الموضوع: لا
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 07:57 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "اللام" المركبة
باب "لا"
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "اللام" المركبة
اعلم أن "اللام" تتركب مع "الألف": "لا"، ومع "الألف" و"الكاف" و"النون" خفيفة: "لكن"، [و] شديدة: "لكن"، ومع "الميم": "لم"، ومع "الميم" المشددة و"الألف" "لما"، ومع "النون": "لن"، ومع "الواو": "لو"، ومعها ومع "الميم" و"الألف": "لوما"، ومع "الألف" و"اللام": "لولا"، ومع "الياء" و"التاء": "ليت"، ومع "الياء" و"السين": "ليس"، فجملة ذلك أحد عشر حرفًا.

باب "لا"
اعلم أن لها في كلام العرب أربعة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون حرفًا نافيًا، وتنقسم في النفي قسمين: قسمٌ عاطفة وقسمٌ غير عاطفةٍ.
القسم العاطفة: هي التي ترد الاسم على الاسم، والفعل على الفعل، فتدخل بينهما مشركة في اللفظ من رفع ونصب وخفض وجزم، واسمية وفعلية، وتخالفُ بينهما في المعنى لأنها تُخرج ما بعدها من أن يدخل في حكم ما قبلها من إثبات الفعل، نحو: قام زيدٌ "لا" عمروٌ، ورأيت زيدًا
"لا" عمرًا، ومررتُ بزيدٍ "لا" عمروٍ، وليقم زيدٌ "لا" يقعد، ويقومُ زيد "لا" يقعد، وأعجبني أن تقوم "لا" تقعد، قال الشاعر:
فإن تنأ عنها حِقبةً لا تُلاقها ..... فإنك مما أحدثت بالمجرب
ومن شرط هذه العاطفة: ألا يكون قبلها نفي لئلا يفسد معناها إذ هي للنفي، وألا تعطف ماضيًا من الأفعال على ماضٍ يلتبس الخبرُ بالطلب لا تقول: قام زيدٌ "لا" قعد.
القسم غير العاطفة: تنقسمُ قسمين: قسمٌ داخلٌ على الأفعال، وقسمٌ داخلٌ على الأسماء.
فأما القسمُ الداخلُ على الأفعال فلا تدخل عليها غالبًا إلا مضارعةً فتخلصها للاستقبال، نحو قولك:
"لا" يقومُ زيدٌ و"لا" يقوم عمروٌ، وكأنها جوابٌ سيقوم أو سوف يقوم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ}.
وتلزم في القسم جوابًا له، وربما حُذفت للدلالة في القسم، إذ جواب القسم في الإيجاب "باللام" و"النون"، فيقال: «تالله
"لا" يقوم زيدٌ»، قال الله تعالى: {تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: "لا" تفتأ، لأنه الأصل، قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}، وقال: {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}.
وقد تكرر
"لا" هذه قبل القسم توطئة للجواب، كقول: «"لا" والله "لا" يقوم زيدٌ»، قال الشاعر:
فحالف فلا والله تهبط تعلة ..... من الأرض إلا أنت للذل عارف
و "لا" محذوفة من الجواب، أي: "لا" تهبط، لا على التقديم والتأخير كما زعم بعضهم، لأن التي للتوطئة ثانيةٌ مع التي للجواب، ألا ترى قول الشاعر:
فلا والله لا يُلغى لما بي ..... .... .... .... ....
وقد تدخل "لا" النافية على الماضي قليلًا، قال الله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}؛ لأنه في معنى: "فما" صدَّق و"ما" صلَّى، وقال: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}، أي: "ما" اقتحم، وقال الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جمًا ..... وأي عبدٍ لك لا ألما
أي: "ما" ألما، وربما حذفت الجملة الفعلية بعدها في الجواب لدلالة السؤال عليها فتنوب مناب الجملة، فتكون كلامًا بذلك، كقولك في جواب هل قام زيدٌ؟ "لا"، أي: "ما" قام، وفي جواب هل يقوم زيد؟ "لا"، أي: "لا" يقوم، ومنه قولُ ذي الرمة:
فقلتُ لها: لا إن أهلي جيرةٌ ..... .... .... .... ....
وقد تقدم البيتان له في باب "أم"، و"لا" هذه في الجواب نقيضة "نعم" وستبين في بابها.
