الموضوع: لا
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 08:06 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



(فصل)
"لا"،
"لات"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل)
"لا"،"لات"
اعلم أن منهم من يبلغ بأقسام "لا" إلى عشرة أوجه وهي ترجع إلى خمسة أوجه:
أحدها: العاطفة، كقولك: قام القوم "لا" أبوك.
الثانية: النافية، وتستعمل مفردة ومكررة.
فأما المفرد فلا تنفي من الأسماء إلا النكرة، وجوز بعضهم نفي المعرفة بها إذا أعملت إعمال "ليس" واستشهد بقول النابغة:
وحلَّت سواد القلب لا أنا باغيا .... سواها ولا عن حبها متراخيا
وأما الأفعال فلا تنفي منها إلا المستقبل لفظًا أو معنى، كقولك: "لا" فض الله فاك، و"لا" شُلَّت يداك؛ لأنه دعاء والدعاء مستقبل في المعنى بخلاف "ما" النافية فإنها تنفي المستقبل والحال.
ولا تعمل "لا" في الفعل المستقبل شيئًا، قال الله تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله}، برفع «يستأذنك»، فإذا قال القائل: هو يفعل، يعني في المستقبل، قلت: "لا" يفعل، وإذا قال: هو يفعل في الحال، قلت: "ما" يفعل، و"لا" تقل: "لا" يفعل.
قال ابن هشام: وأما قول أبي خراش الهذلي.
إن تغفر اللهم تغفر جمًا .... وأي عبدٍ لك لا ألما
فشاذ، وقال بعضهم: يجوز أن ينفي بها الماضي وتكون بمعنى "لم"، كقوله تعالى: {فلا صدَّق ولا صلى}، أي: "لم" يصدق و"لم" يصل، واستشهد ببيت الهذلي ويقول الشاعر:
وأي خميسٍ لا أفانا نهابه .... وأسيافنا يقطرن من كبشه دما
ويقول الشاعر:
.... وأي أمرٍ سيءٍ لا فعله ....
ومنه قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة} ولكن الجمهور أجابوا عن الآية بأجوبة، فقال بعضهم: معناه الدعاء، دعا عليه ألا يفعل خيرًا، وقال آخر: هو تحضيض، والأصل: فألا، ثم حذفت "الهمزة"، وقيل: إنه من قسم "لا" المكررة الآتية بعد إن شاء الله تعالى، "فلا" مكررة في المعنى، والمعنى: "فلا" فك رقبة و"لا" أطعم مسكينًا؛ لأن ذلك تفسير للعقبة، قاله الزمخشري، وقال الزجاج: إنما جاز ترك تكرارها لأن {ثم كان من الذين آمنوا} عطف عليه وادخل في النفي، فكأنه قيل: "فلا" اقتحم العقبة و"لا" آمن، وضعف بأنه لو صح جاز: "لا" أكل زيد وشرب عمرو.
ويندرج في النافية من أنواعها: العاملة عمل "إن"، التي أريد بها نفي الجنس على سبيل التنصيص، كقولك: "لا" صاحب جود ممقوت، و"لا" رجل في الدار، بالنصب في الأول والفتح في الثاني.
والعاملة عمل "ليس"، النافية للجنس والنافية للوحدة، كقول الشاعر:
من صدَّ عن نيرانها .... فأنا ابن قيس لا براحُ
فإن قلت: فما الفرق بين التي لفني الجنس على سبيل التنصيص وبين التي لنفي الوحدة؟
قلنا: الفرق يظهر في تأكيد النفي فتقول في التي للتنصيص: "لا" رجل في الدار "بل" امرأة، ولا يجوز أن تقول: "بل" رجلان، لأنك نفيت جنس الرجال على سبيل التنصيص فكأنك شملت جميع أفرادهم بالذكر، وتقول في توكيد التي لنفي الوحدة "لا" رجلٌ في الدار بالرفع: "بل" رجلان، لأنك لم تنف إلا الرجل وحده دون غيره وهذه هي التي تعمل عمل "ليس"، لكنها لا تختص بهذا المعنى وإن اختص بها "بل" تكون لنفي الجنس أيضًا فتقول في تأكيدها إن أريد بها نفي الجنس مطلقًا: "لا" رجل في الدار "بل" رجلان، كأنك أردت ظاهر العموم ثم خصصته بعد ذلك.
