عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1438هـ/9-09-2017م, 03:47 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "إن" المكسورة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "إن" المكسورة المشددة
اعلم أن لها في الكلام موضعين:
الموضع الأول: أن تكون للتوكيد في الجملة الاسمية وهي داخلةٌ على المبتدأ والخبر، فيصيرُ ما كان مبتدأ اسمًا لها فتنصبه، وما كان خبرًا خبرًا لها فترفعه.
وكان حقها وحق أمثالها من الحروف التي تعمل عملها أن تخفيض الاسم بعدها لأنها اختصت بالأسماء ولم تكن كجزءٍ منها، وكل ما اختص بالأسماء ولم يكن كجزء منها عمل فيها الخفض كحروف الجر، إلا أن "إن" وأخواتها أشبهت الأفعال المتعدية إلى مفعول به واحد من نحو: ضرب زيدٌ عمرًا، بكونها طلبت اسمين كطلبها لهما، وتضمنتهما كتضمنها، وإن اختلفا فيه، فعملت ذلك العمل لشبهها له فيما ذكر، إلا أنه تقدم المنصوب لازمٌ على المرفوع في بابها، تنبيهًا على أن عملها بحق الشبه لا بحق الأصل، ولم تتصرف تصرف الأفعال، فلا يجوز في معمولها تقدم آخرها على الأول ولا عليها لذلك.
فإذا ثبتت هذه المقدمة قد: أن أحكام تختص بها لابد من ذكرها:
فمنها: أنه لا يجوز حذف اسمها لأنه عمدة، مبتدأ في الأصل إلا إن كان ضمير شأن فيجوز حذفه في الشعر كقوله:
إن من يدخل الكنيسة يومًا .... يلق فيها جاذرًا وظباء
وتقديره: "إنه" من. وأما حذف خبرها فيجوز للدلالة عليه، كقوله:
ويقلن شيبٌ قد علا .... ك وقد كبرت فقلت: إنه
أي: "إنه" قد كان ذلك، [و] كقوله:
إن محلا وإن مرتحلا.... وإن في السفر ما مضى مهلا
أي: "إن" لنا محلا.
ومنها: أنه لا يصح أن تدخل على مبتدأ فيه معنى الاستفهام نحو: "من" القائم؟ أو معنى الشرط نحو: "من" يقم أقم إليه. أو كم الخبرية نحو: كم "من" قائم ذاهبٌ، أو "ما" التعجبية نحو "ما" أحسن زيدًا، وأخواتها المحتاجة إلى اسم وخبر مثلها في ذلك، وأما خبرها فلا يكون "كم" الخبرية كما ذُكر ولا جملة طلبية وهي التي لا تحتمل الصدق والكذب، فأما قول الشاعر:
.... .... .... .... .... إن الرياضة لا تنصبك للكذب
فعلى تقدير: يقال فيها، وحذفُ القول في كلام العرب والقرآن كثير، نحو قوله تعالى: {فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا، وما أصابك} أي: يقولون: "ما" أصابك، وقوله تعالى: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم}، أي: فيقال لهم: أكفرتم، ومواضعه في القرآن كثير.