وربما نابت
"لا" النافية مناب كلامٍ متقدمٍ عليها تقتضي نفيه مقدرًا، لدلالة ما بعده عليه: كقولك "لا" أقومُ، في جواب من قدر قد يقول لك: تقوم، فهي جوابٌ ورد، ومن ذلك قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، و{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}، كأنها رد لمن قال: "لا" تجتمع عظام الإنسان و"لا" تخلق مرةً ثانية، ولمن قال: "لا" يُخلق الإنسان في كبد، وكأن المعنى: ليس كما تقولون، ثم أقسم بعد ذلك. وهو أولى من أن تجعل "لا" زائدةً في أول الكلام، إذ الزيادة مع التقديم متناقضان، إذ لا يُقدم لفظٌ بابه التأخير إلا اعتناء به واعتمادًا عليه، ولا خفاء بتناقض هذا مع إرادة زواله، فاعلم ذلك.
وأما القسم الداخل على الاسماء فمنه ما يدخل على المعارف ومنه ما يدخل على النكرات.
فأما ما يدخل على المعارف فلا تؤثر فيها لأنها غير مختصة بها ويلزم تكريرها نحو قولك:
"لا" يزدٌ في الدار و"لا" عمروٌ، و"لا" عبدُ الله ذاهبٌ و"لا" أخوه خارجٌ، قال الله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
وربما بنى الشاعر المعرفة معها لأنها في معنى النكرة، كقوله:
لا هيثم الليلة للمطي ..... .... .... .... ....
أي: "لا" رجل يتسمى بهيثم فهو في معنى النكرة، وأما قول الآخر:
أرى الحاجات عند أبي خُبيبٍ ..... نكدن ولا أميةَ للبلاد
فإن ما دخلت عليه "لا" محذوف للعلم به، وأقيم «أمية» مُقامه، كأنه: «و"لا" مثل أمية للبلاد»، ولا يُقاس على ذلك.
ومن العرب من ينصب المعرفة بعدها في قولهم: «
"لا" نولك أن تفعل»، لأن ذلك في معنى: "لا" ينبغي لك أن تفعل، قال الشاعر:
فلم يك نولكم أن تقذعوني ..... ودوني غاربٌ وبلادُ حجر
أي: "فلم" يك ينبغي لكم، فكأنها دخلت على الفعل، ولا يُقاس على ذلك.
وقد جاءت المعرفة بعدها غير مكررةٍ ضرورةً، قال الشاعر:
بكت حزنًا فاسترجعت ثم آذنت ..... ركائبها ألا إلينا رجوعها
وأما ما يدخل على النكرات فلا يخلو أن تدخل على مضافٍ ومضافٍ إليه، أو مشبهٍ بهما، أو لا تدخل، فإن دخلت فالعربُ في الكلام فيها طائفتان: منهم من يشبهها بـ "إن" فينصب بها اسمًا ويرفع خبرًا، حملًا للنقيض على النقيض، إذ "إن" موجبة [و] "لا" نافيةٌ، فتقول: «"لا" غلام» رجلٍ أفضل منك، و«"لا" خيرًا من زيدٍ خيرٌ منك»، كما تقول: "إن" غلام الرجل أفضلُ منك، و"إن" خيرًا منك خيرٌ من زيد.
ومنهم من يُشبهها بـ
"ليس" فيرفع بعدها الاسم وينصب الخبر إذ هي مثلها، وداخلة على الجمل الاسمية مثلها، إلا أنهم لا يفعلون ذلك إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يتقدم الخبر والآخر: أن لا تدخل عليه "إلا"، فإن كان واحدق من ذينك ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، وساغ الابتداءُ بالنكرة لتقدم حرف النفي، فتقول: "لا" غلام رجلٍ أفضل منك، و"لا" خيرٌ من زيدٍ خيرًا منك، كما تقول: «"ليس" غلامق زيدٍ أفضل منك و"ليس" خيرٌ من زيدٍ خيرًا منك»، «فإن قلت»: "لا" أفضل منك غلام رجلٍ و"لا" خيرٌ منك خيرٌ من زيدٍ، و"لا" غلام رجل إلا أفضلُ منك و"لا" خيرٌ منك إلا خيرٌ من زيدٍ، رفعت لضعف التشبيه بـ "ليس" إذ هي فعلٌ و"لا" حرف.
وفي هذه اللغة تدخل
"التاء" على "لا" فتقول: "لات" الحين من قيام كما قال تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، واسمها في الآية مضمرٌ دل عليه الخبر، كأنه قال: "لات" الحين، ويجوز أن ترفع الحين بعدها، وتحذف الخبر للدلالة أيضًا.
