الموضوع: حرف الباء
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:27 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("الباء"
حرف مختص بالاسم، ملازم لعمل الجر. وهي ضربان زائدة، وغير زائدة.
فأما غير الزائدة فقد ذكر النحويون لها ثلاثة عشر معنى:
الأول: الإلصاق: وهو أصل معانيها. ولم يذكر لها سيبويه غيره. قال: إنما هي للإلصاق والاختلاط. ثم قال: فما اتسع من هذا، في الكلام، فهذا أصله. قيل: وهو معنى لا يفارقها.
والإلصاق ضربان: حقيقي نحو: أمسكت الحبل بيدي. قال ابن جني: أي: ألصقتها به. ومجازي، نحو: مررت بزيد.
قال الزمخشري: المعنى: التصق مروري بموضع يقرب منه. قلت: وذكر ابن مالك أن "الباء" في نحو: مررت بزيد، بمعنى "على"، بدليل {وإنكم لتمرون عليهم}. وحكاه عن الأخفش.
الثاني: التعدية: و"باء" التعدية هي القائمة مقام "الهمزة"، في إيصال معنى اللازم إلى المفعول به. نحو {ذهب الله بنورهم}، و {لذهب بسمعهم}. وقد وردت مع المتعدي في قولهم: صككت الحجر بالحجر، ودفعت بعض الناس ببعض. فلذلك قيل: الصواب قول بعضهم: هي الداخلة على الفاعل، فتصيره مفعولاً. ليشمل المتعدي واللازم. فإن قيل: هذه العبارة أيضاً لا تشمل المثالين، لأن "الباء" فيهما هي الداخلة على ما كان مفعولاً. إذ الأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعضاً! قلت: ليس كذلك، بل هي شاملة لهما. و"الباء" فيهما داخلة على ما كان فاعلاً، لا مفعولاً، والأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعض. بتقديم المفعول، لأن المعنى أن المتكلم صير البعض، الذي دخلت عليه "الباء"، دافعاً للبعض المجرد منها.
ومذهب الجمهور أن "باء" التعدية بمعنى "همزة" التعدية، لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول. وذهب المبرد والسهيلي إلى أن "باء" التعدية، تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل، بخلاف "الهمزة". قال السهيلي: إذا قلت: قعدت به، فلا بد من مشاركة، ولو باليد. ورد عليهما بقوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}، لأن الله، تعالى، لا يوصف بالذهاب مع النور. وأجيب بأنه يجوز أن يكون، تعالى، وصف نفسه بالذهاب، على معنى: يليق به، كما وصف نفسه بالمجيء، في قوله {وجاء ربك}. وهذا ظاهر البعد. ويؤيد أن "باء" التعدية بمعنى "الهمزة" قراءة اليماني {أذهب الله نورهم}.
الثالث: الاستعانة: و"باء" الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل. نحو: كتبت بالقلم، وضربت بالسيف. ومنه في أشهر الوجهين {بسم الله الرحمن الرحيم}.
ولم يذكر في التسهيل "باء" الاستعانة، وأدرجها في "باء" السبيبة، وقال في شرحه: "باء" السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازاً. نحو {فأخرج به من الثمرات}، فلو قصد إسناد الإخراج إلى "الهاء" لحسن، ولكنه مجاز. قال: ومنه: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين. فإنه يقال: كتب القلم، وقطعت السكين. والنحويون يعبرون عن هذه "الباء" بالاستعانة. وآثرت على ذلك التعبير بالسببية، من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله، تعالى. فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة لا يجوز.
الرابع: التعليل: قال ابن مالك: هي التي تصلح غالباً في موضعها "اللام". كقوله تعالى: {إنكم ظلمتم أنفسكم، باتخاذكم العجل}، {فبظلم، من الذين هادوا، حرمنا}، {فكلا أخذنا بذنبه}. واحتزر بقوله غالباً من قول العرب: غضبت لفلان، إذا غضبت "من أجله" وهو حي. وغضبت "به"، إذا غضبت "من أجله" وهو ميت.
