الموضوع: حرف اللام
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:35 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(حرف "اللام")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "اللام")
"اللام" المفردة ثلاثة أقسم: عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة، وعند الكوفيين: عاملة للنصب أيضًا، فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر، نحو: لزيد ولعمرو، إلا مع المستغاث المباشر "ليا"، فإنها فيه مفتوحة نحو: بالله، ومفتوحة مع كل مضمر نحو قوله: "له" ، و"لكم"، و"لنا"، إلا مع "ياء" المتكلم فمكسوة، وإذا قيل: يا "لك" ويا "لي"، احتمل كل منهما أن يكون مستغاثًا به، وأن يكون مستغاثًا من أجله.
و"للام" الجارة اثنان وعشرون معنى:
أحدها: الاستحقاق، نحو: الحمد لله، والعزة لله، ونحو: {ويل للمطففين}.
الثاني: الاختصاص، نحو: الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، وهذا الشعر لحبيب.
الثالث: الملك، نحو: {له ما في السماوات}، وبعضهم يستغني بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالأمثلة المذكورة ونحوها، ويرجحه أن فيه تقليلًا للاشتراك.
الرابع: التمليك، نحو: وهبت لزيد دينارًا.
الخامس: شبه التمليك، نحو: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
السادس: التعليل، نحو: ويوم عقرت لعذارى مطيتي، وقوله تعالى: {إنه لحب الخير لشديد}، أي: من أجل حب المال بخير، ومنها
"اللام" الداخلة على المضارع في نحو قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}، وانتصاب الفعل بعدها "بأن" مضمرة وفاقًا للجمهور، لا "بأن" أو "بكي"، خلافًا للسيرافي وابن كيسان، ولا "باللام" بطريق الأصالة خلافًا لأكثر الكوفيين.
ولك إظهار "أن"، فتقول: جئتك "لأن" تكرمني، بل قد يجب إذا اقترن الفعل "بلا" نحو: {لئلا يكون للناس عليكم حجة}.
السابع: توكيد النفي، وهي الداخلة على الفعل مسبوقة "بما""كان"، أو "لم" "يكن"، نحو: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، ونحو: {لم يكن الله ليغفر لهم}، وأكثرهم يسميها: "لام" الجحود لملازمتها الجحد، أي: النفي.
قال النحاس: والصواب تسميتها "بلام" النفي؛ لأن الجحد إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار، انتهى.
ومن العرب من يفتح هذه
"اللام" وربما حذفت "كان" قبلها كقوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ..... مقاومة ولا فردًا لفرد
أي: "فما" "كان" جمع، وقول أبي الدرداء رضي الله عنه في الركعتين بعد العصر: «ما أنا لدعهما».
الثامن: موافقة "إلى"، نحو: {بأن ربك أوحى لها}، {كل يجري لأجل مسمى}، {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.
التاسع: موافقة "على"، نحو: {ويخرون للأذقان}، {وتله للجبين}، {وإن أسأتم فلها}، قال النحاس: ولا يعرف في العربية لهم بمعنى "عليهم".
العاشر: موافقة "في"، كقولهم: مضى لسبيله، ومنه: {يا ليتني قدمت لحياتي}، وقيل: للتعليل، أي: لأجل حياتي "في" الآخرة.
الحادي عشر: أن تكون بمعنى: "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون من شهر كذا.
الثاني عشر: موافقة "بعد"، نحو: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، وفي الحديث: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، وكقوله:
فلما تفرقنا كأني ومالكًا ..... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
الثالث عشر: موافقة "مع"، قال بعضهم: وأنشد عليه هذا البيت.
الرابع عشر: موافقة "من"، نحو: سمعت "له" صراخًا، وكقول جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ..... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
الخامس عشر: التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، نحو: قلت "له"، وأذنت "له"، وفسرت "له".
السادس عشر: موافقة "عن"، نحو: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه}، قاله ابن الحاجب، فإن قوله: {قال الذين كفروا للذين آمنوا}، ليس خطابًا للذين آمنوا، وإلا كانت "لام" التبليغ، وكان يقال: ما سبقتمونا بالخطاب، فلما قال: {سبقونا}، علم أن
"اللام" داخلة على الغالب، أي: أن الكفار يقول بعضهم لبعض أخبارًا "عن" شأن الذين آمنوا، وقيل: "لام" التبليغ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة، وقيل: "لام" التعليل، وعلى الأول قول الشاعر:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ..... حسدًا وبغيًا إنه لدميم
أي: "عن" وجهها، ويصح أيضًا أن تكون هنا تعليلية.
السابع عشر: الصيرورة، وتسمى "لام" العاقبة و"لام" المآل نحو: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا}، وقوله:
فإن يكن الموت أفناهم ..... فللموت ما تلد الوالدة
وأنكر البصريون وما تابعهم "لام" العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها "لام" العلة.
الثامن عشر: القسم والتعجب معًا، وتختص باسم الله وحده، كقوله:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ..... بمشمخر به الظيان والآس
قوله: لله يبقى، أي: "لا" يبقى، كما قالوا في: {تالله تفتؤ}، أي: "لا" تفتؤ، وقوله: ذو حيدٍ، أي: عقد في قرونه، وقوله: بمشمخر، أي: بجبل مرتفع، والظيان: ياسمين البر.
التاسع عشر: التعجب المجرد عن القسم، ويستعمل في النداء نحو: ياللماء، ويا للعشب، إذا تعجبوا من كثرتهما، أي: يا هؤلاء أدعوكم لتتعجبوا من كثرتهما، ومنه قوله:
فيا لك من ليل كأن نجومه ..... بكل مغار القتل شدت بيذبل
وقولهم: يا لك رجلًا عالمًا، ولله أنت، ولله دره فارسًا، ولله هذا الدهر كيف ترددا.
العشرون: التعدية: ذكره ابن مالك في الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليًا}، ومثل "له" ابنه بالآية، وبقولك: قلت "له": افعل كذا، ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل ذكر في شرحه أن
"اللام" في الآية لشبه التمليك، وإنما في المثال للتبليغ، والأولى أن يمثل للتعدية بنحو: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أحبه لبكر.
