الموضوع: أل
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 02:46 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("أل"
لفظ مشترك؛ يكون حرفاُ، واسماً. فالاسم "أل" الموصولة، على الصحيح. وما سوى ذلك، من أقسامها، فهو حرف. وجملة أقسامها أحد عشر قسماً:
الأول: أن تكون حرف تعريف، ومذهب سيبويه أنه حرف ثنائي، و"همزته" "همزة" وصل، معتد بها في الوضع، كالاعتداد "بهمزة"
الوصل في استمع ونحوه، بحيث لا يعد رباعياً. وهذا هو أقرب المذاهب إلى الصواب، وقوفاً مع ظاهر اللفظ. وتقدم ذكر بقية المذاهب. واختار ابن مالك مذهب الخليل، وهو أن حرف التعريف ثنائي، و"همزته" "همزة" قطع أصلية، ولكنها وصلت، لكثرة الاستعمال. ونصره في شرح التسهيل بأوجه، لا يسلم أكثر من الاعتراض. وقد بينت ذلك في غير هذا الكتاب.
ثم أعلم أن من جعل حرف التعريف ثنائياً، و"همزته" أصلية، عبر عنه ب "أل". ولا يحسن أن يقول: "الألف" و"اللام"، كما لا يقال في "قد": "القاف" و"الدال". وكذلك ذكر عن الخليل. قال ابن جني: كان يقول "أل"، ولا يقول: "الألف" و"اللام". ومن جعل حرف التعريف "اللام" وحدها عبر "باللام"، كما فعل المتأخرون. ومن جعل حرف التعريف ثنائياً، و"همزته" "همزة" وصل زائدة، فله أن يقول "أل"، وأن يقول: "الألف" و"اللام". وقد وقع في كتاب سيبويه التعبير بالأمرين. ولكن الأول أقيس.
ول "أل"، التي هي حرف تعريف، ثلاثة أقسام: عهدية، وجنسية، ولتعريف الحقيقة.
فالعهدية: هي التي عهد مصحوبها، بتقدم ذكره. نحو: جاءني رجل فأكرهت الرجل، أو بحضوره حساً، كقولك لمن سدد سهماً: القرطاس، أو علماً، كقوله تعالى: {إذ هما في الغار}.
والجنسية بخلافها. وهي قسمان: أحدهما حقيقي، وهي التي ترد لشمول أفراد الجنس. نحو {إن الإنسان لفي خسر}. والآخر مجازي، وهي التي ترد لشمول خصائص الجنس، على سبيل المبالغة. نحو: أنت الرجل علماً، أي: الكامل في هذه الصفة. ويقال لها: التي للكمال.
وأما التي لتعريف الحقيقة، ويقال لها: لتعريف الماهية، فنحو قوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
واختلف في هذا القسم. فقيل: هو راجع إلى العهدية. وقيل: راجع إلى الجنسية. وقيل: قسم برأسه.
فإن قلت: ما حقيقة الفرق بين هذا القسم والقسمين السابقين؟ قلت: حقيقة الفرق أن العهدية يراد بمصحوبها فرد معين. والجنسية يراد بمصحوبها نفس الحقيقة، لا ما تصدق عليه من الأفراد.
فإن قلت: فما الفرق بين المعرف ب "أل" التي هي لتعريف الحقيقة، في قولك: اشتر الماء، وبين اسم الجنس النكرة، في قولك: اشتر ماءً؟ قلت: الفرق بينهما أن المعرف ب "أل" المذكورة موضوع للحقيقة، بقيد حضورها في الذهن. واسم الجنس النكرة موضوع لمطلق الحقيقة، لا باعتبار قيد ولا إشكال في "أن" الحقيقة، باعتبار حضورها في الذهن، أخص من مطلق الحقيقة. لأن حضورها في الذهن نوع تشخص لها. وهذا هو الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس أيضاً.
الثاني: أن تكون للحضور. وهي الواقعة بعد اسم الإشارة، نحو {لا أقسم بهذا البلد}، وبعد أي في النداء، نحو: يا أيها الرجل، وفي نحو: الساعة، والوقت، إذا أريد به الحاضر. وهذا القسم راجع إلى الذي قبله. فقال بعضهم: يرجع إلى الجنسية.
