الموضوع: الهمزة
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 03:02 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي




الباب الأول
ضبط حروف المعاني الأحادية

قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الأول
من الأبواب الخمسة التي تذكر في ضبط حروف المعاني، وتذكر فيه الحروف الأحادية، وهي التي وردت على حرفٍ واحد فقط، وهو البسيط الحقيقي في هذه الصناعة، وقد يطلق على المفرد الغير المركب من لفظين: كان، وإذن، على رأي، وجملة ما ورد من حروف المعاني أحادية، ثلاثة عشر حرفًا، وهي قسمان؛ لأن الحرف إما أن يكون محضًا بمعنى أنه لا يقع إلا حرفًا، أو مشاركًا نوعًا آخر أي من الأفعال والأسماء أو كلتيهما، فانحصرت في قسمين:
محضة: وهي ستة أحرف:
"الهمزة"، و"الباء"، و"السين"، و"الفاء"، و"اللام"، و"الميم".
ومشاركة للاسم: وهي سبعة: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء".
فإن قيل: إن بعض النحاة قد عدوا
"الهمزة" و"الفاء" مما اشترك فيه الحرف والفعل، فإن كلًا منهما كما يكون حرفًا "كهمزة" الاستفهام و"كالفاء" العاطفة، كذلك يكون فعلًا، وقد عدوا "اللام" مع الحرف والفعل، ومع الاسم أخرى كما في المعرفة الموصولة نحو: الضارب والمضروب، فكيف عدتهن في الحروف المحضة.
فالجواب: أنا إنما نعتبر المشاركة بين الحرف وغيره من الأسماء والأفعال، أو بينهما معًا، إذا كان ذلك بحسب الوضع، وأما مشاركة الأحرف الثلاثة للفعل فإنما حصل بواسطة ما عرض لهن، ولذلك أنكر المحققون على من عد على مما اشترك فيه الأنواع الثلاثة أيضًا، وقالوا: إنه غلط؛ لأن على إذا كانت حرفًا واسمًا كانت "ألفها" أصلية، وإذا كانت فعلًا كانت "الألف" منقلبة عن "واو"، فلا مشاركة للفعل معهما أبدًا، وأما عدا "اللام" اسمًا فهو جهل، فإنما يراد به "ال" الموصولة، والتعبير عنها "باللام" غلط، بل قد أنكروا على من قال "الألف" و"اللام" أيضًا، فكما لا يعبر عن
"هل" الاستفهامية "بالهاء" و"اللام"، فكذا لا يعبر عن الموصولة "بالألف" و"اللام"، وكأنما عنى هذا القائل ما نقل عن سيبويه أن "همزة" "ال" للوصل، ولذلك تطرح درجًا فاطرحها لفظًا وهو سهو، فإن سيبويه سمى هذه الكلمة "أل" وعدها في الحروف الثنائية، ومذهب الخليل أنها "الهمزة" أصلية، وحذفها وصلًا لطلب التخفيف لكثرة الاستعمال وهو الأرجح، وبعضهم يجعل "أل" حرفًا في كل مواقعها ويمنع وقوعها اسمًا، وجعل "أل" الموصولة باسم الفاعل واسم المفعول حرفًا، كما سيأتي في فصله، فكيف يجوز مع هذا كلى الإطلاق على "اللام" وحدها، وهل هذا إلا غلطٌ صريح). [جواهر الأدب: 5 - 6]

النوع الأول: الحروف الأحادية المحضة
الفصل الأول: في مباحث "الهمزة"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الأول: الحروف الأحادية المحضة، ولما كانت ستة عقدنا لكلٍ فصلًا:
الفصل الأول: في مباحث الهمزة، وينبغي أن يعلم أنها من الحروف الحلقية وهي سبعة، وجعل في الأغراب المشهور، وهي
"الهمزة"، و"الهاء"، و"الألف"، و"العين"، و"الحاء"، و"الغين"، و"الخاء"، وعند آخرين ستة، فأخرجوا "الألف" لأنه هوائي غير مقيد، ولذلك سمي هاويًا، ويعزى إلى الخليل، ولها ثلاثة مخارج:
أقصى الحلق، ومنه:
"الهمزة"، و"الهاء"، و"الألف"، على الأول بتقدم "الهمزة" على "الهاء"، وقيل: بالعكس، و"الألف" في رتبة "الهاء"، وجعل أبو حيان الثلاثة في رتبة واحدة، فلا تفاوت بينها.