ومنها: أنه يدخل في خبرها أو ما جرى مجراه "اللام" دون سائر أخواتها، إلا "لكن" لما يُبين في بابها، فتقول: "إن" زيدًا لقائمٌ وفي اسمها بشرط الفصل، نحو قوله تعالى: {إن في ذلك لآية} وفي الفصل المضمر الذي بين اسمها وخبرها نحو: "إن" زيدًا لهو القائم وقوله تعالى: {إنك لأنت الحليم الرشيد}، و{إن هذا لهو البلاءُ المبين}، وفي معمول خبرها شرط تقدمه على الخبر نحو: «"إن" زيدًا لفي الدار قائمٌ»، ومنه قول الشاعر:
إن امرأ خصني عمدا مودته .... على التنائي لعندي غير مكفور
ومنه قوله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}، وفي ما يحل محل الخبر من ظرفٍ ومجرور نحو قولك: "إن" زيدًا لفي الدار، و"إن" زيدًا لعندك، قال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}، وفي المضارع نحو: "إن" زيدًا ليقوم، وقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم}، والماضي الذي لا يتصرف، نحو: "إنك" لنعم الرجل والمتصرف بشرط "قد" نحو: "إن" زيدًا "لقد" قام، وإنما دخلت "اللام" في هذه المواضع مع "إن" المكسورة لتناسبها في التوكيد وفي عدم تغييرها للمبتدأ أو الخبر عن معنى الابتداء والخبر، إلا أنه لا يجتمعان متصلين إلا إن قلبت "همزة" "إن" "هاء" كقوله:
ألا يا سنا برقٍ على قُلل الحمى .... لهنك من برقٍ علي كريم
وإنما قدمت "اللام" على "إن" لأن "إن" عاملة و"اللام" غير عاملة فولي العامل معموله، فإذا تخيرت فُصل بينهما على نحو ما ذُكر لاجتماع حرفين مؤكدين.
ولا يصح قولُ من قال: إن "إن" مؤكدة للجملة و"اللام" مؤكدة للخبر لوجهين:

أحدهما: أن التوكيد سواءٌ كان بـ "إن" أو "اللام" إنما عدل هو للأخبار لأنها التي تقع بها الفائدة، وإنما وُضع الاسم للإسناد إليه،
والثاني: أن "اللام" قد تدخل في اسمها كما ذكر، فينبغي على هذا أن تكون مؤكدة للاسم خاصة، وهذا لا يصح.

ومنها: جواز الرفع في المعطوف على اسمها إذا كان بعد الخبر نحو: «"إن" زيدًا قائمٌ وعمروٌ»، وقوله تعالى: {إن الله بريءٌ من المشركين ورسولُه} على قراءة من قرأ بكسر "إن" ورفع «رسوله» خارج السبعة، وإنما ذلك لكونها مع اسمها في موضع مبتدأ إذ لم تغير معناه وإن كانت ناصبة، فإذا قال القائل: "إن" زيدًا قائمٌ وعمروٌ فهو في تقدير: زيدٌ قائمٌ وعمروٌ، ولابد، ولا يُنكر هذا العطف فإنه قد جاء بعد خبرها وخبر ليس على الموضع بالنصب كقوله:
.... .... .... .... .... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وكقوله:
لعمرك ما قلبي إلى أهله بحر..... ولا مقصر يومًا فيأتيني بقر
برفع «مقصر» ونصبه وخفضه، فالرفع عطفًا على موضع «بحر» على مذهب بني تميم، والنصب عطفًا على موضعه على مذهب أهل الحجاز، والخفض [عطفًا] على اللفظ، ومثل ذلك النعت على الموضوع في باب النداء وغيره إذا كانت "من" زائدة نحو قوله تعالى: {ما لكم من إلهٍ غيره} برفع «غير» على موضع «إله» لأنه مبتدأ في الأصل، و"من" زائدة، و"لكن" تجري مجرى "إن" فيما ذكر.

ومنها: أنه يجوز فيها التخفيف، وقد ذُكر حكمها إذا كانت كذلك.