الحادي والعشرون: التوكيد، وهي
"اللام" الزائدة وهي أنواع، منها "اللام" المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله، كقوله:
وملكت ما بين العراق ويثرب ..... ملكًا أجار لمسلم ومعاهد
الأصل: مسلمًا ومعاهدًا، ومنها "اللام" المسماة بالمقحمة وهي المعترضة بين المتضايفين كما في قولهم: يا بؤس للحرب، والأصل: يا بؤس الحرب، قال الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ..... وضعت أراهط فاستراحوا
ومن ذلك قولهم: "لا" أبا لزيد و"لا" أخا "له"، و"لا" غلامى "له" على قول سيبويه، ومنها "اللام" المسماة "لام" التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعيف نحو: {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، ونحو: {مصدقًا لما معهم}، {فعال لما يريد}، {نزاعة للشوى}، ونحو: ضربي لزيد حسن، وأنا ضارب لعمرو، وأما قول الشاعر:
أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ..... ولا الله يعطي للعصاة مناها
فشاذ لقوة العامل، ومنها "لام" المستغاث عند المبرد وابن خروف؛ بدليل اسقاطها، وقال جماعة: غير زائدة، وزعم الكوفيون أن"اللام" في المستغاث بقية اسم، وهو "آل"، والأصل: يا "آل" زيد، واستدلوا عليه بقوله:
فخير نحن عند الناس منكم ..... إذا الداعي المثوب قال يالا

(تنبيه): إذا قيل: يا لزيد، بفتح "اللام" فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله، والمستغاث محذوف، فإن قيل: يا لك، احتمل الوجهين.
ثم إنهم كما زادوا
"اللام" في بعض المفاعيل المستغنية عنها، كما تقدم، كذلك عكسوا فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها، كقوله تعالى: {والقمر قدرناه منازل}، أي: قدرنا "له"، {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}، أي: كالوا "لهم" ووزنوا "لهم"، وقالوا: وهبتك دينارًا وصدتك ظبيًا وجنيتك ثمرة، قال الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلا، وقال آخر:
فتولى غلامهم ثم نادى ..... أظليمًا أصيدكم أم حمارًا.
الثاني والعشرون: التبيين، وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يبين المفعول من الفاعل، وضابطها أن تقع بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبًا أو بغضًا، تقول: ما أحبني وما أبغضني، فإن قلت لزيد فأنت فاعل الحب والبغض، وزيد مفعولهما، وإن قلت إلى زيد فالأمر بالعكس، هذا شرح ما قاله ابن مالك.
والنوع الثاني والثالث ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، مثال المبنية للمفعولية: سقيا لزيد وجدعا "له"، ولا تسقط فلا يقال: سقيا زيدًا و"لا" جدعا زيدا خلافًا لابن الحاجب، ومثال المبنية للفاعلية: تبًا لزيد، وويحًا "له"، فإنها في معنى: خسر وهلك، قلت: قوله تبًا لزيد يحتمل أنه من التب بمعنى القطع، وهو أصل المعنى، ومثله: بت، فيكون كقوله جدعا، وإنما قلت اصل المعنى لأن التب الذي بمعنى الخسار مسبب عن القطع.
القسم الثاني:
"اللام" العاملة للجزم، وهي الموضوعة للطلب نحو: ليضرب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد "الواو" و"الفاء" أكثر من تحريكها، نحو: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، وقد تسكن بعد "ثم"، نحو: {ثم ليقضوا تفثهم} في قراءة الكوفيين، وفي ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر، ودخول "اللام" على فعل المتكلم قليل، وسواء كان المتكلم مفردًا، كقوله عليه الصلاة والسلام: «قوموا فلاصل لكم أم معه غيره»، كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}، وأقل منه دخولها في فعل المخاطب كقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم»، وقد تحذف "اللام" في الشعر ويبقى عملها، كقوله:ب
فلا تستطل مني بقائي ومدتي ..... ولكن يكن للخير منك نصيب
وقوله: محمد تفد نفسك كل نفس ..... إذا ما خفت من شيء تبالا
أي: ليكن ولتفد. ومنع المبرد حذف "اللام" وبقاء عملها حتى في الشعر، وهذا الذي منعه المبرد في الشعر، أجازه الكسائي في الكلام، ولكن بشرط تقدم لفظ قل، وجعل منه: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموا، ووافقه ابن مالك في شرح الكافية وزاد عليه: أن ذلك يقع في النثر قليلًا بعد القول الخبري من دون اشتراط الطلب، كقوله:
قلت لبواب لديه دارها ..... تئذن فإن حموها وجارها
أي: لتأذن، فحذف "اللام" وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ائذن؛ لأن الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة، وكل ما جاز اختيارًا في الشعر جاز نثرًا، قيل: وهذا تخلص من ضرورة بضرورة، وهي إثبات "همزة" الوصل في الدرج، وليس هذا الاعتراض صحيحًا؛ لأنهما بيتان لا بيت مصرع، و"الهمزة" في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في نحو قوله:
لا نسب اليوم ولا خلة ..... اتسع الخرق على الراقع
قال العلامة الشارح: بل لو قلنا: إنه بيت كامل، فالشطر يقف عليه، ويبتدئ بالشطر الذي بعده، "فهمزة" الوصل مثبتة في الابتداء لا في الدرج، والجمهور على أن الجزم في الآية مثله في قولك: ائتني أكرمك، وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن "لام" الطلب حذفت حذفًا مستمرًا في نحو: قم واقعد، وان الأصل: لتقم ولتقعد، فحذفت "اللام" للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة.
قال ابن هشام: وبقولهم أقول: لأن الأمر أخو النهي، فحقه أن يدل عليه بالحرف، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله:
لتقم أنت يا ابن خير قريش ..... كي لتقضي حوائج المسلمينا
وكقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم».
القسم الثالث:
"اللام" غير العاملة، وتدخل في الابتداء نحو: {لأنتم أشد رهبة}، وبعد "أن"، نحو: {إن ربي لسميع الدعاء}، {وإن ربك ليحكم بينهم}، {وإنك لعلى خلق عظيم}، وهذا باتفاق، وتدخل أيضًا باختلاف على الفعل الجامد نحو: زيد لعسى يقوم، أو "أن" زيدًا لنعم الرجل، قاله أبو الحسن، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه الجمهور.
وعلى الماضي المقرون "بقد" نحو: إن زيدًا "لقد" قام، وخالف في ذلك قوم فقالوا: إن
"اللام" هنا جواب لقسم مقدر، وعلى الماضي المتصرف المجرد من "قد" أجازه الكسائي وهشام على إضمار "قد"، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنما هذه "لام" القسم، واختلف في دخولها في غير باب "أن" على شيئين:
أحدهما: خبر المبتدأ المقدم نحو: لقائم زيد، فاقتضى كلام الجماعة الجواز.