وغلط بعض من الناس فزعموا أن العاملة عمل "ليس" لا تكون إلا لنفي الوحدة لا غير، وزعموا أنه يجب حذف خبرها ويرده قول الشاعر:
تعز فلا شيء على الأرض باقيًا .... ولا وزر مما قضى الله واقيا
ويندرج أيضًا في النافية: العاطفة، كقولك: جاء زيد "لا" عمرو، والجوابية، كقولك: "لا"، في جواب من قال: أجاءك زيد، والأصل: "لم" يجيء، والتي بمعنى: "غير"، كقولك: خرجت "بلا" زاد وغضبت من "لا" شيء.
وأما المكررة: فتنفي النكرة والمعرفة والفعل الماضي.
فإن نفيت بها النكرة المتصلة بها كـ «"لا" حول و"لا" قوة إلا بالله» فلك في استعمالها أربعة أوجه:
إعمالها إعمال "إنّ"، وإعمالها إعمال "ليس" وإعمالها في الأول إعمال "إنّ" وفي الثاني إعمال "ليس"، وبالعكس.
ولا يجب تكرارها إلا إذا انفصلت عن النكرة كقوله تعالى: {لا فها غولٌ ولا هم عنها ينزفون}، فإنه يجب تكرارها خلافًا للمبرد، وابن كيسان، أو كانت بمعنى "غير" وفيها معنى الوصف فإنه يجب تكرارها، كقوله تعالى: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر} وقوله تعالى: {وظل من يحمومٍ لا بارد ولا كريم}، وتقول: زيد "لا" فارس و"لا" شجاع، تريد "غير" فارس و"غير" شجاع.
ولا يجوز ترك التكرار إلا في الشعر كقول الشاعر:
وأنت امرؤ منا خُلقت لغيرنا .... حياتك لا نفع وموتك فاجع
وإن نفيت بها المعرفة وجب إهمالها وتكرارها أيضًا، خلافًا للمبرد وابن كيسان أيضًا، كقوله تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار}.
وإن نفيت بها الفعل الماضي وجب تكرارها أيضًا، كقوله تعالى: {فلا صدَّق ولا صلى}، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى»، وترك تكرارها شاذ كقول الشاعر:
لا هم إن الحارث بن جبله .... زنا على أبيه ثم قتله
وكان في جاراته لا عهد له .... وأي أمرٍ سيءٍ لا فعله
وكقول الهذلي:
إن تغفر اللهم تغفر جمًا .... وأي عبدٍ لك لا ألما
ولا يخرج عليه قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}، وفيه كلام قد سبق.
الثالثة: المنصصة على النفي، وبعضهم سماها توكيد النفي، كقولك: ما قام زيد و"لا" عمرو، فإنك إذا قلت: ما قام زيد "و" عمرو، احتمل نفي القيام عنها مطلقًا واحتمل نفي القيام عنها في حال الاجتماع دون الافتراق، فإذا أتيت بـ "لا" فقد نصيت على النفي مطلقًا؛ لأن من شروط العاطفة تقدم الإيجاب وعدم الاقتران بحرف عطف آخر فالعاطف هنا هو "الواو".
الرابعة: الناهية، كقولك: "لا" تقم، وليس أصلها "لا" النافية والجزم بعدها "بلام" أمر مقدرة، خلافًا للسهيلي، و"لا" "لام" الأمر زيدت عليها "ألف" خلافًا لبعضهم.
وتختص بالدخول على الفعل المستقبل سواء كان للغائب أو للحاضر، استعملت في موضوعها الحقيقي وهو الطلب المنفي أم استعملت في غير موضوعها كالدعاء والتهديد وما أشبه ذلك من أنواع النهي.
واختلفوا في "لا" من قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، فقيل: إنها ناهية والأصل: "لا" تتعرضوا للفتنة فتصيبكم، ثم عدل عن النهي عن التعرض إلى المنهي عن الإصابة؛ لأن الإصابة مسببة عن التعرض، وأقام المسبب مقام السبب، كقوله تعالى: {فلا ينازعنك في الأمر}، وكقوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظةً}، وعلى هذا فالإصابة خاصة بالمتعرضين، ودخول "النون" دليل على معنى الطلب، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع فوجب إضمار القول، أي: واتقوا فتنة مقولًا فيها كما قيل في قول الشاعر:
.... جاؤا بمذقٍ هل رأيت الذئب قط ....
وقيل: إنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين:
أحدهما: أن الجملة صفة لـ «فتنة» ولا حاجة إلى إضمار قول؛ لأن الجملة خبرية، وعلى هذا فيكون دخول "النون" شاذًا، والذي جوزه تشبيه "لا" النافية "بلا" الناهية.