ومنها: أنه يجوز اتصال "نون" الوقاية بها، لأنها أشبهت الفعل في فتح آخرها فحوفظ على فتحه، فإن وجدت دون "نون" الوقاية، "فالنون" الأصلية محذوفة لاجتماع "النونين" المتحركتين، ودلت "نون" الوقاية عليها، ولا تقول: إنها المحذوفة لأنها وضعت لمعنى هو باقٍ، فكان ينبغي أن تبقى معه كقوله تعالى: {إني أنا ربك فاخلع نعليك}.
وإذا لحقتها "ما" فتقول: "إنما"، وتدخل على الجملة الاسمية، فبعضهم يجعلها كافةً فيرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر وهو المسموع، نحو قولك: "إنما" زيدٌ قائمٌ، وقال تعالى: {إنما الله إلهٌ واحدٌ}، وبعضهم يُعملها كعلمها دون "ما"، فتكون "ما" زائدةً غير مؤثرة، فتقول: "إنما" زيدًا قائمٌ، قياسًا على «ليت» فإنه قد سُمع نصب ما بعدها ومعها "ما"، وترك العمل، وستأتي في بابها.
والصحيح أنها لا تعمل بحكم السماع كما ذكر، وبحكم القياس لأنها لا تختص بجملة اسمية ولا فعلية إذ تقول: "إنما" زيدٌ قائم، و"إنما" يقوم زيد، ولا يعمل إلا ما يختص، وهذا أصلٌ مبني عليه كثيرٌ من أبواب العربية، وقد مضى منه شيء وسيردُ عليك شيء منه إن شاء الله.
ومعنى "إنما" في كلام العرب الحصر والتخصيص بأحد الخبرين، فإذا قال قائل: قام زيدٌ وعمروٌ، فتقول: "إنما" عمروٌ القائم، و"إنما" قام عمرو، ومن كلامهم: "إنما" الكريم يوسف، ويعبر عنها بعض الأصوليين أنها لتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل، وهذا راجعٌ إلى المعنى الذي ذكرتُ لك من الحصر والتخصيص، وتسمى عند النحويين حرف ابتداء، إذ الأسماء بعدها مبتدأٌ لا غيرُ، وحكمها في الحصر والاختصاص حكم "إلا" وكذلك في حكم تأخير الفعل وتقديمه على الوجوب في باب الفاعل والمفعول، نحو: "إنما" ضرب زيدًا وعمروٌ، و"إنما" ضرب عمروٌ زيدًا.

الموضع الثاني: أن تكون جوابًا بمعنى "نعم" فتقع بعد الطلب والخبر، فإذا قال القائل: اضرب زيدًا فتقول: "إنه"، أي: "نعم"، وتقول: قام زيد، فتقول: "إنه"، أي: "نعم"، قال الشاعر:
وقائلة: أسيت فقلت جير .... أسي إنني من ذاك إنه.
أي:"نعم"، و"الهاء" للوقف، وقال الراد حين قال القائل: «لعن الله ناقة حملتني إليك»: "إن" وراكبها، أي: "نعم"، ولعن راكبها، وأما قول الآخر:
ويقلن شيبٌ قد علاك ....ك وقد كبرت فقلت: إنه
فيحتمل أن تكون فيه بمعنى "نعم" ويحتمل أن تكون على مواضعها الأولى، والها ضمير اسمها والخبر محذوفٌأي: كان ما تقلن، كما حذف الآخر «كان» أو «ذهب» في قوله:
.... .... .... .... .... فسوف تصادفه أينما
والآخر «زالت» في قوله:
.... .... .... .... ....لما تزل برحالنا وكأن قد).
[رصف المباني: 118 - 125]