والثاني: الفعل نحو: ليقوم زيد، أجاز ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما زاد الماضي الجامد نحو: {لبئس ما كانوا يعملون}، وبعضهم الفعل المتصرف المقرون "بقد" نحو: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل}، والمشهور: أن هذه "لام" القسم، وقال أبو حيان في: {ولقد علمتم} هي "لام" الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر، وأن لا يكون انتهى.
ونص جماعة على منع ذلك كله، وهو أيضًا قول الزمخشري، فإنه قال في تفسير: {ولسوف يعطيك ربك} "لام" الابتداء لا تدخل على المبتدأ والخبر، وقال ابن الخباز: لا تدخل "لام" الابتداء على الجملة الفعلية في باب "أن"، وقال ابن الحاجب: إنها "لام" التوكيد، وقول الشاعر: أم الحليس لعجوز شهر به.
قيل:
"اللام" زائدة، وقيل: للابتداء، والتقدير: لهي عجوز، وليس لها الصدرية في باب "أن"؛ لأنها فيها مؤخرة من تقديم، ولهذا تسمى المزحلقة، وذلك أن أصل "أن" زيدًا لقائم، لأن زيدًا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين، وقد نطقوا بها على الأصل، كما في قوله:
ألا يأسنا برق على قلل الحمى ..... لهنك من برق على كريم
وتقول: "إن" في الدار لزيدًا، و"أن" زيدًا القائم، و"أن" زيدًا طعامك لآكل.
ثم إن
"اللام" الزائدة تدخل في خبر المبتدأ، كما مر في قوله: أم الحليس لعجوز شهر به، وفي خبر "أن" المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير: {إلا أنهم ليأكلون الطعام}، بفتح "الهمزة"، وفي خبر "لكن"، كقوله: و"لكنني" من حبها لعميد، وليس دخلوها مقيس بعد "أن" المفتوحة خلافًا للمبرد، ولا بعد، لكن خلافًا للكوفيين، ومما زيدت فيه أيضًا خبر "زال"، كما في قوله:
وما زلت من ليلى لدن أي عرفتها ..... لكالهائم المقصي بكل مراد
وفي المفعول الثاني لأرى، كقول بعضهم: أراك لشاتمي، وفي جواب "لو" نحو: {لو كان فيهما آلة إلا الله لفسدتا}، وكذلك في جواب "لولا" نحو: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، وفي جواب القسم نحو: {تالله لقد آثرك الله علينا}، {وتالله لأكيدن أصنامكم}، وكذا في جواب "لوما". ومنها "اللام" الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، ومن ثم تسمى "اللام" المؤذنة، وتسمى أيضًا: "اللام" الموطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم، نحو: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم}، وأكثر ما تدخل على "أن"، وقد تدخل على غيرها، كقوله:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ..... ولتجزين إذا جزيت جميلًا
ومن ذلك زيادتها في نحو: الحارث، والحسن للمح الصفة، وفي أسماء الإشارة الدالة على البعد أو على توكيده، وأصلها السكون، كما في تلك.
وفي التعجب، وهي غير الجارة نحو: لظرف زيد، ولكرم عمرو، بمعنى: ما أظرف زيدًا وما أكرم عمرًا، ذكرها ابن خالويه، وفيه نظر.

"لا": على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون نافية، وهي على خمسة أقسام:
الأول: أن تكون عاملة عمل "أن"، وذلك إذا أريد بها نفي الجنس، وتسمى "لا" التبرئة نحو: "لا" صاحب جود ممقوت، ويبنى اسمها معها على الفتح نحو: "لا" رجل في الدار و"لا" رجال، ومنه: {لا تثريب عليكم}، وعلى "الياء" في المثنى والجمع نحو: "لا" رجلين و"لا" قائمين.
والثاني: أن خبرها لا يتقدم على اسمها، ولو كان ظرفًا أو مجرورًا.

والثالث: أنه يجوز مراعاة محلها مع اسمها قبل مضي الخبر وبعده، فيجوز رفع النعت والمعطوف نحو: "لا" رجل ظريف فيها، و"لا" رجل و"لا" امرأة فيها.
والرابع: أنه يجوز إلغاؤها إذا تكررت نحو: "لا" حول و"لا" قوة إلا بالله، فلك فتح الاسمين ورفعهما والمغايرة بينهما.
والخامس: أن يكثر حذفه خبرها إذا علم، نحو: {قالوا لا ضير}، وقد تكون عاملة عمل "ليس" فترفع الاسم وتنصب الخبر، كما في قوله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا ..... ولا وزر مما قضى الله واقيا

(تنبيه): إذا قيل: "لا" رحل بالفتح، تعين كونها نافية للجنس، ويقال في توكيده: "بل" امرأة.
وإن قيل بالرفع تعين كونها عاملة عمل "ليس"، واحتمل أن تكون لنفي الجنس، وأن تكون لنفي الوحدة، ويقال في توكيده على الأول: "بل" امرأة، وعلى الثاني: "بل" رجلان أو رجال، وغلط كثير من الناس فزعموا أن العاملة عمل "ليس" لا تكون إلا نافية للوحدة، ويرد عليهم:
تعز فلا شيء على الأرض باقيًا ... البيت.
قال في المصباح: وإذا دخلت على الماضي نحو: والله "لا" قمت، قلبت معناه إلى الاستقبال، وصار المعنى: والله "لا" أقوم، فإذا أريد الماضي قيل: والله "ما" قمت.
وقد جاءت بمعنى "لم"، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} وجاءت بمعنى "ليس"، نحو: {لا فيها غول}، أي: "ليس" فيها.
ومنه قولهم: "لاها" الله ذا، أي: "ليس" والله ذا، والمعنى: لا يكون هذا الأمر.
ومن أقسامها المعترضة بين الجار والمجرور نحو: جئت "بلا" زاد، وغضبت من "لا" شيء، وعن الكوفيين أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفًا ويسميها زائدة.
قال الحريري في درة الغواص: إذا أجابوا المستخبر عن شيء "بلا" النافية عقبوها بالدعاء له، فيستحيل الكلام إلى الدعاء عليه، كما روي «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رأى رجلًا بيده ثوب فقال له: أتبيع هذا الثوب فقال: لا، عافاك الله، فقال: قد علمتم لو تتعلمون، هلا قلت: وعافاك الله}.
