الموضوع: حاشا
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 03:43 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(حرف "الحاء")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "الحاء")
"حاشا": كلمة للتنزيه نحو: "حاشا" لله، أي: تذكر لتنزيه المولى ابتداء وتنزيه من يراد تنزيهه بعد ذلك، وذلك أنهم إذا أرادوا تنزيه شخص عن أمر قدموا عليه تنزيه المولى جل وعلا، فكأنهم يقولون: تنزه المولى عن أن يوجد هذا الأمر في هذا الشخص، وفيه من المبالغة ما لا يخفى.
وقرأ بعضهم:
"حاشا" لله بالتنوين، كما يقال: براءة لله من كذا، وقرأ ابن مسعود: {حاشا لله} كمعاذ الله، وتكون للاستثناء، وهي عند سيبويه وأكثر البصرين حرف بمنزلة "إلا"، لكنها تجر المستثنى.
وذهب المبرد والمازني وغيرهما إلى أنها تستعمل كثيرًا حرفا جارًا، وقليلًا فعلًا متعديًا جامدًا لتضمنه معنى "إلا"، وسمع اللهم اغفر لي ولمن يسمع
"حاشا" الشيطان، وأبا الأصمع: ويحتمل أن تكون رواية "الألف" على لغة من قال "إن" أباها وأبا أباها، فإذا قيل: قام القوم "حاشا" زيدًا، فالمعنى جانب هو أي: قيامهم، أو القائم منهم أو بعضهم زيدًا. وقد تكون فعلًا متصرفًا، تقول: "حاشيته" بمعنى: استثنيته، ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أسامة أحب الناس إلى ما حاشى فاطمة»، "ما": نافية، والمعنى: أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فاطمة، وقال النابغة:
ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه..... ولا أحاشى من الأقوام من أحد
وتوهم المبرد أن هذه مضارع "حاشى" التي يستثنى بها، وإنما تلك حرف أو فعل جامد لتضمنه معنى الحرف.
"حبذا": فعل وضع للمدح نحو: "حبذا" زيد، وهو مركب من "حب" و"ذا"، جعلا كشيء واحد، وتقول في المؤنث: "حبذا" هند لا حبذه.
"حتى": تكون حرفا جارا مثل: "إلى" في المعنى والعمل لكنها تخالف "إلى" من جهة أنها لا تقترن بالضمير، أما قوله: أتت "حتاك" تقصد كل فج، فضرورة، ومن جهة أن مسبوقها يكون "ذا" أجزاء نحو: أكلت السمكة "حتى" رأسها، فالرأس هو جزؤها الأخير أو ملاقيها لآخر جزء نحو: {سلام هي حتى مطلع الفجر}، فمطلع الفجر ليس جزءً أخيرًا من الليل، وإنما هو ملاق لآخر جزء منه، وسمع: نذرت قتالكم حتى الممات.
وزعم الشيخ شهاب الدين القرافي أنه لا خلاف في دخول "ما" بعد "حتى"، وليس كما ذكر، بل الخلاف فيها مشهور، وإنما الاتفاق في "حتى" العاطفة لا الخافضة؛ لأن العاطفة بمنزلة "الواو"، والقاعدة أنه إذا لم يكن مع "حتى" قرينة تدل على دخول "ما" بعدها فيما قبلها كما في قوله:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ..... والزاد حتى نعله ألقاها
حمل الدخول ويحكم في مثل ذلك لما بعد "إلى" بعدم الدخول على العكس حملًا على الغالب في البابين، فإن قلت: إن الذي أخبر أولًا بأنه ألقاها إنما هو الصحيفة والزاد والنعل لم تدخل فيها، فليست جزءًا، قلت: يؤول ذلك بالمثقل، فكأنه قال: ألقي ما يثقله "حتى" نعله، فالنعل جزء مما قبلها تأويلًا، ومما انفردت به "إلى" عن "حتى" أنه يجوز سرت من البصرة "إلى" الكوفة، ولا يجوز ذلك في "حتى"؛ لأن الأصل في الغاية أن تكون "بإلى"؛ إذ لا تخرج عنه "إلى" معنى آخر، و"حتى" ضعيفة في معنى الغاية فإنها تخرج "إلى" غيرها من المعاني.

الوجه الثاني من أوجه حتى: أن ينتصب الفعل المضارع بعدها بتقدير "أن"، نحو: سرت "حتى" أدخلها، وإنما قلنا: "إن" النصب "بأن" مضمرة لا بنفس "حتى"، كما يقول الكوفيون؛ لأن "حتى" قد ثبت أنها تخفض الأسماء وما يعمل في الأسماء لا يعمل في الأفعال، وكذا العكس.
و"لحتى" الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان:
أحدها: مرادفة "إلى" "أن"، نحو: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}، أي: "إلى" "أن" يرجع.