ووسط الحلق ومنه: "العين"، و"الحاء" مهملين بتقدم "العين"، وقيل: بتأخرها وآخره، ومنه "الغين" و"الخاء" معجمين، والخلاف آتٍ فيهما، وقيل: لا ترتيب بين ما هو من مخرج واحد، ويجب أن يعلم أن
"الهمزة"كما تكون حرفًا محضًا مستقلًا من حروف المعاني، تكون من حروف الزيادة العشرة المجموعة في «سألتمونيها» فيع هذا الحرف في بعض الكلمات مقصودًا ويصير بعضًا من الكلمة التي دخل عليها كما سيذكر كل منهما في الموضع اللائق به من تضاعيف الفصول، ولكن الذي يليق تقديمه من باحث "الهمزة" عند وقوعها بعضًا من الكلمة في هذا المكان تكميلًا للإفادة هو ثلاثة أصول:
الأصل الأول:
"همزة" المضارعة، وينبغي أن يعلم أنهم لما أرادوا صوغ المضارع من المصادر صاغوا على صيغة الماضي حرفًا للمضارعة، ليدل على فاعله أيضًا، والفاعل قد يكون متكلمًا ومخاطبًا وغائبًا، وكل من الثلاثة قد يكون مفردًا ومثنى ومجموعًا، وكل من التسعة يكون مؤنثًا ومذكرًا، صارت المعاني ثمانية عشر، وكان أولى حروف الزيادة بالاستعمال حروف العلة لكثرة التصرف فيها، وأن الكلمات لا تخلو عنها وعن أبعاضها، أعني: الحركات الثلاث، ومنع من زيادة "الألف" سكونها وامتناع وقوعها أول الكلمة، ووجوب وقوع حرف المضارعة أولًا، فعدلوا عن "الألف" إلى "الهمزة"؛ لتقاربهما مخرجًا، وعدلوا عن "الواو" لكراهة زيادتها أولًا إلى "التاء" كما فعلوا في تراث ونحوه، ثم أتوا "بالنون" لكثرة تصرفهم فيها بالزيادة والإبدال، فصارت أحرف المضارعة أربعة، فخصوا "الهمزة" بالمتكلم المفرد مذكرًا ومؤنثًا، فهي لاثنين نحو: أفعل، و"النون" بالمتكلم غير المفرد في تثنيته وجمعه، وحالي تذكيره وتأنيثه، فهي لأربعة نحو: نفعل، وجعلوا "التاء" للمخاطبين في أحوالها الستة، وجعلوا فيها من زيادة ضمائر التثنية والجمع والتأنيث، فقالوا: نفعل، وتفعلين، وتفعلان، وتفعلون، وتفعلن، ما يدل على بيان المشترك فيه، ولذل أشركوا في "التاء" المؤنثة والمؤنثين في الغيبة، فصارت "التاء" لثمانية، وجعلوا "التاء" لما بقي من الغيبة وهو للمذكر إفرادًا وتثنية وجمعًا، ولجماعة الإناث وهي أربعة، فكملت المعاني الثمانية عشر بالأحرف الأربعة، وقيل: إنهم أخذوا "الهمزة" من أنا، و"النون" من نحن، و"التاء" من أنت، وعدلوا عن "الواو" من هو إلى "الياء" لكونها أخف منه، وجعلوا الأحرف دليلًا على ما كانت تدل عليه الأصول تقريبًا، فكملت المعاني مع وجازة اللفظ.
