الموضوع: أسماء لا تثبت
عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 18 شوال 1438هـ/12-07-2017م, 06:00 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

الصادق

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (الصادق
الصادق في خبره: الذي لا تكذيب له، فالله عز وجل الصادق في جميع ما أخبر به عباده. قال الفراء: الصدق: قوة الخبر، والكذب: ضعف الخبر ومنه قيل: حمل فلان على القوم فما كذب أو ما ضعف، وكذلك قوله عز وجل: {ليس لوقعتها كاذبة} أي ليس لها مردود، وقد يقال أيضًا: «حمل فلان على القوم فما كذب»: أي فما رجع عنهم، وهذا راجع إلى ذلك لأنه إنما يرجع عن حملته عن القوم ضعفًا وجبنًا.
وقال الفراء: قال لي أبو ثروان: «إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة» أي تكذيب ويقال: «صدقوهم اللقاء» «وهو من الشيء الصدق، وهو الصلب». وقالت امرأة من العرب لعمرو بن معد يكرب وقد عرض نفسه عليها «إن لي بعلاً يصدق اللقاء ويخيف الأعداء، ويجزل العطاء».
والصادق أيضًا: الصادق في وعده، الوافي به، يقال: وفي بعهده ووعده وأوفى به، وفي كلام بعضهم «ما أرى كاليوم قفا واف» فقال له: «هي قفا غادر شر» فالله عز وجل الصادق في جميع ما وعد به عباده، وهذه الصفة من صفاته مستنبطة من سورة مريم من قوله: {إنه كان وعده مأتيا}: أي آتيا، مفعول بمعنى فاعل، وإذا كان وعده آتيًا فهو الصادق فيه، وكل شيء وعد الله عز وجل عباده به فهو كائن كما وعد به عز وجل لا محالة.
وقال أهل العربية: الصدق خلاف الكذب، والصدق بفتح الصاد الشيء الصلب، وكأن أصلهما واحد على ما ذهب إليه الفراء ولكنه كسر أول هذا للفرق بين اشتداد الخبر وقوته وبين صلابة غيره من الأشياء التي تقع فيها الصلابة والرخاوة من المجسمات والمجسدات.
وقالوا أيضًا: والصدق والكذب إنما يكونان في الإخبار خاصة، وفرقوا بين الكذب والخلف، فقالوا: الكذب فيما مضى وهو أن تقول: «فعلت كذا» ولم تفعله، والخلف فيما يستقبل وهو أن تقول: «سأفعل كذا» ولا تفعله. فيقال خلف وعده، ولو قيل في ذلك: «كذب فلان في وعده» لم يكن بعيدًا أي لم يأت به على ما وعده وضعف فيه.
والكلام في الإخبار على أوجه، فمنه: مستقيم حق، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، ومستقيم حسن، ومحلا، ومحال كذب، فأما المستقيم الحق فقولك: «خرج عبد الله أمس»، «وقدم عمرو أول من أمس» إذا أخبرت بذلك وقد كان.
وأما المستقيم الكذب فأن تخبر بذلك ولم يكن فيكون مستقيمًا في الوضع كذبًا، ومنه «شربت ماء البحر» إذا أردت جميعه، وكذلك «حملت الجبل» إذا أردت جميعه. فهذا مستقيم في الوضع كذب لأن البينة تدفع أن يكون هذا.
وأما مستقيم القبيح فأن تضع اللفظ غير موضعه نحو قولك: قد زيد رأيت، وكي زيد يأتيك، ولم أخاك أضرب، وما أشبه ذلك، فهو مستقيم لأنه لا نقص فيه ولا إحالة وهو قبيح في الوضع لأنك أوليت «قد» و«كي» و«لم» الأسماء، وإنما هي للأفعال وكذلك ما أشبهه.
فأما المستقيم الحسن فقولك: لم أضرب زيدًا، ولن أقصد محمدًا، وسوف أقصدك وما أشبه ذلك.