باب "أنَّ" المفتوحة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "أنَّ" المفتوحة المشددة
اعلم أن لها في الكلام موضعين:
الموضع الأول: أن تكون للتوكيد كالمكسورة المشدة المذكورة قبل هذا، والكلام عليها في دخولها على المبتدأ والخبر ونصب الأول اسمًا لها ورفع الثاني خبرًا لها كالكلام على "إن" المكسورة المذكورة، لا فرق بينهما في ذلك ولا على ما تدخل عليه من المبتدأات والأخبار التي ذكرت في بابها، فتقول: علمت "أن" زيدًا قائمٌ، كما تقول: "إنه" زيدًا قائمٌ.
وأحكامها في العمل بالتشبيه وغيره واحدةٌ كما ذكر، إلا أن الفرق بينهما "أن" هذه مفتوحة وتلك مكسورة، وأن هذه أبدًا تكون في موضع اسم مفرد معمولٍ لغيره، نحو: «أعجبني "أنك" قائم وكرهت "أنك" خارج»، و«عجبت من "أن" ذاهبٌ»، التقدير: أعجبني قيامك، وكرهت خروجك، وعجبت من ذهابك، وأن "إن" المكسورة تكون في موضع المبتدأ وخبره، حيث وقعا أول الكلام، أو أثناءه.
وعدّد لها بعض النحويين مواضع وزاد فيها بعضهم على بعضٍ، منها ابتداء الكلام، نحو: "إن" زيدًا منطلق، ومنها بعد القسم، نحو: والله "إن" زيدًا قائم، ومنها إذا كان [في] خبرها "اللام" نحو: علمتُ "أن" زيدًا منطلق، ومنها بعد القسم، نحو: والله "إن" زيدًا قائم، ومنها إذا كان [في] خبرها "اللام" نحو: علمت "إن" زيدًا لمنطلقٌ ومنها: بعد القول المجرد من معنى الظن وعمله، نحو: قال زيدٌ "إن" عمرًا منطلقٌ، ومنها بعد "ألا" الاستفتاحية، نحو: "ألا" "إن" زيدًا قائم، ومنها بعد "ثم" نحو: قمت "ثم" "إنك" تقعد، ومنها بعد "حتى" نحو: قمت "حتى" "إنك" منطلقٌ، ولا معنى لتحديد هذه المواضع؛ لأن كل واحدٍ منها يصلح للمبتدأ والخبر فيه، فذلك يجمعها.
والكلام يُتصور فيه للمكسورة "الهمزة" تارةً والمفتوحة تارةً، ولهما فيه تارة بحسب صلاح المفرد أو الجملة أو صلاحهما، وبعضهم حصر مواضعها بأن قال: ما صلح في موضعها الاسم والفعل معًا فهي مكسورةٌ فيه، وما صلح فيه الاسم لا غير أو الفعل لا غير فهي مفتوحةٌ، احترازًا من "لولا"، و"لو" فإن "إن" مفتوحةٌ بعدها، و"لولا" يليها الاسم لا غير، و"لو" يليها الفعل لا غير.
وليس الأمر كذلك، وإنما ولي "لولا" "أن" المفتوحة لأن "لا" في موضع الفعل، وذلك الاسم يرتفع به فهي على موضعها من حلولها موضع الاسم المفرد المعمول لا في موضع المبتدأ والخبر على ما زعموا، لما يذكر في بابها، وإنما ولي "لو" "أن" المفتوحة المذكورة لأن الفعل مقدرٌ بعدها فهو مرفوعٌ به مفرد معمول له حلت محله، فإذا قلت «"لو" "أن" زيدًا قائم لأكرمتك»، فالتقدير: لو صح أو ثبت، فإن هذا الفعل قد حذف اختصارًا لطلبها له وفاعله بعده،
ومنه قول بعضهم: «"لو" ذات سرارٍ لطمتني»: أي: "لو" لطمتني، وعليه قوله تعالى: {لو أن الله هداني لكنت من المتقين}، ولما كانت "لو" طالبةً للفعل جاز تقديره بعدها. و "أن" هذه لا يُعطف على موضعها مع اسمها في نحو: علمتُ "أن" زيدًا قائم وعمروٍ «وتلك» يُعطف على موضعها مع اسمها وإنما ذلك لأن "إن" المكسورة مع اسمها في موضع مبتدأ والمفتوحة مع اسمها وخبرها في موضع اسمٍ مفردٍ معمولٍ كما ذكرنا.
و "أن" هذه إذا خُففت لا تعمل [إلا] في ضمير الأمر والشأن إلا في الضرورة، كما ذكر في بابها، والمكسورة المشددة ليست كذلك.
و "أن" هذه إذا خففت تدخل على غير الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر بشرط الفصل كما ذكر في بابها، والمكسورة ليست كذلك.

الموضع الثاني: أن تكون بمعنى "لعل" كقولك: قمتُ لأنك تكرمني، أي: "لعلك" تكرمني، قال الله تعالى: {وما يشعركم} أنها إذا جاءت لا {يؤمنون}، وقال الشاعر:
عوجا على الطلل المحيل لأننا..... نبكي الديار كما بكى ابن حذام
أي: "لعنا"). [رصف المباني: 125 - 127]


رد مع اقتباس