والثاني: مرادفة "كي" التعليلية، نحو: أسلم "حتى" تدخل الجنة.
والثالث: مرادفة "إلا" في الاستثناء، كقوله:
ليس العطاء من الفضول سماحة ..... حتى تجود وما لديك قليل
أي: "إلا" "أن" تجود، وقوله:
والله لا يذهب شخصي باطلًا ..... حتى أبير مالكًا وكاهلًا
ولا ينتصب الفعل بعد "حتى" إلا إذا كان مستقبلًا. ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن التكلم فالنصب واجب نحو: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}، فإن رجوع موسى عليه السلام كان مستقبلًا بالنظر إلى الزمن الذي تكلموا فيه بقولهم: {لن نبرح عليه عاكفين}، وبالنسبة إلى عدم انفكاكهم عن عبادة العجل أيضًا.
وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان نحو: {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه}، فإن قولهم: إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال لا بالنظر إلى زمن قص ذلك علينا، فإن الله تعالى أخبرنا به بعد ما وقع، فأما وجبوب الرفع فهو عند تمحص الفعل للحال فلا يصح النصب بها في هذه الحالة، وذلك نحو قولك: سرت "حتى" أدخلها، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، ويشترط في الفعل أيضًا أن يكون مسببًا عما قبل "حتى" فلا يجوز: سرت "حتى" تطلع الشمس؛ لأن طلوع الشمس لا يتسبب عن السير، ولا ما سرت "حتى" أدخلها؛ لأن الدخول لا يتسبب عن عدم السير.

الوجه الثالث من اوجه حتى: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو"، بشرط أن يكون معطوفها ظاهرًا لا مضمرًا، كما أن ذلك شرط مجرورها، كذا ذكره بعضهم.
والثاني: أن يكون بعضًا من جمع ذكر قبلها نحو: قدم الحاج "حتى" المشاة، أو جزءً من كل، نحو: أكلت السمكة "حتى" رأسها، أو بمنزلة الجزء نحو: أعجبتني الجارية "حتى" حديثها، ويمتنع أن تقول: "حتى" ولدها، والذي يضبط لك ذلك أنها تدخل حين يصح دخول الاستثناء المتصل، وتمتنع حين يمتنع؛ إذ يصح أن تقول قدم الحاج "إلا" المشاة، وأكلت السمكة "إلا" رأسها، ولا يصح: أعجبتني الجارية "إلا" ولدها "إلا" على أن الاستثناء منقطع.
والثالث: أن يكون المعطوف غ اية لما قبلها، أما في زيادة أو في نقص مثال الأول: مات الناس
"حتى" الأنبياء، ومثال الثاني: زارك الناس "حتى" الحجامون، والكوفيون ينكرون العطف "بحتى"، ويحملون نحو: جاء القوم "حتى" أبوك، ورأيتهم "حتى" أباك، ومررت بهم "حتى" أبيك، على أن "حتى" فيه حرف ابتداء، وأن ما بعدها على إضمار عامل، والتقدير في الأول: "حتى" جاء أبوك، وفي الثاني: "حتى" رأيت أباك، وفي الثالث: "حتى" مررت بأبيك، وهلم جرا.

الوجه الرابع من أوجه حتى: أن تكون حرف ابتداء، أي: حرفًا تبتدئ بعده الجمل، فيدخل على الجملة الاسمية، كقول جرير:
فما زالت القتلى تمج دماءها ..... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
الأشكل الذي فيه بياض وحمرة مختلطان، وقول الفرزدق:
فوا عجبًا حتى كليب تسبني ..... كأن أباها نهشل أو مجاشع
ولابد هنا من تقدير محذوف قبل "حتى" يكون ما بعدها غاية له، أي: فوا عجبًا يسبني الناس "حتى" كليب تسبني، وتدخل أيضًا على الفعلية التي يكون فعلها مضارعًا كقول حسان:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ..... لا يسألون عن السواد المقبل
ومنه قراءة نافع: {حتى يقول الرسول}، وعلى الفعلية التي فعلها ماض نحو: {حتى عفوا}، وقالوا: ونحو: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم}، وزعم ابن مالك والأخفش أنها هنا جارة، وأن إذا في موضع جربها، والجمهور على خلاف ذلك، وأنها حرف ابتداء، وقد دخلت "حتى" الابتدائية على الجملتين الاسمية والفعلية في قوله:
سريت بهم حتى تكل مطيهم ..... وحتى الجياد ما يقدمن بارسان
فيمن رواه برفع تكل والمعنى "حتى" كلت، وقد يكون الموضع صالحًا لأقسام "حتى" الثلاثة، كقولك: أكلت السمكة "حتى" رأسها، فلك أن تخفض على معنى "إلى"، وأن تنصب على معنى العطف، وأن ترفع على الابتداء، وقد روي بالأوجه الثلاثة "حتى" نعله ألقاها، وإذا قلت: قام القوم "حتى" زيد، جاز الرفع والخفض دون النصب، وكان لك في الرفع أوجه أحدها الابتداء، والثاني: العطف، والثالث: إضمار الفعل على شريطة التفسير.