قال أبو موسى: ويعرض في الجنسية الحضور. وقيل: بل هي راجعة إلى العهدية.
الثالث: أن تكون للغلبة. نحو البيت للكعبة، والمدينة لطيبة. وهذه هي، في الأصل، التي للعهد. ولكن مصحوبها لما غلب على بعض ماله معناه صار علماً بالغلبة، وصارت "أل" لازمة له، وسلبت التعريف. ولا تحذف منه إلا في نداء، أو إضافة، أو نادر من الكلام.
الرابع: أن تكون للمح الصفة. نحو: الحارث، والعباس. وحقيقة هذه أنها حرف زائد، للتنبيه على أن أصل الحارث ونحوه، من الأعلام، الوصفية. وقول أبي موسى ويعرض في العهدية الغلبة ولمح الصفة فيه نظر، لأن "أل" في: الحارث، والعباس، ونحوهما، لم تكن عهدية فعرض لها اللمح.
فإن قلت: بل هي التي للعهد، دخلت على هذه الأوصاف، قبل العلمية، ثم أقرت بعد العلمية، لتفيد هذا المعنى، كما فعل في التي للغلبة! قلت: هذا فاسد، لأن التي للمح الصفة إنما زيدت، بعد العلمية، ولذلك يجوز حذفها. ولو كانت قبل العلمية، ثم أقرت بعد العلمية، للزمت، لأن ما قارنت "الألف" و"اللام" نقله أو ارتجاله لزمته.
وظاهر كلام ابن مالك أن "الألف" و"اللام" المذكورة للمح الأصل، لا للمح الوصف. ولذلك مثل بالفضل والنعمان، وليسا بوصفين، في الأصل.
الخامس: أن تكون زائدة لازمة. وذلك في ألفاظ محفوظة. منها: الذي، والتي، وفروعهما من الموصولات. ومنها: اللات اسم الصنم. ومنها: الآن. وإنما حكم على "الألف" و"اللام" في هذه الألفاظ بالزيادة، لأن تعريفها بغير "الألف" و"اللام"؛ أما الموصولات فبالعهد الذي في صلاتها، على المختار. وأما اللات فبالعلمية. وأما الآن فقيل: تعريفه "بلام" مقدرة ضمن معناها، ولذلك بني. وقيل تعريفه بحضور مسماه، كتعريف اسم الإشارة.
السادس: أن تكون زائدة غير لازمة. وهي ضربان: زائدة في نادر من الكلام، وزائدة للضرورة.
فالزائدة، في نادر الكلام، كزيادتها فيما حكاه الكوفيون، من قول العرب: الخمسة العشر الدرهم.
والزائدة للضرورة، إما في معرفة، كقوله: باعد أم العمرو من أسيرها وإما في نكرة، كقوله:
رأيتك، لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس، يا قيس عن عمرو
وذلك في الشعر كثير.
السابع: أن تكون عوضاً من الضمير. هذا القسم قال به الكوفيون، وتبعهم ابن مالك. ومن أمثلته قوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}، وقوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} أي: أبوابها، وهي مأواه. ومذهب أكثر البصريين أن الضمير في ذلك محذوف والتقدير: مفتحة لهم الأبواب منها، أو لها، وهي المأوى له. وكذلك يقولون في نحو: مررت برجل حسن الوجه، أي: منه، أوله.
الثامن: أن تكون عوضاً من "الهمزة". وذلك "الألف" و"اللام" في اسم الله تعالى، على قول من جعل أصله إلاهاً، وقال بأن "الهمزة"، التي هي "فاء" الكلمة، حذفت اعتباطاً، لا للنقل. وهو قول الخليل، فيما رواه عنه سيبويه. قال الزمخشري: ولذلك قيل في النداء: يا ألله، بقطع "الهمزة"، كما يقال: يا إلاه. قلت: علل الجوهري في الصحاح قطع "الهمزة"، بأن الوقف نوي على حرف النداء، تفخيماً للاسم. ونظر سيبويه هذا الاسم الشريف بالناس. قال: مثله الناس أصله أناس. وظاهر هذا أن "الألف" و"اللام" في الناس عوض من "الهمزة"، كما قال بعضهم. وقال المهدوي: ليست "الألف" و"اللام" في الناس للتعويض من "الهمزة"، وإن كان سيبويه قد شبهه به، فإن تشبيهه إنما وقع على حذف "الهمزة" من أناس، في حال دخول "الألف" و"اللام"، لا على أنهما بدل من المحذوف، كما كانا في اسم الله تعالى بدلاً. ويقوي ذلك ما أنشده المبرد عن أبي عثمان، من قول الشاعر:
إن المنايا يطلعن ... على الأناس، الآمنينا
فلو كان عوضاً لم تجتمع "الهمزة" مع المعوض منه.
