الموضوع: حتى
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 05:13 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("حتى"
حرف، له عند البصريين ثلاثة أقسام: يكون حرف جر، وحرف عطف، وحرف ابتداء. وزاد الكوفيون قسماً رابعاً، وهو أن يكون حرف نصب، ينصب الفعل المضارع. وزاد بعض النحويين قسماً خامساً، وهو أن يكون بمعنى "الفاء". ولا بد من بيان هذه الأقسام واحداً واحداً.
الأول: "حتى" الجارة. ومعناها انتهاء الغاية. ومذهب البصريين أنها جارة بنفسها. وقال الفراء: تخفض، لنيابتها عن "إلى". وربما أظهروا "إلى" بعدها. قالوا: جاء الخبر "حتى" إلينا. جمعوا بينهما على تقدير إلغاء أحدهما. ومجرورها إما اسم صريح، نحو {حتى حين}، أو مصدر مؤول من "أن" والفعل المضارع، نحو: {حتى يقول الرسول}، لأن التقدير: "حتى أن" يقول.
هذا مذهب البصريين. وزاد ابن مالك، في أقسام مجرورها، أن يكون مصدراً مؤولا من "أن" وفعل ماض، نحو {حتى عفوا وقالوا}. قال الشيخ أبو حيان: ووهم في هذا، لأن "حتى" ههنا ابتدائية، و"أن" غير مضمرة بعدها.
ولمجرورها شرطان:
الأول: أن يكون ظاهراً، فلا تجر الضمير هذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين. وأجازه الكوفيون، والمبرد، كقول الشاعر:
فلا، والله، لا يلفي أناس ... فتى، حتاك، يابن أبي يزيد
وهذا عند البصريين ضرورة.
والثاني: أن يكون آخر جزء، أو ملاقي آخر جزء. فمثال كونه آخر جزء: أكلت السمكة "حتى" رأسها. ومثال كونه ملاقي آخر جزء: سرت النهار "حتى" الليل. ولو قلت أكلت السمكة "حتى" نصفها، أو ثلثها لم يجز. قال الزمخشري: لأن الفعل المتعدي بها الغرض فيه أن ينقضي شيئاً فشيئاً، "حتى" يأتي عليه.
وقال ابن مالك: هذا لا يلزم. واستدل بقول الشاعر:
عينت ليلة، فما زلت حتى ... نصفها راجياً، فعدت يؤوسا
قال الشيخ أبو حيان: ولا حجة في هذا البيت، لأنه لم يتقدم "حتى" ما يكون ما بعدها جزءاً منه، ولا ملاقياً لآخر جزء منه. فلو صرح، في الجملة، بذكر الليل، فقال فما زلت راجياً وصلها تلك الليلة "حتى" نصفها كان حجة.
واختلف في المجرور "بحتى" هل يدخل فيما قبلها أو لا؟ فذهب المبرد، وابن السراج، وأبو علي، وأكثر المتأخرين، إلى أنه داخل. وقال ابن مالك: "حتى" لانتهاء العمل بمجرورها، أو عنده. يعني أنه يحتمل أن يكون داخلاً فيما قلبها، أو غير داخل، فإذا انتهى الضرب به. ويجوز أن يكون غير مضروب، انتهى الضرب عنده. وذكر أن سيبويه والفراء أشارا إلى ذلك. وحكى عن ثعلب أن "حتى" للغاية، والغاية تدخل وتخرج. يقال: ضربت القوم "حتى" زيد فيكون مرة مضروباً، ومرة غير مضروب. وحكى في الإفصاح عن الفراء، والرماني، أنهما قالا: يدخل ما لم يكن غير جزء، نحو: إنه لينام الليل "حتى" الصباح. قال: وصرح سيبويه بأن ما بعدها داخل فيما قبلها، ولا بد. لكنه مثل بما هو بعض.
فإن قلت: "حتى" وإلى كلاهما لانتهاء الغاية، فهل بينهما فرق؟ قلت: بينهما فروق:
الأول: أن مجرور إلى يكون ظاهراً وضميراً، بخلاف "حتى" فإن مجرورها لا يكون ضميراً.
الثاني: أن مجرور إلى لا يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء. تقول: أكلت السمكة "إلى" نصفها. بخلاف "حتى".
الثالث: أن أكثر المحققين على أن "إلى" لا يدخل ما بعدها فيما قبلها بخلاف "حتى".