"حس": في الروض الأنف "حس" بمهملتين كلمة تقولها العرب عند الألم، وقال الأزهري: العرب تقول عند لذعة النار: "حس"، وقولهم: جيء به من "حسك" و"بسك"، المراد به: جيء به من رفقك وصعوبتك، وقال الأصمعي: من حيث كان أو لم يكن.
"حسب": قال في الصحاح: "حسبك" درهم أي: كفاك، وهو اسم، وهذا رجل "حسبك" من رجل وهو مدح، كأنه قال: "محسب" لك أي، كاف لك من غيره يستوي فيه الواحد والجمع والتثنية؛ لأنه في الأصل مصدر، وتقول في المعرفة: هذا عبد الله "حسبك" من رجل فتنصب، "حسبك" على الحال، ولك أن تتكلم "بحسب" مفردة، تقول: رأيت زيدًا "حسب" يا فتى، كأنك قلت: "حسبي" أو "حسبك"، فأضمرت هذا، فلذلك لم تنون لأنك أردت الإضافة، كما تقول: جاءني زيد ليس غير، تريد: ليس غيره.
"حسب": الحسب المقدار والعدد، وهو فعل بمعنى مفعول، ومنه قولهم: ليكن عملك "بحسب" ذلك، أي: على قدره وعدده، قال الكسائي: ما أدري ما "حسب" حديثك، أي: ما قدره، وربما سكن في ضرورة الشعر.
"حلا": كلمة تقولها العرب في أمر تكرهه مثل "كلا".
"حيث": وطي يقولون: حوث، ومن العرب من يعربها، وقراءة من قرأ: {من حيث لا يعلمون} تحتملها، وتحتمل لغة البناء على الكسر، وهي للمكان.
وقال الأخفش: إنها ترد للزمان، ويلزمها الإضافة إلى جملة اسمية كانت أو فعلية، نحو: اجلس "حيث" زيد جالس، أو "حيث" جلس زيد، وإضافتها إلى الفعلية أكثر، ومن ثم رجع النصب في نحو: جلست "حيث" زيد أراه، وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله:
ونطعنهم حتى الكلى بعد ضربهم .....بيض المواضي حيث لي العمائم
والكسائي يقيسه. وأندر من ذلك إضافتها إلى جملة محذوفة، ومن أضاف حيث إلى المفرد أعربها.
ووجد بخط الضابطين، أما ترى "حيث" سهيل طالعًا بفتح "ثاء" "حيث"، وخفض سهيل، وإذا قلت: "حيث" سهيل، بضم "حيث" رفع سهيل، كان الخبر محذوفًا تقديره: موجود وطالعًا حال، وإذا اتصلت بها "ما" الكافة ضمن معنى الشرط، وجزمت الفعلين كقوله:
حيثما تستقم يقدر لك اللـ ..... ـــه نجاحًا في غابر الأزمان
وهذا البيت دليل على مجيئها للزمان، وغابر هنا بمعنى المستقبل، والمعنى: أي وقت تستقيم يقدر لك الله فوزًا وسلامة في الأزمان المستقبلة.
ويحتمل المعنى أي مكان تستقيم فلا يكون دليلًا قطعيًا على ورودها للزمان.
قال أبو البقاء: وقد يراد "بحيث": الإطلاق، وذلك في مثل قولنا: الإنسان من "حيث" هو إنسان، أي: نفس مفهومه الموجود من غير اعتبار أمر آخر، وقد يراد بها التقييد، وذلك في مثل: الإنسان من "حيث" أنه يصح، وتزول عنه الصحة موضوع الطب، وقد يراد التعليل نحو: النار من "حيث" أنها حارة تسخن الماء، أي: حرارة النار علة تسخن الماء. اهـ، قلت: والناس يستعملون "حيث" للتعليل بدون "ما"، كقولك: "حيث" أنه زارني تعين على إكرامه، ويقولون أيضًا من هذه الحيثية أي من هذه الجهة، وهذه العلة.
"حي على": معناها "هلم" وأقبل، نحو: "حي على" الصلاة، ويقال أيضًا: "حي هلا"، و"حي هلا" على كذا، وإلى كذا، و"حي هل" كصه وحيهل بسكون "الهاء" وفتح "اللام"، و"حتى هلا" بفلان أي: عليك به، وادعه كما في القاموس). [غنية الطالب: 180 - 185]


رد مع اقتباس