عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:04 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الوسوسة أصل كل معصية وبلاء

قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الآيَةِ {برَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 1-3] فَإِنْ كَانَ المَقْصُودُ أَنْ يَسْتَعِيذَ النَّاسُ برَبِّهِمْ وَمَلِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ مِنْ شَرِّ مَا يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِهِمْ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الخَيْرُ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ وَيُطْلَبُ مِنْهُ دَفْعُ الشَّرِّ الَّذِي يَضُرُّهُمْ.
وَالوَسْوَاسُ أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ يَضُرُّهُمْ؛ لأَنَّهُ مَبْدَأٌ لِلْكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ وَعُقُوبَاتُ الرَّبِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى ذُنُوبهِمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لأَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَكُلُّ مَا يُصِيبُهُ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِ وَإِذَا ابْتُلِيَ بمَا يُؤْلِمُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ دَرَجَتَهُ وَيَأْجُرُهُ إذَا قُدِّرَ عَدَمُ الذُّنُوب مُطْلَقًا لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بوَاقِعٍ مِنْهُمْ فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَاطِئِينَ التَّوَّابُونَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 72، 73].
فَغَايَةُ المُؤْمِنِينَ الأنْبيَاءِ فَمَنْ دُونَهِمْ هِيَ التَّوْبَةُ:
-قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].
-وَقَالَ نُوحٌ: {رَب إنِّي أَعُوذُ بكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ (47)} [هود: 47].
-وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة: 128].
وَقَالَ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ (155)} [الأعراف: 155].
وَدُعَاءُ نَبيِّنَا بمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ.
فَكَانَ الوَسْوَاسُ مَبْدَأَ كُلِّ شَرٍّ فَإِنْ كَانُوا قَدِ اسْتَعَاذُوا برَبِّهِمْ وَمَلِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ مِنْ شَرِّهِ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ وَسْوَاسُ الجِنِّ وَالإِنْسِ، وَسَائِرُ شَرِّ الإِنْسِ إنَّمَا يَقَعُ بذُنُوبهِمْ فَهُوَ جَزَاءٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ كَالشَّرِّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ الجِنِّ بغَيْرِ الوَسْوَاسِ، وَكَمَا يَحْصُلُ مِنَ العُقُوبَاتِ السَّمَاوِيَّةِ.
وَهُمْ لَمْ يَسْتَعِيذُوا هُنَا مِنْ شَرِّ المَخْلُوقَاتِ مُطْلَقًا كَمَا اسْتَعَاذُوا فِي سُورَةِ الفَلَقِ بَلْ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ مَبْدَؤُهُ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ رَب النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلَهِ النَّاسِ يَسْتَعِيذُونَ بهِ لِيُعِيذَهُمْ وَلِيُعِيذَ مِنْهُمْ وَهَذَا أَعَمُّ المَعْنَيَيْنِ فَذَلِكَ يَحْصُلُ بإِعَاذَتِهِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ المُوَسْوِسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوَسْوِسُ بظُلْمِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبإِغْوَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَبإِعَانَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ.
فَمَا حَصَلَ لإِنْسِيٍّ شَرٌّ مِنْ إنْسِيٍّ إلا كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنَ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ وَإِلا فَمَا يَحْصُلُ مِنْ أَذَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الوَسْوَاسِ بَلْ كَانَ مِنَ الوَحْيِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بهِ مَلائِكَتَهُ كَانَ عَدْلاً كَإِقَامَةِ الحُدُودِ وَجِهَادِ الكُفَّارِ وَالاقْتِصَاصِ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَهَذِهِ الأمُورُ فِيهَا ضَرَرٌ وَأَذًى لِلظَّالِمِينَ مِنَ الإِنْسِ لَكِنْ هِيَ بوَحْيِ اللَّهِ لا مِنَ الوَسْوَاسِ، وَهِيَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي حَقِّ عِبَادِهِ حَتَّى فِي حَقِّ المُعَاقَب فَإِنَّهُ إذَا عُوقِبَ كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَإِلا كَانَ تَخْفِيفًا لِعَذَابهِ فِي الآخِرَةِ بالنِّسْبَةِ إلَى عَذَاب مَنْ لَمْ يُعَاقَبْ فِي الدُّنْيَا.
وَلِهَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً فِي حَقِّ العَالَمِينَ باعْتِبَارِ مَا حَصَلَ مِنَ الخَيْرِ العَامِّ بهِ وَمَا حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ بهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
-وَباعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ رَحْمَةٌ فَمِنْ قِبَلِهَا وَإِلا كَانَ هُوَ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ.
