الموضوع: أو
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 12:06 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل: "أو")
"أو" حرف عطف، وقد مضى جملة من الكلام عليها في باب "أم" وتأتي على وجهين: مفردة ومركبة.
فأما المفردة فهي موضوعة لأحد الشيئين
"أو" الأشياء ولها ثلاثة عشر معنى:
الأول: الشك نحو قول الله عز وجل: {قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم}.
الثاني: الإبهام، كقوله عز وجل: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين}.
الشاهد في
"أو" الأولى وكقول الشاعر:
نحن أو أنتم الألى ألفوا .... الحق فبعدًا للمبطلين وسحقًا
هكذا صوره ابن هشام وغيره، وفيه عندي نظر، فإن الإبهام اسم لما أبهمته على المخاطب من فهم المراد، كقولك: جاءني زيد"أو" عمرو، وقد علمت الجائي منهما وإنما أبهمت عليه لغرض من الأغراض، ولهذا قال أبو العباس القرافي «تجوز قراءته "بالباء" الموحدة و"بالباء" المثناة لأن المقصود الغرضي منه التلبيس على السامع» وأما الآية فالمخاطب فيها المشركون، وقد فهموا أن مراد الله سبحانه أنا على الهدى وأنهم في ضلالٍ مبين، ولو كان على الإبهام لكان مستمسكًا لهم وحجة علينا وذلك باطل، وكذا البيت معناه كمعنى الآية، فلو قيل: إن معناها الترجيح كان حسنًا، ولو مثلوا للإبهام بقوله تعالى: {إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} لكان متجهًا والله أعلم.
الثالث: التخيير وهي الواقعة بعد الطلب وقبل ما يمتنع فيه الجمع نحو: تزوج هندًا
"أو" أختها، ونحو قول الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ}، واجتماع هذه الخصال في الكفارة في حال كونها كفارة ممتنع لم يقل به أحد من أهل العلم.
الرابع: الإباحة: وهي الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع نحو: تعلم الفقه
"أو" النحو، وجالس العلماء "أو" الزهاد، وأما قول الله عز وجل: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا}، فإنها واقعة بعد طلب، وقد قال فيها قوم هذا يعارض ويقابل بضده فيتبين المعنى ويصح المراد، وذلك إذا قيل: أطع زيدًا "أو" عمرًا فإنما يريد: أطع واحدًا منهما، فإذا أطاع أحدهما "أو" أطاعهما فقد أطاع واحدًا منهما وامتثل الأمر، وكذلك إذا نهيناه وقلنا: لا تطع زيدًا "أو" عمرًا فقد قلنا: لا تطع واحدًا منهما. فأيهما فعل فقد أطاع واحدًا منهما وخالف النهي، ولا سبيل له إلى امتثال النهي إلا بترك طاعتهما جميعًا حتى لا يطيع واحدًا منهما، فهي في النهي حظر للجميع كما أن الإباحة إطلاق للجميع.
وتلخيصه: أنها تدخل للنهي عما كان مباحًا، وقال بعضهم: إن
"أو" في الآية لبيان النوع أي: لا تطع هذا النوع، وقال بعضهم: هي بمعنى "الواو"، وقال بعضهم: بمعنى "ولا" وسيأتي ذكر هذه الوجوه إن شاء الله تعالى.
الخامس: الجمع المطلق "كالواو"، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي واحتجوا بجملة من الأبيات، قال الشاعر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجرٌ .... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقال آخر:
وكان سيان الا يسرحوا نعمًا .... أو يسرحوه بها واغبرت السوح
يعني الجدب، وقال النابغة:
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا .... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
ويقويه أنه يروى «ونصفه فقد».
وقال جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحا .... عدلت بهم طهية والخشابا
أي: أعدلت هذين بهذين وهما قبيلتان، وقال متمم بن نويرة:
فلو أن البكاء يرد شيئًا .... بكيت على بجير أو عفاق
على المرئين إذ هلكا جميعًا .... لشانهما بشجو واشتياق
وقال ابن أحمر:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالثٍ .... إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا
يريد: البثا شهرين ونصف الثالث؛ لأن لبث الثالث لا يكون إلا بعد شهرين.
السادس: الإضراب "كبل"، فعن سيبويه أجازته بشرطين:
أحدهما: تقدم نفي
"أو" نهي، والثاني: إعادة العامل، نحو: ما قام زيد "أو" ما قام عمرو، ولا يقم زيد "أو" لا يقم عمرو، نقله عنه ابن عصفور.