القسم الثاني: "حتى" العاطفة، نحو: قدم الحجاج "حتى" المشاة، ورأيت الحجاج "حتى" المشاة، ومررت بالحجاج "حتى" المشاة. فهذه حرف عطف، تشرك في الإعراب والحكم. وقد روى سيبويه، وغيره من أئمة البصريين، والعطف بها. وخالف الكوفيون، فقالوا: "حتى" ليست بعاطفة. ويعربون ما بعدها، على إضمار عامل.
وللمعطوف "بحتى" شرطان:
الأول: أن يكون بعض ما قبلها، أو كبعضه. فمثال كونه بعضاً: قدم الحجاج "حتى" المشاة. ومثال كونه كبعض: قدم الصيادون "حتى" كلابهم. وقد يكون مبايناً، فتقدر بعضيته بالتأويل، كقول الشاعر:
ألقى الصحيفة، كي يخفف رحله ... والزاد، حتى نعله ألقاها
لأن المعنى: ألقى ما يثقله "حتى" نعله. ولا يكون إلا واحداً من جمع، نحو: أكلت السمكة "حتى" رأسها. فلو قلت ضربت الرجلين "حتى" أفضلهما لم يجزم لأنه ليس جزءاً من أجزاء المعطوف، ولا واحداً من جمع.
قلت: هذا الشرط ذكره النحويون، في باب العطف، ولم أرهم ذكروه في باب الجر، إلا ابن مالك فإنه قال: ومجرورها، يعني "حتى"، إما بعض لما قبلها، من مفهم جمع إفهاماً صريحاً، أو غير صريح، وإما كبعض. قال: عنيت بالصريح كونه بلفظ موضوع للجمعية، فيدخل في ذلك الجمع الاصطلاحي واللغوي، كرجال وقوم. وعنيت بغير الصريح ما دل على الجمعية، بلفظ غير لها، كقوله تعالى: {ليسجننه حتى حين}. فإن مجرور "حتى" فيه منتهى لأحيان، مفهومة، غير مصرح بذكرها. انتهى ما ذكره. وعندي فيه نظر. فإن المجرور "بحتى" قد يكون ملاقياً لآخر جزء. نحو: سرت النهار "حتى" الليل.
الثاني: "أ"، يكون غاية لما قبلها، في زيادة، أو نقص. والزيادة تشمل القوة والتعظيم. والنقص يشمل الضعف والتحقير. وقد اجتمعت الزيادة والنقص، في قول الشاعر:
قهرناكم، حتى الكماة، فإنكم ... لتخشوننا، حتى بنينا، الأصاغرا
فإن قلت: ما الفرق بين "حتى" الجارة و"حتى" العاطفة؟ قلت: الفرق بينهما من أوجه:
الأول: أن العاطفة يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها. وأما الجارة فقد يدخل وقد لا يدخل، كما سبق. فالذي بعد العاطفة يكون الانتهاء به. والذي بعد الجارة قد يكون الانتهاء به، وقد يكون الانتهاء عنده.
الثاني: أن العاطفة يلزم أن يكون ما بعدها غاية لما قبلها، في زيادة، أو نقص. وأما الجارة ففيها تفصيل؛ وهو أن مجرورها إن كان بعض ما قبله من مصرح به، وكان منتهى به، فهو كالمعطوف، في اعتبار الزيادة والنقص. وإن كان بعضاً لشيء لم يصرح به، نحو {ليسجننه حتى حين}، أو كان منتهى عنده، لم يعتبر فيه ذلك.
الثالث: أنا ما بعده الجارة قد يكون ملاقياً لآخر جزء، بخلاف العاطفة، وقد تقدم.