وقال المبرد في الكامل: يقال مرعي و"لا" كالسعدان، وفتى، و"لا" كمالك، وماء، و"لا" كصدا تضرب هذه الأمثال للشيء الذي فيه فضل، وغيره أفضل، كقولهم: ما من طامة "إلا" وفوقها طامة، أي: ما من داهية "إلا" وفوقها داهية، وصدا يمد، وبعضهم يقول: صُدى.
الوجه الثاني: أن تكون عاطفة، ولها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يتقدمها إثبات: كجاء زيد "لا" عمرو، أو أمر: كأضرب زيدًا "لا" عمرًا، أو نداء نحو: يا ابن أخي "لا" ابن عمي.
وزعم ابن سعد أن هذا ليس من كلامهم.
الثاني: أن "لا" تقترن بعاطف، فإذا قيل: جاءني زيد "لا" "بل" عمرو، فالعاطف "بل"، و"لا" رد لما قبلها، وليست عاطفة، وإذا قلت: ما جاءني زيد "و""لا" عمرو، فالعاطف "الواو"، و"لا" توكيد للنفي.
والثالث: أن يتعاند متعاطفها، فلا يجوز: جاءني رجل "لا" زيد؛ لأنه يصدق على زيد اسم الرجل، بخلاف: جاءني رجل إلى امرأة، وقد تكون جوابًا مناقضًا لنعم، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرًا، يقال: أجاءك زيد فتقول: "لا"، والأصل: "لا" لم يجيء.
ويجب تكرارها إذا دخلت على مفرد خبر أو صفة أو حال، نحو: زيد "لا" شاعر و"لا" كاتب، وجاء زيد "لا" ضاحكًا و"لا" باكيًا، ونحو: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر}، وإن كان ما دخلت عليه فعلًا مضارعًا لم يجب تكرارها نحو: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول}، ويتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين ، وخالفهم ابن مالك لصحة قولك: جاء زيد "لا" يتكلم بالاتفاق، وتكون موضوعة لطلب الترك، وتختص بالدخول على المضارع، وتقتضي جزمه سواء كان المطلوب منه مخاطبًا نحو: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}، أو غائبًا نحو: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}، أو متكلمًا نحو: "لا" أرينك هنا، والأصل: "لا" تكن هنا فأراك، ويدخل في الطلب النهي، كما في الآيات والدعاء، كقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا} والالتماس كقولك لنظيرك غير مستعل عليه: "لا" تفعل كذا.
الوجه الثالث: أن تكون زائدة لمجرد توكيد الكلام نحو: {ما منعك أن لا تسجد} ويوضحه الآية الأخرى: {ما منعك أن تسجد}، ومنه: {لئلا يعلم أهل الكتاب}، أي: ليعلموا، ومنه قول الشاعر:
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه ..... وللهو داع دائب غير غافل
واختلف فيها في مواضع من التنزيل:
أحدها: قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة}، فقيل: هي نافية، والمنفي شيء تقدم، وهم إنكارهم للبعث، فقيل لهم: ليس الأمر كذلك، وقيل: إنها زائدة لمجرد التوكيد.
والثاني: قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا}، فقيل: أن "لا" نافية، وقيل: ناهية، وقيل: زائدة، والجميع محتمل.
والثالث: قوله تعالى: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} فقيل: إنها زائدة، وقيل: نافية، وكذلك في قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}.
قال في المصباح: وقد تكون "لا" زائدة نحو: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، {وما منعك أن لا تسجد}، أي: من السجود إذ لو كانت غير زائدة لكان التقدير: ما منعك من عدم السجود، فيقتضي أنه سجد، والأمر بخلافه.
وتكون مزيلة للبس عند تعدد المنفي نحو: ما قام زيد و"لا" عمرو، إذ لو حذفت لجاز أن يكون المعنى نفي الاجتماع، ويكون قد قاما في وقتين، فإذا قيل: ما قام زيد و"لا" عمرو، زال اللبس وتعلق النفي بكل واحد منهما، ومثله: "لا" تجد زيدًا وعمرًا قائمًا، فنفيهما جميعًا "لا" تجد زيدًا و"لا" عمرًا قائمًا.
وتكون للدعاء نحو: "لا" سلم، وتكون عوضًا عن الفعل نحو قولهم: أما "لا" فافعل هذا، فالتقدير إن لم تفعل ذلك فافعل هذا.
"لا" بأس به: أي: "لا" شدة به، و"لا" بأس عليك، أي: "لا" خوف عليك، وفي العيني: "لا" بأس فيه "لا" حرج.
"لا" أبًا لك: قيل: هي كلمة مدح، أي: أنت شجاع مستغن عن أب ينصرك، وقيل: هي كلمة جفاء، تستعملها العرب عند أخذ الحق والإغراء، أي: "لا" أبًا لك إن لم تفعل، وعن الازهري: إذا قال: "لا" أبًا لك، لم يترك من الشتيمة شيئًا، أي: "لا" يعرف له أب؛ لأنه ولد زناء.

"لابد": من فعل كذا، أي: "لا" فراق، وحاصله الوجوب، وعبارة القاموس: "لا بد" "لا" فراق و"لا" محالة.
قلت: "لابد" من أن يكون كذا، و"لابد" وأن يكون، "فالواو" هنا بمعنى: من كذا في الكليات، نقلًا عن السيرافي.

"لات": تقدم الكلام عليها في النواسخ، والمراد هنا أنها وجدت في الإمام وهو مصحف عثمان رضي الله عنه متصلة بحين، في قوله تعالى: {ولات حين مناص} واستدل أبو عبيدة بأنها كلمة وبعض كلمة، وذلك أنها "لا" النافية و"التاء" زائدة في أول الحين.
قال ابن هشام: و"لا" دليل فيه، فكم في خط المصحف من أشياء خارجة عن القياس، ويشهد للجمهور أنه يوقف عليها "بالتاء" و"الهاء" وأنها رسمت منفصلة عن الحين، وأن "التاء" قد تكسر على حركة التقاء الساكنين وهو معنى قول الزمخشري، وقرئ بالكسر على البناء "كجير" انتهى.
"لا جرم": هو اسم مبني على الفتح مثل: "لا بد" لفظًا ومعنى، أي: "لا" ينقطع في وقت، فيفيد معنى الوجوب، يعني: وجب وحق.