التاسع: أن تكون للتعظيم والتفخيم. ذهب إلى ذلك بعض الكوفيين، فجعل "الألف" و"اللام" في اسم الله تعالى جاءتا للتفخيم والتعظيم. واعترض بأنا لم نجد اسماً فخم وعظم، بدخول "الألف" و"اللام". وللمنتصر أن يقول: وجدنا لهذا الاسم خصائص، فما ينكر أن يكون هذا منها؟ قلت: نقل المهدوي، عن سيبويه، أن "الألف" و"اللام" في هذا الاسم الشريف للتعظيم كما تقدم عن بعض الكوفيين. وفي "الألف" و"اللام"، في هذا الاسم الشريف، أقوال ذكرتها في إعراب البسملة.
العاشر: أن تكون بقية الذي. قال بذلك بعض النحويين، في مواضع، منها قول الشاعر:
من القوم، الرسول الله منهم ... لهم، دانت رقاب بني معد
أي: الذين رسول الله منهم. فحذف الاسم، اكتفاء "بالألف" و"اللام".
وذهب بعضهم إلى أنها، في هذا البيت، زائدة. والصحيح أنها "أل" الموصولة. وذهب بعض النحويين إلى أن "أل" في
قول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته بقية الذي.
الحادي عشر: الموصولة. وهي الداخلة على الصفات. نحو: الضارب، والمضروب. وفيها ثلاثة أقوال:

الأول: أنها حرف تعريف، "لا" موصولة. وهو مذهب الأخفش.

والثاني: أنها حرف موصول، "لا" اسم موصول. وهو مذهب المازني.

والثالث: أنها اسم موصول. وهو مذهب الجمهور. ولكل قول أدلة، يطول ذكرها. والصحيح مذهب الجمهور، لعود الضمير إليها، في نحو: الضاربها زيد هند.
وشذ وصلها بالمضارع، في قول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته وقد وردت،
من ذلك، أبيات. وذهب ابن مالك إلى جواز ذلك في الاختيار، وفاقاً لبعض الكوفيين. وشذ وصلها بالجملة الاسمية، في قوله:
من القوم، الرسول الله منهم وقد تقدم،
وبالظرف في قول الراجز:
من لا يزال شاكراً على المعه ... فهو حر، بعيشة، ذات سعه
أي: على الذي معه.
تنبيه
وقد اتضح، بما ذكرته، أن "الألف" و"اللام" في كلام العرب أربعة عشر قسماً، على التفصيل، بالمتفق عليه والمختلف فيه. وهي: العهدية، والجنسية، والتي للكمال وهي نوع من الجنسية، والتي للحقيقة، والتي للحضور، والتي للغلبة، والتي للمح الصفة، والزائدة اللازمة، والزائدة للضرورة، والتي هي عوض من الضمير، والتي هي عوض من "الهمزة"، والتي للتفخيم، وبقية الذي، والموصولة وكلها، عند التحقيق، راجعة إلى ثلاثة أقسام: معرفة وزائدة وموصولة. وقد نظمتها في هذه الأبيات:
أقسام أل أربع، وعشر ... للعهد، والجنس، والكمال
ثم لماهية، ولمح ... أو غالب، أو حضور حال
وزيد نثراً، وزيد نظماً ... وفخمت، في اسم ذي الجلال
وناب عن مضمر، وهمز ... ومن، بذي الوصل، ذا احتفال
وقيل: بعض الذي أتانا ... فاحفظه، وابحث عن المثال).
[الجنى الداني:192 - 204]


رد مع اقتباس