ومن العرب من يخفض بها الحين أو ما في معناه منبهة على الأصل من الخفض، إذ ما يختص باسمٍ ولا يكون كجزءٍ منه أصله أن يعمل فيه الجر، قال الشاعر:
طلبوا صُلحنا ولات أوانٍ ..... فأجبنا أن لات حين بقاء
وقال آخر:
فلما علمت أنني قد قتلته ..... ندمتُ عليه، لات ساعة مندم
قال أبو عبيدة: "لات" أصلها: "لا" وزيدت "التاء" للوقف، فقيل: "لات"، ثم أُجري الوقف مجرى الوصل فأثبتت وحكم لها بحكم "هاء" التأنيث، والصحيح أن "التاء" حرف تأنيثٍ للفظه، كمثلها في: رُبت ونُمت، وما ذكر أبو عبيدة متكلفٌ.
فإن دخلت على نكرةٍ غير مضافةٍ ولا مشبهةٍ بالمضاف فلا يخلو أن يُراد النفي الخاص أو النفي العام، فإن أريد النفي الخاصُّ ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، نحو:
"لا" رجلٌ في الدار و"لا" امرأةٌ، قال الله تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} على قراءة من رفع البيع والخلة والشفاعة، وكذلك قوله تعالى: {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} على قراءة من رفع «اللغو والتأثيم».
فإن أريد النفي العام فلا يخلو أن يُفصل بين
"لا" وما تدخل عليه أو لا يُفصل، فإن فُصل ارتفع بالابتداء والخبر ولزوم التكرار لها، كقولك: "لا" في الدار رجلٌ، و"لا" لك مالٌ، قال الله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ}.
وإن لم يُفصل فلا يخلو أن يكون لما بعدها عاملٌ مقدرٌ أو لا يكون، فإن كان بقي على عمله فيما عبدها، كقولك في غير معنى الدعاء: «
"لا" أهلًا و"لا" رحبًا»، فإن [قصدت] معنى الدعاء خرجت عن الباب من النفي.
فإن لم يكن له عاملٌ مقدر بُني على الفتح، وجاز أن تكرر تارة، كقولك:
"لا" رجل في الدار و"لا" امرأة، وعليه قوله تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} و{لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} على قراءة من فتح ما بعد "لا"، وألا تُكرر أخرى، كقوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}، وإنما بُني معها لأنه افتقر إلى "من" مقدرةٍ قبله، لأن النفي العام يكون بها، فالتقدير: "لا" "من" رجلٍ في الدار، لأنه كالجواب لمن قال: هل "من" رجل في الدار، فلما حُذفت "من" وتضمنها ما بعدها بُني لذلك، لأنه ما يتضمن معنى حرفٍ يُبنى، ما لم يمنعه من ذلك مانع، وبني ما بعدها على حركةٍ، لأن له أصلًا في التمكن، إذ هو مُعربٌ في الأصل، وكانت الحركة فتحةً إذ هي أخف الحركات، ومن يقول: إن هذا الاسم منصوبٌ بغير تنوينٍ فخارجٌ عن قوانين العربية.
وهذه الفتحة في هذا المبني تجري مجرى حركات الإعراب في الاطراد، ولذلك جاز أن يُتبع بمنصوبٍ، ألا ترى أنك تقول: كل نكرةٍ دخلت عليه
"لا" على الشروط المذكورة فهو مفتوحٌ، كما تقول: كل مفعولٍ منصوبٌ، ومثل ذلك حركة المنادى المفرد، نحو: "يا" زيدُ، لأنك تقول: كُل منادى مفردٍ مبنيٌ على الضم، كما تقول: كل فاعلٍ مرفوعٌ، فلذلك أُتبع بمرفوع، نحو: "يا" زيدُ الظريف، وأما
الكسرة نحو: «هؤلاء» فلا تطردُ، إذ لا يُقال: كل كـ
"ذا" مبنيٌ على الكسر، فلذلك لا تتبع بمخفوضٍ، فيقال: جاءني هؤلاء العقلاء.
ولك أن تقول في تبعية المبني مع
"لا" بالنصب إنه على الموضع، إذ اسمُ "لا" منصوبٌ تشبيهًا له بـ "إن" كما تقدم في المضاف والمشبه به.