ولم يذكر الأكثرون "باء" التعليل، استغناء "بباء" السببية، لأن التعليل والسبب عندهم واحد. ولذلك مثلوا "باء" السببية بهذه المثل التي مثل بها ابن مالك للتعليل.
الخامس: المصاحبة: ولها علامتان: إحداهما أن يحسن في موضعها "مع". والأخرى أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال، كقوله تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق} أي: "مع" الحق، أو محقاً. و{يا نوح اهبط بسلام} أي: "مع" سلام، أو مسلماً عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها، سماها كثير من النحويين "باء" الحال.
السادس: الظرفية: وعلامتها أن يحسن في موضعها "في". نحو {ولقد نصركم الله ببدر}، {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل}. وهي كثيرة في الكلام.
السابع: البدل: وعلامتها أن يحسن في موضعها بدل. كقول الحماسي:
فليت لي، بهم قوماً، إذا ركبوا ... شنوا الإغارة، فرساناً، وركبانإ
وفي الحديث ما يسرني بها حمر النعم أي: بدلها.
الثامن: المقابلة: قال ابن مالك: هي "الباء" الداخلة على الأثمان والأعواض. نحو: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف. وقد تسمى "باء" العوض.
ولم يذكر أكثرهم هذين المعنيين، أعني: البدل والمقابلة. وقال بعض النحويين: زاد بعض المتأخرين في معاني "الباء" أنها تجيء للبدل والعوض، نحو: هذا بذاك، أي: هذا بدل من ذلك وعوض منه. قال: والصحيح أن معناها السبب؛ ألا ترى أن التقدير: هذا مستحق بذاك، أي بسببه.
التاسع: المجاوزة: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة "عن". وذلك كثير بعد السؤال. نحو {فاسأل به خبيراً}، و {سأل سائل بعذاب واقع}. وقال علقمة:
فإن تسألوني، بالنساء، فإنني ... خبير، بأدواء النساء، طبيب
وقليل بعد غيره، نحو {ويوم تشقق السماء بالغمام} أي: و"عن" أيمانهم. كذا قال الأخفش. قلت: أما كونها بمعنى "عن" بعد السؤال فهو منقول عن الكوفيين، وتأوله الشلوبين على أن "الباء" في ذلك سببية، أي: فاسأل بسببه. وقال بعضهم: هو من باب التضمين، أي: فاعتن به، أو فاهتم به.
العاشر: الاستعلاء: وعبر بعضهم عنه بموافقة "على". وذكروا لذلك أمثلة منها قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار} أي: "على" قنطار، كما قال {هل آمنكم عليه}. ومنها {وإذا مروا بهم} أي: "عليهم"، كما قال {وإنكم لتمرون عليهم}. ومنه قول الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت، عليه، الثعالب
الحادي عشر: التبعيض: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة "من"، يعني التبعيضية، وفي هذا المعنى خلاف، وممن ذكره الأصمعي، والفارسي في التذكرة. ونقل عن الكوفيين، وقال به القتبي وابن مالك. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {يشرب بها عباد الله} أي: "منها". وقول الشاعر:
شربن بماء البحر، ثم ترفعت ... متى لجج، خضر، لهن نئيج
وبقول الآخر:
فلثمت فاها، آخذاً بقرونها ... شرب النزيف، ببرد ماء الحشرج
وجعل قوم من ذلك "الباء" في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم}. وجعلها قوم زائدة. وجعلها قوم للإلصاق على الأصل. وقال بعضهم: إنها "باء" الاستعانة، فإن مسح يتعدى إلى مفعول بنفسه، وهو المزال عنه، وإلى آخر بحرف الجر، وهو المزيل. فيكون تقدير الآية: فامسحوا أيديكم برؤوسكم.
