عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 12:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أثر الاستعاذة بالله تعالى على قلب العبد:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أثر الاستعاذة بالله تعالى على قلب العبد:
من أعظم ثمرات الاستعاذة بالله عمران القلب بخشية الله وصدق الإنابة إليه، وما تثمره من التفكّر والتذكّر والتبصّر والاستقامة.

- فأمّا الخشية فلما يقوم بقلبه من المعرفة بالله تعالى وبأسمائه وصفاته والمعرفة بما كسبت نفسه وفرّطت فيه من أوامر الله ؛ فيخشى سخط ربّه وعقابه.
- وأمّا الإنابة فلأجل ما يقوم في قلبه من الإقبال على ربّه، والإعراض عما يصدّ عنه، وهذه الإنابة هي المقصود الأعظم للابتلاء بما يُستعاذ منه.
ومتى صحّت الإنابة في قلب العبد كان من الذين يهديهم الله كما قال الله تعالى: {قل إن الله يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب} ، وقال تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}
- وأما الصدق فلأجل أن المستعيذ صادق في طلب الإعاذة لشدّة حاجته إلى من يعصمه، واجتهاده في ذلك.
- وأما الإخلاص؛ فلأجل أن المؤمن يفزع إلى ربّه جلّ وعلا لا إلى غيره؛ فيستعيذ به وحده.
- وأما التوكّل فلأجل ما يقوم في قلب العبد من التفويض وعزمه على اتّباع هدى الله.
- وأمّا الاستعانة فلأجل معرفته بحاجته إلى عون الله تعالى على اتّباع هداه ليعصمه من شرّ ما استعاذ منه.
ومحركات القلوب إلى الله تعالى ثلاثة: المحبّة والخوف والرجاء
والاستعاذة تستحثّ هذه المحرّكات وتحفّزها في قلب العبد؛ فإذا دَهمَ القلبَ ما يزعجه ويخاف ضرره؛ فزع إلى الله تعالى ولاذ بجانبه وأيقن أنّه لا عاصم له إلا هو:
1. فيعظم الرجاء في الله لطلب السلامة والعصمة مما استعاذ منه؛ ذلك لأنّ المستعيذ إنما يحمله على الاستعاذة رجاؤه أن يستجيب له ربّه فيعيذه من شرّ ما استعاذ منه.
2. ويعظم الخوف من الله تعالى لعلم العبد بأنّه لن يخذل إلا من جهة نفسه وذنبه؛ فيحمله ذلك على الاستقامة والكفّ عن المعاصي؛ لأجل ما يقوم في قلبه من خوف ردّ استعاذته بسبب ذنوبه، ولذلك كان من شأن المحسنين عند الملمّات تقديم الاستغفار والتوبة إلى الله؛ كما أثنى الله تعالى على بعضهم بقوله: { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
فسمّاهم الله محسنين وبيّن أنّهم يحبّهم ويحبُّ من يعملُ عملهم لمّا أحسنوا الاستعاذة به جلّ وعلا من شرّ عدوّهم؛ واتّبعوا هداه بصبرهم وعزيمتهم على جهاد عدوّهم، وخوفهم من ربّهم؛ فحقّقوا بما عملوا وبما قالوا معنى الاستعاذة كما يحبّ اللهُ ويرضى، حتى جعلهم مثلاً يحثّ عباده المؤمنين من هذه الأمّة على الاتّساء بهم في ذلك.

وقال تعالى: {إنّ الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا}

ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (لا يخاف العبدُ إلا ذنبَه، ولا يرجو إلا ربه) رواه عبد الرزاق والبيهقي في شعب الإيمان.
3. وتعظم محبّة الله في قلبه لما يرى من أثر إعاذته له ويجد من طمأنينة القلب في الالتجاء إليه والاعتصام به، وإيمانه بأنّ الله وليّه الذي لا وليّ له غيره.
ومن قامت في قلبه هذه العبادات العظيمة كانت استعاذته من أعظم أسباب محبّة الله تعالى له، وهدايته إليه.
والمقصود أنّ الاستعاذة من العبادات العظيمة التي هي من مقاصد خلق الله تعالى للإنس والجنّ كما قال الله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}، وأنها تثمر في القلب أعمالاً تعبّدية يحبّها الله من الصدق والإخلاص والمحبة والرجاء والخوف والخشية والإنابة والتوكل وغيرها؛ فيحيا القلب بعد موته، ويستيقظ بعد غفلته، ويلين بعد قسوته، وتزكو النفس، وتستنير البصيرة، ويصلح العمل، وتحسن العاقبة). [تفسير سورة الفاتحة:90 - 92]

رد مع اقتباس