واعلم أنه إذا كان هذا الاسم المبني مع
"لا" مثنى أو مجموعًا جمع سلامةٍ لمذكرٍ أو لمؤنثٍ، فإن لفظه كلفظ المنصوب في غير هذا الباب فتقول: "لا" غلامين لك و"لا" صالحين في الدار و"لا" صالحات في المسجد، ويجوز حذف "النون" في التثنية والجمع المذكر المذكور على تقدير الإضافة لما بعد "لام" الجر، كقولك: «"لا" غلامي لك و"لا" صالحي لزيد» على أن تكون "اللام" مقحمة، وقد تقدَّم ذلك في باب "اللام".
واعلم أن الخبر في هذا الفصل إن كان ظرفًا أو مجرورًا فالعرب كلهم ينطقون به، وإن كان ظاهرًا اسمًا فلا ينطق به بنو تميم أصلًا، ويقدرونه مرفوعًا، فيقولون:
"لا" بأس، وأهل الحجاز يظهرونه مرفوعًا، فيقولون: "لا" رجل أفضلُ منك، وعلى الحذف قوله:
.... .... .... .... ..... ولا كريم من الولدان مصبوح
ومن العرب من يُجري "لا" في هذا الاسم العام مجرى "ليس" فيرفع ما بعدها اسمًا، وينصب الثاني خبرًا للعلة المذكورة في المضاف والمشبه به، [و] عليه قوله:
من صد عن نيرانها ..... فأنا ابنُ قيسٍ لا براحُ
واعلم أن النحويين اضطربوا في هذا الاسم الذي بعد "لا" مبنيًا، فمنهم من يقول: هو مبنيٌ معها، ومنهم من يقول: هو مبتدأ، ومنهم من يقول: هو اسمها بغير تنوين، والصحيح أنه مبتدأ في الأصل غيرته "لا" إلى النصب، فصار اسمًا لها منصوبًا كاسم "إن" ثم بُني معها للعلة المذكورة، وصارت "لا" معه بمنزلة مبتدأ، كما أن الاسم الذي بعد "إن" مرفوعٌ في الأصل بالابتداء، ثم دخلت عليه "إن" فنصبته، ولم تكن لبنائه معها علةٌ، فيُبنى كالاسم بعد "لا" ثم إن "إن" صارت مع اسمها في موضع مبتدأ، فكما قالوا: "إن" زيدًا قائمٌ وعمروٌ، وقال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... فإني وقيارٌ بها لغريبُ
فعطفوا على موضع الابتداء الذي هي واسمها محله، كذلك فعلوا في العطف على "لا" واسمها المنصوب المبني معها، لأنها معًا في موضع الابتداء، فرفعوا فقالوا: "لا" رجل في الدار و"لا" امرأةٌ، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... لا أم لي إن كان ذاك ولا أبُ
والنعتُ مثله كقوله:
.... .... .... .... ..... ولا كريم من الولدان مصبوحُ
فاعلمه وبالله التوفيق.
الموضع الثاني: أن تكون نهيًا، فيجزم الفعل المضارع بعدها بها، نحو:
"لا" تقم و"لا" تقعد، قال الله تعالى: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}، {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، و{لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، وهو كثير، قال الشاعر:
.... .... .... .... ..... يقولون: لا تهلك أسى وتجمل.
وقال آخر:
لا تلُمني إنها من نسوةٍ ..... رُقد الصيف مقاليت نُزر
وإنما جزمت في هذا الموضع لأنها اختصت بالفعل ولم تكن كجزءٍ منه نحو: "السين" و"سوف"، وكل ما اختص بالفعل ولم يكن كجزءٍ منه فبابه الجزء المختص بالفعل، كما أن "ما" اختص بالاسم، ولم يكن كجزءٍ منه "كالألف" و"اللام" التي للتعريف فبابه الخفض المختص بالأسماء، وأما ما ينصبُ الأسماء والأفعال من الحروف فبالشبه لغيره، وقد ذُكر منه شيءٌ، وسيذكر منه شيءٌ بعد إن شاء الله.
و
"لا" هذ تخلص الفعل المضارع للاستقبال لأنها نقيضةٌ لـ «تفعلُ» المخلصة للحال، فإن قلت: «"لا" تفعل الآن» فعلى معنى تقريب المستقبل إلى الحال، كما تقول: «لتفعل الآن» لذلك.
