عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}
اختلف الناس في السبب في قوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمدا له قلبان; لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول، فقالوا ذلك عنه، فنفاه الله تعالى. وقال ابن عباس أيضا: بل سببه أنه كان في قريش في بني فهر رجل فهم يدعي أن له قلبين; ويقال له: ذو القلبين، قال الثعلبي: وهو ابن معمر، وكان يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم، فلما وقعت هزيمة بدر طاش لبه، وحدث أبا سفيان بن حرب كالمختل فنزلت الآية بسببه ونفيا لدعواه. وقيل: إنه كان ابن خطل. قال الزهراوي: جاء هذا اللفظ على جهة المثل في زيد بن حارثة والتوطئة لقوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}، أي: كما ليس لأحد قلبان، كذلك ليس دعيه ابنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويظهر من الآية أنها بجملتها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر، فمنها أن بعض العرب كانت تقول: إن الإنسان له قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تضاد الخواطر يحملها على ذلك، ومن هذا قول الكميت:
فتذكر من أنى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الإبل
والناس حتى الآن يقولون إذا وصفوا أفكارهم في شيء ما: يقول لي أحد قلبي كذا، ويقول الآخر كذا، وكذا كانت العرب تعتقد الزوجة إذا ظوهر منها بمنزلة الأم وتراه طلاقا، وكانت تعتقد الدعي المتبنى ابنا، فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا أيضا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم، أي: إنما هو قلب واحد، فإما حله إيمان وإما حله كفر; لأن درجة النفاق كأنها متوسطة يؤمن قلب ويكفر الآخر، فنفاها الله تعالى، وبين أنه قلب واحد، وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسي شيئا أو وهم، يقول على جهة الاعتذار: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، أي: إذا نسي قلبه الواحد يذكره الآخر، وكذلك أعلم أن الزوجة لا تكون أما، وأن الدعي لم يجعله ابنا.
وقرأ نافع، وابن كثير: "اللاء" دون ياء، وروي عن أبي عمرو، وابن جبير: "اللاي" بياء ساكنة من غير همز، وقرأ ورش بياء مكسورة من غير همز، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وطلحة، والأعمش بهمزة مكسورة بعدها ياء.
وقرأ ابن عامر: "تظاهرون" بشد الظاء وألف، وقرأ عاصم، والحسن، وأبو جعفر، وقتادة: "تظاهرون" بضم التاء وتخفيف الظاء، وأنكرها أبو عمرو، وقال: إنما هذا في المعاونة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس بمنكر، ولفظة ظهار تقتضيه. وقرأ عاصم وحمزة وأبو بكر عن عاصم: "تظاهرون" بفتح التاء والظاء المخففة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: "تظهرون" بشد الظاء والهاء دون ألف، وقرأ يحيى بن وثاب: "تظهرون" بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، وفي مصحف أبي بن كعب "تتظهرون" بتاءين، وكانت العرب تطلق وتقول: "أنت مني كظهر أمي" فنزلت الآية، وأنزل الله تبارك وتعالى كفارة الظهار، وتفسير الظهار وبيانه أثبتناه في سورة المجادلة.
وقوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} الآية، سببها أن زيد بن حارثة كانوا يدعونه زيد بن محمد، وذلك أنه كان عبدا لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام معه مدة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم - وذلك قبل البعث -: "خيراه، فإن اختاركما فهو لكما دون فداء"، فخيراه فاختار الرق مع محمد صلى الله عليه وسلم على حريته وقومه، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش، اشهدوا أنه ابني، يرثني وأرثه"، فرضي بذلك أبوه وعمه وانصرفا.
وقوله: "بأفواهكم" تأكيد لبطلان القول، أي أنه لا حقيقة له في الوجود، إنما هو قول فقط، وهذا كما تقول: "أنا أمشي إليك على قدم"، فإنما تؤكد بذلك المسيرة، وهذا كثير. و"يهدي" معناه: يبين، وهو يتعدى بغير حرف جر، وقرأ قتادة: "يهدي" بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، و"السبيل" هو سبيل الشرع والإيمان. وابن كثير، وابن عامر، وعاصم - في رواية جعفر - يقفون "السبيلا"، ويطرحونها في الوصل، وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم بالألف وصلا ووقفا، وقرأ أبو عمرو، وحمزة بغير ألف وصلا ووقفا، وهذا كله في غير هذا الموضع، واتفقوا هنا خاصة على طرح الألف وصلا ووقفا لمكان ألف الوصل التي تلقى اللام). [المحرر الوجيز: 7/ 86-89]

