل المحذوف، نحو: "أما" اليوم فإنّي ذاهب، و"أما" في الدّار فإن زيدا جالس، ولا يكون العامل ما بعد "الفاء"، لأن خبر "إن" لا يتقدّم عليها، فكذلك معموله هذا قول سيبويه والمازني والجمهور وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء، فجعلوا العامل نفس الخبر وتوسع الفراء فجوزه في بقيّة أخوات "إن"، فإن قلت "أما" اليوم فأنا جالس احتمل كون العامل "أما" وكونه الخبر لعدم المانع، وإن قلت "أما" زيدا فإنّي ضارب لم يجز أن يكون العامل واحدًا منهما، وامتنعت المسألة عند الجمهور لأن "أما" لا تنصب المفعول، ومعمول خبر "إن" لا يتقدّم عليها، وأجاز ذلك المبرد ومن وافقه على تقدير إعمال الخبر.

تنبيهان
الأول: أنه سمع "أما" العبيد فذو عبيد بالنّصب، و"أما" قريشًا فأنا أفضلها، وفيه عندي دليل على أمور.
أحدها: أنه لا يلزم أن يقدر مهما يكن من شيء، بل يجوز أن يقدر غيره ممّا يليق بالمحل، إذ التّقدير هنا مهما ذكرت وعلى ذلك يتخرّج قولهم "أما" العلم فعالم، و"أما" علما فعالم فهو أحسن ممّا قيل إنّه مفعول مطلق معمول لما بعد "الفاء"، أو مفعول لأجله إن كان معرفا وحال إن كان منكرا.
والثّاني: أن "أما" ليست العاملة، إذ لا يعمل الحرف في المفعول به.
والثّالث: أنه يجوز "أما" زيدا فإنّي أكرم على تقدير العمل للمحذوف.
التّنبيه الثّاني: أنه ليس من أقسام "أما" الّتي في قوله تعالى: {أم ماذا كنتم تعملون}، ولا الّتي في قول الشّاعر:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
بل هي فيهما كلمتان، فالتي في الآية هي "أم" المنقطعة و"ما" الاستفهامية، وأدغمت "الميم" في "الميم" للتماثل، والّتي في البيت هي "أن" المصدرية و"ما" المزيدة، والأصل لأن كنت فحذف الجار وكان للاختصار فانفصل الضّمير لعدم ما يتّصل به، وجيء بـ "ما" عوضا عن كان، وأدغمت "النّون" في "الميم" للتقارب). [مغني اللبيب: 1 / 351 - 376]

"إمّا"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("إمّا"
"إمّا" المكسورة المشدّدة قد تفتح "همزتها" وقد تبدل "ميمها" الأولى "ياء"، وهي مركبة عند سيبويه من "إن" و"ما"، وقد تحذف "ما" كقوله:
سقته الرواعد من صيف ... وإن من خريف فلن يعدما
أي: "إمّا" من صيف و"إمّا" من خريف، وقال المبرد والأصمعي: "إن" في هذا البيت شرطيّة، و"الفاء" "فاء" الجواب، والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرّيّ، وليس بشيء لأن المراد وصف هذا الوعل بالريّ على كل حال، ومع الشّرط لا يلزم ذلك وقال أبو عبيدة: "إن" في البيت زائدة، و"إمّا" عاطفة عند أكثرهم، أعني "إمّا" الثّانية في نحو قولك: جاءني "إمّا" زيد و"إمّا" عمرو، وزعم يونس والفارسي وابن كيسان أنّها غير عاطفة كالأولى، ووافقهم ابن مالك لملازمتها غالبا "الواو" العاطفة، ومن غير الغالب قوله:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيّما إلى جنّة أيّما إلى نار
وفيه شاهد ثان وهو فتح "الهمزة"، وثالث وهو الإبدال، ونقل ابن عصفور الإجماع على أن "إمّا" الثّانية غير عاطفة كالأولى، قال وإنّما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه، وزعم بعضهم أن "إمّا" عطفت الاسم على الاسم، و"الواو" عطفت "إمّا" على "إمّا"، وعطف الحرف على الحرف غريب، ولا خلاف أن "إمّا" الأولى غير عاطفة لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو: قام "إمّا" زيد و"إمّا" عمرو، وبين أحد معمولي العامل ومعموله الآخر في نحو: رأيت "إمّا" زيدا وإذا عمرا، وبين المبدل منه وبدله نحو قوله تعالى: {حتّى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا السّاعة} "فإن" ما بعد الأولى بدل ممّا قبلها.

و"لإما" خمسة معان:
أحدها: الشّك، نحو: جاءني "إمّا" زيد و"إمّا" عمرو، إذا لم تعلم الجائي منهما.
والثّاني: الإبهام، نحو: {وآخرون مرجون لأمر الله إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم}.
والثّالث: التّخيير، نحو: {إمّا أن تعذب وإمّا أن تتّخذ فيهم حسنا}،{إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أول من ألقى}، ووهم ابن الشجري فجعل من ذلك: {إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم}.
والرّابع: الإباحة، نحو تعلم "إمّا" فقها و"إمّا" نحوا، وجالس "إمّا" الحسن و"إمّا" ابن سيرين، ونازع في ثبوت هذا المعنى لـ "إمّا" جماعة مع إثباتهم إيّاه لـ "أو".
والخامس: التّفصيل، نحو: {إمّا شاكرا وإمّا كفورا}، وانتصابهما على هذا على الحال المقدرة، وأجاز الكوفيّون كون "إمّا" هذه هي "إن" الشّرطيّة و"ما" الزّائدة، قال مكي: ولا يجيز البصريون أن يلي الاسم أداة الشّرط حتّى يكون بعده فعل يفسره، نحو: {وإن امرأة خافت}، ورد عليه ابن الشجري بأن المضمر هنا "كان" فهو بمنزلة قوله:
قد قيل ذلك إن حقًا وإن كذبا ...
وهذه المعاني لـ "أو" كما سيأتي إلّا أن "إمّا" يبني الكلام معها من أول الأمر على ما جيء بها لأجله من شكّ وغيره، ولذلك وجب تكرارها في غير ندور، و"أو" يفتتح الكلام معها على الجزم ثمّ يطرأ الشّك أو غيره، ولهذا لم تتكرّر، وقد يستغني عن "إمّا" الثّانية بذكر ما يغني عنها نحو: "إمّا" أن تتكلّم بخير و"إلّا" فاسكت، وقول المثقب العبدي:
فإمّا أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثي من سميني
وإلّا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني
وقد يستغنى عن الأولى لفظا، كقوله:
سقته الرواعد من صيف ...
البيت وقد تقدم.
وقوله:
تلم بدار قد تقادم عهدها ... وإمّا بأموات ألم خيالها
أي: "إمّا" بدار، والفراء يقيسه، فيجيز زيد يقوم و"إمّا" يقعد، كما يجوز "أو" يقعد.

تنبيه
ليس من أقسام "إمّا" الّتي في قوله تعالى: {فإمّا ترين من البشر أحدا}، بل هذه "إن" الشّرطيّة و"ما" الزّائدة). [مغني اللبيب: 1 / 377 - 397]


رد مع اقتباس