"لا محالة": أي: "ليس" له محل حوالة، فكان ضروريًا، وأكثر ما يستعمل بمعنى الحقيقة واليقين أو بمعنى "لابد".
"لا مرحبًا به": دعاء عليه، تقول لمن تدعو له: مرحبًا، أي: أتيت رحبًا "لا" ضيقًا، ثم تدخل عليه "لا" لعكس المعنى.
"لدى"، و"لدن": تقدم الكلام عليهما في شرح "عند" فراجعهما هناك.
"لعل": حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال بعض أصحاب الفراء: وقد تنصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب، وحكى:"لعل" أباك منطلقًا، وتأويله على إضمار يوجد، أو يكون، وقد مر أن عقيلًا يخفضون بها المبتدأ، كقوله: "لعل" أبي المغوار منك قريب.
وتتصل "بلعل" "ما" الحرفية فتكفها عن العمل، كقوله:
أعد نظرًا يا عبد قيس لعلما ..... أضاءت لك النار الحمار المقيدا
ولها عدة معان:
أحدها: التوقع، وهو ترجي المحبوب، نحو: "لعل" الحبيب قادم، والإشفاق من المكروه نحو: "لعل" الرقيب قريب، وتختص بالممكن.
والثاني: التعليل، أثبته جماعة منهم الأخفش والكسائي، وحملوا عليه: {فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى}، ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء.
والثالث: الاستفهام، أثبته الكوفيون نحو: {وما يدريك لعله يزكى}، ويقترن خبرها "بأن" كثيرًا حملا على "عسى"، كقوله: "لعلك" يومًا "أن" تلم ملمة.
وبحرف التنفيس قليلًا كقوله:
فقولا له قولًا رفيقًا لعلها ..... سترحمني من زفرة وعويل
ولا يمتنع كون خبرها فعلًا ماضيًا خلافًا للحريري، وفي الحديث: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
وقول الشاعر:

لعل منايانا تحولن أبؤسًا.
وقول الآخر:
لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا.
"لكن": مشدة "النون" حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وفي معناها ثلاثة أقوال.
أحدها: الاستدراك، وهو المشهور وهو أن تنسب لما بعدها حكمًا مخالفًا لحكم ما قبلها بأن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو: ما هذا ساكنًا "لكنه" متحرك، أو ضد له نحو: ما هذا أبيض "لكنه" أسود، وقيل: أو خلاف نحو: ما زيد قائمًا "لكنه" شارب، وقيل: لا يجوز ذلك.
والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد، قاله جماعة، وفسروا الاستدراك برفع ما توهم ثبوته نحو: ما زيد شجاعًا "لكنه" كريم؛ لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر، وما قام زيد "لكن" عمرًا قام، وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة، ومثل التوكيد بنحو: لو جاءني أكرمته "لكنه" لم يجيء، فأكدت ما أفادته لو من الامتناع.
والثالث: أنها للتوكيد دائمًا مثل "أن"، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور قال في المقرب "أن" و"إن" و"لكن"، معناها التوكيد ولم يزد على ذلك.
وقال في الشرح: معنى "لكن" التوكيد، وتعطى مع ذلك معنى الاستدراك، ويذهب البصريون إلى أنها بسيطة، وقال الكوفيون مركبة من "لا"، و"أن" و"الكاف" تشبيهية، وقد جاءت في شعر بدون "النون" كقوله: ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل.
وجاءت أيضًا محذوفة الاسم كقوله:
فلو كنت ضبيًا عرفت قرابتي ..... ولكن زنجيًا عظيم المسافر
أي: و"لكنك"، وعليه بيت المتنبي:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ..... ولكن من يبصر جفونك يعشق
وبيت الكتاب:
ولكن من لا يلق أمرًا ينوبه ..... بعدته ينزل به وهو أعزل
ولا تدخل "اللام" في خبرها خلافًا للكوفيين احتجوا بقوله: و"لكنني" من حبها لعميد، ولا يعرف له قائل ولا تتمة ولا نظير.
"لكن": ساكنة "النون" ضربان: مخففة من الثقيلة وهي حرف ابتداء لا يعمل خلافًا للأخفش ويونس وخفيفة بأصل الوضع، فإن وليها كلام فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة.
ويجوز أن تستعمل "بالواو"، ونحو: {ولكن كانوا هم الظالمين} وبدونها نحو قوله: و"لكن" وقائعه في الحرب تنتظر.
وزعم ابن الربيع أنها حين اقترانها "بالواو" عاطفة جملة على جملة، وأنه ظاهر قول سيبويه، وإن وليها مفرد فهي عاطفة بشرطين:
أحدهما: أن يتقدمها نفي أو نهي نحو: ما قام زيد "لكن" عمرو، ولا يقم زيد "لكن" عمرو.
فإن قلت: قام زيد ثم جئت "بلكن" جعلتها حرف ابتداء، فجئت بالجملة فقلت: "لكن" عمرو لم يقم. وأجاز الكوفيون "لكن" عمرو، فجوزوا إيلاءها الخبر المثبت على العطف.
الشرط الثاني: أن لا تقترن "بالواو"، قاله أكثر النحويين، وقال قوم: لا تستعمل مع المفرد إلا "بالواو"، واختلف في نحو: ما قام زيد و"لكن" عمرو، على أربعة أقوال:
فقال يونس: أن "لكن" غير عاطفة و"الواو" عاطفة مفردًا على مفرد.
وقال ابن مالك: أن "لكن" غير عاطفة و"الواو" عاطفة جملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، قال: فالتقدير في نحو: ما قام زيد و"لكن" عمر، و"لكن" قام عمرو.
وقال ابن عصفور: أن "لكن" عاطفة و"الواو" زائدة.
وقال ابن كيسان: أن "لكن" عاطفة و"الواو" زائدة لازمة، وسمع ما مررت برجل صالح "لكن" طالح بالخفض، فقيل على العطف، وقيل بجار مقدر، أي: "لكن" مررت بطالح.
"لم": لنفي المضارع وقلبه ماضيًا نحو: {لم يلد ولم يولد} الآية، وهو من الجوازم، وقد يرتفع الفعل بعدها كقوله: يوم الصليفاء لم يوفون بالجار.
فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك لغة. وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم: {ألم نشرح}، وقوله: في أي يومي من الموت أفر: أيوم لم يقدر أم يوم قدر: وتلقي القسم بها نادر جدًا، قيل لبعضهم: ألك "بنون"، فقال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب، أي: "أن" "لي" لبنين، ثم استأنف جملة النفي.