تفسير قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما * النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا}
أمر الله تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب، فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخا في الدين، فقال الناس: زيد بن حارثة، وسالم مولى أبي حذيفة، إلى غير ذلك، وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال: أنا ممن لا يعرف أبوه، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم، قال الراوي عنه: ولو علم والله أن أباه حمار لانتمى إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة: نفيع بن الحارث.
و"أقسط" معناه: أعدل، وقال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة".
وقوله عز وجل: {وليس عليكم جناح} الآية رفع للحرج عمن وهم ونسي وأخطأ فجرى على العادة من نسبة زيد إلى محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما يشبهه، وأبقى الجناح في التعمد مع الشرط أو الجزاء المنصوص.
وقوله تعالى: {وكان الله غفورا رحيما} يريد: لما مضى من فعلهم في ذلك، ثم هما صفتان لله عز وجل تطردان في كل شيء، وقالت فرقة: خطؤهم فيما كان سلف من قولهم ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف لا يوصف ذلك بخطأ إلا بعد النهي، وإنما الخطأ هنا بمعنى النسيان، وما كان مقابل العمد. وحكى الطبري عن قتادة أنه قال: الخطأ الذي رفع الله فيه الجناح أن تعتقد في أحد أنه ابن فلان فتنسبه إليه، وهو في الحقيقة ليس بابنه، والعمد هو أن تنسبه إلى فلان وأنت تدري أنه ابن غيره، والخطأ مرفوع عن هذه الأمة عقابه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أخشى عليكم الخطأ، وإنما أخشى العمد"). [المحرر الوجيز: 7/ 90-91]

تفسير قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين} الآية. أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فذكر الله تعالى أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يحب النبي أكثر من نفسه، حسب حديث عمر رضي الله عنه، ويلزمه أن يمتثل أوامره، أحبت نفسه ذلك أو كرهته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالا فلورثته، ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي، أنا وليه، اقرؤوا إن شئتم": النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقال بعض العلماء العارفين: هو أولى بهم من أنفسهم; لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو يدعوهم إلى النجاة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: "أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها تقحم الفراش".
وشرف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين: في حرمة النكاح وفي المبرة، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات، قال مسروق: قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، فقالت: لست لك بأم، وإنما أنا أم رجالكم، وفي مصحف أبي بن كعب: "وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم"، وسمع عمر رضي الله عنه هذه القراءة فأنكرها، فقيل له: إنها في مصحف أبي، فسأله فقررها أبي وأغلظ لعمر، وقد قيل في قول لوط عليه السلام: "هؤلاء بناتي": إنما أراد المؤمنات، أي: تزوجوهن.
ثم حكم بأن أولي الأرحام أحق مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، فإنه كان بالمدينة توارث في صدر الإسلام بهذين الوجهين، اختلفت الرواية في صفته، وليس لمعرفته الآن حكم فاختصرته، ورد الله المواريث على الأنساب الصحيحة.
وقوله: {في كتاب الله} يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، وقوله: {من المؤمنين} متعلق بـ"أولى" الثانية، وهذه الأخوة والهجرة التي ذكرنا.
وقوله تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} يريد الإحسان في الحياة، والصلة والوصية عند الموت، قاله قتادة، والحسن، وعطاء، وابن الحنفية، وهذا كله جائز أن يفعل مع الولي على أقسامه، والقريب الكافر يوصى له بوصية. واختلف العلماء، هل يجعل هو وصيا؟ فجوز بعض، ومنع بعض، ورد النظر في ذلك إلى السلطان بعض، منهم مالك بن أنس رضي الله عنه. وذهب مجاهد، وابن زيد، والرماني، وغيره إلى أن المعنى: "إلى أوليائكم من المؤمنين"، ولفظ الآية يعضد هذا المذهب، وتعميم لفظ "الولي" أيضا حسن كما قدمنا; إذ ولاية النسب لا تدفع الكافر
وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام، والكتابي الذي سطر ذلك فيه يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا.
و"مسطورا" من قولك: "سطرت الكتاب" إذا أثبته أسطارا، ومنه قول العجاج:
في الصحف الأولى التي كان سطر
قال قتادة: وفي بعض القراءة: "كان ذلك عند الله مكتوبا").[المحرر الوجيز: 7/ 91-93]

رد مع اقتباس