ولم ترد "باء" التبعيض عند مثبتيها إلا مع الفعل المتعدي. وقد أنكر قوم، منهم ابن جني، ورود "باء" التبعيض، وتأولوا ما استدل به مثبتو ذلك، على التضمين. قال ابن مالك: والأجود تضمين شربن معنى: روين. وجعل الزمخشري "الباء" في الآية "كالباء" في: شربت الماء بالعسل. والمعنى: يشرب بها عباد الله الخمر.
واعترض بعضهم كلام ابن جني، وقال: شهادة على النفي، وهي غير مقبولة. وأجيب بأن الشهادة على النفي ثلاثة أقسام:
معلومة نحو: إن العرب لم تنصب الفاعل.
وظنية عن استقراء صحيح نحو: ليس في كلام العرب اسم متمكن، آخره "واو" لازمة، قبلها ضمة.
وشائعة غير منحصرة نحو: لم يطلق زيد امرأته، من غير دليل، فهذا هو المردود. وكلام ابن جني من الثاني، لأنه شديد الاطلاع على لسان العرب.
الثاني عشر: القسم: نحو: بالله لأفعلن. وهي أصل حروف القسم، ولذلك فضلت سائر حروفه بثلاثة أمور،
أحدها أنها لا يجب حذف الفعل معها، بل يجوز إظهاره. نحو: أقسم بالله.
والثاني أنها تدخل على المضمر. نحو: بك لأفعلن.
والثالث أنها تستعمل في الطلب وغيره، بخلاف سائر حروفه. فإن الفعل معها لا يظهر، ولا تجر المضمر، ولا تستعمل في الطلب. وزاد بعضهم رابعاً، وهو أن "الباء" تكون جارة في القسم وغيره، بخلاف "واو" القسم وتائه، فإنهما لا تجران إلا في القسم. قلت: ويشاركها في هذا بعض حروف القسم "كاللام".
الثالث عشر: أن تكون بمعنى "إلى" نحو قوله تعالى: {وقد أحسن بي} أي: "إلى". وأول على تضمين أحسن معنى: لطف.

تنبيه
رد كثير من المحققين، سائر معاني "الباء" إلى معنى الإلصاق، كما ذكر سيبوبه. وجعلوه معنى لا يفارقها، وقد ينجر معه معان أخر. واستبعد بعضهم ذلك، وقال: الصحيح التنويع. وما تقدم من نيابة "الباء" عن غيرها من حروف الجر هو جار على مذهب الكوفيين، ومن وافقهم، في أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض. ومذهب البصريين إبقاء الحرف على موضوعه الأول، إما بتأويل يقبله اللفظ، أو تضمين الفعل معنى فعل آخر، يتعدى بذلك الحرف. وما لا يمكن فيه ذلك فهو من وضع أحد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ.
وذكر صاحب رصف المباني في معاني "الباء" ثلاثة معان، لا تحقيق في ذكرها. وهي: السؤال نحو {سأل سائل بعذاب واقع}. والتعجب نحو: أحسن بزيد. قال: ولا يصح أن تكون هذه "الباء" زائدة، لئلا يفسد معناها، ويخرج الكلام عن التعجب. والتشبيه نحو: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال.
قلت: أما "الباء" التي بعد السؤال فهي بمعنى "عن" عند قوم، وللسببية عند آخرين، كما تقدم. والسؤال مستفاد من الفعل، لا منها.
وأما "باء" التعجب ففيها مذهبان:
أشهرهما أنها زائدة، وهذا مذهب أكثر النحويين. ثم اختلف هؤلاء، فذهب سيبويه، وجمهور البصريين، إلى أنها زائدة مع الفاعل، مثلها في {كفى بالله شهيداً}. وذهب الفراء والزجاج، ومن قال بقولهما، إلى أنها زائدة مع المفعول، وجعلوا فاعل أحسن ضمير المخاطب. وكذلك قال ابن كيسان، لكنه جعل الفاعل ضمير الحسن، كأنه قال: أحسن يا حسن بزيد، أي: دم به.
