الموضوع: كيف
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:36 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("كيف"
"كيف": ويقال فيها "كي"، كما يقال في "سوف" "سو" قال:
(كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم)
وهو اسم لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم: على "كيف" تبيع الأحمرين، ولإبدال الاسم الصّريح منه، نحو: "كيف" أنت أصحيح أم سقيم؟ وللإخبار به مع مباشرته الفعل، في نحو: "كيف" كنت؟
فبالإخبار به انتفت الحرفية وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية.
وتستعمل على وجهين:
أحدهما: أن تكون شرطا، فتقتضي فعلين متفقي اللّفظ والمعنى غير مجزومين، نحو:"كيف" تصنع أصنع ولا يجوز، "كيف" تجلس
أذهب باتّفاق، ولا"كيف" تجلس أجلس بالجزم عند البصريين إلّا قطربا؛ لمخالفتها لأدوات الشّرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مر، وقيل يجوز مطلقًا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون وقيل يجوز بشرط اقترانها "بما"، قالوا ومن ورودها شرطا {ينفق كيف يشاء}،{يصوركم في الأرحام كيف يشاء}،{فيبسطه في السّماء كيف يشاء}، وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها، وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها.
والثّاني: وهو الغالب فيها:
أن تكون استفهاما، إمّا حقيقيًّا، نحو: "كيف" زيد؟ أو غيره نحو: {كيف تكفرون باللّه} الآية، فإنّه أخرج مخرج التّعجّب.
وتقع خبرا قبل ما لا يستغني، نحو: "كيف" أنت؟ وكيف كنت، ومنه و"كيف" ظننت زيدا، و"كيف" أعلمته فرسك؛ لأن ثاني مفعولي ظن، وثالث مفعولات أعلم خبران في الأصل.
وحالا قبل ما يستغني، نحو: "كيف" جاء زيد، أي: على أي حالة جاء زيد، وعندي أنّها تأتي في هذا النّوع مفعولا مطلقًا أيضا، وأن منه {كيف فعل ربك}، إذ المعنى أي فعل فعل ربك.
ولا يتّجه فيه أن يكون حالا من الفاعل، ومثله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}، أي: "فكيف" "إذا" جئنا من كل أمة بشهيد يصنعون، ثمّ حذف عاملها مؤخرا عنها وعن "إذا" كذا قيل، والأظهر أن يقدر بين "كيف" و"إذا"، وتقدر
"إذا" خالية عن معنى الشّرط.
وأما (كيف وإن يظهروا عليكم)، فالمعنى "كيف" يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا، "فكيف" حال من عهد، إمّا على أن يكون تامّة أو ناقصة، وقلنا بدلالتها على الحدث، وجملة الشّرط حال من ضمير الجمع.
وعن سيبويه أن "كيف" ظرف، وعن السرافي والأخفش أنّها اسم غير ظرف، ورتبوا على هذا الخلاف أمورا:
أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ نصب مع غيره.
الثّاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال، أو على أي حال، وعندهما تقديرها، في نحو: "كيف" زيد، أصحيح زيد، ونحوه، وفي نحو: "كيف" جاء زيد، أراكبا جاء زيد ونحوه.
الثّالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير ونحوه، ولهذا قال رؤية، وقد قيل له "كيف" أصبحت خير عافاك الله، أي: على خير، فحذف الجار، وأبقى عمله، فإن أجيب على المعنى دون اللّفظ قيل صحيح أو سقيم، وعندهما على العكس، وقال ابن مالك ما معناه لم يقل أحد إن "كيف" ظرف إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامّة سميت ظرفا؛ لأنّها في تأويل الجار والمجرور واسم الظّرف يطلق عليهما مجازًا انتهى وهو حسن، ويؤيّده الإجماع على أنه يقال في البدل "كيف" أنت أصحيح أم سقيم بالرّفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب.

تنبيه
قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}، لا تكون "كيف" بدلا من الإبل؛ لأن دخول الجار على "كيف" شاذ، على أنه لم يسمع في "إلى"، بل في "على"؛ ولأن "إلى" متعلقة بما قبلها، فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه؛ ولأن الجملة الّتي بعدها تصير حينئذٍ غير مرتبطة، وإنّما هي منصوبة بما بعدها على الحال، وفعل النّظر معلّق، وهي وما بعدها بدل من الإبل بدل اشتمال، والمعنى إلى الإبل كيفيّة خلقها، ومثله: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}، ومثلهما في إبدال جملة فيها "كيف" من اسم مفرد، قوله:
(إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان)
أي: أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.

مسألة
زعم قوم أن "كيف" تأتي عاطفة، وممّن زعم ذلك عيسى بن موهب ذكره في كتاب العلل، وأنشد عليه:
(إذا قل مال المرء لانت قناته ... وهان على الأدنى فكيف الأباعد)
وهذا خطأ لاقترانها "بالفاء"، وإنّما هي هنا اسم مرفوع المحل على الخبرية، ثمّ يحتمل أن الأباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي: "فكيف" حال الأباعد، فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز {والله يريد الآخرة}، أو بتقدير "فكيف" الهوان على الأباعد، فحذف المبتدأ والجار، أو بالعطف "بالفاء"، ثمّ أقحمت "كيف" بين العاطف والمعطوف؛ لإفادة الأولويّة بالحكم). [مغني اللبيب: 3 / 132 - 145]


رد مع اقتباس