الأصل الثاني:
"الهمزة" الزائدة الواقعة في أول الكلمة الصائرة جزءً منها إن ثبتت عند الابتداء بالكلمة، وفي درجها تبعًا لغيرها، فهي للقطع"كهمزة" الإكرام، وإن ثبتت ابتداء وسقطت درجًا فهي للوصل "كهمزة"استخرج، ويميز بينهما بمواقعهما، فإن كانت في حرف فهي للقطع إلا"همزة" "ال" و"أم" المعرفتين، فإنهما فيهما للوصل، وهل هي من نفس الكلمة حذفت درجًا لكثرة الاستعمال، كما ذهب إليه الخليل، أم أن المعرف هو في الأصل مصحوبها، وكان ساكنًا فيؤتى بها في الابتداء، وتسقط درجًا للاستغناء عنها كما ذهب إليه سيبويه، اختلف فيه، وسيأتي بيانه في فصل الأحرف الثنائية في النوع الثاني منه، وإن كانت"الهمزة" في فعل "فهمزة" المضارعة للقطع؛ لأنها أتي بها لبيان الفاعل الذي أسند إليه الفعل، فلو حذفت فقدت الدلالة وفات المقصود و"همزة" الماضي والأمر، فما كان فيهما من باب أفعل على اختلاف معانيه كأكرم وأكرم، "فهمزته" للقطع، وما عداه من جميع ما بدئ فيه "بهمزة" فهي للوصل، وإن كانت "الهمزة" في اسم، فإن كانت فيها كان مصدرًا لأفعل كالإكرام فهي للقطع، وما كان مصدرًا لغيره فهي للوصل، وإن كان غير مصدر فكل "همزة" في الأسماء هي للقطع إلا عشرة أسماء، وهي: اب، وابنة، وانبم، وامرء، وامرأة، واثنان، واثنتان، واسم، واست، وأيمن "فهمزاتها"كلها للوصل، وما عداها فهو للقطع.
الأصل الثالث:
"الهمزة" في أول الفعل قد تكون للتعدية والنقل، وقد لا تكون، ويجب أن يعلم أن الأفعال بحسب الوضع نوعان: متعدٍ، ولازمٍ، والمتعدي هو الذي بعد ذكر فاعله معه، بتوقف تمام فهم معناه على ذكر متعلق به، وقع الفعل عليه نحو: ضرب زيد، فإن الذهن يتوقع ذكر من وقع عليه الضرب، وقد أوردوا مثل هذا التوقف على حد الكلام، وقالوا: ليس مثل ضرب زيد، كلامًا تامًا؛ لأن الفائدة غير تامة، وكذا لو عمل الفعل في حال أو غيره من الفضلات، فما لم يذكر لم يحصل الإسناد الذي هو شرط للكلام، وليس بوارد؛ لأن المراد بالفائدة التامة الحاصلة من مجرد المسندين مع قطع النظر عن الفضلات، فإن قولك: ضُرب زيد، إخبار تام؛ لأن التعلق إما أولى وهو المعتبر في الكلام، وإمَّا غير أولى، وهذا ليس بشرط، ويمتحن المتعدي بصحة إلحاق ضمير مفعوله به، كقولك: ضربه، ثم إن المتعدي قد يكون متعديًا إلى واحد، كضرب، وإلى اثنين يجوز الاقتصار على أحدهما، كأعطيت زيدًا درهمًا، وإلى اثنين لا يقتصر على أحدهما كعلمت زيدًا قائمًا، وإلى ثلاثة مفاعيل كأعلمت زيدًا عمرًا قائمًا، وهو أقصى ما يتعدى إليه الفعل، ثم إن الفعل اللازم قد يجعل متعديًا، وقد حصروا الأسباب الموجبة للتعدي في عشرة:
الأول: إلحاق
"الهمزة" في أول الثلاثي فيقال في خرج زيدًا: خرجته، فلو كان الثلاثي متعديًّا إلى واحدٍ صار "بهمزة" النقل متعديًّا إلى اثنين، كاضربت زيدًا عمرًا، أي: صيرته ضاربه، وإن كان متعديًّا إلى اثنين صار "الهمزة" ذا ثلاثة، كأعلمت زيدًا عمرًا فاضلًا، وبهذا يعلم أن تسميتها"همزة" النقل أولى من تسميتها "همزة" التعدية، لئلا يتوهم أنها تختص بجعل اللازم متعديًّا، فإن نقلها ظاهر في الجميع.
الثاني: تضعيف الحرف في الفعل الثلاثي نحو: خرجته.