"لما": على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيًا، كلم إلا أنها تفارقها في خمسة أمور.
أحدها: أنها لا تقترن بأداة شرط لا يقال أن "لما" تقم، ويقال: إن "لم" تقم.
ثانيها: أن منفي
"لما" لا يكون إلا قريبًا من الحال ولا يشترط ذلك في منفي "لم" تقول "لم" يكن زيد في العام الماضي مقيمًا ولا يجوز "لما" يكن، وقال ابن مالك: لا يشترط كون منفي "لما" قريبًا من الحال مثل: عصى إبليس ربه و"لما" يندم بل ذلك غالب "لا" لازم.
رابعها: أن منفي
"لما" متوقع ثبوته بخلاف منفي "لم"، ألا ترى أن معنى: {بل لما يذوقوا عذاب} أن ذوقهم له متوقع.
خامسها: أن منفي
"لما" جائز الحذف لدليل كقوله:
فجئت قبورهم بدءا ولما ..... فناديت القبور فلم يجبنه
أي: و"لما" أكن بدءًا قبل ذلك، أي: سيدًا، ولا يجوز: وصلت إلا بغداد و"لم" أدخلها، ويجوز ذل في "لما"، فأما قوله: يوم الأعازب إن وصلت إن "لم" فضرورة.
الثاني: من أوجه
"لما" أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود الأولى، نحو: "لما" جاءني أكرمته، ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.
وزعم جماعة أنها ظرف بمعنى "حين".
وقال ابن مالك بمعنى: "إذ"، وهو حسن لأنها مختصة بالماضي، وبالإضافة إلى الجملة ويكون جوابها فعلًا ماضيًا اتفاقًا، وجملة اسمية مقرونة "بإذا" الفجائية أو "بالفاء" عند ابن مالك، وفعلًا مضارعًا عند ابن عصفور.
دليل الأول: {فلما نجاكم إلى البر أعرضتم}.
والثاني: {فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
والثالث: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}.
والرابع: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا}.
وقيل في آية "الفاء": إن الجواب محذوف، أي: انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد، وقيل في آية المضارع أن يجادلنا مؤول يجادلنا، أو أن الجواب جاءته البشرى على زيادة "الواو".
وفي الكليات في شرح اللباب للمشهدي جواب
"لما" فعل ماض، أو جملة اسمية مع "إذا" المفاجأة، ومع "الفاء"، وربما كان ماضيًا مقرونًا "بالفاء"، ويكون مضارعًا.
قلت: قد استعمل المؤلفون
"لما" للتعليل، كقولك: "لما" كان هذا الشيء غاليًا لم أشتره، وهو على حد استعمالهم، حيث كما مر في بابه.
الثالث: أن تكون حرف استثناء فتدخل على الجملة الاسمية نحو: {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ} فيمن شدد "الميم"، وعلى الماضي لفظًا لا معنى نحو: أنشدك الله
"لما" فعلت، أي: ما أسألك "إلا" فعلك.
وبعضهم يقدر هنا نفيًا بعد صيغة المناشدة، أي: أسألك بالله لا تفعل شيئًا "إلا" فعلك كذا، قال الراجز:
قالت له بالله يا ذا البردين ..... لما غنثت نفسًا أو نفسين
قولها: غنثت، أي: تنفست بعد الشرب، وفيه رد لقول الجوهري أن "لما" بمعنى "إلا" غير معروف في اللغة.
قال في الكليات: الأفعال الواقعة بعد "إلا" و
"لما" ماضية في اللفظ مستقبلة في المعنى؛ لأنك إذا قلت: عزمت عليك "لما" فعلت، لم يكن قد فعل، وإنما طلبت فعله وأنت تتوقعه، وقد تأتي "لما" مركبة من كلمات ومن كلمتين، فأما المركبة من كلمات ففي قوله تعالى: {وإن كلًا لما ليوفينهم} في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد "نون" "أن" و"ميم" "لما"، الأصل لمن "ما"، فأبدلت "النون" "ميمًا" وأدغمت، ثم حذفت الأولى وهذا القول ضعيف، وأضعف منه قول آخر أن الأصل "لما" بالتنوين بمعنى جمعًا ثم حذف التنوين.
واختار ابن الحاجب أنها
"لما" الجازمة حذف فعلها والتقدير: "لما" يهملوا و"لما" يتركوا لدلالة ما تقدم من قوله: {فمنهم شقي وسعيد}، قال: ولا أعرف وجهًا أشبه من كذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل، والحق أنه لا يستبعد لذلك، انتهى وقرئ بتخفيف "أن" وتشديد "لما"، وأما المركبة من كلمتين فكقوله:
لما رأيت أبا يزيد مقاتلًا ..... ادع القتال واشهد الهيجاء
وهو لغز، والأصل: "لن" "ما"، فأدغمت "النون" في "الميم" للتقارب ووصلًا خطأ للألغاز وادع منصوب "بلن"، و"ما" ظرفية، والمعنى: "لن" أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلًا، وأشهد منصوب "بأن" مضمرة؛ إذ لا يصح عطفه على ادع القتال لفساد المعنى فهو على حد قول ميسون، ولبس عباءة وتقر عيني.
"لماذا": سيأتي شرحها في مال.
"لن": حرف نفي ونصب واستقبال نحو: {لن تنالوا البر حتى} الآية، ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافًا للزمخشري؛ إذ لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فلم أكلم اليوم إنسيًا} ولكان ذكر الأبد في: {ولن يتمنوه أبدًا} تكرارًا والأصل عدمه، وقد تأتي للدعاء كما أتت "لا" كذلك وفاقًا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله:
لن تزالوا كذلكم ثم لا ..... زلت لكم خالدًا خلود الجبال
وتلقي القسم بها ويلم نادر جدًا كقول أبي طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ..... حتى أوسد في التراب دفينًا
وقيل: إنها قد تجزم كقوله: "فلن" يحل للعينين بعدك منظر.
وقوله: "لن" يخب الآن من رجائك من حرك من دون بابك الحلقة.
والأول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن "الألف" للضرورة.