تنبيه
قد ظهر، بما ذكرته، أن الجارة أعم، لأن كل موضع جاز فيه العطف يجوز فيه الجر، ولا عكس، لأن الجر يكون في مواضع لا يجوز فيها العطف. منها أن يقترن بالكلام ما يدل على أن ما بعدها غير شريك لما قبلها. نحو: صمت الأيام "حتى" يوم الفطر. فهذا يجب فيه الجر. ومنها ألا يكون قبلها ما يعطف عليه، نحو {حتى مطلع الفجر}، و {حتى حين}. فيجب الجر أيضاً. قال ابن هشام في الإفصاح: اتفقوا على أنها لا يعطف بها، إلا حيث تجر، ولا يلزم العكس.
وتتعلق "بحتى" العاطفة مسائل، نذكرها مختصرة:
الأولى: أن "حتى" بالنسبة إلى الترتيب "كالواو"، خلافاً لمن زعم أنها للترتيب، كالزمخشري.
الثانية: لا تكون "حتى" عاطفة للجمل. وإنما تعطف مفرداً على مفرد. وذلك مفهوم من اشتراط كون معطوفها بعض المعطوف عليه.
الثالثة: حيث جاز العطف والجر فالجر أحسن، إلا في نحو: ضربت القوم "حتى" زيداً ضربته فالنصب أحسن، وله وجهان: أحدهما أن تكون عاطفة، وضربته توكيداً. والآخر أن تكون ابتدائية، وضربته مفسراً لناصب زيد من باب الاشتغال.
الرابعة: إذا عطف "بحتى" على مجرور. قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الجار، ليقع الفرق بين العاطفة والجارة. وقال ابن الخباز: لزم إعادة الجار، فرقاً بينها وبين الجارة. وقال ابن مالك في التسهيل: لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف. ومثل بعجبت من القوم "حتى" بنيهم. وفيه نظر.

القسم الثالث: "حتى" الابتدائية. وليس المعنى أنها يجب أن يليها المبتدأ والخبر. بل المعنى أنها صالحة لذلك. وهي حرف ابتداء، يستأنف بعدها الكلام، فيقع بعدها المبتدأ والخبر، كقول جرير:
فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة، حتى ماء دجلة أشكل
ويليها الجملة الفعلية، مصدرة بمضارع مرفوع، نحو {وزلزلوا حتى يقول الرسول}، على قراءة الرفع، أو بماض، نحو قوله تعالى: {حتى عفوا وقالوا}.
والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب، خلافاً للزجاج. فإنه ذهب إلى أن "حتى" هذه جارة، والجملة في موضع جر "بحتى". وهو ضعيف. قال ابن الخباز: لأنه يفضي إلى تعليق حرف الجر عن العمل، وذلك غير معروف.
و"حتى" هذه - أعني الابتدائية - تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها، فتشارك الجارة والعاطفة، في معنى الغاية.
وقد اجتمعت الثلاثة، في قول الشاعر:
ألقى الصحيفة، كي يخفف رحلة ... والزاد، حتى نعله ألقاها
يروى بجر النعل على أن "حتى" جارة، وبنصها على وجهين: أحدهما أنها عاطفة، والآخر أنها ابتدائية، والنصب بفعل مقدر، يفسره الظاهر، من باب الاشتغال. والرفع على أنها ابتدائية، ونعله مبتدأ، وألقاها خبره. ويروى بالثلاثة أيضاً قول الآخر:
عممتهم بالندى، حتى غواتهم ... فكنت مالك ذي غي، وذي رشد
قال بعضهم: ومذهب البصريين أنه لا يجوز الرفع بالإبتداء، إلا إذا كان بعده ما يصلح أن يكون خبراً. فإن صح الرفع في غواتهم كان حجة على الجواز.