الموضع الثالث: أن تكون حرف دعاءٍ فيكون حكمها في الدخول على الفعل المضارع [في] تلخيصه للاستقبال وفي الجزم والتقدير تقدير «لتفعل» في الدعاء واحدًا، كما كانت "اللامُ" في الدعاء أيضًا، على ما ذُكر في بابها، فتقول:
"لا" تغفر لعمروٍ و"لا" تعاقب زيدًا، قال الله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وقال الشاعر:
لا يُبعد الله جيرانا تركتهم ..... مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم
وقال آخر:
فلا يبعدن إن المنية منهلٌ ..... وكل امرئ يوما به الحال زائلُ
والفرق بين الدعاء والنهي أن الدعاء يكون من الأدنى إلى الأعلى، والنهي يكون من الأعلى إلى الأدنى، هذا تفصيل من تحذَّق، والصحيح أن الطلب يجمعهما وإلا فقد تكون صيغةُ «"لا" تفعل» من المثل إلى المثل، فلا يُقال فيه: إنه دعاء ولا نهي ولكنه طلب ترك الفعل، والترك على ما أحكمه الأصوليون، والنظر في المعاني لهم، وحظ النحوي النظر في الألفاظ، والتكلم في المعاني لهم بالانجرار، فينبغي أن يترك لهم يحققونه، وحظُّ النحوي من هذا الأكثر وهو الأمر في صيغة «افعل» والنهي في صيغة «"لا" تفعل» وإن تعرضوا لغير ذلك خرجوا من صناعتهم إلى صناعة غيرهم.
واعلم أن
"لا" هذه التي للدعاء يجوز أن تدخل على الماضي، ويكون معناه إذ ذاك الاستقبال، فيقال: "لا" غفر الله لزيدٍ و"لا" رحمه، قال الشاعر:
ألا بارك الله في سهلٍ ..... .... .... .... ....
وقال الآخر:
لا بارك الله في الغواني هل ..... يصبحن إلا لهن مُطلب
وقال آخر:
لا بارك الرحمن في بني أسد ..... في قائمٍ منهم ولا في من قعد

إلا الذي شدوا بأطراف المسد
الموضع الرابع: أن تكون زائدةً وهي تنقسم قسمين: قسمٌ تكون باقيةً على [معناها] فلا تخرج من الكلام ولا يكون معناه بها كمعناه دونها، وقسمٌ يكون دخولها وخروجها واحدًا.
القسم الأول له موضعان:
الموضع الأول: أن تُزاد بمعنى
"غير" بين الجار والمجرور، والمعطوف والمعطوف عليه، والنعت والمنعوت، ونحو ذلك مما يحتاج بعضه إلى بعض، فمن ذلك قولهم: غضبت من "لا" شيء، وجئتُ "بلا" زادٍ، ومنه قول الشاعر:
حتى تأوى إلى لا فاحشٍ برمٍ ..... ولا شحيحٍ إذا أصحابه عدموا
وقالوا: مررتُ برجلٍ "لا" ضاحكٍ و"لا" باكٍ، قال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَب}، وتقول في المعطوف والمعطوف عليه: «"ما" رأيتُ زيدًا و"لا" عمرًا»، قال الله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، والمعنى في ذلك كله: "غير"، وهي في جميع ما ذُكر زائدةٌ، إلا أنه لا يجوز إخراجها من الكلام لئلا يصير النفي إثباتًا، والمعنى على النفي، لكن يقال فيها زائدةٌ من حيث وصول عمل ما قبلها إلى ما بعدها، وهو اصطلاح النحويين في الزيادة، كما يقولون في "الألف" و"اللام" من الذي والتي والآن واللات والعزى، وأن الزيادة فيها كائنةٌ، ولكن لا يُستغنى عنها، وأكثرهم يصطلح بالزيادة على دخولها كخروجها، وكل صحيح.