"لو": حرف شرط يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، ويتلقى جوابها "باللام" كثيرًا نحو: "لو" جاءني لأكرمته، وقد يكون بدونها نحو: {ولو شاء ربك ما فعلوه}، وقد يكون جوابها فعلًا مضارعًا كقوله:
لو يسمعون كما سمعت حديثها ..... خروا لعزة ركعًا وسجودًا
قال الأشموني: اعلم أن "لو" تأتي على خمسة أقسام:
الأول: أن تكون للعرض، نحو:
"لو" تنزل عندنا فتصيب خيرًا.
الثاني: أن تكون للتقليل نحو: تصدقوا و
"لو" بظلف محرق، ذكره ابن هشام اللخمي وغيره.
الثالث: أن تكون للتمني نحو:
"لو" تأتينا فتحدثنا، قيل: ومنه: {لو أن لنا كرة فنكون} ولهذا نصب جوابها، واختلف في "لو" هذه، فقال بعض: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب، كجواب الشرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب "ليت"، وقال آخرون: هي "لو" الشرطية أشربت معنى التمني، وقال ابن مالك: هي "لو" المصدرية أغنت عن فعل التمني.
الرابع: أن تكون مصدرية بمنزلة "أن"، إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوع هذه بعد ود، ويود نحو: {ودوا لو تدهن فيدهنون}، {يود أحدهم لو يعمر}، ومن وقوعها بدون يود، قول قتيلة:
ما كان ضرك لو مننت وربما ..... من الفتى وهو المغيظ المحنق
وقول الآخر:
وربما فات قومًا جل أمرهم ..... من التأني وكان الحزم لو عجلوا
وعلامتها أن يصلح في موضعها "أن" وأكثرهم لم يثبت ورود "لو" مصدرية، وممن ذكرها الفراء وأبو علي ومن المتأخرين التبريزي، وأبو البقاء وابن مالك، ويشهد لهم قراءة بعضهم: (ودوا لو تدهن فيدهنوا) محذوف "النون"، فعطف يدهنوا بالنصب على تدهن، لما كان معناه: "أن" تدهن.
الخامس: أن تكون شرطية، ويلزم كون شرطها محكومًا بامتناعه إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق بل للإيجاب، فتخرج عن معناها، وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعًا على كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتًا مع امتناع الشرط، نعم الأكثر كونه ممتنعًا، ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره لزم امتناعه نحو: {ولو شئنا لرفعناه بها} وكقولك:
"لو" كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فلهذا يلزم فيه امتناع الثاني لامتناع الأول، وإلا لم يلزم نحو: "لو" كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودًا، فإن الضوء قد يحصل من القمر والشمعة والفتيلة، فلا يلزم من عدم الشمس عدم الضوء مطلقًا، ومنه: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه»، انتهى مع اختصار، ومعنى الحديث أن عدم المعصية معلل بأمر آخر كالحياء والمهابة والإجلال، ونحو ذلك.

(تنبيه): قد يلي "لو" اسم مرفوع معمول لعامل محذوف يفسره ما بعده نحو: "لو" ذات سوار لطمتني، وقول عمر: «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة» أو اسم منصوب كذلك نحو: "لو" زيدًا رأيته أكرمته، أو خبر لكان محذوفة نحو: «التمس و "لو" خاتمًا من حديد}، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر نحو:
لو في طهية أحلام لما عرضوا ..... دون الذي أنا أرميه ويرميني
ومنه قول المتنبي:
لو قلم ألقيت في شق رأسه ..... من السقم ما غيرت من خط كاتب
فقيل: لحن؛ لأنه لا يمكن أن يقدر، و "لو" ألقى قلم.
وقد روي بنصب قلم ورفعه، وهما صحيحان، والنصب أوجه بتقدير: و
"لو" لابست قلمًا، والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى، أي: و "لو" حصل قلم.
وقد تقع أن بعد
"لو" كثيرًا نحو: {ولو أنهم آمنوا}، {ولو أنهم صبروا}، {ولو أنا كتبنا عليهم}، {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}، وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج إلى أنه على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها، أي: و "لو" ثبت أنهم آمنوا، ولغلبة دخول "لو" على الماضي لم تجزم، و "لو" أريد بها معنى "أن" الشرطية.
وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري كقوله:
تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ..... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانًا
وقد خرج على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفًا كقراءة أبي عمرو، وينصركم ويشعركم ويأمركم، وقد ورد جواب "لو" الماضي مقترنًا "بقد"، وهو غريب كقول جرير:
لو شئت قد قنع الفؤاد بشربة ..... تدع الحوائم لا يجدن غليلا
ونظيره في الشذوذ اقتران جواب "لولا" بها كقول جرير أيضًا، "لولا" رجاؤك قد قتلت أولادي.
قيل: وقد يكون جواب
"لو" جملة اسمية مقرونة "باللام"، كقوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير}، وقيل: هي جواب لقسم مقدر، أو "بالفاء" كقول الشاعر:
لو كان قتل يا سلام فراحة ..... لكن فررت مخافة أن أوسرا
قال الدماميني: قوله: فراحة، عطف على قوله قتل، والجواب محذوف أي: ما فررت ولبثت، ويدل عليه قوله: لكن فررت؛ لأن مراده الاعتذار عن عدم ثباته بأنه "لو" تحقق حصول الموت والراحة من ذل الأسر لثبت في موقف الأسر، لكن خاف الأسر المفضي إلى الذل ففر واعتذر.
"لولا": على أربعة أوجه:
أحدها: أن تدخل على جملة اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو:
"لولا" زيد لأكرمتك، وأكثر النحويين على وجوب حذف الخبر فلا تقول: "لولا" زيد قائم لأكرمتك، بل يجعل مصدره هو المبتدأ، فتقول: "لولا" قيام زيد لأكرمتك أو تدخل "أن" على المبتدأ، فتقول: "لولا" "أن" زيدًا قائم.
وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان الخبر مخصصًا وجب ذكره إن لم يعلم، ومنه: «لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة».
ولحن جماعة ممن أطلق حذف وجوب الخبر قول المعري في صفة سيف:
يذيب الرعب منه كل عضب ..... فلولا الغمد يمسكه لسالا
وليس بجيد. وإذا ولى "لولا" مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع نحو: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وسمع قليلًا "لولاي" و"لولاك" و"لولاه" خلافًا للمبرد، فإنه قال: لم يسمع فإذا عطف على المضمر اسم ظاهر تعين رفعه نحو: "لولاك" وزيد.
الثاني: أن تكون للتحضيض والعرض نحو: {لولا تستغفرون الله}، أي: استغفروه، {ولولا تأتينا}، أي: ائتنا، والفرق بينهما أن التحضيض طلب بحث وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب.
الثالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم نحو: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}، أي: هلا حين سمعتموه، أي: الإفك، {قلتم ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا} إلا أن الفعل هنا آخر، كقول الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ..... بني ضو طري لولا الكمى المقنعا
إلا أن الفعل هنا أضمر أي: "لولا" عددتم ، أي: هلا عددتم أفضل مجدكم عقر الكمى المقنع.
الرابع: الاستفهام نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}، {لولا أنزل عليه ملك}.
قال الهروي وأكثرهم لا يذكره، والظاهر أن الأولى للعرض والثانية للتوبيخ.
وذكر الهروي أيضًا أنها تكون نافية بمنزلة
"لم"، وجعل منه: {فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} والظاهر أن المعنى على التوبيخ أي: فهلا كانت قرية، وهو تفسير الأخفش والكسائي والفراء وعلي بن عيسى والنحاس، ويؤيده قراءة أبي وعبد الله فهلا كانت.
"لوما": بمنزلة:
"لولا" تقول: "لو" "ما" زيد لأكرمتك، وفي التنزيل: {لوما تأتينا بالملائكة}، قال الشاعر:
لوما الإصاخة للوشاة لكان لي ..... من بعد سخطك في رضاك رجاء
وزعم المالقي أنها لم ترد إلا للتحضيض، ويرده هذا البيت لأنها هنا للتعليق والربط لا للتحضيض.
قال أبو البقاء:
"لوما" حرف تحضيض كهلا، وتكون أيضًا حرف امتناع لوجود كما أن "لوما" مترددة بين هذين المعنيين.
"ليت": حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبًا كقوله:
فيا ليت الشباب يعود يومًا ..... فأخبره بما فعل المشيب
وبالممكن قليلًا وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر.
وقال الفراء وبعض أصحابه: وقد ينصبهما معًا كقوله: يا
"ليت" أيام الصبا رواجعا.
وبنى على ذلك ابن المعتز قوله: طوباك يا
"ليتني" إياك طوباك.
والأول محمول على حذف الخبر، تقديره: أقبلت، ويصح بيت ابن المعتز على إنابة ضمير النصب على ضمير الرفع.
وتقترن بها
"ما" الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالأسماء، بخلاف "لعل" و"إن" و"كل" وأخواتها، لا يقال: "ليتما" قام زيد خلافًا لابن أبي الربيع، وطاهر القزويني، ويجوز حينئذٍ إعمالها لبقاء الاختصاص وإهمالها حملًا على أخواتها، ورووا بالوجهين قول النابغة:
قالت: إلا ليتما هذا الحمام لنا ..... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
ويجوز: "ليتما" زيدًا ألقاه على الأعمال، ويمتنع على إضمار فعل على شريطة التفسير لما يلزم عليه من دخولها على الفعل، وإنما يجوز هذا على مذهب ابن أبي الربيع، قلت: وسيذكر المصنف في شرح "ما" إن "ليتما" زيدًا قائم، بالنصب أرجح عند النحويين، وقد دخلت "ليت" على الفعل في قول الشاعر:
فليت دفعت الهم عني ساعة ..... فبتنا على ما حيلت ناعمًا بالي
ويروى: ناعمي بال، واسم "ليت" هنا محذوف، أي: "ليتك" أو "ليته"، وجملة دفعت الهم خبر "ليت"، وعلى ما حيلت من كلام العرب، أي: على كل حال، قال أبو البقاء: وقد تنزل "ليت" منزلة وجدت فيقال: "ليت" زيدًا شاخصًا، وقولهم: "ليت" شعري، معناه: "ليتني" أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري عن أشعر، و"الياء" في شعري عن اسم "ليت"، وقد يقال: "ليتي".
"ليس": كلمة دالة على نفي الحال، وتنفي غيره بالقرينة نحو:
"ليس" خلق الله مثله، وهو مثال للماضي، أي: أن مماثلته بخلق الله منفية في الماضي، وقول الأعشى:
له نافلات لا يغب نوالها ..... وليس عطاء اليوم مانعه غدا
وهي فعل لا يتصرف، وسمع "لست" بضم "اللام"، وزعمت جماعة أنه حرف بمنزلة "ما"، والصواب الأول؛ بدليل "لست" و"لستما" و"ليسا" و"ليسوا"، أما قوله: إذ ذهب القوم الكرام "ليسي" فضرورة.
وفي القاموس
"ليس" كلمة نفي فعل ماض، أصله: "ليس" كفرح، فسكنت تخفيفًا، أو أصله: "لا" "أيس"، طرحت "الهمزة" وألزقت "اللام" "بالياء"، والدليل قولهم: إئتني من حيث "أيس"، و"ليس" أي من حيث هو، ولا هو، أو معناه: لا وجد أو "أيس"، أي: موجود ولا "أيس" لا موجود فخففوا، وإنما جاءت بمعنى "لا" التبرئة، اهـ. وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر نحو: "ليس" زيد عالمًا، وقيل: قد تخرج عن ذلك في مواضع:
أحدها: أن تكون حرفًا ناصبًا للمستثنى بمنزلة "إلا"، نحو: جاء القوم
"ليس" زيدًا، والصحيح أنها الناسخة، وأن اسمها راجع للبعض المفهوم مما تقدم، أي: قالوا "ليس" بعضهم زيدًا.
والثاني: أن يقترن الخبر بعدها "بإلا" نحو:
"ليس" الطيب "إلا" المسك، فإن بني تميم يرفعون المسك حملًا على ما في الإهمال عند انتقاض النفي، كما حمل أهل الحجاز ما على "ليس"، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي فجاءه، فقال: يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك، ثم ذكر ذلك له فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس "ليس" في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازي إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأحمر: اذهبا إلى أبي مهدي الحجازي فلقناه الرفع، فإنه لا يرفع، وإلى المنتج التميمي فلقناه النصب، فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته، فلم يفعل فأخبرا أبا عمرو، وعنده عيسى فقال له عيسى: بهذا فقت الناس.
والثالث: أن تكون حرفًا عاطفًا، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون على خلاف بين النقلة، واستدلوا بقوله:
أين المفر والإله الطالب ..... والأشرم المغلوب ليس الغالب
وخرج على أن الغالب اسمها والخبر محذوف). [غنية الطالب: 219 - 243]


رد مع اقتباس