وأما المحال فأن تنقص آخر كلامك بأوله، وأوله بآخره نحو قام زيد غدًا، وسأقوم أمس، وإنما صار محالاً لأنه لا يصح له معنى.
وأما المحال الكذب فقولك: شربت ماء البحر غدًا، فهو محال لأن شربت ماض وقد زعمت أنه في غد فهذا محال، وهو كذب لأنك زعمت أنك شربت ماء البحر وليس هذا في طاقة أحد وهذا إذا أردت به كله على ما ذكرت لك.
فإن قال قائل: «شربت ماء البحر» وهو يريد بعضه فذلك سائغ في كلام العرب وهو خارج من هذا المقصد. وهذا مذهب سيبويه ومن تابعه في محال الكذب.
وأما الأخفش فكان يدفع المحال الكذب ويقول: المحال ما لا يصح له معنى ولا يجوز أن يقال فيه «صدق» و«كذب» فكيف يكون المحال كذبًا؟
والقول ما ذهب إليه سيبويه لأنه قد فرق بين المحال ومحال الكذب بما يستغنى به عن إعادته. فاعلم أن الصدق والكذب وإن كانا لا يوجدان إلا في الإخبار فليس كل خبر يمكن أن يقال فيه في الحال «صدق» أو «كذب» ألا ترى أن قائلاً لو قال: «سيخرج عبد الله غدًا»، «وسأركب غدًا إلى زيد» لم يمكن أن يقال له في الحال «كذبت» ولا «صدقت» لأنه يخبر بما سيفعله فلا يدري أيفعله فيصدق أم لا يفعله فيكذب لأن الوقت لم يأت بعد، فإذا حان الوقت وفعل ذلك قيل له «صدقت» وإن لم يفعل قيل له «كذبت»، فهو متعلق بالصدق والكذب فلا يوجد الصدق والكذب إلا في الإخبار فلذلك قالوا: الخبر ما جاز فيه صدق وكذب.
واختلف أهل العربية في معاني الكلام فقال الأخفش سعيد بن مسعدة ومن تابعه: معاني الكلام ستة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ودعاء، وتمن، فالخبر ما جاز فيه أن تقول «صدق» أو «كذب» كقولك: قام زيد، ولم ينطلق محمد، وما أشبه ذلك.
والاستخبار كقولك: هل خرج عبد الله؟ وأين أخوك؟ ومتى يخرج زيد؟، وما أشبه ذلك. فهذا طلب ولا يجوز أن تقول فيه «صدق» و«كذب».
والأمر نحو قولك: اخرج يا زيد، انطلق يا عبد الله.
والنهي نحو قولك: لا تقم، ولا تركب.
والطلب يجمع الأمر والنهي لأنك إذا قلت: اضرب أو لا تضرب فأنت في الوجهين تطلب منه أن يفعل ما أمرت به أو نهيت عنه، والأمر والنهي ينقسم كل واحد منهما بلفظ واحد ثلاثة أقسام، هو أمر لمن دونك وطلب إلى من فوقك ألا ترى أنك إذا قلت لمن فوقك: أعطني أحسن غلي لم تقل أمرته، ولكن تقول: طلبت منه، ومسألة لله عز وجل كقولك: اللهم اغفر لي، اللهم ارزقني وكذلك النهي تقول: هو نهي لمن دونك، وطلب إلى من فوقك، ومسألة لله عز وجل.
والدعاء: هو النداء كقولك «يا زيد» «يا عبد الله».
والتمني قولك: «ليت لي مالاً فأنفق منه»، وقال جماعة من النحويين منهم قطرب: معاني الكلام أربعة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، وقالت هذه الطائفة: التمني والدعاء داخلان في الخبر، وكان الأخفش يقول هما قسمان من الأقسام الستة التي ذكرنا، ويستدل على ذلك بأنه لا يقع فيهما «صدق» ولا «كذب».