الثالث: جعل الظرف المفعول فيه مفعولًا به مجازًا نحو: يوم الجمعة صمته، أي: صمت فيه، قال في الأغراب: ومن هذا النوع كل ما حذف حرف الجر منه ونصب.
الرابع: صوغ استفعل منه، نحو: استخرجته، فإنها أصلية في السؤال فتطلبه، ويتعدَّى إليه.
الخامس: صوغه في فاعل نحو: قرب الشيء وقاربته.
السادس: لحوق إلا التي للاستثناء نحو: قام القوم إلا زيدًا على الصحيح.
السابع: دخول "الواو" التي بمعنى
"مع"، نحو: سرت والنيل، قيل: ولكن في التحقيق ليس هذا من باب التعدية؛ لأن المنصوب لا يسمى مفعولًا به بل مفعلًا معه، قلت: فيستلزم خروج المنصوب بعد إلا أيضًا.
الثامن: تغيير بعض حركته ليصير متعديًّا، كحزن زيد، فإنه على صيغة اللازم، فإذا فتحت وسطه صار متعديًّا ونصب المفعول فتقول: خزنته.
التاسع: تضمين اللازم معنى المتعدِّي نحو: رحبت بك الدار، فإنه قد ورد عنهم: رحبتكم الدار، فضمن معنى: وسعتكم، ومن هذا النوع استعمال الصيغة اللازمة موضع المتعدية.
العاشر: أعم طرق التعدية الشامل لثلاثي الأفعال وغيره، ومتعديها ولازمها دخول حرف الجر لإفضاء أثر الفعل إلى المجرور نحو: ذهب به، وموضع الجار والمجرور عند الجمهور وجعل الفاضل الإسفرائيني الإعراب للمجرور فقط، وهو الصواب لما صر جوابه من جواز العطف على المجرور بمنصوب، كقوله: يذهبن في نجدٍ وغورًا غائرًا.
وقد يتعدد الحرف لتعدد المقصود فتقول: خرجت به ومنه وإليه وعنه وفيه، وقال صاحب الأصول: متى جر الاسم بحرف لم يجز أن يجر بغيره، قال في الأغراب: وهو ضعيف لاختلاف معاني الحروف، وقصد المتكلم بحرف ما لم يعد بغيره إذا تقرر هذا فنقول: إن
"الهمزة" المستقلة أعني التي هي حرف من حروف المعاني، وليست بعضًا من الكلمة التي دخلت عليها، ولا ينظر إلى ما يكون أمرًا من وأي، فإنها باقية "همزة" بما لحقها من الحذف، وقد تقرر الكلام فيه فإنها صنفان.
الصنف الأول:
"همزة" النداء، وأحرف النداء سبعة، منها ما نقله الجمهور وهو خمسة: "الهمزة"، و"أي"، مثل "كي"، و"أيا"، و"هيا"، و"يا"، ومنها، ونقله الكوفيون وهو حرفان "أأ" و"أآي"، وسيأتي ما فيها من الخلاف في أنها من أسماء الأفعال، أو من الحروف، وهل هي عاملة بنفسها أو نائبة عن العامل، وإنه لم بنى المفرد المعرفة على علامة رفعه ونصب غيره، وكيف تعرب توابعه أو تبني في الباب الثاني في فصل يا لكونها الأصل في أحرف النداء، ولكن ينبغي أن يعلم أن"الهمزة" لنداء القريب، وأن "أأ" وأي لنداء المتوسط، و"أآي" و"أيا" و"هيا" لنداء البعيد، و"يا" مستعملة في الجميع، ولم يرد في القرآن نداء بغير"يا"، ولكن نقل عن الفراء أنه في قراءة من قرأ قوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل} بتخفيف "الميم" أنه نداء "بالهمزة"، فلا تبقى الدعوى مطلقة.
