الموضوع: الشكور -الشاكر
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28 شعبان 1438هـ/24-05-2017م, 09:23 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) : (الشاكر
الشاكر: اسم الفاعل من شكر يشكر فهو شاكر ومشكور، والشكر: مقابلة المنعم على فعله بثناء عليه، وقبول لنعمته، واعتراف بها، هذا أصله في اللغة.
فلما كان الله عز وجل يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها ولا يضيع لديه تبارك وتعالى لهم عمل عامل كان شاكرًا لذلك لهم أي مقابلاً له بالجزاء والثواب، لأن من لم يشكر من الآدميين فعل المنعم عليه فقد كفر. والله عز وجل تتضاعف لديه الحسنات، ولا يضيع عنده أجر العاملين، فتأويل الشكر منه عز وجل هو المجازاة على أفعال المطيعين.
فإن قال قائل: فإذا كان الشكر منه عز وجل إنما هو مجازاة العاملين ومقابلة الأفعال بالثواب والجزاء فقالوا إنه يشكر أيضًا أفعال الكفار لأنه يجازيهم عليها.
قيل له: ذلك غير جائز لأنا قد قلنا: إن الشكر في اللغة إنما هو مقابلة المنعم على فعله بالثناء والاعتراف بفعله، ولما كان المسيء من العباد لا يقال له منعم ولم يستحق بذلك شكرًا بل استحق الذم، والسب لم يجز أن يكون الكفار محسنين في أفعالهم فيستحق الجزاء عليها والمقابلة بالجميل، بل كانوا مسيئين والمسيء مستحق للعقوبة والسب فلم يجز أن يسمى الفعل المقابل لفعالهم شكرًا.
ومعنى شكر العباد لله عز وجل هو كما ذكرنا من الآدميين اعترافهم بطوله عز وجل، وإنعامه ومقابلة ذلك بالإقرار والخضوع والطاعة له، ولذلك قال عز وجل: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}. فأخذ المتمثلون والخطباء هذا المعنى من القرآن فقالوا: «من شكر فقد استحق الزيادة».
وقد أكثر الشعراء في الشكر والإنعام ومقابلة بعضهما بعضًا، فمنهم من يرى الشكر كفاء للإنعام.
ومنهم من رآه دونه ورأي الفضل للمنعم على كل حال لأنه هو الذي أطلق لسان المنعم عليه بالشكر، ولولا الإنعام لم يكن إلى الشكر سبيل.
ومنهم من رأي الشكر يفوق الإنعام ويفضله وهذا من الشرف، والعلة في هذا الاختلاف أن كل واحد منهم تكلم على حسب حاله وهواه، فمن رأي الشكر دون الإنعام ورآه مع ذلك يبلغه بتطاوله... الحكمي في قوله:
قد قلت للعباس معتذرًا = من ضعف شكريه ومعترفًا
أنت أمرؤ جللتني نعمًا = أوهت قوى شكري فقد ضعفا
فإليك بعد اليوم تقدمة = لاقتك بالتصريح منكشفا
لا تسدين إلي عارفة = حتى أقوم بشكر ما سلفا
............ = فأحسن في قوله للخصيب وظرف:
فإن تولني منك الجميل فأهله = وإلا فإني عاذر وشكور
ومن رأى الشكر يفوق الإنعام الآخر حيث يقول عبد الصمد بن المعذل:
برز إحسانك في سبقه = ثم تلاه شكر لاحق
حتى إذا مد المدى بيننا = جاء المصلي وهو السابق
وأنشدنا ابن الأنباري في مثله:
وما بلغ الإنعام في النفع غاية = على المرء إلا غاية الشكر أفضل
ولا بلغت أيدي المنيلين بسطة = من الطول إلا بسطة الشكر أطول
ولا رجحت في الوزن يومًا صنيعة = على المرء إلا وهي بالشكر أثقل
ولا بذل الشكر امرؤ حق بذله = على العرف إلا وهو للمال أبذل
ومن يشكر المعروف يوما فقد أتى = أخا العرف في حسن المكافأة موغل
وأما الحمد: فالثناء على الرجل بما فيه من شجاعة، أو كرم أو سخاء أو جميل أو لاكه، فالحمد أعم من الشكر، والشكر يدخل تحت الحمد ولا يدخل الحمد تحت الشكر. ولذلك يقول أهل اللغة: قد يوضع الحمد موضع الشكر فيقال: «حمدت الرجل على معروفه وإحسانه». ولا يوضع الشكر موضع الحمد فيقال: «شكرت الرجل على شجاعته. ويقال، «حمدت الرجل» أحمده حمدًا ومحمدة «وأنا حامد» وهو حميد ومحمود»). [اشتقاق أسماء الله: 87-90]


رد مع اقتباس