والمذهب الثاني أنها للتعدية، وليست بزائدة، و"الهمزة" في أحسن للصيرورة، وهو أمر للسبب، أو للشخص، على ما تقدم من القولين. وأجاز الزمخشري في مفصله أن تكون للتعدية. وليس هذا موضع بسط الكلام على هذه المسألة. وقد بسطته في غيره.
وأما "الباء" في: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال، فهي عند التحقيق "باء" السببية، والمعنى: لقيت بسبب لقيه الأسد، وواجهت بسبب مواجهته الهلال. وهي "كالباء" في قولهم: لئن سألت فلاناً لتسألن به البحر. وهذا من باب التجريج. وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر، مثله فيها، مبالغة في كمالها فيه. وهو من أبواب علم البديع.

وأما "الباء" الزائدة فتكون في ستة مواضع:
الأول: الفاعل. وزيادتها معه ثلاثة أضرب: لازمة، وجائزة في الاختيار، وواردة في الاضطرار.
فاللازمة في فاعل أفعل في التعجب، على مذهب سيبويه وجمهور البصريين. وهي لازمة أيضاً على مذهب من جعلها زائدة مع
المفعول. ولا يجوز حذفها على المذهبين إلا مع"أن"و "أن"، كقول الشاعر:
وقال نبي المسلمين: تقدموا ... وأحبب إلينا أن نكون المقدما
وفي كلام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه أعزز علي، أبا اليقظان، أن أراك صريعاً مجدلاً، خلافاً لصاحب النهاية في قوله: إن حذف "الباء" من: "أن"، و"أن"، في التعجب لا يجوز. قال ابن مالك: ولو اضطر شاعر إلى حذف "الباء" المصاحبة غير أن لزمه أن يرفع، وعلى قول الفراء يلزمه النصب.
والجائزة في الاختيار في فاعل "كفى" بمعنى: "حسب". نحو {كفى بالله شهيداً}، قال أبو جعفر بن الزبير: فإن كان بمعنى وقى لم تزد في فاعله، نحو {وكفى الله المؤمنين القتال}. وأجاز ابن السراج في {كفى بالله} وجهاً آخر، وهو أن يكون فاعله ضمير المصدر المفهوم من "كفى" أي: "كفى" هو، أي: الاكتفاء. ورد بأن "الباء" على هذا ليس لها في اللفظ ما تتعلق به إلا الضمير، والمصدر لا يعمل مضمراً. قلت: وقد ذهب بعضهم إلى جوار إعماله مضمراً، وهو مذهب الكوفيين. وأجاز ابن جني والرماني أن يعمل في المجرور. وحكي عن الفارسي.
والواردة في الاضطرار في أبيات محفوظة، منها قول الشاعر:
ألم يأتيك، والأنباء تنمي، ... بما لاقت لبون، بني زياد
وقول الآخر:
ألا، هل أتاها، والحوادث جمة، ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
وقول الآخر:
مهما لي: الليلة، مهما ليه ... أودى بنعلي، وسرباليه
وفي بعض هذه الأبيات احتمال.
الثاني: المفعول، وزيادتها معه غير مقيسة، مع كثرتها. نحو: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، {وهزي إليك بجذع النخلة}، و {فليمدد بسبب}، {ومن يرد فيه بإلحاد}. قال ابن مالك: وكثرت زيادتها في مفعول عرف وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين، كقول حسان:
تبلت فؤادك، في المنام، خريدة ... تسقي الضجيع، ببارد، بسام
ومن شواهد زيادتها مع المفعول قول الشاعر:
نحن، بني ضبة، أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف، ونرجو بالفرج
أي: نرجو الفرج. وأبيات أخر، لا فائدة في التطويل بإنشادها، لشهرتها في كتب النحو. وفي بعضها احتمال.