الصنف الثاني:
"همزة" الاستفهام، ونحرر مباحثها في أبحاث:
البحث الأول: أحرف الاستفهام ثلاثة:"الهمزة"، و"هل"، و"أم"، و"الهمزة" هي أصل الباب، ولذلك تقدر أدوات الاستفهام كلها بها أسماء وظروفًا وأحرفًا، وقيل: إن بعض أدوات الاستفهام يطلب بها التصور نحو: "ما" فعلت، و"من" قصدت؟، و"أين" بيتك؟ و"كم" مالك؟، و"أي" الرجال زارك؟ و"متى" سفرك؟ و"كيف" عزمك؟ و"هل" يطلب بها التصديق نحو: "هل" زيدٌ قائم؟، وأما "الهمزة" فتعم التصور والتصديق، فيقال: أزيدٌ قائم أم عمرو؟ لطلب التصور، وأقام زيد لطلب التصديق، ولإصالتها وخفتها كثر استعمالها وتصرفها، وأدخلت على عدة من أحرف العطف "كالواو" في قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه}، و"كالفاء" في: {أفمن كان على بينة من ربه}، و"كثم" في: {أثم إذا ما وقع آمنتم به}، وأما غيرها فيقدم حرف العطف على الأداة نحو: {فأين تذهبون}، {وهل نجازي إلا الكفور}، و{أنى يؤفكون}، وقد أبدلت "الهمزة" "هاء" لتقاربهما مخرجًا، فتقول: هزيد قائمٌ، قيل: إنها لا يستفهم بها إلا عما تعين في النفس وجوده، أما عند الشك المحض فيتعين هل، وقد حذفت"الهمزة" مع إرادة معناها، وكثر حذفها مع وجود "أم" المتصلة المعادلة لها كقوله:
فوالله ما أدري وإن كنت داريًا ..... بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان
وورد حذفها مع عدم "أم"، كقول الكيمت:
طربت وما شوقًا إلى البين أطرب .....ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب
يريد: وأذو الشيب، فيكون استفهامًا إنكاريًا، وهذا يضعف قول من يقول: إن الاستفهام الإنكاري يختص "بهل"، فإنه قد وقع في هذا الكلام محذوفًا، ولم يذكروا جواز تقدير "هل"، بل ورد بتقدير"الهمزة"، فوجب المصير إليه، وكل مكان تعقب الاستفهام فيه "بإلا" الاستثنائية، كقوله تعالى: {وهل نجازي إلا الكفور}، وقول الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت، فإنه لا يكون إنكاريًا، ولا يلزم منه الانعكاس الكلي.
البحث الثاني:"همزة" الاستفهام لا تعمل لأنها تدخل على الأسماء والأفعال، وقد قالوا: إن الحرف لا يعمل إلا إذا اختص بأحد القبيلين، ولا ينزل منزلة جزء مما اختص به، أما الأول فقالوا: إنه إذا دخل عليهما فلو عمل فإما أن يعمل فيهما معًا أو في أحدهما دون الآخر، لا جائز أن يعمل في أحدهما دون الآخر؛ لأنه ترجيح لأمر حج له، ولا جائز أن يعمل فيهما معًا؛ لأنه إما أن يكون العمل متحدًا فيوجب اختلاط معاني الأسماء بمعاني الأفعال، أو عملًا مختلفًا فيوجب الترجيح من غير مرجح، وهذا الدليل ضعيف جدًا، إلا أن أصل ما استدل به عليه صحيح، فإنه يعمل حرف يدخل على القبيلين سوى ما في لغة أهل الحجاز، فإنها مع دخولها على النوعين قد عملت عمل "ليس" في لغتهم، وقد شبه بما لا أيضًا لمشابهة خاصة بينهما، وأما الثاني فقالوا: إن الحرف إذا تنزل كجزء م الكلمة لا يجوز إعماله؛ لأنه يضاهي عمل الكلمة في نفسها، واحترزوا به عن مثل "أل" المعرفة المختصة بالأسماء والسن وسوف المختصين بالأفعال، فإنهما أهملا مع وجود الاختصاص لكونهما صارا كجزء، ويمكن أن يورد عليه بعض حروف الجر الأحاديات، فإنها تنزلت كالجزء مع إعمالها نحو: مررت بزيدٍ، و"إن" الناصبة للمضارع