-وَباعْتِبَارِ أَنَّهُ قَمَعَ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ فَنَقَصَ شَرُّهُمْ وَعَجَزُوا عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بدُونِهِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ؛ فَكَانَ تَعْجِيلُ مَوْتِهِمْ خَيْرًا مِنْ طُولِ عُمْرِهِمْ فِي الكُفْرِ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ.
فَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ بكُلِّ اعْتِبَارٍ فَلا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ مِنَ الأنْبيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمُ المُؤْمِنِينَ وَهُمْ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ بأَعْدَائِهِمْ مَا هُوَ أَذًى وَعُقُوبَةٌ وَأَلَمٌ لَهُمْ؛ فَلَمْ تَبْقَ الاسْتِعَاذَةُ مِنَ النَّاسِ إلا مِمَّا يَأْتِي بهِ الوَسْوَاسُ إلَيْهِمْ؛ فَيُسْتَعَاذُ برَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلَهِ النَّاسِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ لِلْمُسْتَعِيذِ وَمِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ لِسَائِرِ النَّاسِ حَتَّى لا يَحْصُلَ مِنْهُمْ شَرٌّ لِلْمُسْتَعِيذِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ شَرٌّ إلا مِنَ الوَسْوَاسِ كَانَتِ الاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ الَّذِي يُوَسْوِسُ لَهُمْ تَحْصِيلاً لِلْمَقْصُودِ، وَكَانَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَأَقْرَبَ إلَى العَدْلِ، وَكَانَ مَخْرَجًا لِأَنْبيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّهِمْ وَأَنْ يُقْرَنُوا بالوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْضِيلاً لِلْجِنِّ عَلَى الإِنْسِ وَهَذَا لا يَقُولُهُ عَاقِلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّرِّ كُلِّهِ مِنَ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ فَلا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الاسْتِعَاذَةِ مِنْ وَسْوَاسِ النَّاسِ فَإِنَّهُ تَابعٌ لِوَسْوَاسِ الجِنِّ.
قِيلَ: بَلِ الوَسْوَسَةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنَ الجِنِّ وَنَوْعٌ مِنْ نُفُوسِ الإِنْسِ، كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] فَالشَّرُّ مِنَ الجِهَتَيْنِ جَمِيعًا، وَالإِنْسُ لَهُمْ شَيَاطِينُ كَمَا لِلْجِنِّ شَيَاطِينُ). [مجموع الفتاوى:17/514-517] (م)
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(فَصْلٌ: وَبهَذَا يَتَبَيَّنُ فَضْلُ هَذِهِ الاسْتِعَاذَةِ وَالَّتِي قَبلَهَا كَمَا جَاءَتْ بذَلِكَ الأحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعِذِ المُسْتَعِيذُونَ بمِثْلِهِمَا؛ فَإِنَّ الوَسْوَاسَ أَصْلُ كُلِّ كُفْرٍ وَفُسُوقٍ وَعِصْيَانٍ فَهُوَ أَصْلُ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ فَمَتَى وُقِيَ الإِنْسَانُ شَرَّهُ وُقِيَ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَعَذَابَ القَبْرِ وَفِتْنَةَ المَحْيَا وَالمَمَاتِ وَفِتْنَةَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ إنَّمَا تَحْصُلُ بطَرِيقِ الوَسْوَاسِ وَوُقِيَ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعَذَّبُ عَلَى الذُّنُوب، وَأَصْلُهَا مِنَ الوَسْوَاسِ.
ثُمَّ إنْ دَخَلَ فِي الآيَةِ وَسْوَاسُ غَيْرِهِ بحَيْثُ يَكُونُ قَوْلُهُ: {مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ} [الناس: 4] اسْتِعَاذَةً مِنَ الوَسْوَاسِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ وَالَّذِي يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بسَبَبهِ فَقَدْ وُقِيَ ظُلْمَهُمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُرِيدُ وَسْوَاسَهُ؛ فَهُمْ إنَّمَا يُسَلِّطُونَ عَلَيْهِ بذُنُوبهِ وَهِيَ مِنْ وَسْوَاسِهِ قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].
وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].
وَقَالَ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: 79] ).[مجموع الفتاوى:17/518] (م)
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (فأصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وبلاءٍ إنما هو الوَسوسةُ، فلهذا وَصَفَه بها لتكونَ الاستعاذةُ من شَرِّها، أهمَّ من كلِّ مُستعاذٍ منه، وإلا فشَرُّه بغيرِ الوَسوسةِ حاصلٌ أيضًا). [بدائع الفوائد: 2/258]


رد مع اقتباس