وقال قطرب ومن تابعه: هما خبران وإنما امتنع التمني من الصدق والكذب لأن التمني إنما يخبر عن ضميره، فلا يجوز للمخاطب أن يقابله بالصدق أو الكذب لأن المخاطب لا يعلم من ضمير المتكلم ما يعلمه المتكلم من ضمير نفسه فيصدقه أو يكذبه، ولكن لو أن رجلاً علم منه كراهية لأمر ثم قال: ليت هذا الأمر وقع، لساغ أن يقال له «كذب» لما يعلم من كراهته له كقول القائل: ليت أني مريض، وليتني أفتقر، وما أشبه ذلك.
وأما الدعاء وهو النداء فإنما لم يجز فيه الصدق والكذب لأن حاله حاضرة ألا ترى أن من قال: «يا زيد فقد صوت ونادى زيدًا فليس لزيد أن يقابله بالتصديق للاستغناء عن ذلك، ولا يجوز له أن يقابله بالتكذيب فيكون مباهتًا له لأنه قد ناداه فكيف يقابله بالتكذيب؟ ومع ذلك فليس كل الأخبار يمكن فيها في الحال التصديق والتكذيب لأنهما لا يوجدان في غير الخبر.
وقال آخرون وهو مذهب أهل المنطق أيضًا معاني الكلام أربعة: خبر، واستخبار، وطلب، ونداء. فجعلوا الطلب يجمع الأمر والنهي والتمني، وجعلوا النداء وهو الدعاء قسمًا قائمًا بنفسه، ولم يجعله خبرًا، ولا جعلوا التمني خبرًا.
فأما التعظيم لله عز وجل: نحو قولك: «ما أعظم الله» والعرض كقولك: «ألا تأكل، ألا تجلس عندنا فتحدث» فداخلان تحت الخبر والطلب.
واتفقت الجماعة على أن الصدق والكذب لا يقعان إلا في الخبر. ويقال: صدق الرجل فهو صادق وصدوق، والصديق: الكثير التصديق للمبالغة في ذلك، وصدقت الرجل تصديقًا، وكذب الرجل كذبًا، وكذابًا، وكذابًا فهو كاذب وكذوب، وكذاب، ومكذبان بمنزلة ملأمان ومكرمان. ويقول سيبويه: لا يستعمل «مفعلان إلا في النداء خاصة فيقال: يا مكذبان، ويا ملأمان، وكذلك ما جاء على وزنه، ولا يستعمل في غير النداء. وحكى الفراء أن العرب تقول للكذب الكذبذب وأنشد:
وإذا سمعت بأنني قد بعته = بوصال غانية فقل كذبذب
ويقال: أصدقت المرأة صداقًا وصدقة، وتصدقت على فلان بكذا وكذا، وفلان مصدق: إذا أعطى. وقول العامة «فلان يتصدق إذا سأل» غلط فتقول: مررت على رجل يسأل الناس، ولا تقل يتصدق لأن المتصدق: المعطي. قال الله عز وجل: {وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين}. فأما قوله عز وجل: {إن المصدقين والمصدقات} فأصله «المتصدقين» و«المتصدقات» فأدغمت التاء في الصاد). [اشتقاق أسماء الله: 168-173]

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (والصادق: هو الذي يصدق قوله، ويصدق وعده. كقوله تعالى: {ومن أصدق من الله قيلا} [النساء: 122] وقوله تعالى: {الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74]).[شأن الدعاء: 102]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (80 - ومن أسماء الله عزّ وجلّ: الصّمد والصّادق والصّاحب والصّبور ...
عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أسماء الله :الصّادق والصّمد والصّبور، فاسمه الصّادق في سورة مريم وقال ابن عبّاسٍ: قوله {كهيعص} الصّاد: الصّادق.
- أخبرنا عمرو بن محمّد بن إبراهيم البزّاز، قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن النّعمان، قال: حدثنا أبو غسّان، حدثنا زهير بن معاوية، عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قفل من سفرٍ قال: صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده). [التوحيد: 2/143]


رد مع اقتباس