في نحو: أريد "أن" أقوم، وأن بعض خواص الفعل كأحرف التحضيض غير منزلة، كالجزء مع عدم الإعمال، وذلك يبطل ما قروه، ويمكن أن يجاب إما عن الأول فبأن حروف الجر وإن دخلت على الأسماء إلا أنها لما كانت لتعدية الأفعال وجر معانيها إلى الأسماء صارت "كهمزة" التعدية، وكأنها في الحقيقة داخلة على الأفعال، فضعف الاختصاص، وكذلك أن لما كانت تجعل الجملة في حكم المصدر الذي هو اسم صات، كأنها داخلة على الأسماء، فلم يعتد بالامتزاج فيها، فإن قلت: كان الأولى أن تعمل حروف الجر ونحو أن إذا اعتبر فيها ذلك لضعف الاختصاص، قلنا: اعتبروا في الاختصاص صورة امتناع دخولها على النوع الآخر، وفي عدم الجزئية النظر إلى معناه، أما عن الثاني، فإن معنى تنزلته كالجزء من جهة المعنى لا بتعدد الحروف، فإن أحرف التحضيض والتنفيس لما تعلقت بالمعنى صارت كجزءٍ منه، وإن تعددت الأحرف فيها فإن قلت: إنهم قالوا: الله لأفعلن أو لا أفعل كذا، وجروا المقسم به"بالهمزة" ، ولولا هي لكان منصوبًا، فكيف أعملت؟،
قلنا: إن العمل لحرف القسم لا
"للهمزة"، وهي نائبة عنه، كمثل ها في قولهم: ها الله، بالجر أيضًا، فهي نائبة عنه.
فإن قلت: إن حرف الجر لا يعمل محذوفًا فكيف عمل فيهما؟
قلنا: إنه قد أعمل محذوفًا كما ورد في جواب من سأل كيف أصبحت؟ فقال: خير، أي: بخير، وإنه إذا حكم أنه لا يعمل ففي كلام لا يقام غيره نائبًا عنه، وها هنا قد أقيم له نائب كما قالوا في إعمال رب محذوفة لنيابة بل ونحوها عنها في قوله: بل بلد ملء الفجاج قتمه، أي: رب بلد.
المبحث الثالث: أصل
"الهمزة" لطلب فهم ما بعدها؛ لأن أصل باب الاستفعال السؤال، وحقها أن يليها ما يتوجه السؤال إليه، فإذا سئل عن فاعل الضرب يقال: أزيد ضرب عمرًا، وعن المفعول: أعمرًا ضرب زيد، وعن الفعل: أضرب زيد عمرًا، وقد يعدل بها عن ذلك لمعان تعرض سواها:
أولها: التسوية فإنها تفيدها مع
"أم"، فيعود الكلام خبرًا محتملًا للصدق والكذب، كقولك: سواء عليَّ أفعلت "أم" لا، فبعضهم خصها بلفظة سواء وما رادفها، وقال بعضهم: إنها تأتي في أربع صور مثل: سواء علي أقمت "أم" قعدت، وقوله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، وما أبالي أرضيت "أم" سخطت، ولا أدري أأقام زيد "أم" رحل، وليت شعري أشكر "أم" كفر، ولا وجه لحصره في عدد، بل متى دل الكلام على التسوية حكم بها، ولا يجوز عطف الثاني على الأول "بأو" عوضًا عن "أم"، واتفقوا على ضعف قراءة ابن محيصن من طريق الزعفراني: (سواء عليهم أأنذرتهم أو لم تنذرهم)، وأما إذا ذكرت"الهمزة" مع "أم" عند طلب تعيين ما يقع السؤال عنه عند جزم الذهن بنسبته إلى أحدهما، ويقع الاستفهام عن تعيينه فهي باقية على أصلها وإن حكم أنها للتسوية أيضًا.
ثانيها: الإنكار، وهو الذي يطلب به إبطال ما يذكر بعدها، وتكذيب مدعى من يدعي به، وقيل: فالأولى تسميتها بالنافي، تقول: أأنا فعلت، أي:
"ما" فعلت، فصار ما يقع بعده مثبتًا منفيًا ومنفيًا مثبتًا، كقولك: "أما" فعلت، أي: فعلت، وقوله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده}، أي: هو كافٍ؛ لأن نفي النفي إثبات ولذلك عطف على المنفي بعده بمثبت كقوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك}، أي: شرحنا ووضعنا.
