الموضوع: إذن
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 02:31 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("إذن"
حرف ينصب الفعل المضارع، بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الفعل مستقبلاً. فإن كان حالاً رفع، كقولك لمن يحدثك: "إذا" أظنك صادقاً.
الثاني: أن تكون مصدرة. فإن تأخرت ألغيت حتماً، نحو: أكرمك "إذاً". وإن توسطت، وافتقر ما قبلها لما بعدها مثل أن تتوسط بين المبتدأ وخبره، وبين الشرط وجزائه، وبين القسم وجوابه - وجب إلغاؤها، أيضاً كالمتأخرة.
قال ابن مالك: وشذ النصب "بإذن" بين ذي خبر وخبره،
في قول الراجز:
لا تتركني، فيهم شطيرا ... إني إذن أهلك، أو أطيرا
وأجاز ذلك بعض الكوفيين. وتأوله البصريون على حذف الخبر، والتقدير: إني لا أقدر على ذلك. ثم استأنف "بإذن"، فنصب. وإن تقدمها حرف عطف نفيها وجهان: الإلغاء، والإعمال. والإلغاء أجود، وبه قرأ السبعة {وإذا لا يلبثون}. وفي بعض الشواذ: {وإذن لا يلبثوا} على الإعمال.
الثالث: ألا يفصل، بينهما وبين الفعل، بغير القسم. فإن فصل بينهما بغيره ألغيت، نحو: "إذاً" زيد يكرمك. وإن فصل بالقسم لم يعتبر، نحو: "إذن"، والله، أكرمك.
وأجاز ابن عصفور الفصل بالظرف، نحو: "إذن" غداً أكرمك. وأجاز ابن بابشاذ الفصل بالنداء والدعاء، نحو: "إذن"، يا زيد، أحسن
إليك، و"إذن" - يغفر الله لك - يدخلك الجنة. ولم يسمع من ذلك، فالصحيح منعه.
وأجاز الكسائي، وهشام، الفصل بمعمول الفعل. وفي الفعل، "حينئذ"، وجهان. والاختيار عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع.
وبعض العرب يلغني "إذن" مع استيفاء الشروط، وهي لغية نادرة، حكاها عيسى، وسيبويه. ولا يقبل قول من أنكرها.
ويتعلق "بإذن" مسائل.
الأولى: مذهب الجمهور أنها حرف، كما تقدم. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها اسم، وأصلها "إذا". والأصل أن تقول: "إذا" جئتني أكرمتك. فحذف ما يضاف إليه، وعوض منه التنوين.
ثم اختلف القائلون بحرفيتها. فقال الأكثرون: إنها بسيطة. وذهب الخليل، في أحد أقواله، إلى أنها مركبة من "إذ" و"أن". واختلف القائلون بأنها بسيطة. فذهب الأكثرون إلى أنها ناصبة بنفسها. وذهب الخليل، فيما روى عنه أبو عبيدة، إلى أنها ليست ناصبة بنفسها، وأن بعدها مقدرة. وإليه ذهب الزجاج، والفارسي. والصحيح أنها ناصبة بنفسها.
الثانية: قال سيبويه في "إذن": معناها الجواب والجزاء. فحمله قوم، منهم الشلوبين، على ظاهره وقال: إنها للجواب والجزاء، في كل موضع. وتكلف تخريج ما خفي فيه ذلك. وحمله الفارسي على أنها قد ترد لهما، وهو الأكثر، وقد تكون للجواب وحده، نحو أن يقول القائل أحبك: فتقول: "إذاً" أطنك صادقاً. فلا يتصور هنا الجزاء.
وقال بعض المتأخرين: "إذن"، وإن دلت على أن ما بعدها متسبب عما قبلها، على وجهين:
أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط والشرط، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها، في ثاني حال. فإذا قال: أزورك، فقلت: "إذن" أزوك، فإنما أردت أن تجهل فعله شرطاً للفعل. وإنشاء السببية، في ثاني حال، من ضرورته أنها تكون في الجواب، وبالفعلية، وفي زمان مستقبل.
والوجه الثاني: أن تكون مؤكدة جواب، ارتبط بمتقدم، أو منبهة على سبب، حصل في الحال. نحو: إن أتيتني "إذاً" آتك، ووالله "إذاً" فهم الربط. وإذا كان بهذا المعنى ففي دخولها على الجملة الصريحة، نحو: إن يقم زيد "إذ" عمرو قائم، نظر. قال: والظاهر الجواز.
الثالثة: إذا وقع بعد "إذاً" الماضي، مصحوباً باللام، كقوله تعالى: {إذاً لأذقناك}، فالظاهر أن "اللام" جواب قسم مقدر، قبل "إذا" وقال الفراء: لو مقدرة قبل "إذاً"، والتقدير: لو ركنت لأذقناك. وقدز، في كل موضه، ما يليق به.
الرابعة: اختلف النحويون في الوقف على "إذن". فذهب الجمهور إلى أنها يوقف عليها "بالألف"، لشبهها بالمنون المنصوب. وذهب بعضهم إلى أنها يوقف عليها "بالنون"، لأنها بمنزلة "أن" و"لن"، ونقل عن المازني والمبرد.
الخامسة: اختلف النحويون أيضاً، في رسمها، على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنها تكتب "بالألف". قيل: وهو الأكثر، وكذلك رسمت في المصحف. ونسب هذا القول إلى المازني، وفيه نظر، لأنه إذا كان يرى الوقف عليها "بالنون"، كما نقل عنه، فلا ينبغي أن يكتبها "بالألف".
والثاني: أنها تكتب "بالنون". قيل: وإليه ذهب المبرد والأكثرون. وعن المبرد: أشتهى أن أكوي يد من يكتب "إذن" "بالألف"، لأنها مثل "أن" و"لن" ولا يدخل التنوين في الحروف.
والثالث: التفصيل، فإن ألغيت كتبت "بالألف"، لضعفها، وإن عملت كتبت "بالنون". وقال صاحب رصف المباني: والذي عندي فيها الاختيار أن ينظر، فإن وصلت في الكلام كتبت "بالنون"، علمت أو لم تعمل، كما يفعل بأمثالها من الحروف. وإذا وقف عليها كتبت "بالألف"، لأنها إذ ذاك مشبهة بالأسماء المنقوصة، مثل: دماً، ويداً. والله أعلم). [الجنى الداني:361 - 366]


رد مع اقتباس