وقال الكوفيون وأبو علي وأبو الفتوح وابن برهان تأتي مطلقًا واحتجوا بقول جرير:
ماذا ترى في عيــــال قد برمت بهم .... لم أحص عدتهــــــم إلا بعــــــــــــــداد
كانــــــــــــوا ثمانين أو زادوا ثمــــــــــــــــانيةً .... لولا رجــــــاؤك قد قتلت أولادي
ويقول الآخر:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى .... وصورتها أو أنت في العين أملح
واختلف في قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} فكان الفراء يقول: "بل" يزيدون، فقال بعض البصريين منكرًا لهذا لو وقعت "أو" في هذا الموضع موقع "بل" لجاز أن تقع في غير هذا الموضع وكنا نقول: ضربت زيدًا "أو" عمرًا على غير الشك لكن بمعنى "بل"، وهذا غير جائز.
وقالوا أيضًا: "بل" تأتي للإضراب بعد غلط
"أو" نسيان وهذا منتف عن الله سبحانه فإن أتى بعد كلام قد سبق من غير القائل فالخطأ إنما لحق كلام الأول نحو قوله عز وجل: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا}، فهم أخطأوا في هذا وكفروا به فقال جل وعز: {بل عبادٌ مكرمون} ولأجل هذا زعم قوم أن قول تعالى: {أو يزيدون} على هذا.
قال ابن فارس: وقول الفراء قد تقدمه فيه ناس، وقول من قال "بل" لا يكون إلا إضرابًا بعد غلط
"أو" نسيان، خطأ لأن العرب تنشد:
= بل ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا =
وهذا ليس من المعنيين في شيء.
وقال بعض الكوفيين في الآية:
"أو" بمعنى "الواو" وأنشد:
= ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالثٍ =
وللبصريين فيها أقوال أخر، قيل: للإبهام، وقيل: للتخيير، أي: إذا رآهم الرائي تخير بين أن يقول هم مئة ألف "أو" يقول هم أكثر، ونقل عن سيبويه، قال ابن هشام: وفي ثبوته عنه نظر فإنه لا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما، وقيل: هي للشك مصروفًا إلى الرائي ذكره ابن جني، وقال قوم: هي بمعنى الإباحة كأنه قال: إذا قال قائل: هم مائة ألف، فقد صدق، وإذا قال غيره: "بل" يزيدون على مائة ألف فقد صدق، نقله ابن فارس.
وهذه الأقوال غير القول أنها بمعنى "الواو" مقولة في قوله تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}.
وفي قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة}، وترد هذه بمعنى التفصيل فقد قال قوم: المعنى «بعضها كالحجارة
"و"بعضها أشد قسوة» وهذا هو المعنى السابع: أعني: التفصيل، وبعضهم يسميه التقسيم، وبعضهم يسميه التبعيض، ومنه قول الله تعالى: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}، و{قالوا ساحرٌ أو مجنون}، أي: وقال بعضهم"و"هم اليهود: كونوا هودًا، وقال بعضهم وهم النصارى: كونوا نصارى، ولا يجوز أن يراد بهذا التخيير؛ لأن جملتهم لا يخيرون بين اليهود والنصرانية.
الثامن: ذكره بعض أهل العلم وسماه بيان النوع وهو قريب مما قبله
"أو" هو التقسيم، كقول الله تعالى: {وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولًا}، ومنه في قول بعضهم: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا}.
التاسع: ذكره جماعة منهم ابن مالك وهو أن تكون بمعنى
"ولا" كقول الشاعر ابن الرعلاء الغساني:
ما وجد ثكلي كما وجدت ولا .... وجد عجول أضلها ربع
أو وجد شيخ أضل ناقته .... يوم توافى الحجيج فاندفعوا
ومنه قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} في قول بعضهم.
العاشر: تكون بمعنى
"إلا" في الاستثناء وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولهم: لأقتلنه "أو" يسلم والمعنى إلا أن يسلم قال الشاعر زياد الأعجم:
وكنت إذا غمزت قناة قومٍ .... كسرت كعوبها أو تستقيما
وقال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما .... نحاول ملكًا أو نموت فنعذار
ومنه قوله تعالى: {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}.
الحادي عشر: تكون بمعنى الغاية "كإلى" و"حتى"، وهذه كالتي قبلها في انتصاب المضارع بعدها "بأن" مضمرة نحو: لألزمنك
"أو" تقضيني حقي.
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى .... فما انقادت الآمال إلا لصابر
وقال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنمــــــــــــــــــا .... نحاول ملكًا أو نموت فنــــــــــعذرا
الثاني عشر: التقريب، نحو: ما أدري أسلم"أو" ودع، قاله الحريري وغيره.
الثالث عشر: الشرط نحو: لأضربنه عاش
"أو" مات أي: "إن" عاش بعد الضرب و"إن" مات.