ثالثها: التقرير: وهو إثبات المستفهم عنه، ويختص بالوقوع بعد النفي سواء كان "بما"، أو "لم"، أو "ليس"، أو"لما"، نحو:
"أما" فعلت، و"ألم" أقل لك، و{أليس الله بكاف عبده}، و{أليس الله بأعلم بما في صدور العالمين}، و"ألما" أنذرك، قال أبو حيان، فعلى هذا كان القياس أن يجاب التقرير "بنعم"، ولكن العرب أجرتها مجرى النفي المحض، وأجابوه "ببلى"، كما في قوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى}، وعلى ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: «لو قالوا نعم لكفروا» لأنه صار بمنزلة لست بربكم.
رابعها: الإلزام وهو المقصود به اعتراف المخاطب بما يذكر بعدها مما يقع الاستفهام عنه، فتقول: أضربت زيدًا، إن أردت تقريره على الضرب وقد ثبت عندك ضربه إيه، وقد تكون الصورة متحدة، ويختلف المراد بها، فيختلف التعبير عنها والتقدير:
خامسها: التوبيخ: وهو تقريع المستفهم منه بذكر ما يستقبح من مثله للومه عليه، فتقول: أضربت زيدًا، مع إقراره به، وقد يرد التوبيخ لغير المستفهم منه، كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، فإنه توبيخ له ظاهرًا مع أنه سبحانه عالم أنه لم يقله، وإنما هو في الحقيقة لقومه الذين ادعوا آلهيته، ويكون التوبيخ لهم أشد وأبلغ مما لو كان الخطاب معهم؛ لأنه إذا وبخ من لم يقل على ما لم يقل مع شرفه كان لمن قال على ما قال مع ظلمته وخسته أعظم.
سادسها: الاستفهام الاستدعائي: وهو الذي يطلب به إيجاد الفعل المستفهم عنه إمَّا مطلقًا نحو:
"ألم" تضرب زيدًا، وإمَّا للتنبيه على لطيفة فيه، ويسمى تعجبًا، كقوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}، وإمَّا لطلب تعجيله، كقوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}، وقد سموه استبطاء، وليس بواضح؛ لأنه يقتضي طلب البطء لا تعجيل الفعل.
سابعها: التهكم، وهو الاستخفاف بالمستفهم عنه، كقوله تعالى: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا}، وقوله تعالى: {أهذا الذي يذكر آلهتكم}، وقد ذكر العلماء في معاني
"الهمزة" الاستفهامية أشياء أخر يمكن ردها إلى ما ذكرناه، بل يمكن رد بعض المذكور إلى بعضه، فلذلك اقتصرنا على هذا القدر منها.
البحث الرابع: إذا دخلت
"همزة" الاستفهام على ما أوله "همزة"فل يجوز كونها للاستفهام أيضًا؛ لعدم جواز اجتماعهما، فإمَّا أن تكون"همزة" وصل أو "همزة" قطع، فإن كانت "همزة" وصل فإمَّا هي في "أل" المعرفة أو في غيرها، فما في "أل" تبقى بحالها وتمدها تفرقة بين الخبر والاستفهام، نحو: {آلله أذن لكم}، ونحو: {آلذكرين حرم أم الأنثيين}، وإن كانت في غير "أل" حذفتها استغناء عنها "بهمزة" الوصل للتمكن من الابتداء بها، فتقول: أمرأة "أم" رجل، بفتح "الهمزة"، وإن كانت "همزة" قطع جاز تحقيقها معًا، وإن تخفف بتسكين الثانية فقط، وهذان المذهبان مجردان عن زيادة، وبعض العرب يدخل بين "الهمزتين" "ألفًا"، فتصير المذاهب حينئذٍ أربعة، وقد قرأ القراء بها أجمع.
تنبيه: قد تدخل
"همزة" الاستفهام على لفظة "لا" النافية فتبقى على معناها لطلب استعلام المنفي نحو، "ألا" يقوم، وقد يقصد بها العرض نحو: "ألا" تنزل فينا فتكرم، أو التمني نحو: "ألا" زمن الشباب عائد، وستأتي). [جواهر الأدب: 6 - 15]


رد مع اقتباس