الموضوع: كَلَّا
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 12:34 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("كلا"
"كلا": مركبة عند ثعلب من "كاف" التّشبيه و"لا" النافية، قال: وإنّما شددت "لامها" لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين، وعند غيره هي بسيطة، وهي عند سيبويه، والخليل، والمبرد، والزجاج، وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر لا معنى لها عندهم إلّا ذلك، حتّى إنّهم يجيزون أبدا الوقف عليها والابتداء بما بعدها، وحتّى قال جماعة منهم متى سمعت "كلا" في سورة فاحكم بأنّها مكّيّة؛ لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكّة؛ لأن أكثر العتو كان بها وفيه نظر؛ لأن لزوم المكية إنّما يكون عن اختصاص العتو بها، لا عن غلبته، ثمّ لا تمتنع الإشارة إلى عتو سابق، ثمّ لا يظهر معنى الزّجر في "كلا" المسبوقة بنحو: {في أي صورة ما شاء ركبك}، {يوم يقوم النّاس لرب العالمين}،{ثمّ إن علينا بيانه}.
وقولهم المعنى انته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة ما شاء الله وبالبعث وعن العجلة بالقرآن، تعسف إذ لم يتقدّم في الأوّلين حكاية نفي ذلك عن أحد، ولطول الفصل في الثّالثة بين "كلا" وذكر العجلة، وأيضًا فإن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق، ثمّ نزل {كلا إن الإنسان ليطغى}، فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التّنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا كلها في النّصف الأخير.
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها، فزادوا فيها معنى ثانيًا يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها، ثمّ اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال:
أحدها: للكسائي ومتابعيه قالوا: تكون بمعنى "حقًا".
والثّاني: لأبي حاتم ومتابعيه قالوا: تكون بمعنى "ألا" الاستفتاحية.
والثّالث: للنضر ابن شميل والفراء ومن وافقهما قالوا: تكون حرف جواب بمنزلة "إي" و"نعم" وحملوا عليه {كلا والقمر}، فقالوا معناه: "إي" والقمر.
وقول أبي حاتم عندي أولى من قولهما؛ لأنّه أكثر اطرادا، فإن قول النّضر لا يتأتّى في آيتي المؤمنين والشعراء على ما سيأتي، وقول الكسائي لا يتأتّى في نحو: {كلا إن كتاب الأبرار}،{كلا إن كتاب الفجار}،{كلا إنّهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون}؛ لأن "أن" تكسر بعد "ألا" الاستفتاحية ،ولا تكسر بعد "حقًا"، ولا بعد ما كان بمعناها؛ ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم.
وأما قول مكي إن "كلا" على رأي الكسائي اسم إذا كانت بمعنى "حقًا" فبعيد؛ لأن اشتراك اللّفظ بين الاسمية والحرفية قليل، ومخالف للأصل، ومحوج لتكلف دعوى علّة لبنائها، وإلّا فلم "لا" نونت.
وإذا صلح الموضع للردع ولغيره جاز الوقف عليها، والابتداء بها على اختلاف التّقديرين، والأرجح حملها على الردع؛ لأنّه الغالب فيها، وذلك نحو: {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرّحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول}،{واتّخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم}، وقد تتعيّن للردع أو الاستفتاح، نحو: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنّها كلمة}،؛ لأنّها لو كانت بمعنى "حقًا" لما كسرت همزة "إن"، ولو كانت بمعنى "نعم" لكانت للوعد بالرّجوع؛ لأنّها بعد الطّلب كما يقال: أكرم فلانا، فتقول: "نعم"، ونحو: {قال أصحاب موسى إنّا لمدركون قال كلا إن معي ربّي سيهدين}، وذلك لكسر "إن"؛ ولأن "نعم" بعد الخبر للتصديق، وقد يمتنع كونها للزجر نحو: {وما هي إلّا ذكرى للبشر كلا والقمر} إذ ليس قبلها ما يصح رده.
وقول الطّبريّ وجماعة إنّه لما نزل عدد خزنة جهنّم {عليها تسعة عشر} قال بعضهم: أكفوني اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر، فنزل {كلا} زجرا له قول متعسف؛ لأن الآية لم تتضمّن ذلك.

تنبيه
قرئ {كلا سيكفرون بعبادتهم} بالتّنوين إمّا على أنه مصدر كل إذا أعيا، أي: كلوا في دعواهم وانقطعوا، أو من الكل، وهو الثّقل، أي: حملوا "كلا"، وجوز الزّمخشريّ كونه حرف الردع ونون كما في {سلاسلا}، ورده أبو حيّان بأن ذلك إنّما صحّ في {سلاسلا}؛ لأنّه اسم أصله التّنوين فرجع به إلى أصله للتناسب، أو على لغة من يصرف مالا ينصرف مطلقًا، أو بشرط كونه مفاعل أو مفاعيل انتهى.
وليس التّوجيه منحصرا عند الزّمخشريّ في ذلك، بل جوز كون التّنوين بدلا من حرف الإطلاق المزيد في رأس الآية، ثمّ إنّه وصل بنية الوقف وجزم بهذا الوجه في {قواريرا}، وفي قراءة بعضهم {واللّيل إذا يسر}، بالتّنوين وهذه القراءة مصححة لتأويلة في"كلا" إذ الفعل ليس أصله التّنوين). [مغني اللبيب: 3 / 60 - 71]


رد مع اقتباس