القسم الرابع: "حتى" الناصبة للفعل. هذا القسم أثبته الكوفيون. فإن "حتى" عندهم تنصب الفعل المضارع بنفسها. وأجازوا إظهار أن بعدها توكيداً. ومذهب البصريين أنها هي الجارة، والناصب أن مضمرة بعدها.
ويتعلق بها مسألتان:
الأولى: في معناها. والمشهور أن لها معنيين:
أحدهما الغاية، نحو: {قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}.
والثاني التعليل، نحو: لأسيرن "حتى" أدخل المدينة. وعلامة كونها للغاية أن يحسن في موضعها "إلى أن" وعلامة كونها للتعليل أن يحسن في موضعها "كي".
وزاد ابن مالك في التسهيل معنى ثالثاً، وهو أن تكون بمعنى "إلا أن"، فتكون بمعنى الاستثناء المنقطع. كقول الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود، وما لديك قليل
وهو معنى غريب، ذكره ابن هشام، وحكاه في البسيط عن بعضهم. وقول سيبويه في قولهم والله لا أفعل كذا إلا أن تفعل: والمعنى: "حتى أن" تفعل، ليس نصاً على أن "حتى" إذا انتصب ما بعدها تكون بمعنى "إلا أن"، لأن ذلك تفسير معنى. ولا حجة في البيت، لإمكان جعلها فيه بمعنى "إلى".
الثانية: شرط الفعل المنصوب "بحتى" أن يكون مستقبلاً أو مؤولاً بالمستقبل. ومنه قراءة غير نافع {حتى يقول الرسول}. فهذا مؤول بالمستقبل. ومعنى ذلك أنه فعل قد وقع، ولكن المخبر يقدر اتصافه بالعزم عليه، حال الإخبار، فيصير مستقبلاً بالنسبة إلى تلك الحال، فينصب. وإذا كان الفعل حالاً، أو مؤولاً بالحال، رفع. فالحال نحو: سألت عنك "حتى" لا أحتاج إلى سؤال. والمؤول بالحال قراءة نافع {وزلزلوا حتى يقول}.
والمراد بالمؤول بالحال أن يكون الفعل قد وقع، فيقدر اتصافه بالدخول فيه، فيرفع لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال.

وهنا تنبيهات:
الأول: إذا كان الفعل حالاً، أو مؤولاً به، "فحتى" ابتدائية.
الثاني: علامة كونه حالاً، أو مؤولاً به، صلاحية جعل "الفاء" في موضع "حتى". ويجب حينئذ كون ما بعدها فضلة، متسبباً عما قبلها.
الثالث: قد فهم من هذا أن الرفع يمتنع، في نحو: كان سيري "حتى" أدخلها، إذا جعلت ناقصة، لأنه لو رفع لكانت ابتدائية، فتبقى "كان" بلا خبر. وفي نحو: سرت "حتى" تطلع الشمس، لانتفاء السببية، خلافاً للكوفيين. وفي نحو: "ما" سرت، أو، أسرت "حتى" تدخل المدينة؟ مما يدل على حدث غير واجب، لأنه لو رفع لزم أن يكون مستأنفاً، مقطوعاً بوقوعه، وما قبلها سبب له.
وذلك لا يصح، لأن ما قبلها منفي في نحو "ما" سرت، ومشكوك في وقوعه في نحو أسرت فيلزم وقوع المسبب مع نفي السبب، أو الشك فيه.
وأجاز الأخفش الرفع في نحو: "ما" سرت "حتى" أدخل المدينة. فقيل: هي مسألة خلاف بينه وبين سيبويه. وقيل: إنما أجازه على أن يكون أصل الكلام واجباً، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام، بأسره. فنفيت أن يكون عنك سير كان عنه دخول. قال ابن عصفور: وهذا الذي قاله جيد، وينبغي ألا يعد خلافاً.

القسم الخامس: "حتى" التي بمعنى "الفاء" اعلم أنه قد تقدم، آنفاً، "حتى" إذا رفع المضارع بعدها لكونه حالاً، أو مؤولاً به، فهي "كالفاء" في إفادة معنى السببية. وتصلح "الفاء" في موضعها، ولكنها مع ذلك حرف ابتداء، لا حرف عطف، لأن "حتى" العاطفة لا تعطف الجمل عند الجمهور.
وذهب أبو الحسن إلى أنها إذا كانت بمعنى "الفاء" فهي عاطفة، وتعطف الفعل. وذلك إذا دخلت على الماضي، أو المستقبل، على جهة وتعطف الفعل على الفعل. وذلك إذا دخلت على الماضي، أو المستقبل، على جهة السبب. نحو: ضربت زيداً "حتى" بكى. ولأضربنه "حتى" يبكي. وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في يبكي، على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب.
ويتعلق به "حتى" فروع كثيرة. وفيما ذكرته كفاية.

فائدة
في "حتى" ثلاث لغات: المشهورة، وإبدال "حائها" "عيناً"، وهي لغة هذيلية، وبها قرأ ابن مسعود {ليسجننه حتى حين}، وإمالة "ألفها"، وهي لغة يمنية. والله سبحانه وتعالى أعلم).[الجنى الداني:542 - 558]


رد مع اقتباس