فإن قيل: هلا قلت في
"لا" في المواضع التي أتيت بها قبلُ: إن "لا" فيها اسم، كما قيل في "الكاف" إذا دخل عليها حرف الجر، أو وقعت في موضع اسمٍ على ما ذكر في بابها، وما قلت في "عن" و"على" على ما نذكره في بابيهما، لأن كل واحدٍ من ذلك كله يصلحُ في موضعه الاسم كما يصلحُ ها هنا فلأي شيءٍ تدعي الزيادة فيها؟
فاعلم أن بين الموضعين فرقًا، وذلك أن
"الكاف" و"عن" و"على" قد ثبتت الاسمية بوجوهٍ، منها: دخول حرف الجر عليها وتقديرها تقديرُ الأسماء ومن حيث لم تثبت فيها الزيادة وهي مقدرةٌ بالأسماء في موضعٍ لا يُحكم عليها بالزيادة بخلاف "لا" هذه فإنها قد ثبتت لها الزيادة بين الناصب والمنصوب نحو: أمرتك "ألا" تخرج، ونحو قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}، قوله تعالى: {لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ}، ومواضع غير هذا، فلما دخلت بين العامل والمعمول، وما يحتاج بعضه إلى بعضٍ في الأفعال، [و] كذلك في الأسماء، وتقدير الأسماء في الحروف لا يخرجها إلى الاسمية، كما أن تقدير الفعل فيها لا يخرجها إلى الفعلية، ألا ترى أن "رب" بمعنى: أقلل، و"ليت" بمعنى أتمنى، و"كأن" بمعنى أشبه، و"لعل" بمعنى أترجى، ولا يخرجها تقديرها بالفعل إلى الفعلية، وكذلك إذا قدرت "لا" بـ "غير" في المعنى لا يخرجها ذلك إلى الاسمية، كما أنه إذا قدرتها في «أن "لا" تفعل» بـ "ليس" لا يخرجها ذلك إلى الفعلية ولكنها زائدةٌ من حيث اللفظ لوصول عمل ما قبلها إلى ما بعدها، ونافيةٌ من حيث المعنى، لا يجوزُ زوالها فاعلم ذلك.
الموضع الثاني: أن تزاد بين الناصب للفعل المضارع ومنصوبه، وبين جازمه ومجزومه، فتقول في الناصب والمنصوب: عجبتُ أن
"لا" تقوم وتيقنت أن "لا" تخرج ، وضربتك حتى "لا" تقوم، وجئتك كي "لا" تكرم زيدًا، وجملةُ النواصب يجوز زيادة "لا" بينها وبين معمولاتها، إلا "لام""كي" و"لام" الجحود و"أو" و"لن"، لعللٍ اختصت بها، قال الله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، وقال تعالى: {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} على قراءة من حذف "النون" في الشاذ، وقال تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً}، و«لِكَيْلَا تَأْسَوْا» وتقول: هلا قمت فلا يكلمك أحدٌ، ولا يكلمك أحدٌ، بمعناه.
وكذلك تقول في الجازم والمجزوم:
"إلا" تقم أكرمك، ومن "لا" يقم أضربه، و"إن" تقم "لا" أكرمك، و"من" يقم "لا" أهنه، قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}، وقال: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ}، وقال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، وقال الشاعر:
ومن لا يُصانع في أمورٍ كثيرةٍ ..... يُضرس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم
والقول في الزيادة في "لا" ها هنا كالقول فيها في الموضع قبلها فاعلمه.
القسم الثاني: الذي يكون فيه دخولها وخروجها واحدًا، لها موضعان أيضًا:
الموضع الأول: أن تكون زائدةً لتأكيد النفي نحو قولك:
"ما" قام زيدٌ و"لا" عمروٌ، و"ما" قام زيدٌ و"لا" قعد [عمرو]، المعنى: "ما" قام زيدٌ وعمروٌ و"ما" قام زيدٌ وقعد عمروٌ، لأن "الواو" تُشرك بين الاسمين والفعلين في النفي، كما تُشرك بين النوعين في الإثبات فلا يُحتاج إلى "لا" النافية، لكن زيدت لضربٍ من التأكيد، ومنه قوله تعالى: {لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ}، وقوله: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}، ومنه قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلمها ..... والطيبان أبو بكر ولا عُمر
فزيادة "لا" ها هنا بينةٌ لكون دخولها كخروجها وهي قياسٌ مطرد.
الموضع الثاني: أن تكون زائدةً شاذًا في مواضع يوقفُ فيها مع السماع وذلك قبل خبر
"كاد" كقول الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابةٌ ..... وكاد ضميرُ القلب لا يتقطع
أي: يتقطع، وقال الآخر:
إذا أسرجوها لم يكد لا ينالها ..... من الناس إلا الشيظم المتطاول
أي: ينالها، وعليه حمل بعضهم قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}، قالوا: المعنى: "ما" منعك "أن" تسجد، أي: "من" السجود، وكان ينبغي أن تكون "لا" هذه من القسم قبل هذا، إلا أنها تقدمها المنع وهو الترك، فصارت "لا" زائدة لفظًا ومعنى، فما قالوا في زيادتها من الجهتين صحيحٌ لفظًا ومعنى، لا مدفع فيه فاعرفه، وبالله التوفيق). [رصف المباني:257 - 274]


رد مع اقتباس