الموضوع: الرحمن - الرحيم
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:54 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ):
(الرحمن الرحيم

صفتان لله عز وجل مشتقتان من الرحمة، فالرحمن فعلان، والرحيم فعيل.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قد يبنون الكلمتين من أصل واحد لمعنى واحد للمبالغة وهما بمنزلة نديم، وندمان. يذهب إلى أن معناهما واحد كما أن معنى النديم والندمان عنده واحد. وأنشد:
وندمان يزيد الكأس طيبًا = سقيت وقد تغورت النجوم
وقال آخر:
رب ندمان كريم جده = ماجد الجدين من فرعي مضر
قد سقيت الخمر حتى هرها = وتغشته سمادير السكر
وقال حسان:
لا أخدش الخدش بالجليس ولا = يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
وقال أيضًا:
أهوى حديث الندمان في غلس = الصبح وصوت المسامر الغرد
فالندمان والنديم سواء وكذلك الرحمن والرحيم عند أبي عبيدة.
وروي عن ابن عباس: أنه قال: الرحمن: ذو الرحمة، والرحيم: الراحم.
وقيل: إنه قال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، والرحمن اسم خاص، والرحيم اسم عام، فلذلك قدم الرحمن على الرحيم فقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولذلك أيضًا قيل: رجل رحيم، ولم يقل: رحمن.
وذكر بعضهم أنه لا يجوز أن يجمع الرحمن بالرحيم إلا لله عز وجل، وإنه جائز أن يقال: «رجل رحمن» كما قيل: «رجل رحيم»، وأكثر العلماء على القول الأول وهو الصواب لأن «فعلان» أشد مبالغة من «فعيل»، كما يقال: غضبان للمتلئ غضبًا وعطشان للمتلئ عطشًا، وكذلك الرحمن: ذو النهاية في الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء. وكل اسم كان [عن] طريقة الفعل أشد انعدالاً كان في المدح أبلغ، فرحمن أشد انعدالاً عن طريقة الفعل من رحيم فلذلك كان أبلغ في المدح.
وسيبويه يرى إعمال «فعيل» كما يعمل اسم الفاعل، فهذا يدلك على ما ذكرت لك، فيجيز: «هذا رجل ضريب زيدًا» كما تقول: «ضارب زيدًا».
وخالفه أصحابه في ذلك وقالوا: إن «فعيلاً» اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى نحو ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف. قالوا: فإذا بني من الفعل المتعدي هذا البناء فقد عدل عن طريقة التعدي فسبيله ألا يتعدى. والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل عند سيبويه: فعول، وفعال، ومفعال، وفعل، وفعيل كقولك: «هذا رجل ضروب زيدًا»، «وضراب زيدًا»، «وضرب زيدًا»، «وضريب زيدًا» كل ذلك عنده جائز، ويجيز تقديم المنصوب بها وتأخيره، فأما «فعول» «وفعال» «ومفعال» فقد وافقه أصحابه أيضًا على تعديها، وجاءت لها شواهد من الشعر ومنثور كلام العرب. وأما «فعيل» فخالفه في تعديها جميع أصحابه، ولم يأت له سيبويه بشاهد من الشعر، ولا غيره إلا بيتا خولف فيه، وسأذكره لك. وأما «فعل» فقد وافقه على تعديه بعض أصحابه، وأنشد سيبويه شاهدًا له:
حذر أمورًا لا تضير وآمن = ما ليس منجيه من الأقدار
فقال المخالفون له: هذا بيت مولد ليس بقديم.
وأنشد أيضًا:
حتى شآها كليل موهنا عمل = باتت طرابا وبات الليل لم ينم
فقال: هذا شاهد لتعدي «فعيل» لأنه قد نصب موهنا بكليل. فقال أصحابه: موهن منصوب على الظرفية. وأما الفراء، فلا ينصب بشيء من هذه الأمثلة، ويرى أن المنصوب بعدها إنما هو بإضمار فعل.
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد رحمه الله -: الرحمة من العباد تحنن ورقة على المرحوم وهي من الله عز وجل إنعام وإفضال على العباد. قال: لأن الأفعال تتصل بالله عز وجل خلاف اتصالها بالآدميين ألا ترى أنا نقول: «علم زيد»، كما نقول: «علم الله»، وزيد علم بالاكتساب بعد أن كان جاهلاً، ويجوز أن يجهل بعد أن علم، والله عز وجل يتعالى عن ذلك وكذلك ما أشبهه، وكذلك وسعت رحمته كل شيء: أي إنعامه وإفضاله.
والقول في هذا عندي والله أعلم أن من رحم من الآدميين غيره فتحنن عليه، ورق له فعل به ما يصلح شأنه، وأفضل عليه، وأزال عنه أذى إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، والله عز وجل يفعل بمن رحمه من عباده من الفضل، والإنعام، وإصلاح شأنه مثل ذلك وإن كانت الرحمة منه جل اسمه بغير ضعف ولا رقة تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
وكان بعض النحويين يذهب إلى أن الرحمن معرب وليس بعربي محض، وذكر أبو بكر بن الأنباري أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبًا كان يذهب إلى ذلك، ولم ينعم الذاهب إلى هذا المذهب النظر، لأن الرحمن معروف الاشتقاق والتصريف في كلام العرب، والأعجمي لا معنى له في كلام العرب، ولا تصريف.
وأنشد أهل اللغة هذا البيت وزعموا أنه جاهلي:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها = ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال آخر:
.................... = وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق
وإنما ذهب ثعلب ومن قال بقوله إلى قول جرير:
لن تبلغوا المجد أو تشروا حياتكم = بالعز أو تجعلوا اليغبوث ضمرانا
أو تتركون إلى القسين هجرتكم = ومسحكم صلبهم رحمن قربانا
وإنما هجا جرير بهذا الأخطل فعيره وقومه بالنصرانية فحكى كلامهم). [اشتقاق أسماء الله: 38-43]


رد مع اقتباس