والمختار أن ما أمكن تخريجه، على غير الزيادة، لا يحكم عليه بالزيادة، وتخريج كثير من هذه الشواهد ممكن، على التضمين، أو حذف المفعول. وقد خرج عليهما قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فقيل: لا تلقوا مضمن معنى: لا تفضوا. وقيل: حذف المفعول و"الباء" للسببية، أي: لا تلقوا أنفسكم بسبب أيديكم، كما تقول: لا تفسد حالك برأيك. قاله المبرد.
واختلف في زيادتها في مفعول"كفى" في قوله:
فكفى بنا، فضلاً على من غيرنا ... حب النبي، محمد، إيانا
فقيل: هي في البيت زائدة مع المفعول. ورده ابن أبي العافية، وقال: هي داخلة على فاعل "كفى"، وحب النبي بدل اشتمال من الضمير على الموضع. وعلى هذا حمل بعضهم قول أبي الطيب:
كفى بجسمي، نحولاً، أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
الثالث: المبتدأ، نحو بحسبك زيد. بهذا مثل الزمخشري وغيره. ومثله ابن مالك بقوله: بحسبك حديث. وقال في بحسبك زيد: الأجود أن يكون زيد مبتدأ، وبحسبك خبر مقدم. فإن حسباً من الأسماء التي لا تعرفها الإضافة. قال ابن يعيش: ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف. قلت: جعل بعض المتأخرين "الباء" في قولهم: كيف بك، وكيف بنا، زائدة مع المبتدأ، والأصل: كيف أنت، وكيف نحن.
الرابع: الخبر. وزيادتها في الخبر ضربان: مقيسة، وغير مقيسة.
فالمقيسة في خبر "ليس" و"ما" أختها نحو {أليس الله بكاف عبده}، {وما ربك بظلام للعبيد}. وفي زيادتها بعد ما التميمية خلاف. منع الفارسي والزمخشري. والصحيح الجواز، لسماعه في أشعار بني تميم. وقد وردت زيادتها في خبر "لا" أخت "ليس"، كقول سواد بن قارب:
وكن لي شفيعاً، يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلاً، عن سواد بن قارب
وفي خبر فعل ناسخ منفي، كقول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل
وظاهر كلام بعضهم أن هذا يجوز القياس عليه.
وغير المقيسة في مواضع كثيرة. كزيادتها بعد "هل" في قوله:
ألا، هل أخو عيش، لذيذ، بدائم وندرت زيادتها في الخبر الموجب
كقول الشاعر:
فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع
وفيه احتمال. وقال الأخفش: إن "الباء" زائدة في قوله تعالى: {جزاء سيئة بمثلها}. والأولى أن يكون الجار والمجرور خبراً، و"الباء" متعلقة بالاستقرار.
الخامس: النفس والعين في باب التوكيد. يقال: جاء زيد بنفسه، وبعينه. والأصل: جاء زيد نفسه وعينه.
السادس: الحال المنفية، لأنها شبيهة بالخبر. ذكر هذا ابن مالك، واستدل بقول الشاعر:
فما رجعت، بخائبة، ركاب ... حكيم بن المسيب منتهاها
وقول الآخر:
كائن دعيت إلى بأساء، داهمة ... فما انبعثت بمزؤود، ولا وكل
واعترض بأنه لا حجة في البيتين، لجواز كون "الباء" فيهما "باء" الحال، والمعنى: فما رجعت خائبة، وفما انبعثت بشخص مزؤود. يعني بذلك نفسه، ويكون من باب التجريد.
فهذا تمام الكلام على "باء" الجر. وقد كنت نظمت معانيها في هذين البيتين:
بالباء ألصق، واستعن، أو عد، أو ... أقسم، وبعض، أو فزد، أو علل
وأتت بمعنى مع، وفي، وعلى، وعن ... وبها فعوض، إن تشا، أو أبدل).
[الجنى الداني:36 - 56]


رد مع اقتباس