عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18 ذو الحجة 1438هـ/9-09-2017م, 11:15 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("إنّ"
"إن" المكسورة المشدّدة على وجهين:
أحدهما: أن تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر، قيل وقد تنصبهما في لغة، كقوله:
إذا اسود جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حرا سنا أسدا
وفي الحديث "إن" قعر جهنّم سبعين خريفًا، وقد خرج البيت على الحالية، وأن الخبر محذوف، أي: تلقاهم أسدا، والحديث على أن القعر مصدر قعرت البئر،د إذا بلغت قعرها، وسبعين ظرف، أي: "إن" بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما، وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا، كقوله عليه الصّلاة والسّلام: ((إن من أشد النّاس عذابا يوم القيامة المصورون)) الأصل "إنّه" أي الشّأن كما قال:
إن من يدخل الكنيسة يومًا ... يلق فيها جآذرا وظباء
وإنّما لم تجعل من اسمها لأنّها شرطيّة؛ بدليل جزمها الفعلين، والشّرط له الصّدر، فلا يعمل فيه ما قبله، وتخريج الكسائي الحديث على زيادة من في اسم "إن" يأباه غير الأخفش من البصريين؛ لأن الكلام إيجاب، والمجرور معرفة على الأصح، والمعنى أيضا يأباه لأنهم ليسوا أشد عذابا من سائر النّاس، وتخفف فتعمل قليلا وتهمل كثيرا، وعن الكوفيّين أنّها لا تخفف، وأنه إذا قيل "إن" زيد لمنطلق، فـ "إن" نافية و"اللّام" بمعنى "إلّا"، ويرده أن منهم من يعملها مع التّخفيف. حكى سيبويه "إن" عمرا لمنطلق، وقرأ الحرميان وأبو بكر: {وإن كلا لما ليوفينهم}.
الثّاني: أن تكون حرف جواب بمعنى "نعم" خلافًا لأبي عبيدة استدلّ المثبتون بقوله:
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه
ورد بأنا لا نسلم أن "الهاء" للسكت بل هي ضمير منصوب بها، والخبر محذوف، أي: "إنّه" كذلك، والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له لعن الله ناقة حملتني اليك "إن" وراكبها، أي: "نعم"، ولعن راكبها إذ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعًا، وعن المبرد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ: {إن هذان لساحران}.

واعترض بأمرين:
أحدهما: أن مجيء "إن" بمعنى "نعم" شاذ حتّى قيل إنّه لم يثبت.
والثّاني: أن "اللّام" لا تدخل في خبر المبتدأ، وأجيب عن هذا بأنّها "لام" زائدة وليست للابتداء أو بأنّها داخلة على مبتدأ محذوف، أي: "لهما" ساحران أو بأنّها دخلت بعد "إن" هذه لشبهها "بإن" المؤكّدة لفظا كما قال:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد
فزاد "إن" بعد "ما" المصدرية لشبهها في اللّفظ "بما" النافية، ويضعف الأول أن زيادة "اللّام" في الخبر خاصّة بالشعر.
والثّاني أن الجمع بين "لام" التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين، وقيل اسم إن ضمير الشّأن، وهذا أيضا ضعيف لأن الموضوع لتقوية الكلام لا يناسبه الحذف، والمسموع من حذفه شاذ إلّا في باب "أن" المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التّخفيف فحذف تبعا لحذف "النّون"، ولأنّه لو ذكر لوجب التّشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، ألا ترى أن من يقول لد ولم يك، وواللّه يقول {لدنك} ولم يكنه، وبك لأفعلنّ، ثمّ يرد إشكال دخول "اللّام"، وقيل هذان اسمها ثمّ اختلف، فقيل جاءت على لغة بلحارث بن كعب في أجراء المثنى "بالألف" دائما، كقوله:
... قد بلغا في المجد غايتاها
واختار هذا الوجه ابن مالك، وقيل هذان مبنيّ لدلالته على معنى الإشارة، وإن قول الأكثرين هذين جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا، واختاره ابن الحاجب قلت وعلى هذا فقراءة هذان أقيس، إذ الأصل في المبنيّ ألا تختلف صيغة مع أن فيها مناسبة "لألف" ساحران، وعكسه "الياء" في {إحدى ابنتي هاتين}، فهي هنا أرجح لمناسبة "ياء" ابنتي، وقيل لما اجتمعت "ألف" هذا و"ألف" التّثنية في التّقدير قدر بعضهم سقوط "ألف" التّثنية فلم تقبل "ألف" هذا التّغيير.