قال ابن هشام: وعلى هذا تكون الإصابة عامة للظالم وغيره، لا خاصة بالظالمين، كما ذكره الزمخشري، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة.
القول الثاني: أن الفعل جواب الأمر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضًا شاذًا خارجًا عن القياس، قال ابن هشام: وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري وهو فاسد؛ لأن المعنى حينئذٍ: فإنكم إن تتقوها لا تصيب الظالم خاصة.
وقوله: إن التقدير: إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة، مردود؛ لأن الشرط إنما يقدر من جنس الأمر لا من جنس الجواب، ألا ترى أنك تقدر في: ائتني أكرمك، إن تأتني أكرمك.
الخامسة: الزائدة للتوكيد، كقوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد}، أي: "أن" تسجد؛ بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى: {ما منعك أن تسجد}، وكقوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، قال الشاعر:
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه .... وللهو داعٍ دائبٌ غيرُ غافل
وقال أبو النجم:
وما ألوم البيض ألا تسخرا .... وقد رأين الشمط القفندرا
وقال زهير:
ورث المجد لا يغتال همته .... عن الرياسة لا عجزٌ ولا سأم
أي: "لا" يغتالها عجز، وقال العجاج:
.... في بئر لا حورٍ سرى وما شعر ....
أي في بئر حور وهلكه، وقال آخر:
بيوم جدودٍ لا فضحتم أباكم .... وسالمتم والخيل تدمى نحورها
واختلف في رواية قول الشاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به .... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
روي بنصب البخل على أن "لا" زائدة، قال أبو علي في الحجة: قال أبو الحسن: فسرته العرب: أبى جوده البخل وجعلوا "لا" حشوا، وذكر يونس أن أبا عمرو ابن العلاء كان يجر البخل ويجعل "لا" مضافة إليه؛ لأن "لا" قد تكون للجود والبخل، ألا ترى أنه لو قيل: امنع الحق كان "لا" جودًا منه، ومنهم من يتأول نصبه على البدل من "لا".
واختلفوا في "لا" من قوله سبحانه: {لا أقسم بيوم القيامة}، وما أشبهه، فقال البصريون والكسائي وعامة المفسرين: إن معناه: أقسم و"لا" زائدة وأنكر الفراء هذا وقال: "لا" تكون زائدة في أول الكلام، وقال: إن "لا" هنا: رد لكلام من المشركين متقدم، كأنهم أنكروا البعث فقيل لهم: "لا"، ليس الأمر كما تقولون، ثم أقسم، وجوز ذلك كون القرآن كله كالسورة الواحدة ولهذا يذكر الشيء في سورة، وجوابه في أخرى، كقوله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}، جوابه: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}.
قلت: ولهم أن يقلبوا دليلهم ويقولوا: إنها إنما زيدت في أول الكلام لأن القرآن من فاتحته إلى خاتمته كالسورة الواحدة، فكأنها زيدت في وسط الكلام.
وقال غير هؤلاء: هي نافية، ومنفيها أقسم، على أن يكون معناه الإخبار لا الإنشاء، واختاره الزمخشري قال: والمعنى في ذلك: أنه "لا" يقسم بالشيء إلا إعظامًا له فكان إقسامه به "كلا" إقسام؛ لأنه يستحق إعظامًا فوق ذلك؛ بدليل قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسمٌ لو تعلمون عظيم}.

(مسألة)
قولهم: خرجت "بلا" زادٍ، وغضبت من "لا" شيءٍ، وأخذته "بلا" ذنبٍ.
فالكوفيون يقولون: "لا"، اسم "كغير" حقيقة ومعنى، وهي مجرورة "بالباء"، وما بعدها مجرور بها، وبعضهم يراها حرفًا ويسميها زائدة، كما سمون "كان" في نحو: زيد "كان" فاضل، زائدة، وإن كانت جاءت لمعنى المضي والانقطاع، فعلم بهذا أنهم يريدون بالزائد، ما يقع بين شيئين متطالبين وإن لم يصح أصل المعنى بإسقاطه، أو صح ولكن فات بإسقاطه معنى آخر، وإن الزيادة على ضربين: زيادة معنوية كما تقدم، وزيادة لفظية كهذه؛ لأنه تخطى العامل من "لا" إلى "ما" بعدها فعمل فيه الجر والله أعلم).[مصابيح المغاني: 433 - 446]


رد مع اقتباس