عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 10:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب الرابع:تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم

تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
من طرق التفسير: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم، فإن التفسير علم جليل، ولكل علم أهله وأئمته، والصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأدّبهم وزكّاهم، وشهدوا من وقائع التنزيل وعرفوا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وجهاده وشؤونه العامة والخاصة ما تقدّموا به على غيرهم في العلم بالقرآن.
وكان لكثرة اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلاتهم معه خمس مرات في اليوم، واستماعهم لخطبه ووصاياه، وحضورهم لمجالسه؛ وتلقّيهم القرآن منه، وتمكّنهم من سؤاله عمّا يحتاجون إليه؛ وتنوّع معاملاتهم معه، كلّ ذلك كان له أثر عظيم النفع في معرفتهم لمعاني ما يتلوه عليهم من القرآن.
وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكتاب والحكمة وتزكيته إيّاهم، وتأدّبهم بالأدب النبويّ المبارَك من أجلّ أسباب انتفاعهم بالقرآن العظيم وفهمهم لمعانيه وتيسّر العمل به، كما قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}، والصحابة أوفر الناس حظاً بهذه الآية.
ومن الأوجه الجليلة في تفضيلهم وتقديم تفسيرهم رِضَا الله تعالى عنهم، وتزكيته لهم وطهارة قلوبهم وزكاة نفوسهم ، وما فضلوا به غيرهم من الفهم الحسن والعلم الصحيح والعمل الصالح ،وكل ذلك كان له أثره البيّن في توفيقهم لحسن فهم معاني القرآن الكريم.
ومن أوجه تقديم الصحابة رضي الله عنهم في التفسير علمهم بالقراءات وبالأحرف السبعة وبما نسخت تلاوته.
- عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قال لي أبي بن كعب: (يا زر، كأين تعد؟)، أو قال: (كأين تقرأ سورة الأحزاب؟).
قلت: اثنتين وسبعين آية، أو ثلاثا وسبعين آية.
فقال: (إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم).
قلت: وما آية الرجم؟
قال: ({إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله. والله عزيز حكيم})). رواه أبو عبيد.
ومن أوجه تفضيلهم علمهم بمواضع النزول وشهودهم لوقائعه وأسبابه وأحواله، وهذه المعرفة العزيزة لا يقاربهم فيها أحد بعدهم، ولها أثر كبير في معرفة معاني القرآن، وفهم مقاصده.
- قال أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه: شهدت عليا وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق معمر عن وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل.
- وقال أيضاً: «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا طلقا» رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن أبي الأشعث عن سليمان بن ميسرة الأحمسي عن أبيه عنه، نصير وسليمان ثقتان.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه»
رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة» رواه ابن سعد.
ومن أوجه تفضيلهم فصاحة لسانهم العربي، ونزول القرآن بلغتهم، وفي ديارهم، وسلامتهم من اللحن والضعف الذي حدث بعد زمانهم؛ فما يتعلمه المتعلمون في علوم اللغة العربية قد حصلوا أكثره بسليقتهم من غير تكلّف، وفرقٌ كبيرٌ بين من يفهم عامّة الخطاب لسلامة لسانه وحسن معرفته بمعاني المفردات وفنون الأساليب وبين من يحتاج إلى التفتيش في المعاجم ودراسة كتب كثيرة ليدرك بعض تلك المعاني والأساليب.
ومن أوجه تفضيل الصحابة وتقدّمهم في علم التفسير سلامتهم من الأهواء والفتن والفرق التي حدثت بعد زمانهم، وما قذفت به كلّ فرقة من الشبهات والتضليلات.
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدلَّ أمته على خيرِ ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمَّتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا..)) الحديث.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين لعِلْمنا بأنهم بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله تلقياً عن الرسول؛ فيمتنع أن نكونَ نحن مصيبين في فهم القرآن وهم مخطئون، وهذا يُعلم بطلانه ضرورة، عادةً وشرعاً)ا.هـ.
والمقصود أن كلّ ما تقدّم يبيّن لنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أقرب طبقات الأمّة إلى فهم مراد الله تعالى بكتابه، وأقرب إلى فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بيانه للقرآن، وهم أئمة هذا العلم، ومنار طريقه.
وقد سبق الحديث عن طرق الصحابة رضي الله عنهم في تعلّم التفسير وتعليمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما أغنى عن إعادته). [طرق التفسير:51 - 54]


رد مع اقتباس