الموضوع: الهمزة
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 03:01 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("الهمزة"
حرف مهمل، يكون للاستفهام، وللنداء. وما عدا هذين، من أقسام "الهمزة"، فليس من حروف المعاني.
فأما
"همزة" الاستفهام فهي حرف مشترك: يدخل على الأسماء والأفعال، لطلب تصديق، نحو: أزيد قائم؟ أو تصور، نحو: أزيد عندك أم عمرو؟ وتساويها هل في طلب التصديق الموجب، لا غير.
"فالهمزة" أعم، وهي أصل أدوات الاستفهام. ولأصالتها استأثرت بأمور، منها تمام التصدير بتقديمها على "الفاء" و"الواو" و"ثم"، في نحو {أفلا تعقلون}، {أو لم يسيروا}، {أثم إذا ما وقع}. وكان الأصل في ذلك تقديم حرف العطف على"الهمزة"، لأنها من الجملة المعطوفة. لكن راعوا أصالة "الهمزة"، في استحقاق التصدير، فقدموها بخلاف هل وسائر أدوات الاستفهام. هذا مذهب الجمهور.
وذهب الزمخشري إلى تقدير جملة، بعد
"الهمزة"، لائقة بالمحل، ليكون كل واحد من "الهمزة" وحرف العطف في موضعه. والتقدير: أتجهلون فلا تعقلون؟ ونحو ذلك. وضعف بعدم اطراده، إذا لا يمكن في نحو {أفمن هو قائم على كل نفس}، وبأن فيه حذف جملة معطوف عليها، من غير دليل. قيل: وقد رجع إلى مذهب الجماعة في سورة الأعراف.
ثم إن
"همزة" الاستفهام قد ترد لمعان أخر، بحسب المقام، والأصل في جميع ذلك معنى الاستفهام.
الأول: التسوية: نحو {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}. قال بعض النحويين: لما كان المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم، وكذا المسوي، جرت التسوية بلفظ الاستفهام. وتقع
"همزة"التسوية بعد سواء، وليت شعري، وما أبالي، وما أدري.
الثاني: التقرير: وهو توقيف المخاطب على ما يعلم ثبوته أو نفيه. نحو قوله تعالى: {أأنت قلت للناس: اتخذوني}.
الثالث: التوبيخ: نحو {أأذهبتم طيباتكم، في حياتكم الدنيا}. وقد اجتمع التقرير والتوبيخ في قوله تعالى: {ألم نر بك فينا وليداً}.
الرابع: التحقيق: نحو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين، بطون راح
الخامس: التذكير: نحو {ألم يجدك يتيماً فآوى}.
السادس: التهديد: نحو {ألم نهلك الأولين}.
السابع: التنبيه: نحو {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء}.
الثامن: التعجب: نحو {ألم تر إلى الذين تولوا قوماً، غضب الله عليهم}.
التاسع: الاستبطاء: نحو: {ألم يأن للذين آمنوا}.
العاشر: الإنكار: نحو {أصطفى البنات على البنين}.
الحادي عشر: التهكم: نحو {قالوا: يا شعيب أصلاتك}.
الثاني عشر: معاقبة حرف القسم: كقولك: آلله لقد كان كذا. "فالهمزة"في هذا عوض من حرف القسم. وينبغي أن تكون عوضاً من "الباء" دون غيرها، لأصالة "الباء" في القسم.
واختلف في الجار للاسم المقسم به، بعد "الهمزة". فذهب
الأخفش إلى أن الجر "بالهمزة"، لكونها عوضاً عن الجار. واختاره ابن عصفور. وذهب غيره إلى أن الجر بالحرف المحذوف، الذي جيء "بالهمزة" عوضاً عنه. واختاره ابن مالك.
وذكر بعض النحويين أن التقرير هو المعنى الملازم"للهمزة"، في غالب هذه المواضع المذكورة، وأن غيره من المعاني، كالتوبيخ والتحقيق، والتذكير، ينجر مع التقرير.
مسألة ذهب قوم إلى أن حذف "همزة" الاستفهام، لأمن اللبس، من ضرورات الشعر، ولو كانت قبل أم المتصلة. وهو ظاهر كلام سيبويه. وذهب الأخفش إلى جواز حذفها في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم. وجعل من ذلك قوله تعالى: {وتلك نعمة تمنها علي، أن عبدت بني إسرائيل}. قال ابن مالك: وأقوى الاحتجاج،
على ما ذهب إليه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: وإن زنى، وإن سرق؟. فقال: وإن زنى وإن سرق. أراد: أو إن زنى وإن سرق؟ والمختار أن حذفها مطرد إذا كان بعدها أم المتصلة، لكثرته نظماً ونثراً. فمن النظم قول الشاعر:
لعمرك، ما أدري، وإن كنت دارياً: ... بسبع، رمين الجمر، أم بثماني؟
وأبيات أخر، لا حاجة إلى التطويل بإنشادها. ومن النثر قراءة ابن محيصن {سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم} "بهمزة" واحدة.
وأما "همزة" النداء فهي حرف مختص بالاسم، كسائر أحرف النداء، ولا ينادى بها إلا القريب مسافة وحكماً، كقول امرئ القيس:
أفاطم، مهلاً، بعض هذا التدلل
وجعل بعضهم من ذلك قراءة الحرمين {أمن هو قانت}، بتخفيف "الميم". وتحتمل أن تكون"همزة" الاستفهام دخلت على من، ومن مبتدأ وخبره محذوف، تقديره، أمن هو قانت كغيره؟ حذف، لدلالة الكلام عليه. والله أعلم). [الجنى الداني:30 - 36]


رد مع اقتباس