تنبيه
تأتي "إن" فعلا ماضيا مسندًا لجماعة المؤنّث من الأين وهو التّعب، تقول النّساء "إن" أي تعبن أو "من آن" بمعنى قرب أو مسندًا لغيرهن على أنه من الأنين، وعلى أنه مبنيّ للمفعول على لغة من قال في رد وحب رد وحب بالكسر تشبيها له بقيل، وبيع والأصل مثلا "أن" زيد يوم الخميس، ثمّ قيل "إن" يوم الخميس، أو فعل أمر للواحد من الأنين أو لجماعة الإناث من الأين أو من "آن" بمعنى قرب أو للواحدة مؤكدا "بالنّون" "من" و"أى" بمعنى وعد، كقوله:
إن هند المليحة الحسناء ...
وقد مر ومركبة من "إن" النافية، و"أنا" كقول بعضهم "إن" قائم، والأصل "إن أنا" قائم، ففعل فيه ما مضى شرحه، فالأقسام إذن عشرة هذه الثّمانية والمؤكدة والجوابية.

تنبيه
في الصّحاح الأين الإعياء، وقال أبو زيد لا يبنى منه فعل وقد خولف فيه انتهى فعلى قول أبي زيد يسقط بعض الأقسام).
[مغني اللبيب: 1 / 227 - 252]

"أنّ"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("أنّ"
"أن" المفتوحة المشدّدة "النّون" على وجهين:
أحدهما: أن تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر، والأصح أنّها فرع عن "إن" المكسورة، ومن هنا صحّ للزمخشري أن يدعي أن "أنما" بالفتح تفيد الحصر "كإنما"، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {قل إنّما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد}، فالأولى لقصر الصّفة على الموصوف والثّانية بالعكس، وقول أبي حيّان هذا شيء انفرد به، ولا يعرف القول بذلك إلّا في "إنّما" بالكسر مردود بما ذكرت، وقوله إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التّوحيد مردود أيضا بأنّه حصر مقيّد "إذ" الخطاب مع المشركين، فالمعنى "ما" أوحي إلى في أمر الربوبية "إلّا" التّوحيد لا الإشراك، ويسمى ذلك قصر قلب لقلب اعتقاد المخاطب وإلّا فما الّذي يقول هو في نحو: {وما محمّد إلّا رسول}، فإن "ما" للنّفي و"إلّا" للحصر قطعا، وليست صفته عليه الصّلاة والسّلام منحصرة في الرسالة، ولكن لما استعظموا موته او جعلوا كأنّهم اثبتوا له البقاء الدّائم، فجاء الحصر باعتبار ذلك، ويسمى قصر إفراد، والأصح أيضا أنّها موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر، فإن كان الحبر مشتقا فالمصدر المؤول به من لفظه، فتقدير بلغني "أنّك" تنطلق أو "أنّك" منطلق بلغني الانطلاق، ومنه بلغني "أنّك" في الدّار، التّقدير: استقرارك في الدّار؛ لأن الخبر في الحقيقة هو المحذوف من استقر أو مستقر، وإن كان جامدا قدر بالكون، نحو: بلغني "أن" هذا زيد، تقديره: بلغني كونه زيدا؛ لأن كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون، تقول هذا زيد، وإن شئت هذا كائن زيدا إذ معناهما واحد، وزعم السّهيلي أن الّذي يؤول بالمصدر إنّما هو "أن" الناصبة للفعل؛ لأنّها أبدا مع الفعل المتصرف؛ و"أن" المشدّدة إنّما تؤول بالحديث؛ قال وهو قول سيبويه ويؤيّده أن خبرها قد يكون اسما محضا؛ نحو: علمت "أن" اللّيث الأسد: وهذا لا يشعر بالمصدر انتهى. وقد مضى أن هذا يقدر بالكون، وتخفف "أن" بالاتّفاق فيبقى عملها على الوجه الّذي تقدم شرحه في "أن" الخفيفة.
الثّاني: أن تكون لغة في "لعلّ"، كقول بعضهم ائت السّوق "أنّك" تشتري لنا شيئا، وقراءة من قرأ: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}، وفيها بحث سيأتي في باب "اللّام"). [مغني اللبيب: 1 / 253 - 264]


رد مع اقتباس