قال ابن هشام: والتحقيق أن "أو" موضوعة لأحد الشيئين "أو" الأشياء، وهو الذي يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى "بل" وإلى معنى "الواو"، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها ثم قال:ومن العجب أنهم ذكروا من معاني صيغة الأمر: التخيير والإباحة ومثلوه بنحو: خذ من مالي درهمًا "أو" دينارًا، وجالس الحسن "أو" ابن سيرين، ثم ذكروا أن "أو" تفيدهما ومثلوه بالمثالين المذكورين، ومن البين الفساد هذا المعنى الثاني عشر أن "أو" فيه إنما هي للشك على زعمهم، وإنما استفيد التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع، إذ حصول ذلك مع تباعد ما بين الوقتين ممتنع "أو" مستبعد.
قلت: والعجب من تعجبه فإن الحروف جاءت لمعان في غيرها لا في نفسها ولكل شيء منها معان مخصوصة موضوعة لها، ولا شك أن معاني الحروف والأفعال تستفاد من مقاصد الكلام، وموارد الخطاب، وتركيب الألفاظ فإذا رأينا العرب قد استعملوا ذلك في معنى لم توضع له في بعض التراكيب، علمنا أن اللغة قد وردت باستعمال ذلك وأنه جائز في لسان العرب، وأنهم قد تجوزوا به عن موضوعه.
والدليل على ما قلته صنيعهم الذي تعجب منه، فتارة جعلوا معنى التخيير والإباحة في صيغة الفعل لأجل
"أو"، وتارة جعلوا "أو" بمعنى التخيير والإباحة لأجل موارد الخطاب ومقاصد الكلام.
وكذلك فعلوا في "الهمزة" فقالوا: تأتي للاستفهام وللتسوية، ولما تكلموا على
"أم" المعادلة نسبوا تلك الإفادة إليها وغير ذلك من تركيبات اللغة. ونكتة الأمر أن هذه الحروف منها ما هو مختص بمعنى واحد وضع له، ومنها ما هو مشترك بين معنيين وثلاثة وأكثر، فتستعمل في ذلك على سبيل الحقيقة وقد تستعمل في غير المعنى الموضوع له تجوزًا، كما استعملوا ثم موضع "الواو" وبالعكس، لكن لا يجوز أن تستعمل في ذلك المجاز إلا بدليل من اللسان أن العرب قد استعملوه في ذلك المجاز، ولا يجوز أن تستعمل فيه إذا لم تستعمله العرب لأن العاني غير متناهية.
ثم تُعرف الحقيقة في ذلك من المجاز بكثرة الاستعمال، وقد استقرأ الأئمة المتقدمون رضي الله تعالى عنهم ذلك من استعمال العرب، فوجدوهم وضعوا لبعض الحروف معنى
"أو" معاني واستعملوا لسانهم في ذلك كثيرًا وقد يجدون استعمالًا كثيرًا فينتهض عند بعضهم أن يكون وضعًا حقيقيًا ولا ينتهض عند بعضهم إلى رتبة الحقيقة وإنما يكون مجازًا كما قالوا في "الواو": هل تقتضي الترتيب "أو" لا؟
وقد يجدون استعمالًا كثيرًا في بعض المعاني فمنهم من يذهب إلى تأويله ورجوعه إلى معناه الأصلي الحقيقي، ومنهم من يجعله معنى آخر فيكون الحرف مشتركًا كما فعلوا في
"أو" التي بمعنى "الواو"، و"إن" الخفيفة المكسورة، و"أن" بمعنى "إذ" وغير ذلك.
وقد يكون الاستعمال قليلًا في ذلك المعنى فيكون مجازًا عند بعضهم، وبعضهم يتأوله على معناه الأصلي، ولا يجوز استعماله في ذلك المعنى لا حقيقة ولا مجازًا كما فعلوا في: "إن" بمعنى "نعم"، ولو كان هذا المختصر يحتمل أكثر من هذا لمثلت شيئًا كثيرًا من صنيعهم في معاني الحروف ومعاني الأفعال وغيرها وفي هذا كفاية إن شاء الله.
وقول ابن هشام: والتحقيق أن
"أو" موضوعة لأحد الشيئين "أو" الأشياء وهو الذي يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى "بل" وإلى معنى "الواو"، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها، في غاية التحقيق فليته اقتصر عليه ولم يعقبه بشيء.
وأما المركبة: فهي
"الواو" الناسقة المركبة مع "همزة" الاستفهام، كقوله تعالى: {أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} وقوله تعالى: {أو أمن أهل القرى} فإنهم لم يقصدوا باستفهامهم الإنكاري أحد الشيئين وإنما قصدوا إنكار الجميع فلما استفهموا أولًا نسقوا "بالوا" وقدموا عليها الهمزة لاستحقاقها التصدر في الكلام والله أعلم). [مصابيح المغاني: 146 - 159]


رد مع اقتباس